–
أم المؤمنين.. الحبيبة
( عائشة بنت أبى بكر )
لما سأل عمرو بن العاص رسول اللَّه ( عن أحب الناس إليه قال: "عائشة" [متفق عليه].
وعندما جاءت أم المؤمنين أم سلمة -رضى اللَّه عنها- إلى النبي
( لتشتكى من أمر يتعلق بعائشة، قال لها النبي (: "يا أم سلمة لا تؤذينى في عائشة؛
فإنه -واللَّه- ما نزل على الوحى وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها" [متفق عليه].
وُلدت السيدة عائشة أم المؤمنين – رضى اللَّه عنها – قبل الهجرة بحوالى ثمانى سنوات،
في بيت عامر بالإيمان، ممتلئ بنور القرآن، فأبوها الصديق أبو بكر صاحب رسول اللَّه
(، وثانى اثنين إذ هما في الغار، وأول من آمن من الرجال، وأول خليفة للمسلمين
بعد رسول اللَّه (، وأمها السيدة أم رومان بنت عامر، من أشرف بيوت قريش وأعرقها في المكانة
وقد شاركت السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها- منذ صباها في نصرة الإسلام،
فكانت تساعد أختها الكبيرة أسماء في تجهيز الطعام للنبى ( وأبيها وهما في الغار عند الهجرة.
وبعد أن استقر مقام المسلمين في مدينة رسول اللَّه ( أرسل أبو بكر الصديق إلى ابنه
عبد اللَّه يطلب منه أن يهاجر بأهل بيته:
عائشة، وأسماء، وأم رومان، فاستجاب عبد اللَّه بن أبى بكر ومضى بهم مهاجرًا،
وفى الطريق هاج بعير عائشة فصاحت أم رومان:
وابنتاه وا عروساه. ولكن اللَّه لطف، وأسرع الجميع إلى البعير ليسكن،
وكان في ركب الهجرة السيدة فاطمة الزهراء والسيدة أم كلثوم بنتا رسول اللَّه
( وأم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة، ونزلت السيدة عائشة مع أهلها في
دار بنى الحارث بن الخزرج، ونزل آل النبي ( في منزل حارثة بن النعمان.
وبدأتْ مرحلة جديدة في حياة أم المؤمنين عائشة – رضى اللَّه عنها – فقد تزوجها النبي
( وهى بنت ست سنين، وبنى بها وهى بنت تسع سنين. [البخاري].
وكان بيت النبي ( الذي دخلت فيه أم المؤمنين عائشة -رضى اللَّه عنها- حجرة واحدة
من الطوب اللَّبِن – النَّـيِّـئ – والطين ، ملحق بها حجرة من جريد مستورة بالطين،
وكان باب حجرة السيدة عائشة مواجهًا للشام، وكان بمصراع واحد من خشب،
سقفه منخفض وأثاثه بسيط: سرير من خشبات مشدودة بحبال من ليف عليه وسادة
من جلد حَشْوُها ليف، وقربة للماء، وآنية من فخارٍ للطعام والوضوء
وفى زواج النبي ( من السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها- تقول: قال رسول اللَّه
(: "أُرِيتُك في المنام مرتين: أرى أنك في سَرقة (قطعة) من حرير،
ويقول: هذه امرأتك. فأكشف فإذا هي أنتِ، فأقول: إن يك هذا من عند اللَّه يُمضِه"
[البخارى ومسلم وأحمد]. وانتظر رسول اللَّه ( فلم يخطب عائشة حتى جاءته خولة
زوج صاحبه عثمان بن مظعون ترشحها له.
أحبت السيدة عائشة النبي حبَّا كبيرًا، ومن فرط هذا الحب كانت فطرتها – مثل النساء – تغلبها فتغار
ومرت الأيام بالسيدة عائشة هادئة مستقرة حتى جاءت غزوة بنى المصطلق،
فأقرع النبي ( بين نسائه (أى أجرى القرعة بينهن لتخرج معه واحدة في السفر)
وكان من عادته ( أن يفعل ذلك مع أزواجه إذا خرج لأمر، فخرج سهمها فخرجت معه
(، حتى إذا فرغ النبي من غزوته، وعاد المسلمون منتصرين، استراح المسلمون
لبعض الوقت في الطريق، فغادرت السيدة عائشة هودجها، فانسلّ عِقدها من جيدها
(عنقها)، فأخذت تبحث عنه.. ولما عادت كانت القافلة قد رحلت دون أن يشعر
الرَّكْبُ بتخلفها عنه، وظلَّت السيدة عائشة وحيدة في ذلك الطريق المقفر الخالى حتى
وجدها أحد المسلمين – وهو الصحابى الجليل صفوان بن المعطل – رضى اللَّه عنه –
فركبت بعيره، وسار بها، واللَّه ما كلمها ولاكلمته، حتى ألحقها برسول اللَّه
(، إلا أن أعداء اللَّه تلقفوا الخبر ونسجوا حوله الخزعبلات التي تداعت إلى أُذن الرسول
(، وأثرت في نفسه، ونزلت كالصاعقة عليه وعلى أبيها"أبى بكر" وأمها "أم رومان"
وجميع المسلمين، لكن اللَّه أنزل براءتها من فوق سبع سماوات فنزل في أمرها
إحدى عشرة آية؛ لأنه يعلم براءتها وتقواها، فقال تعالي:
(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ
امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 11].
وتقول السيدة عائشة لما علمت بحديث الإفك:
وبكيت يومى لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندى أبواى وقد بكيت ليلتى ويومًا،
حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندى وأنا أبكى استأذنتْ امرأة من
الأنصار، فأذنتُ لها، فجلست تبكى معي، فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول اللَّه
(، فجلس – ولم يجلس عندى من يوم قيل في ما قيل قبلها- وقد مكث شهرًا لا يُوحى
إليه في شأنى شيء، فتشهَّد، ثم قال: "يا عائشة، فإنه بلغنى عنك كذا وكذا، فإن كنت
بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفرى اللَّه وتوبى إليه، فإن العبد إذا
اعترف بذنب ثم تاب، تاب اللَّه عليه". فلما قضى رسول الله
( مقالته، قَلَص دمعى حتى ما أُحِس منه قطرة، وقلتُ لأبي: أجب عنى رسول اللَّه
( فيما قال. قال: واللَّه لا أدرى ما أقول لرسول اللَّه
(. فقلت لأمي: أجيبى عنى رسول اللَّه ( فيما قال. قالت: ما أدرى ما أقول لرسول اللَّه
(، وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن.
إنى واللَّه لقد علمت أنكم سمعتم ما يُحَدِّثُ به الناس، ووقر في أنفسكم وصدقتم به،
وإن قلتُ لكم إنى بريئة – واللَّه يعلم أنى بريئة – لا تصدقوننى بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر
– واللَّه يعلم أنى بريئة – لتصدقني، واللَّه ما أجد لى ولكم مثلا إلا قول أبى يوسف:
فّصّبًرِ جّمٌيلِ وّاللَّهٍ المٍسًتّعّانٍ عّلّي مّا تّصٌفٍون [يوسف:18].
ثم تحولت على فراشى وأنا أرجو أن يبرئنى الله، ولكن واللَّه ما ظننتُ أن يُنزِل في
شأنى وحيًا، ولأنا أحقر في نفسى من أن يُتكلم بالقرآن في أمري، ولكنى كنت أرجو
أن يرى رسول اللَّه ( في النوم رؤيا تبرئني، فواللَّه ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من
أهل البيت، حتى أُنزل عليه الوحى … فلما سُرِّى عن رسول الله ( إذا هو يضحك
(أى انكشف عنه الوحى ثم ابتسم)، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال:
"يا عائشة، احمدى الله، فقد برأك اللَّه".
فقالت لى أمي: قومى إلى رسول الله
(، فقلت: لا واللَّه لا أقوم إليه ولا أحمد إلا اللَّه، فأنزل اللَّه تعالي: إن الذين جاءوا بالإفك. [البخاري
وأراد النبي ( أن يصالحها فقال لها ذات يوم :
"إنى لأعلم إذا كنت عنى راضية، وإذا كنتِ على غَضْـبَـي".
فقالت رضى اللَّه عنها: من أين تعرف ذلك؟
فقال : "أما إذا كنت عنى راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد،
وإذا كنتِ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم".
فأجابت: أجل، واللَّه يا رسول اللَّه، ما أهجر إلا اسمك. [البخاري].
تلك هي المؤمنة ،لا يخرجها غضبها عن وقارها وأدبها، فلا تخرج منها كلمة نابية، أو لفظة سيئة
ولما اجتمعت نساء النبي( ومعهن السيدة عائشة لطلب الزيادة في النفقة منه
رغم علمهن بحاله، قاطعهن رسول اللَّه ( تسعة وعشرين يومًا حتى أنزل اللَّه تعالى
قوله الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا.وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ
أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 28-29]. فقام النبي
( بتخيير أزواجه فبدأ بعائشة فقال: "يا عائشة إنى ذاكر لك أمرًا فلا عليك
أن تستعجلى حتى تستأمرى أبويك".
قالت: وقد علم أن أبواى لم يكونا ليأمرانى بفراقه،
قالت: ثم قال: "إن اللَّه تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ)[الأحزاب: 82].
حتى بلغ: (لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 29].
فقلت: في هذا أستأمر أبوي؟ فإنى أُريد اللَّه ورسوله والدار الآخرة. وكذا فعل أزواج النبي جميعًا.
وعاشت السيدة عائشة مع رسول اللَّه حياة إيمانية يملأ كيانها نور التوحيد
وسكينة الإيمان، وقد حازت -رضى اللَّه عنها- علمًا غزيرًا صافيًا من نبع النبوة
الذي لا ينضب، جعلها من كبار المحدثين والفقهاء، فرُوى عنها من صحيح الحديث
أكثر من ألفين ومائة حديث، فكانت بحرًا زاخرًا في الدين، وخزانة حكمة وتشريع،
وكانت مدرسة قائمة بذاتها، حيثما سارت يسير في ركابها العلم والفضل والتقي،
فقد ورد عن أبى موسى -رضى اللَّه عنه- قال: ما أُشْكِلَ علينا -أصحاب رسول اللَّه
(- حديث قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا.
وكان للسيدة عائشة -رضى الله عنها- علم بالشعر والطب، بالإضافة إلى علمها بالفقه
وشرائع الدين.وكان عروة بن الزبير -رضى الله عنه- يقول: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه
ولا بطب ولا بشِعْر من عائشة -رضى الله عنها
ومن جميل ما أسدته السيدة عائشة للمسلمين أنها كانت سببًا في نزول آية التيمم،
يروى عنها أنها قالت: أقبلنا مع رسول اللَّه ( حتى إذا كان بِتُرْبان
(بلد يبعد عن المدينة عدة أميال وهو بلد لا ماء به) وذلك وقت السحر،
انسلت قلادة من عنقى فوقعت، فحبس على رسول اللَّه ( (أى أمر بالبقاء لالتماسها في الضوء)
حتى طلع الفجر، وليس مع القوم ماء، فلقيت من أبى ما اللَّه به عليم من التعنيف والتأفُّف،
وقال: في كل سفر للمسلمين يلقون منك عناء وبلاء، فأنزل اللَّه الرخصة في التيمم،
فتيمم القوم وصلوا،
قالت: يقول أبى حين جاء من اللَّه الرخصة للمسلمين: واللَّه ما علمت يا بنية
إنك لمباركة !! ما جعل اللَّه للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر!!
وفى رواية قال لها أُسيد بن حضير: جزاك اللَّه خيرًا، فواللَّه ما نزل بك أمر
تكرهينه قط إلا جعل اللَّه لك منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه بركة
لم يتزوج رسول اللَّه ( بكرًا غيرها، فلقد تزوجها بعد أم المؤمنين خديجة وأم المؤمنين
سودة بنت زمعة رضى اللَّه عنهن جميعًا-؛ رغبة منه في زيادة أواصر المحبة
والصداقة بينه وبين الصدِّيق -رضى اللَّه عنه-. وكانت منزلتها عنده
( كبيرة، وفاضت روحه الكريمة في حجرها. وعاشت -رضى اللَّه عنها- حتى شهدت
الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان بن عفان – رضى اللَّه عنه – وحضرت معركة الجمل،
وكانت قد خرجت للإصلاح.
واشتهرت – رضى اللَّه عنها – بحيائها وورعها، فقد قالت: كنت أدخل البيت الذي دفن
فيه رسول اللَّه ( وأبى – رضى اللَّه عنه – واضعة ثوبى وأقول إنما هو زوجى وهو أبي،
فلما دُفِن عمر – رضى اللَّه عنه – (معهما) واللَّه ما دخلته إلا مشدودة على ثيابى حياءً
من عمر – رضى اللَّه عنه-.
وكانت من فرط حيائها تحتجب من الحسن والحسين، في حين أن دخولهما على أزواج
النبي ( حل لهما.وكانت -رضى الله عنها- كريمة؛ فيُروى أن "أم درة" كانت تزورها،
فقالت: بُعث إلى السيدة عائشة بمال في وعاءين كبيرين من الخيش:
ثمانين أو مائة ألف، فَدَعت بطبق وهى يومئذ صائمة، فجلست تقسم بين الناس،
فأمست وما عندها من ذلك المال درهم، فلما أمست قالت: يا جارية هلُمى إفطاري،
فجاءتها بخبز وزيت،
فقالت لها أم درة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشترى لنا لحمًا بدرهم فنفطر به.
فقالت: لا تُعنِّفيني، لو كنتِ ذكَّرتينى لفعلت.
ومن أقوالها :
* لا تطلبوا ما عند اللَّه من عند غير اللَّه بما يسخط اللَّه.
* كل شرف دونه لؤم، فاللؤم أولى به، وكل لؤم دونه شرف فالشرف أولى به.
* إن للَّه خلقًا قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح؛ خفقت معها، فَأفٍّ للجبناء، فأفٍّ للجبناء.
* أفضل النســـاء التي لا تعرف عـيب المقـــال، ولا تهتـدى لمكر الرجــــال، فارغـة القـلب
إلا من الـزينة لبعلها، والإبقاء في الصيانة على أهلها.
* التمسوا الرزق في خبايا الأرض
رأت رجـًلا متمـاوتًا فقـالـت: ماهـذا؟ فقـيـل لهـا: زاهــد. قالت: كان عمــر بن الخطــــاب
زاهدًا ولكنه كان إذا قال أسمع،وإذا مشى أسرع،وإذا ضرب في ذات اللَّه أوجع.
* علِّموا أولادكم الشعر تعذُب ألسنتهم.
هذه هي السيدة عائشة بنت الصديق -رضى اللَّه عنها- حبيبة رسول اللَّه
(، والتى بلغت منزلتها عند رسول اللَّه ( مبلغًا عظيمًا، فقد رضى الله عنها لرضا رسوله
( عنها، فعن عائشة -رضى الله عنها- قالت: قال رسول الله
( يومًا: "يا عائش! هذا جبريل يقرئك السلام". فقلتُ: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته"
[متفق عليه
وفى ليلة الثلاثاء 17 من رمضان في السنة 57 من الهجرة توفيت أم المؤمنين
السيدة عائشة وهى في سن السادسة والستين من عمرها، ودفنت في البقيع،
وسارت خلفها الجموع باكية عليها في ليلة مظلمة حزينة، فرضى اللَّه عنها وأرضاها.
2 –
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الريحانة
(فاطمة الزهراء بنت النبي
كانت حبيبة النبي ( وريحانته وحافظة أسراره ؛ فقد جلست بجواره
( يومًا فأسرَّ إليها بنبأ جعلها تبكى وتبتسم، فسألتها السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها- عن ذلك.
فأجابتها: ما كان لى لأفشى سر رسول اللَّه .
فلما مات النبي
سألتها فقالت: إن أبى قال لى في أول مرة:
إن جبريل كان يعارضنى القرآن الكريم في كل سنة مرة واحدة، وإنه عارضنى إياه
مرتين هذا العام، وما أراه إلا قد حضر أجلي". فبكيت، ثم أردف
بقوله: "وإنك أول أهلى لحوقًا بي، نعم السلف أنا لك" فتبسمت. [متفق عليه].
إنها السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي ( التي قالت فيها أم المؤمنين السيدة عائشة –
رضى اللَّه عنها-:
"ما رأيت أحدًا من خلق اللَّه أشبه حديثًا ومشيًا برسول اللَّه من فاطمة" [الترمذي].
وأخبر النبي( أنها سيدة نساء أهل الجنة [الترمذى والحاكم].
وأخبر عنها النبي ( أنها واحدة من خير نساء العالمين.
فقال: "خير نساء العالمين أربع: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد،
وفاطمة بنت محمد" [ابن حجر في الإصابة].
وكان يقول عنها: "فاطمة بضعة مني، يؤذينى ما أذاها، ويريبنى ما رابها" [متفق عليه].
سُميت -رضى اللَّه عنها- فاطمة؛ لأن اللَّه تعالى قد فطمها وحفظها من النار،
ولقبها النبي ( الزهراء ؛ فكانت ريحانته وأحب بناته إليه؛ لأنها أصغرهن وحافظة نسله
(. وكان إذا دخل عليها النبي قامت له وقبلت يده وأجلسته مكانها، وإذا دخلت عليه
( أخذ بيدها وأجلسها بجواره، ورحب بها أيما ترحيب.
وكان إذا قدم من غزو أو سفر يبدأ بالمسجد فيصلي، ثم يزور ابنته فاطمة الزهراء
ثم يأتى أزواجه -رضوان اللَّه عليهن-.
ولدت الزَّهراء قبل بعثة النبي ( وعمره حينئذ خمس وثلاثون سنة، وذلك في يوم التحكيم
عند إعادة بناء الكعبة، يوم أخمد النبي ( بحكمته وفطنتة نار الحرب بين قبائل قريش
المتنازعة حول من يضع الحجر الأسود المقدس في مكانه ؛ فقد بسط رداءه، ووضع
فيه ذلك الحجر وطلب من زعماء القبائل أن يمسك كل منهم بطرف الرداء ثم وضعه
بيده الشريفة في مكانه.
وقد شهدت السيدة فاطمة منذ طفولتها أحداثًا جسامًا كثيرة، فقد كان النبي
( يصلى يومًا بالكعبة وبعض سفهاء قريش جالسون، فانبعث شقى من أشقياء القوم فأتى
بأحشاء جزور فألقاها على رسول الله ( وهو ساجد، فلم يزل ساجدًا حتى جاءت فاطمة
فأزالت عنه الأذى.
كما كانت أم جميل – امرأة أبى لهب- تلقى الأقذار أمام بيته فيزيلها في هدوء ومعه
فاطمة تحاول أن تعيد إلى المكان نظافته وطهارته.
وقاست فاطمة -رضى الله عنها- عذاب الحصار الشديد الذي فرضه الكفار على
المسلمين وبنى هاشم في شِعْب أبى طالب، وعانت من فراق أمها التي تركتها تعانى
ألم الوحدة وحنين الذكريات بعد وفاتها
وهاجرت الزهراء إلى المدينة وهى في الثامنة عشرة من عمرها وكانت معها أم كلثوم،
وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة. وفى السنة الثانية تقدم كبار الصحابة وعلى
رأسهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنهما- للنبى
( يطلبون الزواج من السيدة فاطمة،
لكن الرسول ( اعتذر لهم في رفق، ثم طلبها على بن أبى طالب -كرم اللَّه وجهه- فوافق النبي
وقد قَـدَّمَ عَلِـى مَهْرًا للسيدة فاطمة قدره أربعمائة وسبعون درهمًا، وكانت ثمنًا لدرع
أهداها له الرسول ( يوم بدر، واشتراها منه "عثمان بن عفان" -رضى اللَّه عنه
– بهذا الثمن، وكان جهازها خميلة، ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحاءين، وسقاء، وجرتين
وفى يوم زواجها قدم النبي ( طبقًا مليئًا بالتمر لأصحابه وضيوفه الكرام، وفى ليلة البناء
كان على قد وُفِّق إلى استئجار منزل خاص يستقبل فيه عروسه الزهراء بعد تجهيزها،
وما كان حشو فراشهما ووسائدهما إلا الليف. وبعد صلاة العشاء توجه النبي
( إلى بيت الزوجية الجديد ودعا بماء فتوضئوا منه ثم دعا النبي (
لهما بقوله: "اللهم بارك فيهما وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما، فتوضئوا" [ابن سعد].
وبعد عام سعيد مليء بالإيمان رزق اللَّه فاطمة -رضى اللَّه عنها- ابنها الحسن،
فاستبشر النبي ( فيه خيرًا، ثم رُزقت من بعده ابنها الحسين، ثم ولد لهما محسن
الذي توفى وهو صغير، ثم منَّ اللَّه على بيت النبوة بمولودتين جميلتين هما السيدة "زينب"
والسيدة "أم كلثوم"، بنتا الإمام على والسيدة فاطمة -رضى اللَّه عنهم جميعًا-.
وكانت السيدة فاطمة، وزوجها علي، وابناها الحسن والحسين -رضى الله عنهم-
أعز الناس وأقربهم إلى النبي ( فقد ورد أنه لما نزل قول الله تعالي:
(فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)[آل عمران: 61].
دعا رسول الله عليّا وفاطمة والحسن والحسين
وقال: "اللهم هؤلاء أهلي" [مسلم].
وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتى وخاصتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا" [الترمذي].
وكانت السيدة فاطمة -رضى الله عنها- تقوم على خدمة زوجها وأولادها، ورعاية البيت،
فكان يصيبها التعب والمشقة،
وقال عنها زوجها على بن أبى طالب: لقد تزوجتُ فاطمة وما لى ولها خادم غيرها،
ولما زوجها رسول الله( أرسل معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين وسقاء
وجرتين، فكانت تجرُّ بالرحاء حتى أثَّرت في يدها،
واستقت بالقربة حتى أثَّرت القربة بنحرها، وكانت تنظف بيتها حتى تغبر ثيابها، وتوقد
تحت القدر حتى دنست ثيابها. وكانت السيدة فاطمة -رضى اللَّه عنها-
تشكو الضعف، وتشارك زوجها
الفقر والتعب نتيجة للعمل الشاق الذي أثَّر في جسديهما. وعندما جاءت أباها لتطلب منه خادمة
تساعدها في العمل لم تستطع أن تطلب ذلك استحياء منه، فتولى الإمام على عنها السؤال
وهى مطرقة في استحياء.
لكن الرسول ( قال لهما في رفق وهو يقدر حالهما: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟
إذا أوتيما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبِّرَا أربعًا وثلاثين، وسبِّحَا ثلاثًا وثلاثين،
واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم" [البخاري].
وبعد ستة أشهر من وفاة الرسول ( انتقلت السيدة فاطمة إلى جوار ربها، ودفنت بالبقيع
في ليلة الثلاثاء، الثالث من رمضان، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان عمرها
ثمانية وعشرين عامًا.
3-
صاحبة القلادة
زينب بنت النبي
رجع أبو العاص بن الربيع من إحدى رحلاته إلى الشام، فوجد أخبار الدين الجديد تملأ
جنبات مكة، فأسرع إلى بيته، فبادرتْه زوجته يحدوها الأمل
قائلة: الإسلام يا أبا العاص. وهنا يلف الصمت أبا العاص ويشرد ذهنه بعيدًا.
فقد خاف أن يقول عنه القوم: فارق دين آبائه إرضاءً لزوجه، ورغم أنه يحب النبي
(، ويحب زوجه إلا أنه كره أن يخذل قومه، ويكفر بآلهة آبائه، وظل متمسكا بوثنيته،
وهنا اغرورقت عينا الزوجة المخلصة بالدموع، لكن الأمل ظل حيَّا في نفسها عسى الله
أن يهدى زوجها
إنها السيدة زينب بنت رسول الله (، وأمها السيدة خديجة بنت خويلد -رضى الله عنها-
ولدت قبل بعثة والدها ( بعشر سنوات. وكانت أول أولاده من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد
-رضى الله عنها-، وتزوجت من ابن خالتها أبى العاص بن الربيع فأنجبت له عليَّا وأمامة،
فمات على وهو صغير، وبقيت أمامة فتزوجها الإمام على بن أبى طالب -رضى الله عنه-.
وفى ذلك الحين بدأت ملحمة الصراع بين المسلمين وكفار قريش، وهاجر النبي
( وأصحابه إلى المدينة، وهاجرت معه رقيَّة وفاطمة وأم كلثوم، وبقيتْ زينب وحيدة في مكة
بجوار زوجها الذي ظل متمسكًا بوثنيته، ثم تطورت الأحداث فخرج المسلمون لاسترداد
حقهم الذي تركوه بمكة فتعرَّضوا لقافلة أبى سفيان، فخرجت قريش برجالها، وبدأت الحرب
بين الفريقين، وكانت غزوة بدر الكبرى
وانتصر المسلمون وانهزم الكفار والمشركون. فوقع أبو العاص أسيرًا عند المسلمين،
فبعثت قريش لتفديه، وأرسلت "زينب" بأخى زوجها "عمرو بن الربيع" وأعطته قلادتها
التي أهدتها لها أمها "خديجة" يوم زفافها، فلما وصل عمرو ومعه تلك القلادة التي
أرسلتها لفداء زوجها الأسير، ورأى الصحابة القلادة أطرقوا مأخوذين بجلال الموقف،
وساد الصمت الحزين برهة، فقطعه النبي ( والدموع حبيسة عينيه، وقال لهم في رقة رقّت
لها أفئدة المسلمين:
"إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا".
قالوا: نعم يارسول اللّه. فأطلقوه، وردّوا عليها الذي لها. [أبو داود وأحمد والحاكم].
وأمر النبي ( أبا العاص أن يترك زينب، وأن يرسلها إليه في المدينة، ففعل رغم حبه الشديد لها.
رجع أبو العاص وأرسل أخاه كنانة؛ ليقود بعير زينب وهى في طريقها إلى المدينة.
لكن قريشًا تصدَّت لهما فأصاب هبار بن الأسود الأسدى بعيرها برمحه، فوقعت "زينب"
على صخرة جعلتها تنزف دمًا وأسقطت على إثرها جنينها.
فهدَّد كنانة بن الربيع قريشًا بالقتل بسهامه، إن لم يرجعوا ويتركوا زينب فرجع الكفار عنهما.
ورأى كنانة ألم زينب فحملها إلى بيت أخيه. وظلت هناك حتى بدأت تستعيد قواها بجانب أبى
العاص زوجها الذي لا يكاد يفارقها لحظة… فخرج بها كنانة مرة أخري، حتى سلمها إلى
زيد ابن حارثة، الذي صحبها حتى أتت بيت أبيها ( بالمدينة، فاستقبلها المسلمون استقبالا
طيبًا حافلا.
ومرت الأيام، ووقع "أبو العاص" مرة أخرى في الأسر، حين هاجم المسلمون قافلته
العائدة من الشام، وبعد صلاة الفجر دخلت زينب إلى أبيها، تطلب منه أن تجير
"أبا العاص"، فخرج النبي
( على المسلمين قائلا: "أيها الناس هل سمعتم ما سمعتُ؟"
قالوا: نعم.
قال: "فوالذى نفسى بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم،
المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليُّهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت"
[الحاكم وابن سعد وابن هشام].
وأمر رسول اللّه ( زينب أن لا يقربها زوجها أبو العاص، لأنها لا تحل له مادام مشركًا.
ورحل أبو العاص بتجارته عائدًا إلى مكة وأعاد لكل ذى حق حقه، ثم أعلن إسلامه على
الملأ ورجع مهاجرًا في سبيل اللّه إلى المدينة، وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة.
فالتأم شمل زينب بزوجها مرة أخري.
لكن سرعان مانزلت مصيبة الموت بزينب فماتت متأثرة بالألم الذي أصابها بالنزف عند
هجرتها إلى المدينة، وكانت وفاتها -رضى الله عنها- في السنة الثامنة للهجرة، فبكاها
والله اتمنى من كل وحده تدخل تقرأ بصدق وتحاول
الأقتداء بأمهات المؤمنين…….. شكرا الله لك ولجهودك…
ويجزيك الله الف خير على الموضوع الشيق والرائع
مشكورررررررررررررررررررررررررررررررره
موضوع رائع اختي
جزاك الله كل خير و جعله في ميزان حسناتك
حفظك البارئ