يقول الله عز وجل: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24].
وهذه الآية الكريمة تثير عددا من التساؤلات:
1- علام يعود الضمير (هي)؟
2- لماذا ذكر ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ بعد ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ﴾؟
3- لماذا قُدمت (نموت) على (نحيا)؟
4- كيف أكد الدُّهْرِيُّونَ عقيدتهم بعدم وجود بعث؟
5- كيف رد القرآن على هذا الاعتقاد؟
وإليك إجابة تلك التساؤلات:
1-علام يعود الضمير (هي)؟
الضمير (هي) يحتمل أن يكون ضمير القصة والشأن، أي قصة الخوض في البعث تنحصر في أنْ لا حياةَ بعد الممات، أي القصة هي انتفاء البعث.
ويحتمل أن يكون (هي) ضميرَ الحياة باعتبار دلالة الاستثناء على تقدير لفظ الحياة، فيكون حصرا لجنس الحياة في الحياة الدنيا، كأنهم قالوا: مَا الحياة إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا.
• • • •
2-لماذا ذكر (نَمُوتُ وَنَحْيَا) بعد (مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا)؟
جملة ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ مبيِّنةٌ لجملة ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ﴾، ومؤكدة لها، أي: ليس بعد هذا العالم عالم آخر، فالحياة هي حياة هذا العالم فحسب، فإذا مات مَنْ كان حيًّا خلفه من يوجد بعده. فمعنى ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ يموت بعضنا ويحيا بعضٌ أي يبقى حيا إلى أمد، أو يولد بعد مَنْ ماتوا. وللدلالة على هذا التطور عُبِّرَ بالفعل المضارع، أي تتجدد فينا الحياة والموت. فالمعنى: نموت ونحيا في هذه الحياة الدنيا، وليس ثمة حياة أخرى.
ويحتمل أن تكون هذه الجملة من إيجاز القرآن بمعنى أنهم قالوا: يموت بعضنا ويحيا بعضنا ثم يموت، فصار كالمثل.
• • • •
3- لماذا قُدمت (نموت) على (نحيا)؟
من المسلمات أن الإنسان يحيا أولا ثم يموت، وهم معتقدون لذلك بدليل قولهم: ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾، لكن تقديم نموت على نحيا يدل على:
أ- أن العطف بالواو لا يفيد ترتيبا، بدليل أن الموت بعد الحياة، وقد ذُكر قبلها في الآية.
ب- التناسب الإيقاعي – إن صح التعبير – بين نحيا والدنيا لا يتم إلا بهذا الترتيب، فلا يوجد هذا التناسب إذا قلنا: ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [الجاثية: 24]
ج- تقديم (نموت) على (نحيا) يدل على زيادة الاهتمام بالموت في حديثهم؛ لأنهم يريدون إثبات أنَّ الموتَ لا حياةَ بعدَه.
• • • •
4-كيف أكد الدُّهْرِيُّونَ عقيدتهم بعدم وجود بعث؟
أكد الدهريون عقيدتهم بعدم وجود البعث بما يأتي:
أ- أسلوب الحصر في ﴿ مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾.
ب- الوصف، حيث قيدوا الحياة بالدنيا، ليؤكدوا على عدم وجود حياة أخرى.
ج- العطف في ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾، ولا يوجد عودة بعد الموت في اعتقادهم.
د- أسلوب الحصر في ﴿ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ ﴾ حيث أكدوا به ما أرادوه من انحصار الحياة والموت في الدنيا.
• • • •
5- كيف رد القرآنُ على هذا الاعتقاد؟
رد القرآن على هذا الاعتقاد بأبلغ أسلوب، وأوجز عبارة عن طريق النفي (ما)، وحرف الجر الزائد (مِنْ)، والاسم النكرة (عِلْم) في قوله – عز وجل -: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ﴾ فنفى عنهم جنسَ العلم بأن الدهر هو المميت إذ لا دليل لهم على ذلك، ولأنهم لا يملكون دليلا واحدا على ادعائهم، فاعتقادهم محصور في الظن والوهم الذي لا يرقى إلى مستوى العلم الحقيقي، فخُتمت الآية الكريمة بقوله – تعالى – ﴿ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ﴾.
والله تعالى أعلى وأعلم.
نقل للفااائده
موضوع مميز وتوضيح قيم للجوانب اللغوية والبلاغية للأية
بارك الله فيك عزيزتي وجزاكِ كل خير …
دمت بسعادة
الا انني لم ادرك معناه
جزاك الله خير
نورتي ..