إن بعض الباحثين لا يدركون حتى الآن أن البحث العلمي عبارةٌ عن فكرةٍ تنقدح في نفس الباحث؛ لانشغاله بها، واستغراقه فيها، وليس مجرد موضوعٍ يكتب فيه، وقع له كيفما اتفق!
وهذا هو الفرق بين من يكتب عن قناعةٍ، وبين مَن يكتب عن تكليفٍ!
وبين من يكتب بنفسه، وبين مَن يستكتب غيره!
وبين من يكتب بفكره، وبين مَن يكتب بفكر الآخرين!
وبين من يكتب؛ لأن المكتبة في حاجةٍ ماسةٍ إلى ما يكتب، وبين من يكتب للتربح، أو للحصول على درجةٍ!
وأي معنًى لمن يكتب في التفسير بالمأثور لسورة الضحى، أو يكتب عن ألفاظ الجرح والتعديل، أو يكتب عن بيع المرابحة للآمر بالشراء، ما لم يُضِفْ إليها جديدًا؟!
لقد سلك بعض الباحثين طريق التقليد، فكتب فريقٌ منهم في القديم؛ لتوفُّر مادته، وسهولة مصادره، وكتب فريقٌ منهم في الجديد؛ لمواكبة عصره، والتهافت على نشره، دون أن تكون الفكرة نابعةً من أنفسهم، فهم في الحالين مقلِّدون، مع أن الباحث ما سمي باحثًا إلا لأنه يبحث بنفسه، لا بواسطة الآخرين!
ولأن يحقِّقَ الباحثُ بضعَ ورقاتٍ من كتابٍ مخطوطٍ، يسد به حاجة المكتبة، ويشبع نهمة المستشرفين لكل جديدٍ – خيرٌ له من أن ينضمَّ إلى طابور المقلِّدين والنُّسَّاخ!
إن الباحث ليس بالضرورة أن يكون عالِمًا، ولكن العالم هو بالضرورة باحثٌ، وإذا كانت نتيجة البحث العلمي هي هذا السيل الجرّار من البحوث التي كتبها مقلِّدون، تاهَتْ في زحمتها بحوث المبدِعين – فليس عندنا بحثٌ علمي!
يا شباب الجيل، يا حماة العِلم، ويا رعاة الأدب، سُنُّوا أقلام الإبداع، واكسِروا أقلام التقليد، واتركوا لمن بعدكم تراثًا يأكلون منه، كما تأكلون من تراث مَن سبَقكم!
لا تقتلوا عقولكم بكثرة النقول، وأحيُوها بحُسن التفهُّم للمنقول!
فــ: "لأن أعرِفَ علةَ حديثٍ هو عندي، أحبُّ إليَّ مِن أن أكتب عشرين حديثًا ليس عندي"؛ كما قال ابن مهدي رحمه الله.
فما بين أيديكم إلا طريقان:
حُسن النظر فيما ترك الأولون؛ فإن وراءه عِلمًا كثيرًا.
أو السبق إلى ما لم يسبقوا إليه من معانٍ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!
فأما النقلُ المجرد لكلامهم من غير فائدةٍ معتبرةٍ، فهو عند العالم المحقِّق كالماء الحاصل في النافورة، هو هو، لا يتجدَّدُ!
نورتي
نورتي زمرده
ودِ لڪٍ
نورتي الموضوع
و عنجد موفقة حبيبتي
و تساهلين النجوم