الهدايا المنهي عنها :-
اعزائي هناك نوع من الهدايا، وهي الهدايا التي حرمها الأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم أو نهى عنها لما فيها من التعدي على حقوق الآخرين أو الإضرار بهم.
وأول أنواع الهدايا المنهي عنها هديةُ بعض الأبناء دون بعض، وإيثارُهم بشـيء من المال دون إخوانهم، فهذا وإن كان نوعاً من التحبب للابن المهدى إليه؛ إلا أن فيه تجافياً عن إخوانه وإضراراً بهم، لذا فمثل هذه الهدية نهى عنها صلى الله عليه وسلم في قصة النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، وفيها أن أباه أعطاه عَطية، فقالت أمه عَمرة بنتُ رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى بشير رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرةَ بنتِ رواحة عطية، فأمرَتني أن أُشهدك يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: «أعطيتَ سائر ولدِك مثلَ هذا؟» قال: لا. قال: «فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم»، قال النعمان: فرجع فردَّ عطيته.
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: «فلا تشهدني إذاً؛ فإني لا أشهد على جَور».
وفي رواية قال: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟» قال: بلى. فقال صلى الله عليه وسلم: «فلا إذاً» أي لا تفعل.
وقد حفظ النعمان بن بشير هذا الدرس النبوي الجميل في العدل بين الأبناء في الهدايا، فكان يخطب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم» ، وفي الحديث من الفوائد "الندب إلى التأليفِ بين الإخوة وتركِ ما يوقع بينهم الشحناء، ويورثُ العقوق للآباء … وفيه جواز الميل إلى بعض الأولاد والزوجات دون بعض، لأن هذا أمر قلبي، وليس باختياري" .
وعلى هذا الهدي النبوي في التسوية بين الأبناء في العطية سار الصديق رضى الله عنه ، فقد أهدى ابنتَه عائشةَ زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم بستاناً له، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية، ما من الناس أحد أحب إلي غنىً بعدي منكِ، ولا أعز علي فقراً بعدي منك، وإني كنت نحَلْتُك جادَ عِشرين وسْقاً، فلو كنت جَددْتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليومَ مالُ وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله.
قالت عائشة الصديقة الزاهدة مطيبة لخاطر أبيها: يا أبت، والله لو كان كذا وكذا لتركته .
ومن الهدايا المحرمة أيضاً ما يناله الموظفون من هدايا بعضِ المتعاملين معهم أو المراجعين لهم، فهذه الهدايا ليست أجراً على عملهم، وإنما هي في حقهم بمثابة الرشوة التي يأكلها صاحبها سُحتاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «هدايا العمال غلول» .
ونقل الطبراني عن ابن عباس أن رجلاً أهدى إلى عمر رضى الله عنه فخذَ جَزور، ثم أتاه بعد مدة ومعه خصم له، فقال الرجل وهو يريد تذكير الخليفة بهديته: يا أمير المؤمنين، اقض لي قضاء فصلاً؛ كما يُفصل الفخِذ من الجَزور.
فضرب عمر رضى الله عنه بيده على فخذه، وقال: الله أكبر، اكتبوا إلى الآفاق: هدايا العمال غلول .
وحين استعمل النبي صلى الله عليه وسلم ابن الأُتَبيَّة الأزدي على الصدقة قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا لكم، وهذا أهدي لي.
فكره النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، وقال: «فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر يُهدى له أم لا. والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رُغاءٌ، أو بقرةً لها خُوار، أو شاةَ تيعَر»، ثم رفع صلى الله عليه وسلم بيده حتى رأينا عُفرة إبطيه: «اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟» .
قال ابن بطال : "يلحق بهدية العامل الهدية لمن له دين ممن عليه الدين ، ولكن له أن يحاسب بذلك من دينه، وفيه إبطال كل طريق يتوصل بها من يأخذ المال إلى محاباة المأخوذ منه والانفراد بالمأخوذ ".
وأما ابن المنير فنبه على أنه "يؤخذ من قوله «هلا جلس في بيت أبيه وأمه» جواز قبول الهدية ممن كان يهاديه قبل ذلك، كذا قال ، ولا يخفى أن محل ذلك – إذا لم يزد – على العادة" .
ولما بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذَ بنَ جبل أرسل إليه بعد خروجه، فرجع إليه، فقال: «أتدري لم بعثتُ إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني؛ فإنه غلول، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، لهذا دعوتك، فامض لعملك» .
وكان إمام العدل عمر بن عبد العزيز يرفض هدايا العمال ويقول: "كانت الهدية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، وهي اليوم رشوة".
ومن الهدايا المحرمة أيضاً أن يأخذ المرء هدية ممن قضى له بعض أموره وحوائجه، كمن شفع بشفاعة أو توسط بأمر من الخير، فمثل هذا من المعروف، وينبغي أن يكون قربة وعملاً خالصاً لوجه الله مجرداً من طمع الدنيا؛ لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر الشافع وصاحب المعروف من أخذ شيء من الأجرة عليه في الدنيا، فيقول: «من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها؛ فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا» ، وذلك "لأن الشفاعة الحسنة مندوب إليها، وقد تكون واجبة ، فأخذ الهدية عليها يضيع أجرها، كما أن الربا يضيع الحلال "
وأيضاً فإن من الهدايا التي ترد ولا تقبل ، الهدايا التي يحرم الانتفاع بها، كأن تهدى لرجل ساعةً ذهبية أو ثوبَ حرير أو كأسَ خمر وأمثال ذلك، وقد صنعه النبي صلى الله عليه وسلم حين كان محرماً ، فصاد له الصعب بن جَثامة رضى الله عنه حماراً وحشياً، وأهداه إليه، فرده عليه صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى ما في وجهه [أي من الحزن لرد هديته] قال صلى الله عليه وسلم: «أما إنا لم نرده عليك، إلا أنا حُرُم».
قال ابن حجر: "وأما حديث الصعب فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن العلة في عدم قبوله هديته لكونه كان محرِماً، والمحرم لا يأكل ما صِيد لأجله؛ واستنبط منه المهلَب ردَّ هدية من كان ماله حراماً أو عُرف بالظلم
جزاكي الله كل الخير اختي الكريمة
تقييمي