بيان العلماء وطلبة العلم حول قيادة المرأة للسيارة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن مما لاشك فيه أن للمرأة في الإسلام منزلة رفيعة ومكانة عظيمة ، وقد أعز الإسلام شأنها وأعلى مكانتها واحترم حقوقها وضمن لها حريتها وكرامتها وأحاطها بسياج منيعة من الصيانة والحماية ، وشرع لها ما يحفظها ويحفظ الرجال من الافتتان بها.
ولما أدرك أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمنافقين هذه المكانة العظيمة للمرأة في الإسلام ودورها الخطير في صلاح الأمة الإسلامية واستقامتها ، أو فسادها وضلالها ، رموا المرأة عن قوس واحدة يريدون إفسادها ومن ثم إفساد الأمة بها ،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) متفق عليه ،
وقال صلى الله عليه وسلم: (( فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) رواه مسلم.
وقديما قال قائلهم "إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات ويقلب المجتمع الإسلامي رأساً على عقب لا يبدو في جلاء أفضل مما يبدو من تحرير المرأة".
وإن مما لاشك فيه أن كل مبطل لابد أن يُلبس باطله ثوب الإصلاح وزخرف القول والبيان ، حتى يروج باطله على الناس ، لأن الباطل قبيح ومسترذل ومكروه لا ترضى به الفطر السليمة ، كما قال تعالى: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)) .
ولذلك يحاول أعداء الإسلام دائماً إيهام المرأة المسلمة أنها مظلومة مسلوبة الحقوق مهيضة الجناح ، إنهم يصورون لها البيت وكأنه سجن مؤبد ، والزوج وكأنه سجان قاهر ، والقوامة وكأنها سيف مصلت على رقبتها ، ويوهمونها أن الحجاب تأخر ورجعية ، والأمومة تكاثر رعوي ، وعدم اختلاطها بالرجال شل لحركتها وقتل لإبداعها.
ولقد علم هؤلاء المبطلون أن الناس لا يتحركون بغير قضية تزعجهم وتقض مضاجعهم ، فافتعلوا قضية المرأة المظلومة في بلادنا ، وفي كل يوم يطرحون في وسائل الإعلام وغيرها مظهراً من مظاهر الظلم المزعوم ، وآخر ما طرحوه قضية قيادة المرأة للسيارة ، زاعمين أنهم يريدون إعطاء المرأة حقها ، ودفع الأضرار الشرعية والاجتماعية والاقتصادية عن المجتمع ، ولذا فإننا نصدر هذا البيان حول قيادة المرأة للسيارة مستعينين بالله متوكلين عليه فنقول:
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بسد الذرائع والوسائل المفضية إلى المحظورات والمفاسد ، حتى وإن كانت هذه الوسائل مباحة في الأصل ، بل حتى وإن كانت واجبة ، وأمثلة ذلك كثيرة جداً ، منها نهيه سبحانه عن سب آلهة المشركين مع كون السب غيظاً وحمية لله وإهانة لألهتهم – لكونه ذريعة إلى سبهم لله تعالى (( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )) …الآية.
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تسافر بغير محرم ولو كان سفرها للحج لأن ذلك ذريعة إلى انتهاك عرضها وذهاب كرامتها ، وهذه القاعدة العظيمة مطلوبة في جميع الأمور الدينية والدنيوية ، بل لا يقوم الدين ولا الدنيا إلا بها، ومن الأمور الدنيوية الظاهرة: كثير من التنظيمات والترتيبات في واقع الناس اليوم "الإشارات والسرعة وغيرها.." التي وضعت سداً للذرائع والوسائل المفضية إلى وقوع المفاسد والخسائر في الأرواح والأموال.
قال ابن القيم رحمه الله مبيناً أهمية هذه القاعدة في الإسلام: باب سد الذرائع أحد أرباع تكاليف الدين ، فإنه- أي التكليف- أمر ونهي ، والأمر نوعان : احدهما مقصود لنفسه ، والثاني وسيلة إلى مقصود ، والنهي نوعان : احدهما ما يكون النهي عنه مفسدة في نفسه ، والثاني ما يكون وسيلة إلى المفسدة ، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين" ثم بين رحمه الله أهميتها أكثر في كلام بديع فقال :"لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطُرُق تُفْضِي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعةً لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقُرُبَات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصودٌ قصدَ الغاياتِ، وهي مقصودة قصد الوسائل .
فإذا حَرَّمَ الربُّ تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تُفْضِي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حِمَاه، ولو أباح الوسائل والذرائع المُفْضِية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك؛ فإن أحدَهم إذا منع جُنْدَه أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصِّلة إليه لعُدَّ متناقضاً، ولحصل من رعيته وجنده ضدّ مقصوده. وكذلك الأطباء إذا أرادوا حَسْمَ الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصِّلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه. فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ ومَنْ تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المُفْضِية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها " انتهى كلامه رحمه الله.
وإذا عُلم هذا فإنا نقول إن قيادة المرأة للسيارة لا تجوز لأن قاعدة سد الذرائع منطبقة عليها تماماً، لأنها أي القيادة تفضي بالمرأة والمجتمع إلى الوقوع في مفاسد عظيمة وعواقب وخيمة، ومن أهمها:
1- كثرة خروج المرأة من البيت وعدم القرار فيه ، ولا شك أن هذا مصادم لأمر الله تعالى في قوله: (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) …الآية.
2- ما يترتب على القيادة من تبرج وسفور وخلع لحجاب المرأة ، فمما لا شك فيه أن قيادة المرأة للسيارة من أسرع الطرق لخلع الحجاب بحجة رؤية الطريق بوضوح ، بل إن القيادة طريق لإلزامها بخلع الحجاب احتجاجاً بالمصلحة الأمنية ، كما حدث هذا في بعض الدول الخليجية الملاصقة لبلادنا ، إضافة إلى تكرار مطالبة المرأة بخلع حجابها وإظهار وجهها للتأكد من هويتها.
3- تصوير المرأة حيث إنها ستلزم باستخراج رخصة قيادة للسيارة، والتي لابد فيها من الصورة، وسينظر إلى صورتها الرجال عند إصدار الرخصة وتجديدها، وعند التحقق من هويتها عند التفتيش، وعند وقوع الحوادث والمخالفات ولا حول ولا قوة إلا بالله.
4- الاختلاط بالرجال ، وأشد من ذلك الخلوة المحرمة بالرجال في الورش والمحطات ونقاط التفتيش ودوائر المرور ، وأشد من ذلك وأمرّ حجزها في حجز المرور عند وقوع المخالفة منها أو الحوادث ، وربما يقول قائل : المخرج من هذه البلايا والمحرمات أن نسمح للنساء بالعمل في القطاع العسكري والمرور والورش والمحطات ، وهذا المخرج مع صعوبة إمكانيته ، فهو كما قال الأول "كالمستجير من الرمضاء بالنار".
5- نزع الحياء منها، نتيجة تكرار مقابلتها للرجال ومحادثتهم عند المحطات والورش ومعارض السيارات ونقاط التفتيش والحوادث وعند تعطل السيارة، وهل سيبقى للحياء مكان في قلبها بعد هذا كله.
6- تسهيل أسباب الفساد أمام المرأة بحيث تخرج متى شاءت وتذهب أين شاءت بدون حسيب ولا رقيب.
7- أنها ذريعة قوية لسفرها وحدها بدون محرم وهو من كبائر الذنوب.
8- إضعاف قوامة الرجل ، إذ أن المرأة إذا قادت السيارة وقضت حوائجها بنفسها ، قلت حاجتها للرجل الذي يقوم على شأنها.
9- الإيذاء الكثير"التحرش والمضايقات والخطف والاغتصاب" الذي سيحصل لها من ضعاف النفوس في الطرقات وعند التوقف وتعطل السيارة، ولا يخفى ما تتعرض له المرأة في وقتنا هذا من تحرش ومضايقات ومعها محرمها أو سائقها، فكيف إذا كانت تقود السيارة وحدها.
10- إيجاد الشك والريبة لدى الزوج عند تغيبها وتأخرها ، مما يؤدي إلى الخصام والفرقة والطلاق ، ونظن أن مجتمعنا ليس بحاجة لزيادة نسبة الطلاق العالية فيه.
11- زيادة ازدحام السيارات وكثرة الحوادث، لأن المرأة بمقتضى طبيعتها أقل من الرجل حزماً، وأقصر نظراً وأعجز قدرة، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف ، ولنتصور هذا جلياً علينا أن نضرب أعداد الحافلات الناقلة للموظفات والمعلمات والطالبات كل صباح وظهيرة بأعداد مقاعدها.
12- الأضرار الصحية التي تلحق بالمرأة جراء قيادتها للسيارة كما أثبتت ذلك الدراسات العلمية المعتمدة.
13- امتهان المرأة بوظائف لا تناسب طبيعتها وتؤدي بها إلى مفاسد عظيمة مثل سائقة ليموزين وشاحنات وحافلات نقل ومندوبات توزيع وساعيات بريد ومراقبات بلدية… وغيرها،
ولا تسأل عن حرص المنافقين على إقحام المرأة في كل عمل حتى يتسنى لهم إخراجها والعبث بها وبأخلاقها.
14- أنها سبب للإرهاق في النفقة ، إذ أنه من المعلوم عشق المرأة للزينة والتفاخر بالجديد والباهظ بالثمن.
15- أن في هذه الدعوة إيقاظاً للفتن النائمة وتفرقة للصف وخلخلة لكيان المجتمع وتوريطاً له في خلافات وانشقاقات لا يعلم عواقبها إلا الله ولا يستفيد منها إلا الأعداء.
شبهتان وجوابهما:
الشبهة الأولى:
أن في قيادة المرأة مصالح. وعلى تقدير تسليمنا بوجود هذه المصالح المزعومة ، فإن مفاسدها الشرعية أعظم وأكثر وأطم كما تقدم بيانه ،ومن قواعد الشريعة :"درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، والشريعة مبناها على جلب المصالح ودفع المفاسد ، فما غلبت مصلحته أباحته ، وما غلبت مفسدته منعته. قال تعالى: (( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)) … الآية.
الشبهة الثانية:
أن في وجود السائقين في بلادنا أضراراً اقتصادية. ونحن نسلم لهم بهذا ونقبل منهم ومن أي أحد ما كان حقاً ، ولكننا نقول الضرر لا يزال بضرر أكبر منه إذ أن الأضرار الاقتصادية لقيادة المرأة للسيارة أكبر من ضرر وجود السائقين وذلك من عدة أوجه:
– تعدد سيارات المنزل الواحد بدلاً من سيارة واحدة بيد السائق.
– تكرار تبديل السيارات من المرأة نتيجة عشقها لكل جديد.
– كثرة الحوادث نتيجة ضعفها و ارتباكها في المواقف الصعبة والأزمات المرورية
– اضطرار الدولة لفتح أقسام كثيرة خاصة بمراجعة النساء والتكاليف الاقتصادية المترتبة على ذلك لا تقارن بتكاليف السائقين.
– كثرة الزحام مما يثقل كاهل الدولة بإقامة مشاريع لتوسيع الطرق وتهيئتها لتتناسب مع الزيادة في السيارات . علماً بان الدول التي سمحت بقيادة المرأة للسيارة لازالت تعاني من وجود السائقين وبكثرة ،والدول المجاورة لنا شاهد على ذلك ، ولهذا فإننا نقول إن المخرج من هذا أن يتم إنشاء مشروعات نقل متطورة وفعالة وسريعة حكومية وأهلية خاصة بالنساء . ومخرج آخر أن لا يُستقدم إلا سائق مسلم مستقيم عند وجود الحاجة والضرورة إليه ، فإن كان لابد من السائق الأجنبي أو قيادة المرأة للسيارة اخترنا السائق الأجنبي لأنه أخف ضرراً بكل المقاييس من قيادة المرأة ، ومن قواعد الشريعة "الضرر الأشد يدفع بالضرر الأخف" و"ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعظمهما".
ولا يفوتنا أن نذكر الجميع ببيان اللجنة الدائمة للإفتاء برأسة سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله ، بتاريخ 25/1/1420هـ والمتضمن التحذير من المطالبة بقيادة المرأة للسيارة لما يترتب عليها من مفاسد.
وفتوى فضيلة الشيخ / محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله بتاريخ 1420هـ ، المتضمنة التحذير من مفاسد قيادة المرأة للسيارة.
أخيراً نقول :
أليس من العجب ومما يدعو إلى الشك والريبة أنه لم يدع إلى قيادة المرأة للسيارة عالم ولا داعية ولا مصلح ولا محتسب ، بل إن أغلب المتحمسين لها هم الذين ينادون بتغريب المرأة المسلمة ، أليس في هذا دليل على أن وراء الأكمة ما وراءها وأنه أمر قد قضي بليل وأٌريد به إفساد المرأة المسلمة ، وأن الدعوة لقيادة المرأة للسيارة صنيعة دعاة تغريب المرأة المسلمة ووسيلة خطيرة لتحقيق أهدافهم الخبيثة.
وإننا في نهاية هذا البيان نطالب هؤلاء الداعين إلى قيادة المرأة للسيارة بتقوى الله عز وجل والتوبة إليه ، وعدم إثارة الفتنة وإشاعة البلبلة في مجتمعنا وأن يحذروا عذاب الله وعقابه ، ونشكر كل من بين للأمة مفاسد قيادة المرأة للسيارة وحذر من عواقبها ،وندعو العلماء إلى القيام بما أوجبه الله عليهم من النصح والإصلاح والبيان للأمة .
وندعو ولاة الأمر وفقهم الله إلى الأخذ على أيدي السفهاء الذين يريدون خرق سفينة المجتمع وإغراقها قياماً بالمسئولية والأمانة التي ولاهم الله إياها ،ومنعاً للفرقة والاختلاف والتنازع في ظل ما تعيشه المنطقة من حروب وقلاقل .
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وولاة أمورهم وأن يكبت عدوهم من الملحدين والمنافقين وأن يحفظ نساء المسلمين من كل شر وبلاء ورذيلة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .