الايمان بالغيب
النصوص:
يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم
الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4) أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5)
(سورة البقرة : الآيات 1-5)
***********************************
عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى عليه و سلم قال مجيبا جبرائيل عليه السلام عندما سأله عن الإيمان بالغيب: "أن تؤمن بالله، و ملاءكته و كتبه، و رسله، و اليوم الآخر، و تؤمن بالقدر خيره و شره." رواه الأمام مسلم (كتاب الإيمان)
*المحور الأول: مفهوم الإيمان بالغيب
*1- تعريف سورة البقرة:
مدنية و آياتها 286 آية، تعنى بأمور التشريع.
*2- الشرح:
– ألم: هذه الأحرف و مثيلاتها تدل على إعجاز القرآن.
– لا ريب: لاشك فيه.
– يومنون: يصدقون تصديقا جازما.
*3- المستفاد:
تتضمن الآية بيان صفات المؤمنين الصادقين.
*4- التحليل:
• معنى الغيب:
– لغة: هو الشك و كل ما غاب عن الحواس، و هو قسمان: قسم قابل من أن يكون من عالم الشهادة، و قسم غير قابل لذلك.
– اصطلاحا: هو ما استأثر الله بعلمه و لم يطلع عليه أحدا إلا من ارتضى من رسول.
• مفهوم الإيمان بالغيب:
– الإيمان لغة هو التصديق و شرعا تصديق رسول الله صلى الله عليه و سلم بما جاء به عن الله، و يشمل الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره.
– القرآن الكريم هو سبيل المؤمنين الصادقين للفوز و الفلاح.
– و الحكمة في تقديم عالم الغيب على عالم الشهادة في الآيات السالفة تتجلى في كون الأمور المغيبة لا تتناها و أن الإيمان بها يعد مدخل الإيمان بالباقي.
*المحور الثاني: أركان الإيمان بالغيب:
*التعريف براوي الحديث:
عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، و صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلـم استشـهد سنـة 23 هـ.
*المستفاد:
يتضمن الحديث بيان أركان الإيمان التي يجب التصديق بها.
*التحليل:
أ- الإيمان بالغيب:
و يشمل الإيمان بأركانه الواردة في الحديث قولا و عملا.
• الإيمان بالملائكة:
*من هم الملائكة ؟ خلق عظيم خلقهم الله من نور لا يحصي عددهم إلا الله، لا يتصفون بالذكورة أو الأنوثة، و لا يعصون الله ما أمرهم و يتصفون بالصفات التالية:
– العبودية لله عز و جل.
– التقيد بأوامر الله سبحانه و تعالى.
– القدرة على التشكل بأي شكل.
*دليل وجودهم ؟ الوحي الصحيح من القرآن قوله تعالى: "و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيئين.
*وظائفهم ؟ تختلف حسب منزلتهم عند الله، فمن أكابرهم جبريل عليه السلام و هو صاحب الوحي، و منهم ميكائيل و هو مكلف بأرزاق العباد، و منهم إسرافيل و هو صاحب الصور، و منهم عزرائيل و هو رئيس ملائكة الموت و منهم حملة العرش و ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب.
• الإيمان باليوم الآخر:
*ضرورة الإيمان باليوم الآخر: الموت نهاية حاسمة لكل حي لذا وجب الاستعداد لما بعده بالعمل الصالح.
*حياة البرزخ: تظافرت الأدلة من القرآن الكريم و من السنة على أن القبر ليس عالما يخيم عليه الصمت، بل هو عالم يعذب فيه الأشرار و ينعم فيه الأبرار إلى أن يقضي الله بقيام الساعة.
*قيام الساعة: و هو من أخطر الأنباء الغيبية التي أخبر عنها القرآن لبعده عن المألوف "يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد"، حيث سيحاسب الناس على أعمالهم "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره".
ب- الإيمان بالقضاء و القدر:
و دليل وجوده هو حديث جبريل المتقدم، كما أن الإيمان بالقضاء و القدر فيه اعتراف بعلم الله و قدرته و إرادته عز و جل.
*مفهوم القضاء: لغة: إتمام الشيء و إنهاؤه، و اصطلاحا هو إرادة الله المتعلقة بالأشياء على وفق ما توجد عليه في وجودها.
*مفهوم القدر: تبين مقدار الشيء، و اصطلاحا هو إيجاد الله تعالى الأشياء على مقاديرها المحددة سلفا بالقدر.
*وجوب الإيمان بالقضاء و القدر: و معناه أن نؤمن بأن الله علم في الأزل بجميع أفعال العباد، و أن ما يقع و ما يصدر من العباد يحدث بعلم الله عز و جل.
و هذا بطبيعة الحال لا علاقة له بالخبر…..، لأن هذا يتنافى مع حقيقة التكليف و الابتلاء، قال تعالى: "و قل الحق من ربك فمن شاء فليومن و من شاء فليكفر".
• ما نحن مجبرون عليه:
جميع ما يسري على الناس و ما ينفذ فيهم وفق مشيئة الله تعلى كوقت الولادة، الوفاة…
• ما نحن مخيرون فيه:
كل ما يصدر عنا بيقظة عقلنا و رقابة ضمير، و الهذا القسم من الأعمال هو الذي يحاسب عليه الناس.
النصوص:
يقول تعالى في سورة النساء:
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً(163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً(164) رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً(165)
(سورة النساءالآيات 163-165)
**********************
يقول تعالى في سورة الفرقان:
وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً(20)
(سورة الفرقان الآية 20)
*************************
يقول تعالى في سورة النساء:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً(136)
( سورة النساء الآية 136)
******************************
المحور الأول: حاجة البشر إلى الرسل:
1- تعريف سورة النساء:
مدنية، و عدد آياتها 176، تعنى بقضايا التشريع
2- الشرح:
– رسلا مبشرين و منذرين: مبشرين للمؤمنين و منذرين للعصاة.
– حجة: عذر.
3- المستفاد:
تتضمن الآية بيان الغاية من بعث الرسل، هي قطع الحجة على الله يوم القيامة.
4- التحليل:
أ- الدين ضرورة إنسانية:
– قال تعالى: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" أي أن التدين فطرة متأصلة في النفوس البشرية.
– الاعتماد على العقل وحده غير كاف لإدراك حقائق الدين لذا كان الاسترشاد بالرسل واجبا، و لأن الدين يجيبنا وحده عن الأسئلة المصيرية المتعلقة بالإنسان.
ب- الغرض من بعثة الرسل:
دعوة الناس إلى التوحيد و إقامة دين الله في الأرض و تزكية نفوس المكلفين و قطع الحجة عليهم يوم القيامة "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل".
ت- دور الدين في توجيه العقل:
قدرة العقل محدودة عن إدراك حقائق الدين و الإحاطة بالغيب، لذا فإن دوره يتجلى في فهم ما جاء به الدين، و ما تلقاه عن الرسل متى ثبت بطريق صحيح.
المحور الثاني: صفات الرسل عليهم السلام:
1- تعريف سورة الفرقان:
مكية و عدد آياتها 77، تعنى بأمور العقيدة.
2- الشرح:
– فتنة: محبة و بلاء.
– أتصبرون: الاستفهام للأمر بوجوب الصبر.
3- المستفاد:
تتضمن الآية بيان اتصاف الرسل بالأغراض البشرية و التأكيد على وجوب الصبر عند الابتلاء.
4- التحليل:
أ- النبي و الرسول:
النبي هو من أوحي إليه و لم يؤمر بالتبليغ، و الرسول هو من أمر بالتبليغ.
من هنا كان الرسول أعظم درجة من النبي لصلته بالله و عليه فكل رسول نبي و ليس العكس.
ب- صفات الرسل عليهم السلام:
الرسل عليهم السلام يتصفون جميعا بكمالات الأخلاق، لأنهم مبلغون عن الله، و قدوة للناس.
و صفات الرسل ثلاثة أقسام هي:
• الصفات الواجبة:
و هي التي تجب في حقهم:
الصدق: و يعني عصمته من الكذب و اتصافه بصدق النية و الإرادة و القـول و الفعـل و دليل على معجزاتهم الباهرة.
الأمانة: في الظاهر و الباطن، لذا أمرنا بالاقتداء بهم عليهم السلام.
التبليغ: و معناه أن الرسل بلغوا جميع ما أمروا بتبليغه.
الفطانة: و بها يعرف الرسول ما يلقى إليه من الوحي و يحفظه و يبلغه، مثال ذلك قصة ابراهيم عليه السلام، و حسم الرسول صلى الله عليه و سلم الخلاف بين قبائل العرب في وضع الحجر.
• الصفات المستحيلة:
و هي أضداد الصفات الواجبة كالكذب، و الخيانة، الكثمان، البلادة.
• الصفات الجائزة:
فالرسل باعتبارهم بشر يجوعون و يمرضون و يموتون لأن حكمة الله شاءت أن يتخذ من البشر رسلا.
المحور الثالث: الإيمان بالرسالات السماوية:
1- المستفاد:
الأمر بالإيمان بالكتب السماوية و التحذير من الكفر.
2- التحليل:
أ- وحدة الرسالات السماوية:
تعني أن مصدرها واحد هو الله عز و جل و غايتها كذلك و هي إفراده عز و جل بالـربوبية و الألوهية، و تتجلى وحدة الرسالات في
– وحدة العقيدة: أي أن الرسل جميعا دعوا إلى عبادة الله الواحد.
– رعاية مصالح الناس: بسن تشريعات و أحكام تجلب المصلحة للناس و تدفع الضرر عنهم بلغت غايتها تشريعات الإسلام.
ب- وجوب الإمان بالكتب السماوية المنزلة:
أي الاعتقاد بأن الله أنزل كتبا على رسله عرفناها أو لم نعرفها، كالتوراة و الإنجيل. و هذا الاعتقاد لا يستلزم الاعتقاد بصحتها لأنها تعرضت للتحريف و لا يستلزم العمل بأحكامها بعد مجيء الإسلام لأنه مهيمن عليها و ناسخ لأحكامها.
ت- القرآن الكريم مهيمن على الكتب السماوية:
أي له ميزات على هذه الكتب هي:
– كونه ناسخ لها لفظا و حكما.
– كونه شاهد على الصحيح منها و كاشفا للتحريف الذي لحقها سواء على مستوى العقيدة أو التشريع.
– كونه محفوظا بعناية الله من كل تحريف.
– كونه شاملا لأصول الهداية البشرية، قال تعالى: "إن هذا القرآن ليهدي للتي هي أقوم".
النصوص:
يقول الله تعالى:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ(15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(16)
(سورة المائدة الآيتان :15-16)
***********************
يقول الله تعالى:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(13) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ(14)
(سورة هود الآيتان 13-14)
**********************
يقول الله تعالى:
قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً(88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً(89)
(سورة الإسراء الآيتان :88-89)
***************************
المحور الأول: القرآن كتاب هداية و تشريع:
1- المستفاد:
تتضمن الآية التأكيد على أن القرآن نور يهدي المؤمنين إلى الصراط المستقيم.
2- التحليل:
أ- القرآن كتاب هداية:
القرآن في اللغة مصدر قرأ أي تلا، و اصطلاحا: كتاب الله تعالى المنزل على الرسول صلى الله عليه و سلم بواسطة جبريل عليه السلام بلسان عربي مبين، المعجز بلفظه و معناه، المتعبد بتلاوته المنقول إلينا بالتواثر. و قد تكفل الله تعالى بصيانته من كل تحريف.
و القرآن معجزة الرسول عليه الصلاة و السلام، و كل من التزم بأحكامه هداه إلى الصراط المستقيم، قال الله تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".
ب- القرآن كتاب تشريع:
القرآن الكريم أساس الدين و حجة الله على الناس، و تشـريعاته ملـزمة و تشمـل العقيـدة و العبادات و الأخلاق و تنظم حياة الناس الخاصة و العامة.
المحور الثاني: الإعجاز القرآني و دواعيه:
1- المستفاد:
تتضمن الآية: عجز المشركين عن معارضة بعض القرآن دليل على أنه من الله الذي يجب الإيمان به تعالى.
2- التحليل:
أ- مفهوم الإعجاز:
لغة: نسبة العجز إلى الغير، و اصطلاحا: هو العلم الذي يبين كيف أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل هذا القرآن أو بعضه.
ب- دواعي الإعجاز:
متعددة منها:
تصديق الرسول صلى الله عليه و سلم في دعوته: حيث تحدى المشركين بالإتيان بمثل القرآن، و عجزهم دليل على صدق الرسول و على أن القرآن من الله لا من غيره.
إحقاق الربوبية لله تعالى: بإيراد الأدلة العقلية و العلمية على وحدانية الله عز و جل، قال تعالى: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا".
إفحام مشركي العرب: الذين اشتهروا بالفصاحة و عرفوا بالبيان لكنهم عجزوا عن الإتيان بمثل بعض القرآن مصداقا لقوله تعالى: "و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله".
خلود معجزة القرآن: فتشريعات القرآن الكريم تتميز بالدوام و الصـلاحية لكـل زمـان و مكان، قال عز و جل: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".
المحور الثالث: أوجه الإعجاز في القرآن:
1- تعريف سورة الإسراء:
مكية، و عدد آياتها 110، و تعنى بأمور العقيدة.
2- الشرح:
– اجتمعت: اتحدت، اتفقت.
– مثل هذا القرآن: في الفصاحة و القرآن و التشريعات و الحكام.
– كفورا: جحودا للحق.
3- المستفاد:
عجز الإنس و الجن عن الإتيان بمثل القرآن دليل على أنه من الله لا من غيره.
4- التحليل:
أوجه الإعجاز القرآني متعددة منها:
أ- الإعجاز البياني:
فالقرآن الكريم اشتمل على جميع أوجه الفصاحة التي كانت تعهدها العرب، و نميز بمطـالعه و فواصله و فواتح سوره، فكانلك دليلا على إعجازه البياني (الآية 44 من سورة هود).
ب- الإعجاز التشريعي:
فالقرآن الكريم اشتمل على تشريعات و أحكام تحقق للناس العدل و المسـاواة و خيـر الدنيـا و الآخرة، هي تستمد خصائصها من القرآن الذي يتميز بكونه:
رباني في مصدره: و معناه ان لفظ القرآن من الله عز و جل.
شمولي في نزعته: أي أنه جاء لرعاية مصالح الناس عامة.
بين المصلحة العامة و المصلحة الخاصة: دون إفراط و لا تفريط لأن الإسلام دين الوسطية و الاعتدال.
متكامل و دائم: أي أنه صالح لكل زمان و مكان ينظم علاقات الناس على أساس استحضار مراقبة الله عز و جل.
ت- الإعجاز العلمي و الغيبي:
و معناه ان القرآن أخبر عن حقائق علمية زادها مرور الزمن تأكيدا كخلق الإنسان و أهمية الماء، كما أخبر القرآن عن أمور غيبية لم يشهدها الرسول صلى الله عليه و سلـم كقصص الأنبيـاء و خلق الكون و حقيقة المنافقين، و هذا دليل على أنه من الله عز و جل و أن الرسول صلى الله عليـه و سلم صادق.
النصوص:
عن المقدام من معد كرب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا و بينكم كتاب الله، فما وحدنا فيه من حلال استحللناه، و ما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا و إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله عز و جل".
سنن ابن ماجة (باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم)
حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، أخبرنا عمر بن سليمان قال: سمعت عبد الرحمان بن أبان بن عثمان يحدث عن أبيه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلميقول: "نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه عنا كما سمعه، فرب مبلغ أوعى له من سامع".
رواه الترمذي (باب في الحث على تبليغ السماع)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلمأنه قال: "سيأتيكم علي أحاديث مختلفة، فما جاءكم موافقا لكتاب الله و سنتي، فهو مني، و ما جاءكم مخالفا لكتاب الله تعالى و سنتي فليس مني".
رواه الخطيب البغدادي
المحور الأول: مكانة الحديث في التشريع
1- التعريف بالراوي:
المقدام بن عمر بن يزيد صحابي جليل، روى عن النبي صلى الله عليه و سلمكثيرا من الأحاديث و توفي سنة 87 هـ.
2- الشرح:
يوشك: أمر وشيك أي قريب الوقوع.
3- المستفاد:
يتضمن الحديث التأكيد على العمل بالنسبة كما هو الشأن بالنسبة للقرآن.
4- التحليل:
أ- وجوب العمل بالحديث الشريف:
الحديث الصحيح يجب العمل به لأن الله أمر بذلك مصداقا لقوله تعالى: "و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا"، و لأنه حجة شرعية و لأن السنة تعتبر المصدر الثاني في التشريع.
ب- استقلال الحديث بالتشريع:
الحديث الشريف يؤكد أحكام القرآن تارة و يفصل مجمله و يبين مبهمه، و يؤسس أحكاما جديدة لم ترد في القرآن كتوريث الجدة السدس، و تحريم الذهب و الحرير على الرجال و عقوبة شارب الخمر.
المحور الثاني: مصطلح الحديث:
1- التعريف بالراوي:
زيد بن ثابت الأنصاري صحابي جليل اشتهر بحفظ الحديث و جمعه كما اشتهر بحفظ القرآن و جمعه في عهد أبي بكر و عثمان، توفي سنة 45 هـ.
2- الشرح:
– نضر: حسن و جمل.
– يبلغه: يرويه و يؤديه.
3- المستفاد:
يتضمن الحديث حث الرسول صلى الله عليه و سلمعلى سماع الحـديث و حفظـه و تبليغـه و العمل به.
4- التحليل:
أ- نشأة علوم الحديث:
اهتم العلماء بالحديث لصيانته من التحريف و ظهرت علوم مختلفة لخدمته كعلم أسباب ورود الحديث و علم التراجم، و علم المصطلح.
ب- علم المصطلح:
و يهتم بالحديث الشريف سندا و متنا، و معرفة المقبول من المردود، و من فوائده صيانة السنة و صيانة الشريعة من التحريف.
علوم الحديث رواية و دراية:
نقصد بعلم الحديث رواية: العلم الذي يبحث في الحديث الشريف من حيث نقله بدقة، و بعلم الحديث دراية: العلم الذي يبحث في القواعد التي تعرف بها أحوال الرواية من حيث قبولها أو ردها.
و علم الحديث رواية و دراية هو العلم الذي يبحث في الحديث من جهتي السند و المتن.
سند الحديث:
السند لغة: ما يستند إليه، و اصطلاحا سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث من مصدره الأول.
و علم المصطلح يهتم بالسند من عدة وجوه منها: عدالة الرواة و ضبطهم و البحث في الرواية من حيث كيفية تحملها و الألفاظ المستعملة فيها.
متن الحديث:
لغة ما ارتفع و صلب من الأرض و اصطلاحا: ألفاظ الحديث سواء كانت للرسول صلى الله عليه و سلمأو للصحابة متى نقلوا سنته عليه السلام الفعلية.
اهتمام العلماء بسند الحديث كانت غايته تحقق من متنه لدى قسم الأحاديث إلى أقسام مختلفة.
المحور الثالث: تمحيص الحديث و نقده
المستفاد:
يتضمن الحديث بيان الرسول صلى الله عليه و سلمشروط الحديث الصحيح.
التحليل:
1- العناية بتمحيص الحديث:
اهتم العلماء بالسنة النبوية للحفاظ عليها من التحريف و استرشدوا بما أكد عليه الرسول صلى الله عليه و سلم من أن السنة الصحيحة توافق كتاب الله و ما عرف من سنته عليه السلام.
2- نقد الحديث سندا و متنا:
– اهتم العلماء بالحديث سندا و متنا لأسباب منها مقاومة الوضع على الرسول صلى الله عليه و سلم بعد وفاته.
– الخوف من الوقوع في خطأ غير متعمد.
– صيانة السنة من التحريف.
أ- معايير نقد السند هي:
– الوضوح التام فيما يتعلق بالرواة.
– اتصافه بالعدالة و الأمانة.
– التزامه الصدق.
– اتصافه بالضبط و الإتقان.
– اتصال السند من أوله إلى منتهاه.
ب- معايير نقد المتن هي:
– الاحتكام إلى الكتاب و السنة الصحيحة.
– جزالة اللفظ و صحة المعنى.
– عدم تعارض الحديث مع حكم العقل و الحس و التجربة الصادقة.
– هذه المعايير المتعلقة بالسند و المتن كانت غايتها الحفاظ على حديث الرسول صلى الله عليه و سلم
النصوص:
يقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ
سورة المائدة الآية 1
************************
عن داود بن صالح المدني عن أبيه، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "إنما البيع عن تراض". رواه ابن ماجة في سننه (كتاب التجارة)
************************
يقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ
سورة النساء الآية :29
************************
المحور الأول: عقد البيع
1- التوثيق:
سورة المائدة مدنية، عدد آياتها 120 آية، تهتم بالتشريع.
2- الشرح:
أوفوا: التزموا.
العقود: العهود و المواثيق.
3- المستفاد:
الأمر بالالتزام بالعقود الشرعية.
4- التحليل:
أ- أصل العقود في الإسلام:
هو الآية الأولى من سورة المائدة و التي تأمر بالوفاء بالعهود الشرعية سواء كانت بين الإنسان و نفسه أو بينه و بين خالقه، أو بينه و بين غيره.
ب- مفهوم العقد:
لغة: هو الربط.
اصطلاحا: ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يتبين أثره في محله.
ت- أقسامه:
تنقسم العقود إلى:
– عقود مسماة: و هي التي وضع لها الشرع اسما و بين أحكامها، كعقود البيع.
– عقود غير مسماة: و هي التي استحدثها الناس لحاجتهم إليها كعقود التعاون.
ث- عقد البيع و حكمه:
تعريف عقد البيع: لغة: مبادلة مال بمثله، و اصطلاحا مقايضة مال قابل للتصرف فيه، بمال مثله مع الإيجاب و القبول على الوجه المأذون به شرعا.
حكمه: الجواز لقوله تعالى: "و أحل الله البيع و حرم الربا"، و قوله صلى الله عليه و سلم حين سئل عن أطيب الكسب: "عمل المرء بيده و كل بيع مبرور".
ج- حكمة مشروعيته:
أن تستقيم أحوال الناس الدينية و الدنيوية، و توسيع دائرة الانتفاع بالمال، و تحقيـق التعـاون و تبادل المنافع بين الناس.
المحور الثاني: أركان البيع و شروطه
1- المستفاد:
حصر رسول الله صلى الله عليه و سلم صحة البيع في الرضى بين البائع و المشتري.
2- التحليل:
أ- أركان البيع:
أربعة و هي:
– المتبايعان: و هما البائع و المشتري.
– المعقود عليه: و هو المبيع و الثمن.
– المعقود فيه: زمن البيع.
– الصيغة: و هي الإيجاب و القبول.
ب- شروط الأركان:
– بالنسبة للمتبايعين: يشترط في كل منهما ان يكون مميزا مالكا للمبيع و أن يكون حرا مختارا.
– بالنسبة للمعقود عليه: يشترط فيه أن يكون طاهرا (حلالا) و أن يكون منتفعا به، و أن يكون مقدورا على تسليمه و تسلمه، و أن يكون معلوما للمتبايعين، و ان يكون غير منهيا عنه شرعا.
– بالنسبة للمعقود فيه: و الهو الزمن الذي ينعقد فيه البيع و يشترط فيه أن لا يتزامن مع النداء لصلاة الجمعة.
– بالنسبة للصيغة: و هي الإيجاب و القبول و يشترط فيها أن تكون واضحة و من صورها التعبير باللفظ و التعاقد بالمعاطاة و التعبير بالإشارة و الكتابة.
المحور الثالث: أنواع البيع
1- المستفاد:
تتضمن الآية تحريم اكل أموال الناس بالباطل.
2- التحليل:
البيع الصحيح: هو الذي استوفى شروطه و أركانه فتترتب عليه آثاره.
البيع الفاسد: هو الذي اختل فيه شرط أو ركن، و هو غما منهي عنه أو محرم، و مثاله:
– بيع النجس أو المتنجس: كعظم الميت.. كالعسل
– بيع الغرر:
– بيع الربا: و هو قسمان:
*ربا النسيئة: هو زيادة مقابلة تأخير دفع الدين.
*ربا الفضل: بيع الجنس بجنسه متفاضلين.
يقول الله تعالى:
وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ.
[/center]
******************************
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: اشتركت أنا وعمار و سعد فيما نصيب يوم بدر، قال: "فجاء سعد بأسيرين، و لم أجيء أنا و عمار بشيء".
******************************
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: قال الله تعالى: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان خرجت من بينهما".
******************************
المحور الأول: الشركة و الحكمة من تشريعها
1- التوثيق:
سورة ص مكية عدد آياتها 38 آية، و تهتم بأمور العقيدة.
2- الشرح:
– الخلطاء: الشركاء.
– ليبغي: يتعدى و يجور و يظلم.
– آمنوا و عملوا الصالحات: المومنون الصالحون.
3- المستفاد:
تتضمن الآية التأكيد على أن قوة الإيمان تجنب صاحبها الظلم في الشركة.
4- التحليل:
أ- تعريف الشركة و حكمها:
لغة: الخلطة، و اصطلاحا: خلط مالين أو أموال بين شخصين أو أشخاص بعقد صحيح لتحصيل الربح.
و حكم الشركة: الجواز، قال الله تعالى: "فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث"، و في الحديث القدسي يقول الله تعالى: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه".
ب- الحكمة من تشريعها:
– تحقيق التعاون بين المسلمين.
– تبادل المنافع بينهم.
– تسهيل المعاملات المالية و تداول المال.
المحور الثاني: أنواع الشركات
1- التوثيق:
عبد الله بن مسعود: هو أبو عبد الرحمن، صحابي جليل من السابقين للإسلام، هاجر إلى الحبشة و إلى المدينة و شهد له الرسول صلى الله عليه و سلم بالجنة، و توفي سنة 32 هـ.
2- الشرح:
نصيب يوم بدر: نحصل عليه من الغنيمة يوم غزوة بدر.
3- المستفاد:
بيان جواز شركة العمل.
4- التحليل:
يمكن تقسيم الشركات إلى نوعين رئيسيين هما:
أ- الشركة الممنوعة:
و هي التي لا يجوز انعقادها لأنها لا تنعقد على ما ينعقد عليه الشركات الجائزة، و هو المال أو العمل أو هما معا و مثالها شركة الوجوه أو الذمم: و هي التي يشتري فيها الشركاء السلع التي يتاجرون فيها بجاههم، و يكون الدين في ذمتهم، على أساس أن يقتسموا الربح و الخسارة و هي غير جائزة، و يحكم بفسخها لأنها قائمة على الغرر (الغش).
ب- الشركات الجائزة:
و هي التي يجوز انعقادها شرعا لأنها قائمة على المال أو العمل أو هما معا.
أركانها: أربعة و هي:
– العاقدان: الشركاء.
– المحل: و هو المال أو العمل.
– الصيغة: الإيجاب و القبول (قائمة على الرضى).
شروطها:
لصحة هذه الشركات لابد من توفر شروط و هي:
– أهلية التصرف في العاقدين.
– اشتراك جميع الشركاء في الربح بنسبة محددة و من أمثلتها:
*شركة الأعمال:
و هي التي يتعاقد فيها الشركاء على القيام بعمل محدد على أن يكون ما يحصلون عليه من ربح حسب الاتفاق بينهم، و حكمها الجواز بدليل اشتراك أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم فيما غنموه في بدر.
أما شروطها فهي:
– اتحاد العمل أو تقاربه.
– اتحاد مكان العمل أو تقاربه، و اقتسام الربح حسب مقدار العمل.
*شركة القراض (المضاربة):
و هي عقد على اشتراك الربح الناتج من مال يكون من أحد الشريكين و عمل يكون من آخر، و حكمها الجواز.
و شروطها هي:
– أن يكون رأس مالها نقودا متداولة.
– أن يكون رأس مالها حاضرا و محددا.
– أن يتم تحديد نسبة الربح.
– أن لا يحدد للعمل أجل محدود.
– ألا يشترط أحد العاقدين لنفسه شيئا ينفرد فيه بالربح.
– ألا يشترط صاحب المال على العامل ضمان رأسمال إلا إذا كان سببا في ضياعه.
المحور الثالث: شركتا الأموال
المستفاد:
يتضمن الحديث بيان مباركة الله عز و جل لعمل الشركاء المخلصين.
التحليل:
نقصد بشركتي الأموال شركة الضمان و شركة المفاوضة:
أ- شركة الضمان:
و هي التي يتفق فيها الشركاء على اقتسام الربح الناتج عن اشتراك في مال يستثمرونه و يكون ذلك حسب مساهمة كل شريك، سميت بذلك لأنه لا يمكن لأحد الشركاء أن يتصرف منفردا بل لابد من استشارة باقي الشركاء.
أما شروطها فهي:
– أن يكون رأسمالها معلوما و أن تكون مساهمة كل شريك محددة.
– و نسبته في الربح محددة.
ب- شركة المفاوضة
و هي التي تعقد بين الشركاء على أن يكون لكل شريك منـه حـرية التصـرف، و أركـانها و شروطها في نفس أركان أركان و شروط الشركات الجائزة.
النصوص:
يقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ
*****************************
ويقول تعالى :
وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
*****************************
عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ و إن شاء ترك، فإن باع و لم يؤذنه فهو أحق به.
يقول الله تعالى:
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ
*********************************
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه و سلمسرية و أنا فيهم قبل نجد، فغنموا إبلا كثيرة، فكانت بينهما لهم اثني عشر بعيرا و نقلوا بعيرا بعيرا.
المحور الأول: الملكية في الإسلام
1- التوثيق:
سورة النساء: ورد اسمها في قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساءا".
2- الشرح:
بالباطل: بغير وجه حق.
السفهاء: ج. سفيه و هو من لا يحسن التصرف في المال.
3- المستفاد:
– تحريم أكل أموال الناس بالباطل.
– بيان تشريع الحجر على السفهاء حماية لأموالهم من الضياع.
4- التحليل:
أ- حماية الملكية في الإسلام:
أباح الإسلام الملكية بطرق مشروعة و شرع جملة من القوانين لحمايتها من أصحابها و من اعتداء الغير عليها، فحرم السرقة، و شرع الحدود و أمر بالحجر على السفهاء، كما شـرع الشفعـة و القسمة لحماية الملكية المشتركة.
ب- الحكمة من تشريع الشفعة و القسمة:
بالنسبة للشفعة هي حماية الشفيع من الضرر محتمل قد يلحقه من الشريك الجديد، و تفادي النزاع.
أما بالنسبة للقسمة فهي تمكن كل شريك من التصرف فيما يملكه دون مضايقة من الغير.
المحور الثاني: الشفعة
1- الشرح:
قضى: حكم.
2- المستفاد:
يتضمن الحديث بيان قضاء رسول الله صلى الله عليه و سلم بحق الشفعة في كل شركة لم تقسم.
3- التحليل:
أ- مفهوم الشفعة:
لغة: الضم و الزيادة.
اصطلاحا: استحقاق الشريك نصيب شريكه الذي باعه لأجنبي بنفس الثمن الذي بيع به.
ب- مشروعيتها:
السنة و الإجماع.
ت- أركانها: هي:
– الشفيع: و هو من يمتلك حق الشفعة.
– المشفوع منه: و هو من تملك حصة أحد الشركاء على الشياع بعوض.
– المشفوع فيه: و هو موضوع الشفعة.
– المشفوع به: و هو الثمن مع إضافة التكاليف.
ث- شروط الأخذ بالشفعة:
– أن يكون المشفوع فيه عقارا.
– أن يكون المشفوع فيه جزءا مشاعا.
– و أن يكون الشفيع مالكا للجزء الذي يشفع به.
– أن يخرج المشفوع فيه عن ملك أحد الشريكين بالبيع الصحيح و النهائي.
– أن لا يبدو من الشفيع ما يدل على إسقاط حقه في الشفعة قولا أو فعلا.
– أن يأخذ الشفيع جميع الجزء المشفوع.
– أن يدفع للمشتري المشفوعة به (الثمن)، مع التكاليف.
ج- أحكام الشفعة: منها:
– تصرف المشتري في المشفوع فيه لا يسقط حق الشفيع في الشفعة.
– إذا أحدث للمشتري زيادة في المشفوع فيه، وجب على الشفيع تعويضه.
– و إذا حدث نقصا وجب عليه الضمان.
– إذا تعدد الشفعاء فإنهم يشفعون بقدر ما يملكون.
– و إذا تنازل بعضهم عن حقهم في الشفعة لزم الباقي أخذ الجميع أو تركها.
ح- سقوط حق الشفعة:
يسقط حق الشفعة لأحد السببين:
– انعدام شرط من الشروط المتقدمة.
– أن يثبت ما يدل على عدم رغبة الشفيع في الشفعة و يكون ذلك بالإقرار أو الإشهاد.
المحور الثالث: القسمة
1- الشرح:
– حضر القسمة: قسمة التركة.
– فارزقوهم منه: أعطوهم شيئا منه.
2- المستفاد:
– تتضمن الآيةبيان مشروعية القسمة.
– يتضمن الحديث بيان إحسان الرسول صلى الله عليه و سلم إلى المجاهدين.
3- التحليل:
أ- تعريف القسمة:
لغة: إفراز النصيب.
اصطلاحا: هو إظهار حق الشريك و تعيين نصيبه فيما يملكه عن الشياع.
و دليل مشروعيتها: الكتاب و السنة و الإجماع.
ب- أنواع القسمة: قسمان هما:
و تكون في الأعيان كالدور و الأراضي و الأصول… ، و هي على ثلاثة أوجه:
قسمة ……… :
و تكون في الأشياء المتماثلة و الأنواع المتجانسة و يجبر عليها من امتنع عنها، و يرجع فيها بالغبن.
قسمة المراضاة بعد التقويم و التعديل:
و تتم بتراض المقتسمين بعد تقويم و تعديل المقسوم، و تجوز في الأشياء المتفق و المختلفـة، و لا يجبر عليها من امتنع، و يجوز الرجوع فيها بالغبن. قسمة المراضاة بلا تقويم و لا تعديل:
و تتفق مع النوع الأول في جميع شروطه و تختلف عنه في كونها لا يجوز الرجوع فيها بالغبن لأن كل المتقاسمين رضي بها في البداية.
قسمة منافع الرقاب:
و تجوز في منفعة الشيء دون الأصل و لا تجوز بالقرعة، و لا يجبر عليها من رفضها و هي على وجهين:
*قسمة بالإرمات: و هي أن ينتفع كل متقاسم مدة كساوية لانتفاع صاحبه.
*قسمة بالأعيان: و هي قسمة أعيان الأصول للانتفاع بها مدة محددة مع بقاء العين على أصل الشركة.
النصوص:
عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمنهم المرأة المحرومة التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول صلى الله عليه و سلم؟ و من يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ فكلم رسول الله فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب، قال: "يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم انهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه و إذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، و أيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها". رواه البخاري
عن الشائب بن يزيد قال: "كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، و إمرة أبي بكر، فصدرا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا و نعالنا و أزديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين جلدة حتى إذا عنوا و فسقوا، جلد ثمانين". رواه البخاري
عن معاد أن رسول الله صلى الله عليه و سلمقال له لما أرسله إلى اليمن: "أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد و إلا فاضرب عنقه، و أيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت و إلا فاضرب عنقها". (نيل الأوطار، ج. 7 ص 204)
يقول الله تعالى:
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ(2) الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ(3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5)
سورة النور الآيات :2-5
*****************
يقول الله تعالى:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(39)
سورة المائدة الآيتان 38-39
************************
و يقول الله تعالى:
إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(34)
سورة المائدة الآيتان :33-34
************************
المحور الأول: مفهوم الحدود و الحكمة من تشريعها
المستفاد:
يتضمن الحديث تأكيد الرسول صلى الله عليه و سلمعلى أن حدود الله لا يستثنى منها أحد
التحليل:
1- مفهوم الحدود:
– لغة: هو المنع و منتهى الشيء.
– اصطلاحا: عقوبة مقدرة شرعا سواء كانت حقا لله او حقا للعباد، و هي لا تقبل الإصقاط لأنها شرعت لصيانة الكليات (الدين، النفس، العقل، العرض، المال).
– الحدود و القصاص من جنس واحد، و لا يحق للحاكم أن تأخذه الرأفة في تنفيذها.
2- الحكمة من تشريعها:
هي منع الناس من اقتراف الجرائم و زجرهم عن المخالفات و إبعادهم عن الإفساد في الأرض و حملهم على فعل ما فيه صلاح.
3- أنواعها:
العقوبات في الإسلام نوعان:
عقوبة فوض المشرع تقديرها لاجتهاد الحاكم المسلم و تسمى التعازير و تتعلق بالجرائم الفرعية.
عقوبة مقدرة شرعا و هي لا تقبل الاجتهاد لأن فيها اعتداء على الضروريات الخمس التي جاء الشرع بحمايتها (الدين، النفس، العقل، العرض، المال)، و يمكن تصنيفها إلى :
– عقوبات الاعتداء على الأنساب و الأعراض: و تتعلق بالزنى و القذف.
– عقوبات الاعتداء على العقل و الدين: و تتعلق بجريمتي الردة و السكر.
– عقوبات الاعتداء على الأموال و الأمن العام: و تتعلق بجريمة السرقة و الحرابة.
المحور الثاني: حدود الاعتداء على العقل و الدين
المستفاد:
– يتضمن الحديث بيان عقوبة شارب الخمر.
– يتضمن الحديث بيان عقوبة الردة.
التحليل:
• 1- حد شرب الخمر:
أ- تعريف الخمر:
الخمر ما خامر العقل و عطل وظيفته، و قد حرمه الإسلام بجميع أشكاله لأضراره المختلفـة، و الإسلام حين وضع عقوبة لشرب الخمر هدف إلى صرف الناس عن أضرارها، قال تعالى: "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلاة فهل أنتم منتهون".
ب- عقوبة شرب الخمر:
هي الجلد ثمانون جلدة لأن شارب الخمر إذا شرب سكر، و إذا سكر هذى و إذا هذى افتـرى و حد المفتري ثمانون جلدة.
ت- شروط إقامة الحد:
هي أن يكون الشارب مسلما عاقلا بالغا و أن تثبت عليه جريمة باعتراف منه أو شهادة عدلين او بإحدى وسائل الإثبات و أن يكون غير مكره و لا مضطر، و أن يكون عالما بأن ما شـربه خمـر و أنه محرم.
• 2- حد الردة:
أ- تعريف الردة:
لغة: هي الرجوع عن الشيء، و اصطلاحا: هي رجوع المسلم المكلف عن الإسلام طوعا إما بالتصريح أو الفعل يتضمنه.
ب- علة عقوبة الردة:
عقوبة الردة هي القتل بعد استتابة المرتد، و لاشك أن الشريعة عاقبت بذلك لأن هذه الجريمة تقع ضد الدين و هو أساس النظام الاجتماعي و الغاية صرف الناس عن هذه الجريمة الشنيعة.
المحور الثالث: حدود الاعتداء على الأنساب و الأعراض
المستفاد:
بيان عقوبة جريمتي الزنى و القذف
التحليل:
أ- جريمة الزنى:
تعريف الزنى:
هو كل علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج الشرعي، و هو فاحشة عظيمة.
إثبات جريمة الزنى:
صيانة للأعراض، أكد المشرع أن إثبات هذه الجريمة يتم بالإقرار أو ظهور حمل من غير المتوجة أو شهادة الشهود، و يشترط فيهم:
– أن يكونوا أربعة.
– أن يكونوا عدولا مكلفين.
– أن يكونوا ذكورا.
– أن يشهدوا برؤية الجريمة مجتمعين.
عقوبة الزنى:
هي الجلد مائة جلدة لغير المحصن، و الرجم حتى الموت للمحصن.
شروط إقامة حد الزنى:
– أن يكون الزاني مسلما مكلفا.
– أن تثبت عليه الجريمة ثبوتا قطعيا.
– أن يكون عالما بالتحريم.
– أن لا يتراجع عن إقراره.
ب- جريمة القذف
تعريف القذف:
– لغة: الرمي بالحجارة.
– و اصطلاحا: الاتهام بوطء حرام او نفي النسب من الأب او تحريض بذلك.
علة تحريم القذف:
هي صيانة الأعراض و الأنساب من الاعتداء.
عقوبة القذف:
الجلد ثمانين جلدة و عدم قبول شهادة القاذف، و إسقاطها أبد الدهر.
المحور الرابع: حدود الاعتداء على الأموال و الأمن العام
المستفاد:
– تتضمن الآية بيان عقوبة جريمة السرقة.
– تتضمن الآية بيان عقوبة جريمة الحرابة.
التحليل:
أ- جريمة السرقة:
تعريف السرقة:
لغة: أخذ الشيء خفية على وجه التستر، و اصطلاحا: أخذ مال الغير من حرجه على وجه الخفية و التستر.
عقوبة السرقة:
هي قطع يد السارق جزاءا وفاقا و الغاية من ذلك حماية أموال الناس و ممتلكاتهم و محاربة النوازع النفسية التي تدفع إلى الاعتداء على مال الغير.
ثبوت جريمة السرقة:
تثبت بأحد الأمرين و هما: الاعتراف الصريح من الجاني، أو شهادة عدلين أو إحدى وسائل الإثبات الأخرى، إذا ثبتت السرقة يجب القطع متى توفرت الشروط التالية:
– أن يكون السارق مسلما.
– أن لا تربط بينه و بين صاحب المال المسروق علاقة أبوية أو بنوية أو زوجية، و أن لا يكون المسروق مباحا و أن لا يكون للسارق شبهة في المال المسروق، و أن يكون المال المسروق محفوظا، و أن لا يؤخذ على وجه النهب.
ب- جريمة الحرابة:
تعريف الحرابة:
اصطلاحا: هي خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام لإحداث الفوضى و سفك الدماء و سلب الأموال و الاعتداء على الأعراض.
عقوبة الحرابة:
تتراوح بين القتل أو القتل مع السلب أو القطع بالخلاف و العذاب العظيم في الآخرة، و غاية المشرع من ذلك قطع دابر المحاربين و تخليص الناس و المجتمع من شرورهم.
– هذه العقوبات لا تنفذ إلا بعد استتابة المحاربين و رفضهم التوبة، فمن قتل يقتل أو يصلب، و من أخذ المال حرابة يقتل أو يصلب أو يقطع من خلاف، و من أرعب السبيل فإنه يقتل أو يصلب أو يقطع من خلاف أو ينفى من موطنه.
– تنفيذ إحدى هاته العقوبات متروك لبصيرة الإمام.