مهارة ( معرفة السبب ) حماية للأسرة من التفكك
لا تعجبوا ان قلت ان اهم اسباب الخلاف بين الزوجين هو معرفة السبب بحد ذاته أي معرفة الفعل ثم بعدها معرفة الفاعل والمفعول به ولأجله . وبين معرفة الفعل والفاعل وباقي الجملة مآس وويلات .
الزواج نعمة من النعم العظمى ، حيث ما وهب الانسان بعد الايمان نعمة خير من الزوجة الصالحة وكذا الزوج الصالح ، وهو من أشرف العقود وأعظم المواثيق ، وهو الصلة التي لا ترقى اليها أي صلة في الوجود إلا صلة العبد بربه فتفوقها وتعدلها ، ثم ان هذا الزواج بناء محكم ان وضع له اساس قويم استقام وشاد ، وكان له القوة والمنعة في ظل متغيرات الظروف وكوارث المجتمع الشيء الكثير ، وان لم تكن له أساسات متينة ذهبت به الأيام وأتلفه أول زلزال مهما دنت درجته أو مضى مع أول سيل يحط به .
يقول والد الفتى نزوجه ليعقل ، ويقول والد الفتاة نزوجها لتعقل ، وبعد الزواج يبدأ العراك بين المجانين ، وتمر الأيام وكثيرا ما تنتهي تلك العلاقات بالطلاق وتفشل البيوت ليعاني كلا الطرفين من كارثة الانفصال ، ويعيد الناس السبب الى الرجل وبعضهم للمرأة وبعضهم للزواج المبكر وبعضهم للوالدين وهكذا دون معرفة السبب الحقيقي.
وفي كثير من المشاكل بين الزوجين هناك لغة كلام و لغة صمت ، وهناك المنطوق وما وراء المنطوق ، وهناك مشا كل كثيرة تعترض حياتهما ، وتزداد الخلافات حتى الوصول إلى طرق مسدودة ، وكل منهم يتهم صاحبه بأنه المخطئ ، ويعترفان بشيء وينكرون أشياء ، أو يعترفان بالخطأ ولكن أحدهما يحمل الآخر مسؤولية الخطأ فيقول فعلي مبني على أخطاءك فهو ردة فعل لا فعل ، وهي تقول نحو ذلك ، وبين هذا وتلك تضيع الحياة وينفرط عقد البيت ويتحول من نعيم الى جحيم ، ومن سعادة إلى شقاء ..
وكثيرا ما تدور الشجارات بين الزوجين حول النتيجة لا الفعل والمسبب لا السبب ، فينتقلان من جوهر الأمر إلى قشوره فلا يمكنهم المعالجة بعدها ، لان المرض ان لم يستأصل سببه يظل راكدا ويبقى الجمر تحت الرماد .
وقد يسبب الجهل بالأسباب ان يحمل كل منهما السبب لصاحبه ، او أن يجعل احدهما يظهر الاخر بمظهر المخطئ كبرا وعنادا ، أو يجعله لا يرى نفسه إلا صوابا فهو أصلا لا يعترف بالخطأ ،
وقد تكون المشكلة ان احدهما يعلم الخطأ ولكنه يجعله نتيجة لا سببا " فانا فعلت لأنك فعلت " وانت الفاعل وانا المفعول به وقد تكون بسبب اختلافهما في الفروق الفردية " فهو يحب الهدوء وهي تحب الضجيج وهو يحب الترتيب وهي ترغب الفوضى ، ومع اختلاف العادات والتقاليد قد يكون الخطأ في مجتمع صوابا في آخر ، أو في عائلة ليس كذاك عند أخرى ، أو في وسط غيره في الوسط الآخر فمثلا قد يكون كشف شيء من الشعر عند المتدينين من خلف الحجاب كارثة دينية وعند عامة الناس تفريطا لا أكثر لا يرقى لحد الحرام ، وكلام المرأة مع الرجل في مجتمع يحتم قتلها فهو سفك للشرف وتدمير للعفة وفي مجتمع آخر لا مشكلة فيه ولا مراية ولا يعدوا ان يكون شيئا من التحرر وخلافه أصولية وتشدد ، " وهنا يصعب تحديد السبب وتضيع الحكاية ويدور الخلاف الأزلي حول من جاء أولا البيضة أم الدجاجة .
وقد يخفي احدهما السبب الحقيقي ويقوم بفعل او يدلي بقول نظنه سبب المشكلة وليس كذالك اذ علينا ان نبحث عن المنطوق وما وراءه ،فالصداع غالبا لا يكون مرضا بل نتيجة لمرض فليس من الصواب معالجة الصداع وترك سببه .
يقول بعض المصلحين حددوا سبب المشكلة لكنهم لا يقولون ما هي الآلية لتحديده ، فيختلفون في السبب نفسه فكيف يتسنى أن نعرف المتسبب بعده ؟
إذا ! ما هي الوسائل التي يمكن للزوجين من خلالها ان يحددوا السبب أي الخطأ الذي هو منشأ الخلاف بشكل دقيق لا خلاف عليه ، ليحسم هذا التراشق بالاتهامات التي لا تذهب حتى يذهب بذهابها الود والمحبة والصفاء والنقاء ، وربما الحياة الزوجية كلها ..
اننا نعلم ان بين الزوجين خلاف في الشخصية والأخلاق ، والدين والأولويات ،والعاطفة والعلم وطرق التفكير ، وبينهما تباين في الآراء والميولات ، والرغبات والعادات ، والأعراف والتقاليد ، وغير ذلك من الفروق ..
لذا كان من الواجب على الوالدين والمجتمع تبصرة المقبلين على الزواج بهذه الأمور وايضاح الأولويات والفروق الفردية ، وتعليم الأبناء أسس ومهارات التعامل مع المشاكل وحلها ، فكيف يكون منا ان نعلم الذكور السيطرة والتعالي والترفع والتحكم ، وكذا نعلمهم المهنة وجلب المال وتأمين البيت ومستلزماته ، ولا نعلمه كيف يتعامل مع مشاكل الزواج ، وكيف يتنسى لأهل البنت أن يعلموها التنظيف والترتيب ، وصنع الطعام وكي اللباس ، والعناية بالطفل كأولوية من أولويات الحياة دون أن يعلموها مهارة حل المشاكل التي تنذر بفشل الزواج وهدم البيت من أساسه ؟ متعللين بقولنا " أبعد الله عنا المشاكل " دون ان نسعى جاهدين لتجنبها وابعادها .
ان من يريد ان يقود آلة يجب ان يتعلم شيئا عن ميكانيكيها ، وأسس عملها وطبيعة سيرها ما يمكّنة من المضي بها ، ولو بأبسط أبجدياتها كي يتسنى له استخدامها على الوجه الصحيح إذ لا مجال أبدا ان نترك له مساحة ليتعلم من التجربة فقد يكون فساد الآلة أو هلاك قائدها محتما لا محالة . وكذا ينبقي وجود قانون يضبط التعاملات لنعرف عن التجاوز ان المنتهك تجاوز القانون إذ كيف يحكم القاضي دون قانون يعرفه بأصول المحاكمات .
ولذا كان لزاما على الزوجين بعد ان أدركا الفروق الفردية وما يصح من عدمه بان يتفقا منذ البداية على وضع ميزان دقيق للحقوق والواجبات ـ يكيلون به الأمور يكون بمثابة الاتفاق بينهما على تسيير هذا الركب بشكل قويم حكيم ، ولا ميزان في الدنيا ادق من ميزان الشرع فيقومان بوضع الشرع قاضيا للحكم ليعرفا ما هو الحرام والحلال والمسموح والممنوع والمكروه والمسنون ، فاذا اختلفا في أمر ردا ذالك الاختلاف لما يقوله الشرع فيحكم بينهما ، وقد تعترضهما مشكلة تأويل الشرع فأحدهما يؤوله بطريقة والآخر بغيرها ، وهنا يجب عليهما السير على رأي الأكثرية وتأويلهم للحادثة وعند عدم القدرة على الحسم يتم الاستعانة بأهل الاختصاص
ثم يضعون ميزانا آخرا للأخلاق العامة والعادات والتقاليد لان العرف كالشرع أمر أكيد في المجتمعات الانسانية يعتمد الشرع عليه في بعض أموره ، ويتم الاتفاق على تحديد ما هي الخطوط البيضاء والحمراء .
عندما تتضح الموازين من الحقوق والواجبات يكون هناك مكيال يحدد الفعل وهو السبب و الفاعل وهو المتسبب والمفعول به وهو من وقع عليه السبب عليه ،ومن المخطئ ومن الذي تجاوز الخطوط الحمراء والبيضاء .. مما يسهل عليهما عملية العلاج ورأب الصدع بما يتناسب مع حجم لمشكلة التي تعترضهما…
الكاتب مصعب الأحمد