العطارة perfumery من العطر perfume، وهو سائل طيار يستخلص عادة من بعض النباتات أو الزهور العطرية، ثم أصبح يحضر كيمياوياً بروائح متنوعة.
تُطلق كلمة العطَّار على صانع العطر وبائعه، ومع الزمن أصبحت تطلق على كل من يتعامل بالأعشاب ويقوم بتركيب الأدوية من النباتات والأعشاب الطبيعية، تشبيهاً له بصانع العطر، وقد يسمى عشّاباً لأنه يتعامل مع الأعشاب.
بدايات العطارة وتطورها تاريخياً
بدأ الإنسان القديم يستفيد من منتجات الطبيعة في معالجة ما يطرأ من أمراض، وكانت النباتات والأعشاب في مقدمة الحلول التي استعملها، وقد تعلم الإنسان من ماشيته والحيوانات التي تعيش في بيئته. فلاحظ أنَّ أكلها بعضَ الأعشاب ينشطها وأكلها بعضها الآخر يصيبها بعلل معينة، وأدرك بفطرته كيف يمكن أن يستفيد منها في حياته اليومية. فعرف كيف يوقف النزف باستعمال بعض الأعشاب مثل الوردينيا ودم الأخوين، وكيف يخفف من ألم الكسور بجبرها ومنع العضو المصاب من الحركة.
إن تاريخ التطبيب بالأعشاب قديم جداً، ويرجع إلى العصور الأولى من التاريخ، وتشير بعض الكتابات على أوراق البردي وفي قبور المصريين القدماء إلى أنَّ الكهنة كانوا يعرفون كثيراً من أسرار الأعشاب وكيفية التداوي بها، وقد عُثر على بعض تلك الأعشاب الشافية في محتويات تلك القبور.
توارثت مختلف الأمم والشعوب خبراتها في مجال طب الأعشاب وتناقلتها، حتى أصبح لكل أمة طب يختص بها، يسمى الطب الشعبي أو التقليدي traditional medicine، وتتوارثه الأجيال أباً عن جد، على أنه من المسلمات، من دون دراسة علمية. وتذكر المصادر التاريخية أن حمورابي (نحو 2024 ق.م) كان أول ملك يهتم بزراعة النباتات التي لها فوائد طبية في بابل، وهناك ما يثبت أن قدماء الهنود مارسوا هذه المهنة كقدماء المصريين، وحذقوا بها. ومنهم الحكيم «سوسروتا» Susrota ن(6 ق.م). كذلك برع حكماء اليونان في ميدان الطب وتركوا مؤلفات كثيرة في التداوي بالأعشاب في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، وأفادوا كثيراً من خبرات الشعوب التي سبقتهم واشْتُهِر منهم، على وجه الخصوص أََبقْراط Hippokrates ن(459ـ 377 ق.م) الـذي دُعـي أبو الطـب، وأَرِسْطو (384ـ 322ق.م) وثِيوفراستTheophrast ن(372ـ 287ق.م) وجـالينوس Galenus ن(130ـ 200م). وكان لليونانيين، ولاسيما في مدرسة الإسكندرية، الفضلُ في نقل هذه المعارف إلى الرومان اللاتـين. وظلت مؤلفات هؤلاء المصدر الأساسي لعلم التداوي بالأعشاب، حتى جاء الأطباء العرب والمسلمون فاقتبسوه منهم وزادوا فيه وتوسعوا في تجاربهم وجعلوه علماً قائماً بذاته.
ازدهر طِبَّ الأعشابِ في أوربا بعد فَتْحُ العرب للأندلس؛ إذ نقلوا إليها كثيراً من المعارف والخبرات التي توصل إليها أطباؤهم وعطَّاروهم، وكانت الحروب الصليبية مصدراً مهماً من مصادر المعلومات التي اقتبسها الغرب من الشرق الإسلامي، في حين احتكر رجال الكنيسة المسيحية في أوربا في القرن الثاني عشر زراعة الأعشاب والتداوي بها، وممن اشْتُهِرَ منهم الراهبة هيلدغارد Hildegard التي وضعت مؤلَّفَا سمته «فيزيكا» Physika. وازدهر هذا النوع من الطب الشعبي بعد اكتشاف أمريكا لوفرة ما فيها من الأعشاب الطبية، وما ورثه المستعمرون من أساليب السكان الأصليين في التطبيب والمعالجة، وانتشرت المؤلفات التي تتناول أساليب التداوي بالأعشاب بعد اختراع الطباعة. وظل التداوي بالأعشاب مستنداً إلى التجارب الشخصية وحسب حتى القرن الثامن عشر، من دون الاهتمام بالبحث العلمي عن عناصرها الشافية أو طرق تأثيرها في جسم المريض، وكان الأطباء يمارسون جمع الأعشاب، وتحضير الدواء منها بأنفسهم. أما أول صيدلية متخصصة ببيع الأعشاب في أوربا فقد افْتُتِحَتْ في إيطاليا سنة 1224م.
مع تطور علم الكيمياء في بداية القرن التاسع عشر توافرت إمكانات تحليل الأعشاب واستخلاص جوهرها لمعرفة تركيبها كيمياوياً من أجل تصنيع الأدوية والتداوي بها. وحلت المساحيق والأقراص والأشربة وغيرها، مما يُسْتَخلَص من الأجزاء الفعّالة في الأعشاب أومن المواد الكيمياوية غير العضوية، محل التداوي بالأعشاب مباشرة. وكان من المأمول في أن تغدوهذه الأدوية المصنعة أفضل من الأعشاب، لأنها خلاصة المواد الفعالة فيها، ولكن الوقائع أثبتت أن الأعشاب الطبيعية لم تفقد مكانتها لأنها لاتنفرد في علاج حالة واحدة من حالات اعتلال الجسم، كما تفعل الأدوية المصنعة، فالكائن الحي مكون من أعضاء مرتبط بعضها ببعض. وإذا اعتل عضو منها لا يقتصر تأثيره على ذلك العضو، بل يتعداه إلى أعضاء الجسم الأخرى فيصيب وظائفها بخلل، والمواد الدوائية في الأعشاب مزيج متعدد المفعول يفيد في علاج علل مختلفة، ولو اختلفت طرق استعمالها بما تقتضيه العلة المعالَجة. ومن الأمثلة التي تُطرح في هذا السياق مادة «الديجيتال» المستخلصة من نبات يسمى «قمعية أرجوانية» وتستعمل في مداواة أمراض القلب، فإذا تجاوزت الكمية المعطاة للمريض منها الحدود المرسومة لها قد تتسبب في حدوث تسمم. أما إذا أُعطيت شراباً من أوراق النبتة فلاتسبب أي أعراض جانبية. غير أنَّ مزاحمة الأدوية الصناعية للأعشاب في أوربا لم تبعد الأعشاب الطبية كلها من قوائم الأطباء، وكثيراً ما يلجأ الأطباء إلى العطارين للإفادة من خبراتهم في هذا الميدان. وقد كانت قائمة «الفارماكوبيا» الألمانية لعام 1910ـ وهي قائمة الأدوية المعترف بها رسمياً مع ما يتعلق باستعمالها علمياً وإدارياً ـ تحوي عدداً غير قليل من أسماء الأعشاب الواجب توافرها في الصيدليات وتعليمات استعمالها الطبية.
ومع بداية الحرب العالمية الأولى (1914ـ 1918) انخفض إنتاج مصانع الأدوية الكيمياوية لتحولها إلى الصناعة الحربية، فاضطرت ألمانيا إلى الرُّجوع إلى الأعشاب الطبيعية للاستعاضة بها عن الأدوية الكيمياوية المفقودة، وعمدت الحكومة إلى تشجيع زراعتها لتلافي النقص فيها، وصار العلماء منذ ذلك الحين يعتنون بدراسة الأعشاب البرية المفيدة طبياً وبطرائق زراعتها وفقاً للقواعد العلمية، حتى صارت مورداً مهماً من موارد الزراعة، وتذكر الإحصائيات أن ألمانيا تستهلك سنوياً ما يقارب 800 طن من أزهار البابونج المجففة ونحو 450 طن من أزهار الزيزفون، وتبلغ قيمة ما تستورده ألمانيا سنوياً من الأعشاب الجافة نحو 70 مليون مارك، في حين أن البلاد العربية الغنية بثرواتها من الأعشاب البرية المفيدة لاتوليهما اهتماماً يذكر.
العطارة عند العرب والمسلمين
استفاد العرب في العصر الجاهلي من تجاربهم وتجارب جيرانهم من الشعوب الأخرى. واعتمدوا في علاجهم على الكهانة والعرافة إلى جانب التداوي بالأعشاب والعقاقير المعدنية والحيوانية، وكذلك الكي والحجامة والفصد، وكانوا يصفون العسل والزيت لعلاج كثير من الأمراض. واشْتُهِرَ من أطبائهم ابن حذْيَمْ الذي ضرب به المثل فقيل: «أطب بالكي من ابن حذْيَمْ»، والحارث بن كِلدة الثقفي (ت 50هـ) الذي جمع بين الحكمة والمعرفة الطبيَّة، ومن أقواله المشهورة: «من سرَّه البقاء ولا بقاء، فليبادر بالغذاء وليخفف الرداء، وليقلّ من غشيان النِّساء»، وزهير بن جناب، وابن أبي حرثمة التميمي الذي عاصر الرسولr.
وقد احتلت العطارة مكانة متميِّزة في العصور الإسلاميِّة المتتالية، وشهدت تطوراً ملحوظاً مع مرور السنين نتيجة الاختلاط بالشعوب الأخرى، ولاسيما وأنَّ كثيراً من الأطباء الذين برعوا في ذلك، سخّروا معرفتهم لخدمة الدِّين الذي شجعهم على تقصي المعرفة والإفادة من نتاج الطبيعة إضافة إلى ما تضمنته نصوص القرآن الكريم وما أُثِرَ عن الرسول من قولٍ أو عمل يختص بالأمور الطبيَّة، وقد جُمِعَ تحت اسم «الطب النبوي»[ر]. وقد ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ذكر كثير من الأدوية والأعشاب المفيدة طبياً وتأكد الطِّبُّ الحديثُ من فوائدها كالحبة السوداء والعسل والكمأة والصبر والقسط وغيرها.
ومما يلفت النظر أن أكثر علماء الحديث خصصوا في مؤلفاتهم أبواباً للطب، وأولهم الإمام مالك في موَّطئه، وسار على نهجه الإمام البخاري فمسلم فأصحاب السَّنن وغيرهم. وأما أول مصنف مستقل في هذا الموضوع؛ فرسالة مقتضبة تتعلق بالصحة والطب النبوي للإمام علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (ت 203هـ/811م) وضعها بناء على طلب من الخليفة المأمون، ثمَّ كتاب «الطب النبوي» لعبد الملك بن حبيب الأندلسي (ت 238هـ/853م)، أما أشهر الكتب في هذا الباب فكتاب «الطب النبوي» للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت 751 هـ/1350م) من كبار علماء دمشق، ومن أشهر أطباء العصر الأموي ابن آثال وكان خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة، ومقرّباً من معاوية بن أبي سفيان، وابن ماسرجويه الذي عاصر عمر بن عبد العزيز وألَّف كتابين في الأطعمة والأدوية.
وفي العصر العباسي ازدهرت العطارة بازدياد حياة الترف وازدياد عدد المهتمين بالأعشاب والتداوي بها، ومن أطباء ذلك العصر محمد بن زكريا الرازي (ت 311هـ/923م) صاحب كتاب «الحاوي»، وهو أول من استخدم الرصاص الأبيض في المراهم. وابن سينا (ت 428هـ/1036م) الذي ترك تراثاً علمياً رائعاً.
كذلك راجت صنعة العطارة في قرطبة، عاصمة المسلمين في الأندلس، وغيرها من مدن الأندلس. ومن أشهر أطبائها أبو القاسم الزهراوي (ت 427 هـ/1035 م)، وابن واقد الأندلسي (ت 460 هـ/1067م)، وكان طبيباً صيدلانياً لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن التداوي بالغذاء، فإذا دعت الضرورة إلى الأدوية داوى بالبسيطة منها، ثم بالمركبة، وكان يميل إلى المعالجة بالماء.
وأما ابن البيطار (عبد الله بن أحمد المالقي ت 646هـ/1248م)؛ فاشْتُهِرَ في مجال الأدوية النباتية المفردة، وشغل منصب رئيس العطَّارين في مصر. وأشهر كتبه «الجامع في الأدوية المفردة»، الذي ترجم إلى اللاتينية وعمل به سنين طويلة.
وهناك أيضاً داود بن عمر الأنطاكي (ت 1008 هـ/1600م) وكان أبقراط زمانه. درس الأعشاب وحذق بها وألَّف كتباً كثيرةً أشهرها «تذكرة أولي الألباب، والجامع للعجب العجاب» المعروف باسم «تذكرة داود».
مجالات نشاط العطارين واهتماماتهم:
تشمل مهنة العطارة تركيب الأدوية من الأعشاب الطبيعية وبيعها، وتحضير التَّوابل والأفاويه والمطحونات، إضافةً إلى أنواع البخور والأعشاب العطرية المختلفة. أما ما يتصل بالعطور فقد اقتصرت اهتمامات معظم العطارين على المسك وماء الورد وماء الزهر، ويهتم العطَّار عادةً بتوسيع معرفته وتجربته بالمزيد من الأعشاب والنباتات الطبيِّة لمعرفة خواص كل منها وفوائده، ولا يمكنه أن يصف أي دواء إذا لم يكن مجرَّباً ومدروساً؛ فالتداوي بالأعشاب غالباً ما يشمل مزيجاً من مجموعة أعشاب مختلفة الأنواع، وكل نوع منها فعَّال في معالجة العلة المقصودة، لأنَّه ليس من المحتَّم أن تفي كل عشبة أو نبات طبي بشفاء كامل؛ بل إنَّ بعض الأمراض قابل للعلاج بعدد كبير من الأعشاب والنباتات الطبية.
مستقبل العطارة وعلم التداوي بالأعشاب:
إنَّ العالم بأسره اليوم يدعوإلى الاستفادة ما أمكن من العلاج الطبيعي والتداوي بالأعشاب والعدول عن الدواء إلى الغذاء، ومع توسع وانتشار الأدوية المركبة الكيمياوية، تبين للعلماء ـ كما مرَّ سابقاً ـ أن لا دواء يخلو من محاذير ومضاعفات سلبية، وأنَّ العلاج بالأعشاب نافعٌ من دون ضرر «إذا أحسن استعماله»، وأنَّ مفعول الأعشاب قد يفوق في كثير من الأحيان مفعول أي دواء كيمياوي، فعادوا أدراجهم إلى الطب الشعبي يتقصون كنوزه، ويعيدون النظر في خواص الأعشاب والأغذية، ومنافعها العلاجية، ليفيدوا منها، وهناك اليوم مدارس قائمة بذاتها تفضل معالجة كثيرٍ من الحالات المرضية بالمنتجات الطبيعية وتولي اهتماماً عظيماً لطب الأعشاب أو تختص به، إضافة إلى تخصص بعض الأطباء بطرائق العلاج بالأعشاب، واختصت بعض الصيدليات بتحضير الأعشاب وبيعها في معظم دول العالم. ومايزال العطَّار في إفريقيا خاصةً يشغل منزلةً تزاحم منزلة الطبيب وتنافسه.
جزيت خيرا والله يعطيك العافية
في انتظار جديدك
تحياتي لك
دآإئمـاَ تَـبهَـرٍوٍنآآ بَمَ ـوٍآضيعكـ
أإلتي تَفُـوٍح مِنهآ عَ ـطرٍ أإلآبدآع وٍأإلـتَمـيُزٍ
لك الشكر من كل قلبي