تخطى إلى المحتوى

الخوف .من .الموت

الخوف …من…الموت

رسالة في الخوف من الموت
وحقيقته وحال النفس بعده

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمد الشاكرين وصلواته على محمد وآله الطاهرين.

لما كان أعظم ما يلحق الإنسان من الخوف هو: الخوف من الموت، وكان هذا الخوف عاماً، وهو مع عمومه أشد وأبلغ من جميع المخاوف، وجب أن أقول: إن الخوف من الموت ليس يعرُضُ إلا لمن لا يدري الموت، على الحقيقة، أو لا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن إذا انحلَّ ذاتُه وبطلت نفسه بطلان عدم ودثور، وأن العالم سيبقى بعده، كان هو موجوداً، كما يظنه من جهل بقاء النفس وكيفية معادها. أو لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض، أو يعتقد أن عقوبة تحل بعد الموت، أو لأنه متحير لا يدري إلى أي شيء يقدم بعد الموت. أو لأنه يأسف على ما يخلفه من المال والقنيات. وهذه كلها ظنون باطلة لا حقيقة لها.
أمَّا من جَهِلَ الموتَ، ولم يدر ما هو، فأنا أُبيِّن له أن الموت ليس شيئاً أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها، وهي: الأعضاءُ التي مجموعُها يُسمَّى بدناً، كما يترك الصانع مثلاً استعمال آلاته.
فإن النفس جوهر غير جسماني، وليست عَرَضاً، وإنها غيرُ فاسدة. وهذا البيان يحتاج إلى علوم تتقدمه، وذلك مبين مشروح في موضعه.
فإذا فارق الجوهرُ البدنَ بقي البقاءَ الذي يخصه ونُقِّيَ من كَدَرِ الطَّبيعة وسعد السَّعادة التامة. ولا سبيل إلى فنائه وعدمه، فإن الجوهر لا يفنى من حيث جوهره، ولا تبطل ذاته وإنما تبطل الأعراضُ والخواص والنسب والإضافات التي بينه وبين الأجسام بأضدادها. فأما الجوهر فلا ضد له وكل شيء يفسد إنما يفسد من ضده. وأنت إن تأملت الجوهر الجسماني الذي هو أخسُّ من ذلك الجوهر الكريم واستقرأت حاله، وجدته غيرَ فانٍ، ولا يتلاشى من حيث هو جوهر، وإنما يستحيل بعضُه إلى بعضٍ فيُبطِل خواصَّ شيءٍ شيءٌ منه وأعراضَه. فأما الجوهر نفسُه فهو باقٍ ولا سبيل إلى عدمه وبطلانه. أما الجوهر الروحاني الذي لا يقبل استحالة ولا تغيراً في ذاته وإنما يقبل كمالاته وتمام صورته فكيف يُتوهَّمُ فيه العدمُ والتَّلاشي.
وأما من يخاف الموت لأنه لا يعلم إلى أين تصير نفسُه أو لأنه يظن بدنَه إذا انحل وبطل تركيبُه فقد انحل ذاتُه وبطلت نفسُه وجَهِل بقاءَ النَّفسِ وكيفيَّةَ المعاد، فليس يخاف الموت على الحقيقة، وإنما يجهل ما ينبغي أن يعلمه، فالجهل إذاً هو المُخوِّفُ إذ هو سبب الخوف. وهذا الجهل هو الذي حمل الحكماء على طلب العلم والتعب فيه، وتركوا لأجله لذَّات الجسم وراحات البدن، واختاروا عليه النصب والسهر، ورأوا أن الراحة الحقيقية التي يُستراح بها من الجهل هي الراحة بالحقيقة، وأن التعب الحقيقي هو تعبُ الجهل، لأنه مرضٌ مزمن للنفس والبرءُ منه خلاصٌ لها وراحةٌ سرمدية ولذة أبدية. فلما تيقن الحكماء ذلك واستبصروا به وهجموا على حقيقته ووصلوا إلى الروح والراحة، هانت عليهم أمور الدنيا كلها، واستحقروا جميعَ ما يستعظمه الجمهور من المال والثروة واللذات الخسيسة والمطالب التي تؤدي إليها إذ كانت قليلة الثبات والبقاء سريعة الزوال والفناء كثيرة الهموم إذا وجدت عظيمة الغموم، إذا فقدت، فاقتصروا فيها على المقدار الضروري في الحياة وتسلوا من فضول العيش التي فيها ما ذكرتُ من العيوب، وما لم أذكره، ولأنها مع ذلك بلا نهاية. وذلك أن الإنسان إذا بلغ منها إلى غاية تداعت إلى غاية أخرى من غير وقوف على حد ولا انتهاء إلى أمد، وهذا هو الموت لا مخافةَ منه والحرصُ عليه هو الحرص على الزائل والشغل به هو الشغل بالباطل. ولذلك جزم الحكماء بأن الموت موتان: موتٌ إراديٌّ وموتٌ طبيعيّ. وكذلك الحياة حياتان: حياةٌ إرادية وحياة طبيعية. وعنوا بالموت الإرادي إماتة الشهوات وترك التعرض لها، وعنوا بالحياة الإرادية ما يسعى لها الإنسان في الحياة الدنيا من المآكل والمشارب والشهوات. وبالحياة الطبيعية بقاء النفس السرمدي في الغبطة السرمدية بما تستفيده من العلوم وتبرأ به من الجهل، ولذلك وصَّى أفلاطون الحكيم طالب الحكمة بأن قال له: مُتْ بالإرادة تحيَ بالطَّبيعة.
على أن من خاف الموت الطبيعيَّ من الإنسان فقد خاف ما ينبغي أن يرجوه. وذلك أن هذا الموت هو تمام حد الإنسان، لأنه حي ناطق مائت؛ فالموت تمامه وكماله وبه يصير إلى أفقه الأعلى. ومن علم أن كل شيء مركب من جنسه وفصله، وأن جنس الإنسان هو الحي وفصوله هو الناطق والمائت علم أنه مستحيل إلى جنسه وفصوله، لأن كل مركَّب لا محالة يستحيل إلى الشيء الذي منه تركَّب؛ فمن أجهل ممن يخاف تمام ذاته، ومن أسوأ حالاً ممن يظن أن فناءه بحياته ونقصانه بتمامه.

من كتاب: رسالة في الخوف من الموت

منقوول

مشكوووووووره اختي على هالموضوع الاكتر من رائع صراحه

اللهم امتنا على كلمة الحق

كلمة الشهاده

لا اله الا الله محمد رسول الله

وارحمنا واغفر لناااااا جميعا

يااااااااااااااااااا رب

اللهم توب علينا
جزاك الله خيرا

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة على حبك فتحت عيونيmk خليجية
مشكوووووووره اختي على هالموضوع الاكتر من رائع صراحه

اللهم امتنا على كلمة الحق

كلمة الشهاده

لا اله الا الله محمد رسول الله

وارحمنا واغفر لناااااا جميعا

يااااااااااااااااااا رب

انشاء الله الله يسمع منك يارب اسعدني مرورك الراقي على صفحتي
وارحمنا واغفر لناااااا جميعا

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالمه معتز خليجية
اللهم توب علينا

امييييييييييييييييييييييييييين

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خوخه~ خليجية
جزاك الله خيرا

بارك الله فيك اختي واسعدني مرورك

بارك الله فيكي موضوعك رائع حبيبتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.