تخطى إلى المحتوى

قصة الفتى الصامت 2024.

قصة الفتى الصامت

خليجية

"الفتى الصامت"
تأليف
إيهاب سعد محمدى
إلى كل أب وكل أم وكل مربى
بالعطف والحكمة نربى رجالا
وليس بالقسوة والقهر
الفتى الصامت
تبدأ القصة بطفل فى عمر السادسة , طفل عاش ينظر لما حوله ولا يتكلم , عاش حياة نفسية قاسية , فوالدته توفت أمام عينيه فى منزل جدته , فقد كانت مريضة وحامل وقد لفظت أنفاسها الأخيرة مع خروج الجنين منها والذى لم يرى الدنيا قط , وتجمع الناس حينها صعد الفتى إلى سطح المنزل وظل يبكى ويبكى ونظر الفتى
إلى الشارع فوجد خشبة الموتى موضوعة أمام البيت والناس ينتظرون تكفين والدته حينها شعر أن روحه تنسحب منه شعر بأن العطف والحنان ذهبوا من هذه الدنيا شعر بأنها النهاية , وكان والده يتسم بالعصبية والشدة , فظل يبحث عن العطف والحنان فوجده فى الصمت , فهو لم يكوِّن صداقات مثل ما كان الأطفال فكان منعزلا اجتماعيا , من الظاهر ننظر إليه نجده يلعب مع أطفال المنطقة وهذا فى أوقات محدودة ولكن من داخله نجده إنسان منعزل عن الناس ولا يتكلم كثيرا ويحب أن يبقى بمفرده ويتأمل ما حوله , وعندما كان يضربه والده يظل يبكى بمفرده فى صمت , ويُحدث نفسه هذه هى شدية الوالد فأين حنان الأم , بالطبع المعادلة غير متزنة , فظل يُضرب ويُقهر وهو متأكد أن والده يحبه بشدة , ولكن الوالد قد لا يحب أن يظهر هذا الحب والعطف.
تابع …

ظل هذا الفتى ما بين مدرسته ومكتب تحفيظ القرآن والمسجد , ولم يكوِّن صداقات يذهب إليهم ويأتوا له , وفى المدرسة يجد نفسه وسط زملائه صامتا لا يستطيع مجارات الحديث معهم , وعندما يتكلم قد لا يستمعون له , لأنه تعلم ثقافة القهر والصمت الذى تكلم عنها "باولوفر" البرازيلى , ولم يتعلم هذا الفتى ثقافة الحوار والتعامل مع الناس , وفى السنة الخامسة من المرحلة الابتدائية أو ما قبلها ذهب هذا الفتى مع والده ليعمل فى القطن ضمن العمالة التابعة للجمعية الزراعية , وظل ينظر ويتأمل ويكتسب فلقد رأى الخير والشر , والجيد والخبيث , ومن فضل الله عليه أنه كان يستطيع التمييز , وفى أيام الدراسة كان الفتى يتفرغ للدراسة وليس هذا بالمعنى الحرفى , لم يكن يعمل أيام الدراسة ولكنه أيضا كان قليل المذاكرة , فطالما والده خارج المنزل كان يشعر بالحرية والانطلاق فى حدود المنزل , فكان يخاف أن ينزل إلى الشارع ليلعب مع أطفال المنطقة حتى لا يأتى والده فجأة ويحدث ما لا يحمد مثواه , فقد كان مكان الحرية وفى نفس الوقت مكان الاعتقال , فطالما والده خارج المنزل نجده يشاهد التلفاز والذى يزيد من صمته , وبمجرد أن يسمع صوت الدراجة البخارية الخاصة بوالده يهرول ويُفزع ويدخل حجرة أخرى متظاهرا بأنه يذاكر , أو يصعد فوق سطح المنزل أيضا ليتظاهر أنه يذاكر , ورغم ذلك كان يحصل على درجات عالية فدخل الثانوية العامة وهى فترة حرجة بالنسبة له فترة المراهقة , وكان فى مدرسة مشتركة بنين وبنات , وحينها بدأ يتأمل العلاقات التى كانت موجودة بين زملائه , وأن فلان يحب فلانه وآخر يحب أخرى , وهو صامت ينظر يتأمل كيف يتعامل الناس مع بعضهم البعض , وصاحب هذا الشاب صديق وكان أيضا قليل الكلام , وظلت الصداقة بينهم حتى فرقتهم الجامعة ولكن الاتصالات كانت موجودة , وعندها بدأ يتكلم ويحكى له ولكن ليس كل شئ , فالصمت غلب عليه وأسكته.
تابع
بعدها دخل الجامعة , وظل ينظر ويتأمل العلاقات بين الشباب فى صمت وهيم , وتفوق هذا الشاب حتى أصبح الأول على زملائه وهنا بدأ الإهتمام به من زملائه وأصبح بؤرة الناظرين , حينها ومن هذا الاهتمام شعر أن زميلة من زملائه قد أعجبت به , ومن ثم أعجب بها هو الآخر , ولكنه لم يصارحها وظل صامتا , يخرج كل مشاعره فى ورق , وهنا تحدثت اليد وظل اللسان صامتا , وحرص هذا الشاب على أن لايرى أحد ما يكتبه ….
تابع
بعدما تخرج الشاب من الجامعة عمل فى مدرسة خاصة بعيدة عن محل إقامته , ووجد فيها القهر أيضا , تحكم من المدرس الأول ومــن
الموظف الذى كان يتحكم فى دفتر الحضور والانصراف , ومن نظام المدرسة ككل والذى فيه إذا حدثت مشكلة نلجأ إلى مشرف الدور ليأتى ويعاقب من سبب المشكلة والمدرس وافق ومنها يخاف الطلاب من المشرف ولا يخافون من المدرس , وزادت المصاريف ولم يتحمل الشاب هذا النظام , وترك المدرسة وبعدها يئس من كل ما حوله , يئس من فرصته فى التعيين بالكلية , وشعر بأن حالة من الاكتئاب تسايره , فلقد أصبح دون عمل , وليس فى حياته إلا المشاكل الأسرية وزراعة الأرض , وتعب من الحياة ودعى الله بينه وبين نفسه " اللهم إن كانت الحياة خير لى فأحيينى وإن كان الممات خير لى فأمتنى " , وبدأ يشعر بأنه يمكنه عمل أى شئ بلا مبالاة وبدون قيم , فلا شئ يجدى وشعر بخيبة أمل , ولربما هو عدم رضا من الله , فدعى الله أن يرضى عنه ويسامحه ويغفر له , وقال " لولا والدى لذهبت دون رجعة أريد أن أنطلق , أريد أن أخرج إلى العالم لأجد مثواى , أريد أن يمن الله علىَّ من فضله ".
تابع
عندما يجلس هذا الشاب بمفرده يتذكر والدته ويقول فى صمت " قلبى ينفطر دمعا عندما أذكر والدتى أو عندما يتعصب علىَّ والدى ويصرخ فىَّ بالكلام , أحتاج حينها إلى قلب الأم وحنانها فتضع يدها على صدرى لتريحنى من هذا الهم الذى أثقل على حمولتى , والذى بسببه أسرح كثيرا , وأبكى أحيانا لكى يرفع البكاء من هذا الهم , بسبب شدية والدى أشعر أنى مكبل اليد والفكر واللسان , لا أستطيع عمل شئ خوفا منه , وأشعر أننى تائه حائر لا أجد ضالتى أبحث عن الحنان والعطف.

تابع

ومرت الأيام , وتخرج الشاب من الجامعة وعين معيدا فى نفس الكلية , وكان يشعر بالخوف الشديد من هذه المسئولية رغم أنه تحمل مسئولية نفسه وبعض من مصاريف دراسته منذ أن بدأ يعمل فى فترة الأجازة , إلا أن الدخول إلى حياة العمل والتعامل مع الناس أخافه بشدة.
وكان أمرا حتميا أن يدخل هذا الشاب إلى هذا العالم , وفى بداية الأمر وجد الأمر شديد الصعوبة فكيف أنه سيتعامل مع زملائه والموظفين والطلبة , فظل فترة طويلة صامتا , وبدأت الأيام تتوالى ويمر الموقف تلو الآخر , فأيقن الشاب أن الدنيا لا تحتاج إلى هذا الصمت , فالدنيا مجتمعات والمجتعات أفراد يتعاملون مع بعضهم , ولكن كيف سيتعامل وهو لا يملك فن هذا التعامل , فالدنيا بها الخير والشر ولكل منهم له معاملة خاصة فما هى هذه المعاملة ؟! وكيف نحدد المعاملة ؟!

تابع

وتعرض الشاب لمواقف شتى ويخرج من هذه المواقف بالصمت و الجلوس على النيل ليناجيه ويرمى فى أعماقه كل همومه ويبحر إلى عالمه الخاص الذى يرسمه بنفسه – خياله الواسع – . وفى ذات مرة صعد الشاب إلى سطح المنزل واستلقى على ظهره ونظر إلى السماء وإبداع الخالق عز وجل , فوجد سحابة سوداء وأخرى بيضاء , وإذ بالسحابة السوداء تقترب من السحابة البيضاء وتختلط بها فإذ بالسحابة كلها تصبح سوداء , فحزن الشاب وحدث نفسه وقال دائما ما يحارب الشر الخير ودائما ينتصر الخير , فماذا حدث؟! وكيف طغى السواد على السحابة البيضاء ؟!
تابع
عندها نزل المطر من هذه السحابة , وإذ بالسحابة كلها تصبح بيضاء فيفرح الشاب لهذا ويصمت وينظر إلى صفاء السحابة البيضاء وكيف أنها لا يشوبها غضب ولا حقد ولا قسوة فوجدها ناعمة المنظر , ناصعة البياض , صافية , هادئة.
وقال فى نفسه لماذا لاتكون الدنيا مثل هذه السحابة البيضاء , وتذكر قسوة والده وبكى ….
ومرت الأيام , وأعجب هذا الشاب بزميلة له فى العمل ولكنه انتظر صامتا حتى يصبح مستعدا ماديا للإرتباط بها , وكانت عملية المصارحة صعبة جدا عليه ولكنها لابد أن تتم , وبالفعل تقدم لها وخطبها وشعر بالسعادة لذلك ولكنه قد يعجز عن التعبير عن هذه السعادة بالكلام المباشر, فيعبر عنها فى رسائل على المحمول , فينظر إليها ويتأمل ويحاول أن يخرج كل مشاعره , ولكن الصمت كان ملازه والتأمل كان لغته.
تابع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.