ابنك والتلفاز.. مشكلة علاجها التحاور العنوان
أنا أم لأربعة أطفال أكبرهم في عامها الثاني عشر، والثاني يبلغ تسعة أعوام، وأنا أحاول تربيتهم تربية إسلامية حسبما أستطيع وما يسبب لي تحديا حقيقيا هو التلفاز.. فمعظم القنوات تعرض برامج لا تراعي الآداب الإسلامية؛ لذا فقد حددت لأطفالي مواعيد لمشاهدة برامج الأطفال في الحدود الدنيا– لا تتجاوز ساعة يوميا- مع مراعاة محتوى ما يشاهدون.. لكن الأمور لا تدوم على وتيرة واحدة؛ فأقرانهم يشاهدون المسلسلات العربية، ويتحدثون أمامهم عما شاهدوه؛ لذا بدأ أطفالي يطالبونني بالسماح لهم بمشاهدة المسلسلات؛ حيث إنني لا أسمح لهم بمشاهدتها عادة؛ بل إنني لا أتابع التلفاز إلا قليلا من أجل سلامة أطفالي، وعندما أتابع مسلسلا ما أحرص أن يكون وقت بثه أثناء نومهم أو وجودهم خارج البيت..
وفي الآونة الأخيرة بدأت أتساءل: هل ما أفعله صحيح؟ أم أنني أحجب عن أطفالي ما يحدث في المجتمع؟ وبالتالي ستقل قدرتهم على التعامل معه في المستقبل؟ وقد أثار في نفسي هذا التساؤل مسلسلا عُرض حديثا يتناول مشكلات عديدة مثل السرقة، والمخدرات، والزواج العرفي وغيرها وهو يبين عواقب هذه الأمور، ويهدف إلى توعية الناس بأسباب هذه المشكلات وطرق تفاديها.. لكنه قد يعلم الناشئة كيف يفعلون هذه الأمور ويطرح أمام ناظريهم أمورا لم يروها من قبل، وقد لا تناقش في البيت أمامهم.
فهل مشاهدة مثل هذا المسلسل بوجودي معهم وتوضيح الخطأ من الصواب أفضل، أم منعهم من مشاهدته مع أنهم يسمعون التفاصيل من أقرانهم في المدرسة والزيارات العائلية؟
أرجو منكم إفادتي بالرؤية التربوية والشرعية للموضوع، ولكم جزيل الشكر..
الحل……..
الأم الفاضلة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وأهلا بك معنا على صفحتك "معا نربي أبناءنا"..
سيدتي الفاضلة عندما قرأت سؤالك بدر إلى ذهني السؤال الشهير: هل نفتح النافذة أم نغلقها؟ هل نجعل أولادنا يختلطون أم لا؟ هل نجعلهم يشاهدون التلفاز أم لا؟
إن أطفالنا خلقوا في هذا المجتمع ولهذا المجتمع بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات وهم سيعيشون فيه؛ فإن منعناهم اليوم فماذا سنفعل غدا؟ إن التربية في كبسولة معقمة أو في حضانة خاصة ربما تحميهم من الأمراض اليوم، ولكن عند فتح الحضانة وخروجهم من الكبسولة المعقمة لن يكونوا قادرين على مواجهة ما يتعرضون له؛ لأن جهازهم المناعي لم ينمُ ولم يتطور بصورة طبيعية متدرجة تجعلهم قادرين على مقاومة ما حولهم.
إذا أغلقت التلفاز.. فهل ستمنعهم من الحركة في الشارع؟ وإن وفرت لهم سيارة لا تجعلهم يسيرون في الشارع فهل ستمنعين ذهابهم للمدرسة واختلاطهم بزملائهم مع إحساسهم بالعجز عن مواكبة هؤلاء الزملاء في أحاديثهم، ويشعرون أنهم من كوكب آخر غريب، وينتظرون الفرصة من أجل أن يتحرروا ويدخلوا هذا العالم العجيب الذي حرموا منه؟
إن ما تقدمينه من خلال رسالتك هو السماح مع الجلوس والاطلاع على ما يشاهدونه، ثم الحوار والنقاش الهادئ الذكي الذي يسمح لهم فيه بعرض وجهات نظرهم فيما أعجبهم أو لم يعجبهم، خاصة أن أطفالك قد بلغوا السن التي يستطيعون فيها التعبير عن أنفسهم، وقد كان لأحد الأصدقاء تجربة مماثلة حيث لم يشترِ التلفاز إلا بعد أن وصل أطفاله لسن مقاربة لأطفالك لما شعر أن غياب التليفزيون سبب مشكلة لأطفاله، وبدأ الأمر في هدوء وتدرج مع الحوار والنقاش، وكانت النتيجة بعد عدة سنوات من التجربة إيجابية؛ حيث استطاع الأطفال اكتساب القدرة على تحديد ما يشاهدون، وأن ينفذوا ما يشاهدونه ويحددوا فائدته أو ضرره.
ويكون المنع في حالة ما تدركين تماما وجود مناظر خليعة به أو قيم فاسدة، وأيضا يكون ذلك من خلال الحوار والتفاهم، وأن هناك أمورا لا تخضع للتجربة ما دمنا متأكدين من ضررها.
إنه فتح الباب مع الحوار والتفاهم، خاصة أن أطفالك لم يعودوا أطفالا، ولكنهم في بدايات المراهقة؛ حيث إن الأمر يحتاج إلى الصداقة والاقتراب أكثر ما يحتاج إلى الصراع والمنع مع مراعاة ألا يصبح التلفاز هو اهتمامهم الأول، وذلك من خلال وضع خطة موازية لاهتمامات رياضية وثقافية وفنية تجعلهم يتوازنون في علاقتهم بالتلفاز؛ فلا يصبح مصدر الثقافة والمتعة الوحيد بالنسبة لهم؛ الأمر يحتاج إلى تركيز شديد من الآباء والأمهات، فالخطر ليس في التلفاز، ولكن الخطر أن نتركهم وحدهم يخوضون التجربة دون أن تكون هناك تحاور وتفاهم.
لأننا لو تركناهم وحدهم فسيجدون التوجيه عند الأقران بحلوه ومره، وعندها لا نلوم إلا أنفسنا لأننا الذين تقاعسنا عن أداء دورنا.