الرياض 15-3( نسيج ) كل من شاهد الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة يعجب بهما أيما اعجاب ويبهره التصميم البديع لهما، ولكن لم يخطر على بال أحدنا أن يسأل عن المعماري أو المهندس الذي قام بتصميم الحرم المكي وقام بدراسته بهذا الأسلوب الجمالي المبدع، ومن منا سأل نفسه أيضا من صمم الحرم النبوي بمآذنه البيضاء وتصميمه الفريد؟. نعم لقد استطاع المعماري المبدع المجهول للكثير منا أن يحقق التمازج بين الجمال و الروح وان يظهر عز الاسلام، هذا المعماري الذي قام بهذا العمل هو مهندس عربي مسلم، إنه الدكتور محمد كمال اسماعيل الذي يلقب بأستاذ الأجيال، فهو مهندس مصري يخطو الآن نحو المائة من عمره. وكان الملك فهد بن عبد العزيز هو الذي اختار الدكتور المهندس محمد كمال إسماعيل لهذا العمل الجليل، بعد أن اطلع على مجموعة المجلدات! النادرة التي أصدرها قبل 60 عاما تحت عنوان "موسوعة مساجد مصر" وهي المجلدات التي طُبعت في أوروبا في الأربعينيات مرات عدة، ونفدت كل طبعاتها! ولم يعد لها وجود إلا في مكتبات الجامعات ومراكز الأبحاث. كان اسماعيل هو أصغر من حصل على الثانوية في تاريخ مصر، وأصغر من دخل مدرسة الهندسة الملكية الأولى، وأصغر من تخرج فيها، وأصغر من تم ابتعاثه إلى أوروبا للحصول على ثلاث شهادات للدكتوراه في العمارة الإسلامية، كما كان أول مهندس مصري يحل محل المهندسين الأجانب في مصر، وكان أيضا أصغر من حصل على وشاح النيلورتبة البكوية من الملك. هو الذي قام على تخطيط وتنفيذ توسعة الحرمين التي أمر بها خادم الحرمين الملك فهد "رحمه الله" الذي شهد عهده أكبر توسعة للحرمين في تاريخ الإسلام، وعلى امتداد 14 قرنا. قناة إقرأ أجرت حوارا مع المهندس محمد اسماعيل تحدث فيه عن تجربته العملية وعن اختياره لتصميم الحرمين الشريفين والكثير من التفاصيل عبر هذه المساحة. – لماذا بدأت التوسعة في الحرم النبوي قبل المكي؟ كان الحرم النبوي الشريف أحوج الى التوسعة عن الحرم المكي، بإعتبار أن مكة المكرمة كانت تغطي أعداد الزائرين، ولكن المدينة المنورة كانت تحتاج الى التوسعة بالإضافه الى أن الشكل العام للمسجد النبوي كان عبارة عن مظلات خارجية فكان ذلك لا يليق بمكانة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحرم النبوي الشريف – من الذي أكد لكم أن الحرم النبوي بحاجه الى توسعة؟ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز "رحمه الله" هو الذي اكتشف هذا الشئ وأمر بالتوسعة. – لماذا تم اختيارك أنت تحديدا لهذا المشروع؟ من الصعب أن أرد على هذا السؤال… لأن الأسباب في فهمي وليس في عبري، ولكن كل الذي استطيع أن اقوله وعلى حسب ظني أن الملك فهد "رحمه الله" قد عاين مسجد اسكندرية في مرسي ابو العباس في مصر. ثانيا كان هناك بيني وبين شركة بن لادن صلة وربما هم من اقترحوا على خادم الحرمين الشريفين اسمي، لأنهم سبق لهم وان اختبروني و تعرفوا على مقدراتي، وعرفوا أيضا أني قدير بهذه العملية لأنها عملية ليست بسيطة. وايضا كانت معاملتهم مع المصريين كاملة، فالذي صمم التوسعة السعودية الأولى في الخمسينات كان مهندس مصري،, والذي قام بالتوسعة الثانية في عهد الملك سعود أيضا كان مصرياً. فقام الملك بإصدار قرار الى الشيخ محمد أبالخيل وكان وقتها وزيرا للمالية، بأمر توسعة المسجد المدني بحجم 30000 مترثلاثين ألف متر علاوة على الموجود حاليا والتنفيذ يكون فوراً. من جاء إليك في القاهرة ليقوم بتكليفك بهذا العمل؟ قام الشيخ محمد أبالخيل بإرسال مدير قسم الهندسة بالرياض لكي يكلفني بهذا العمل، فقلت له أنني أتعامل مع بن لادن، وسبق ووضعت له تصميما مقترح للتوسعة كان يريد اقتراحها على الملك فهد، فلا يمكني التعامل مع غيره إلا بعد أخذ إذن منه شخصيا. فعاد المدير الى السعودية، ومن ثم رجع الى القاهرة، فقال لي أنه قابل الشيخ يحيى بن لادن، وعرض عليه هذا الموضوع فكان رد الشيخ : نحن مقاولون، من يضع التصميم لا يهمنا حاليا، ولكن يهمنا أن ننفذ حالاً. فذهبت الى الرياض و جهزوا لي مكتب ووتمت الاستعانة باثنين رسامين أحدها هندي والآخر صيني، وعملت المشروع المبدئي، وكان مكتبي في مبنى مخصص لخدمة المباني أمام المحطه في الرياض، وسلمت التصاميم لمدير المكتب بعد ثلاثة أسابيع، بعد ذلك جاء في بالي أن اتصل بالشيخ يحيى في جده حتى أخبره أني سلمت التصاميم وأني راجع الى القاهرة. فكان رد الشيخ يحيى: بأن أحضر اليه في جده قبل المغادرة الى القاهرة. فوافقت وذهبت الى جده و كان في انتظاري وذهبنا سويا الى الفندق وقال لي: "قل لي بالتفصيل ما الذي حدث في الرياض؟ فأخبرته بكل شيء. فقال لي الشيخ يحيى بن لادن: لابد من مقابلة الشيخ بكر بن لادن. لم أكن أرى الشيخ بكر قبل ذلك، كانت معاملتي كلها مع الشيخ يحيى، وعرضت عليه الموضوع. فقال لي الشيخ بكر بن لادن : هذا لا يمكن أن يكون سليما لأن 30000 متر "ثلاثين ألف متر" لن تكفي إلا ثلاث أو أربع سنوات ومن ثم سوف نحتاج الى مساحه أكبر حتى تخدمنا في المستقبل فأحسن طريقة أن نطلب 90000 متر "تسعين ألف متر" – معنى ذك أن الشيخ بكر بن لادن هو الذي اقترح أن تكون المساحة أكبر؟ نعم ، وقد قال لنا الشيخ بكر بن لادن اتركوني أن اتشرف بمقابلة الملك فهد، فذهب بكر بن لادن الى مقابلة خادم الحرمين الشريفين و ذهبت انا الى القاهرة و بعدها بخمس أيام، حضر الشيخ بكر والشيخ يحيى وطلبوني في مكتبهم في المهندسين ليعلموني أن الملك فهد قد وافق على تلك الزيادة وهي الـ90 الف متر. الحرم المكي الشريف – اذا زيارة جدة كانت مهمة؟ وفي مقابلة واحدة مع الملك فهد وافق على الزيادة من ثلاثين ألف متر الى تسعين الف متر؟ نعم زيارة جدة كانت نقطة تحول، وأنا أحفظها لهم لأن الفضل بعد الله أن تكون التوسعة تسعين ألف متر تعود الى اقتراح الشيخ بكر بن لادن. قبل ذلك أردت أن أقول لك أنه عندما كنت متواجد عند الشيخ بكر بن لادن في جدة أعطاني خريطة مصورة من الطائرة أعدوها أناس أمريكان تمثل منطقة الحرم النبوي الشريف ومنطقة المدينة المنورة بالكامل، هذه الخريطة يتواجد فيها تفاصيل دقيقة، فيها الشوارع و المباني بكامل مظاهرها بحيث يمكنك أن تطلع منها المسطح والأبعاد، أعطاني اياها وقال لي: خذ هذه الخريطة واعمل لها مذكرة وحدد لي الـ90 ألف متر التي ترى أنهم مناسبين بناءً على هذه الخريطة واخبرني ما هو الجزء الذي يحتاج الى نزع ملكيتة، هذه المذكره ترسلها لي مجلدة بجلد "غزال" لكي أعرضها على الملك حتى آخذ الموافقة عليها. هذا ما حدث وعلى فكرة أريد أن أقول لك شئ، المسطح الكبير هي المنطقة التي يشغلها المسجد النبوي الحالي مع أسواره هي المدينة المنورة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم. – هل تقصد أن الحرم النبوي الآن هو في حجم المدينة المنورة في عصر الرسول؟ نعم
من الصدف وقتها أنه كان موكل لي أخبار اليوم الجديدة وكنت أعرف رئيس المطبعة و قد قام بخدمتي في طباعة الخريطة، لأن الشيخ بكر كان يحب المواعيد في وقتها، لأنه رجل عملي ويحب الإلتزام فأرسلتها بعد أسبوع كما طلب مني. بعد ذلك عاد الشيخ بكر مرة أخرى ليسألني عن الأتعاب. سلمته المسطحات التي سيقوم بنزع ملكيتها وكان منها فندقين وغيرها من البيوت، وكل الملاحظات اللازمة لإنشاء المشروع فسألني كم تريد اتعاب؟ فقلت له
. سوف أعمله مجاناً …فسألني
.هل تمزح؟ قلت له : لأ … أنا لا أمزح ….. هذا شرف كبير أنت حتديني ايه؟! مهما أعطيتني من ملايين ما يسواش الشرف الذي سوف احصل عليه..شرف عظيم أني سوف أقوم بتوسعة الحرم النبوي الشريف.. و لكنه أصر و بالأخير وافقت حتى أرضيه، وبعد الاتفاق على الاتعاب بهذه الروح الجميلة بدأنا الشغل. – كم كان عمرك يوم كلفت بهذه التوسعة؟! كانت التوسعة في عام 1982 وكان عمري وقتها 75 عاما بدليل عندما ذهبت الى جدة وارادوا تقديمي لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد فنظر لي وقال أنت أكبر مني بعشر سنوات! – هل حلمت يوما أن تقوم بعمل جليل كهذا؟ لا… ابداً لم يخطر في بالي أن يحدث وأن أكلف بعمل يعم كل الاسلام
– ماهي الأعمال الهندسية التي قمت بها؟ فيقال أنك من قام بإنشاء مجمع التحرير الشهير في القاهرة؟ هذه الأرض التي يوجد فيها مجمع التحرير كانت أرض فضاء، وكان في ذلك الوقت عثمان باشا محرم، و كان يطلب منه باستمرار مكاتب حكومية، فرأى أن يستغل الأرض الفضاء ببناء مجمع المكاتب بدلا من أن يبني لكل واحد منهم مكتب، فناداني وطلب مني أن اشغل له الأرض هذه و أبنيها 10 الى 11 دور فكان هذا المشروع. – متى بدأت علاقتك بالمملكة العربية السعوديه؟ سنة 1952 م أي قبل التوسعة بـ30 سنة، وكان الملك عبدالعزيز "رحمه الله" هو الحاكم في ذلك الوقت، وكان هناك أمير جدة وهو الأمير فيصل "رحمه الله" وكان هناك أيضا وزير إقتصاد ولكني لا أذكر اسمه حالياً، جاء هذا الوزير الى مصر مطلع الخمسينات أخذني الى هناك وقال لي أريدك أن تبني لنا وزارة الخارجية السعودية فقمت بمعاينة المكان، وقابلت الأمير فيصل مرتين وناقشنا الموضوع و لكن الأموال لم تكن متوافره فتم تأجيل المشروع ولا أعلم ماذا حدث بعدها. – متى بدأت علاقتك مع مجموعة بن لادن؟ مجموعة بن لادن كانت بإستمرار تكلفني بمشروعات تقدمها للزبون، مثلا إذا كان لديها مشروع كبير كانت تكلفني به. – كيف كانت علاقة خادم الحرمين الملك فهد بالمهندس الذي قام بتوسعة الحرمين؟ يـاسلام … "عمري ما شفت رجلاً بعظمة هذا الانسان، أنا لم أرى ملوكاً كثيرين فقد رأيت 3 أو 4 ملوك ولكن لم أرى شخصا مثل الملك فهد". رجل فكره طيب و يكلمك بكل بساطة وبكل عقل وبكل حكمة ويناقشك، لدرجة أنه لما سلمني جائزته جائزة التفوق وقال لي : "كان يعجبني فيك شئ هو أنك كنت تناقشني و هذا الشئ أعجبني كثيراً" فكان هذا تواضع منه