قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " [الحشر: 18] وهذه إشارة إلى المحاسبة بعد مضي العمل، ولذلك قال عمر رضى الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا , وقال الحسن : المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه , وقال : إن المؤمن يفجأه الشيء يعجبه فيقول : والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي، ولكن والله ما من حيلة إليك ، هيهات حيل بيني وبينك، ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول : ما أردت إلى هذا، مالي ولهذا ؟ والله لا أعود إلى هذا أبدًا إن شاء الله .
إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير في الدنيا، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئًا حتى يلقى الله عز وجل، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه، وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله .
واعلم أن العبد كما ينبغي أن يكون له وقت في أول النهار يشارط فيه نفسه، كذلك ينبغي أن يكون له ساعات يطالب فيها نفسه في آخر النهار، ويحاسبها على جميع ما كان منها، كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كل سنة أو شهر أو يوم .
ومعنى المحاسبة أن ينظر في رأس المال، وفي الربح، وفي الخسران لتتبين له الزيادة من النقصان، فرأس المال في دينه الفرائض، وربحه النوافل والفضائل، وخسرانه المعاصي، وليحاسبها أولاً على الفرائض، وإن ارتكب معصية اشتغل بعقابها ومعاقبتها ليستوفى منها ما فرط .
قيل : كان توبة بن الصمة بالرقة، وكان محاسبًا لنفسه، فحسب يومًا فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرح وقال : يا ويلنا ! ألقي الملك بأحد وعشرين ألف ذنب وخسمائة ذنب ؟! كيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب، ثم خر مغشيًا عليه فإذا هو ميت، فسمعوا قائلاً يقول : يا لها ركضة إلى الفردوس الأعلى! فهكذا ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه على الأنفاس وعلى معصية القلب والجوارح في كل ساعة، فإن الإنسان لو رمى بكل معصية يفعلها حجرًا في داره لامتلأت داره في مدة يسيره، ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي وهي مثبتة " أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ " [المجادلة : 6] .
جزاك الله خيرا واثابك حسن ثواب الدنيا والاخره
وجزاك خيرا
وجزاك خيرا