وصف نار جهنم أعاذنا الله والمسلمين منها
وأسباب دخولها وما ينجي منها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فقد وصفت النار في الكتاب العزيز والسنة المطهرة تحذيرا منها ومن الأعمال والأقوال الموصلة إليها، وألفت في وصفها المؤلفات الكثيرة، ومن أجمعها كتاب "التخويف من النار" للحافظ الشيخ عبد الرحمن بن رجب.
(1) وفي الحديث الصحيح "ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" متفق عليه.
(2) وفيه "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل سبعون ألف ملك يجرونها" رواه مسلم. نعوذ بالله من النار ومما يقرب إليها من قول وعمل.
(3) وفيه "منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته" رواه مسلم. والحجزة معقد الإزار. والترقوة العظم الذي عند ثغرة النحر وللإنسان ترقوتان جانبي النحر.
(4) وفيه "إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل (القدر) ما يرى أنَّ أحداً أشد منه عذابًا وإنه لأهونهم عذابًا" متفق عليه.
(5) طعام أهل النار (الضريع) وهو شجر قد بلغ غاية الحرارة والمرارة وقبح الرائحة وهو الزقوم، أو غيره، وكذا الغسلين وهو صديد أهل النار، نعوذ بوجه الله منها.
(6) شراب أهل النار (الحميم) الذي بلغ غاية الحرارة إذا قرب من وجوههم شواها، فإذا شربوه قطع أمعاءهم }وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ{والمهل رديء الزيت }وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ{ [سورة محمد، آية: 15].
(7) لباس أهل النار القطران والحديد ولهم ثياب من نار نعوذ بالله من النار ومما يقرب إليها.
(8) وقد أنذرنا ربنا منها بقوله }فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى{ وبقوله }وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{ [سورة آل عمران: 131].
(9) ولعذاب النار سببان رئيسيان أحدهما تكذيب القلب بخبر الله ورسوله، والثاني إعراض البدن عن طاعة الله ورسوله }إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى{[سورة طه: 48].
(10) ومما ينجي من النار التعوذ بالله منها والبكاء من خشية الله واجتناب الأعمال الموصلة إليها.
(11) وكان النبي r كثيراً ما يستعيذ من النار ويأمر بذلك في الصلاة وغيرها.
(12) وكان أكثر دعاء الرسول r "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه.
(13) ولم يزل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون يخافون من النار ويخوفون منها.
(14) والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم.
(15) وكان من السلف من إذا رأى النار اضطرب وتغيرت حاله وقد قال تعالى }نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً{ [سورة الواقعة: 73].
(16) ومن الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم وقد قال بعض السلف: عجبت للجنة كيف نام طالبها! وعجبت للنار كيف نام هاربها؟.
(17) ومن الخائفين من منعه خوف جهنم من الضحك، وكان جماعة من السلف قد عاهدوا الله أن لا يضحكوا أبدا. قال سعيد بن جبير رحمه الله: كيف أضحك وجهنم قد سعرت، والأغلال قد نصبت، والزبانية قد أعدت!
(18) ومن السلف من حدث له من خوفه من النار مرض ومنهم من مات من ذلك.
(19) وقال الله تعالى }وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ{ [سورة الرحمن: 46].
(20) وقال عليه الصلاة والسلام "لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا" فغطى أصحاب رسول الله r وجوههم ولهم خنين وهو البكاء مع غنة.
(21) وعنه r أنه قال: "لا تنسوا العظيمتين الجنة والنار، ثم بكى حتى جرت دموعه" رواه أبو يعلى الموصلي وغيره.
(22) النار خلقها الله لعصاة الجن والإنس وبهما تمتلئ قال تعالى }وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ{ وقال تعالى }وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{[سورة هود، آية: 119].
(23) والبكاء من خشية النار ينجي منها، والتعوذ بالله من النار يوجب الإعاذة منها كما تقدم، وفي الحديث "لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع" رواه النسائي والترمذي وقال: صحيح. وفيه: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
(24) مكان النار الأرض السابعة السفلى في سجين أسفل مكان وأضيقه، كما أن الجنة فوق العرش، فالمخلوقات كلما ارتفعت اتسعت، وكلما هبطت تضايقت، فالجنة في أوسع مكان وأعلاه، والنار في أسفل مكان وأضيقه، نعوذ بوجه الله منها ومما يقرب إليها.
(25) لجهنم سبعة أطباق وهي: جهنم، ولظى، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، والهاوية,
(26) قعر جهنم مسافة سبعين عاما، كما في الأحاديث التي رواها مسلم وغيره.
(27) أبواب جهنم مغلقة على أهلها كما قال تعالى}عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ{[البلد 20].
(28) أبواب جهنم مغلقة قبل دخول أهلها إليها }حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا{ في وجوههم.
(29) إحاطة سرادق جهنم بالكافرين قال الله تعالى: }إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا{[الكهف 29] وهو كل ما أحاط بشيء نحو الحائط.
(30) جهنم سوداء، وأهلها سود، وكل شيء فيها أسود، وقد دل على سواد أهلها قوله تعالى: }كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ [يونس 27] وقوله تعالى }يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ{ [آل عمران 106]، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن من عصاة الموحدين من يخترق في النار حتى يصير فحما.
(31) شدة حرها قال الله تعالى }وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ{[التوبة 81] وفي الصحيحين "اشتكت النار إلى ربها فقالت: أكل بعضي بعضا. فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف. فأشد ما تجدون من الحر من سمومها، وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها". وفيهما أيضا "ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم".
يتبع >>>>>>
ومعنى ذلك أوقدت مرة بعد مرة بخطايا بني آدم التي تقتضي غضب الله عليهم فتزداد تلهبا وتسعراً. ونعوذ بالله من غضبه وعقابه، ونعوذ به من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. وتسعر على أهلها بعد دخولهم إليها كما قال تعالى }كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا{ [الإسراء 97] فكلما طفئت أوقدت ناراً تسعر وتتلهب.
(2) وفي تغيظها وزفيرها قال الله تعالى }إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا{ [الفرقان 12].
(3) وفي ذكر دخانها وشررها ولهبها قال الله تعالى }وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ{ [الواقعة 41 – 44] وهذه الآية تضمنت ذكر ما يتبرد به في الدنيا من الكرب والحر وهو ثلاثة أنواع: الماء والهواء والظل، فهواء جهنم السموم وهو الريح الشديدة الحر، وماؤها الحميم الذي قد اشتد حره، وظلها اليحموم وهو قطع دخانها أجارنا الله من ذلك كله بمنه وكرمه.
(4) وفي ذكر سلاسلها وأغلالها وأنكالها قال الله تعالى }إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا{ [الإنسان 4]، وقال تعالى: }وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا{ [سبأ 33]، وقال تعالى: }إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا{ [المزمل 12 – 13]. فهذه ثلاثة أنواع من العذاب: أحدها الأغلال وهي في الأعناق، الثاني الأنكال وهي القيود، الثالث السلاسل. قال الله تعالى }ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ{ [الحاقة 32] تدخل السلسلة من دبره حتى تخرج من فمه كما ينظم الدجاج في الحديد ليشوى.
(5) وفي ذكر حجارتها قال الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ{ [التحريم 6] وقال تعالى }فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{ [البقرة 24]، واختلف المفسرون في هذه الحجارة فقالت طائفة منهم الربيع بن أنس الحجارة هي الأصنام التي عبدت من دون الله كما قال تعالى }إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ{ [الأنبياء 98]، وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة الكبريت توقد بها النار، ويقال إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليست في غيرها من الحجارة: سرعة الإيقان، ونتن الرائحة، وكثرة الدخان، وشدة الالتصاق بالأبدان، وقوة حرها إذا أحميت نعوذ بالله من ذلك بمنه وكرمه.
(6) تقدم الكلام على طعام أهل النار وشيء من شرابهم، وقد ذكر الله تعالى من شرابهم أربعة أنواع وهي:
أ- الحميم وهو الحار الذي يحرق ويشوي الوجوه ويقطع الأمعاء.
ب- الغساق وهو البارد الشديد البرد.
جـ- الصديد يعني القيح والدم والعرق.
د- الماء الذي هو كالمهل كالزيت المحروق أسود غليظ منتن.
(7) وكان كثير من السلف من الخائفين ينغص عليهم ذكر طعام أهل النار وشرابهم طعام الدنيا وشرابها حتى يمتنعوا من تناوله أحيانا لذلك، فكان الإمام أحمد يقول: الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب فلا أشتهيه.
(8) }لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ "فراش" وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ "غطاء ولحف"{.
(9) وفي عظم خلق أهل النار فيها وقبح صورهم وهيئاتهم. خرج البخاري من حديث أبي هريرة "ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب السريع" وخرجه مسلم ولفظه عن أبي هريرة يرفعه قال: "ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع"، وخرج مسلم أيضا عن أبي هريرة عن النبي r قال: "ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أُحد وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام".
(10) قال الله تعالى }تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ{ [المؤمنون 104]. عن أبي سعيد عن النبي r قال: "وهم فيها كالحون" تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته" خرجه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وقالا: صحيح.
(11) ومن عذاب أهل النار سحبهم على وجوههم }يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ{[القمر 48].
(12) ومن أهل النار من يعذب بالصعود إلى أعلى النار ثم يهوى فيها.
(13) قاتل نفسه المنتحر في النار، في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي r قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأبها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلدًا فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلدًا فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".
(14) ومن أهل النار من يدور في النار ويجر أمعاءه كما في الصحيح عن أسامة بن زيد.
(15) ومن أهل النار من يلقى في مكان ضيق لا يتمكن فيه من الحركة لضيقه قال الله تعالى: }وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا{ [الفرقان 13].
(16) وعذاب الكفار في النار لا يفتر عنهم ولا ينقطع ولا يخفف، بل هو متواصل أبدًا. قال الله تعالى: }إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ{ [الزخرف 74 – 75] }وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا{ [فاطر 36].
(17) وأعظم عذاب أهل النار حجابهم عن الله تعالى وإبعادهم عنه، وإعراضه عنهم وسخطه عليهم قال الله تعالى: }كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ{ [المطففين: 15].
(18) ما يتحف به أهل النار عند دخولهم إليها أجارنا الله منها بمنه وكرمه. قال الله تعالى }ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ{ [الواقعة 51 – 56] والنزل هو ما يعد للضيف عند قدومه. فدلت هذه الآيات على أن أهل النار يتحفون عند دخولها بالأكل من شجر الزقوم، والشرب من الحميم، وهم إنما يساقون إلى جهنم عطاشا، كما قال تعالى: }وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا{ [مريم 86].
(19) ذكر بكاء أهل النار وزفيرهم وشهيقهم وصراخهم ودعائهم الذي لا يستجاب. قال الله تعالى: }فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{ [هود 106] الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، مثل صوت الحمار، أوله زفير وآخره شهيق.
(20) يطلب أهل النار الخروج منها فلا يجابون قال الله تعالى }قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ{ [المؤمنون 106 – 108]، وقال تعالى: }وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ{ [الزخرف 77].
(21) ولا يزال أهل النار في رجاء الفرج حتى يذبح الموت، فحينئذ يقع منهم الإياس، وتعظم عليهم الحسرة والحزن, وفي الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي r قال: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيؤمر به فيذبح. ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ رسول الله r}وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ{ [مريم 39] وفي رواية الصحيحين "فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم".
(22) ذكر مجيء جهنم يوم القيامة وخروج عنق منها يتكلم نعوذ بالله منها قال الله تعالى }وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى{ [الفجر 23]. عن ابن مسعود عن النبي r قال: "يؤتى يوم القيامة بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" رواه مسلم وخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي r قال "يخرج يوم القيامة عنق من النار يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصورين". رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه.
(23) ذكر ورود النار نجانا الله منها برحمته وهو أرحم الراحمين.
قال الله تعالى }وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا{ [مريم 71 – 72].
وقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في تفسير الورود. فقالت طائفة الورود هو المرور على الصراط. وهذا قول ابن مسعود وجابر والحسن وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم والكلبي وغيرهم. وقالت طائفة الورود هو الدخول، وهذا هو المعروف عن ابن عباس. وروي عنه من غير وجه: فتكون على المؤمن برداً وسلاماً ويستقر فيها الكافر والمشرك، ولعل القول الأول أصح فيكون مرور الناس على الصراط في السرعة وعدمها بحسب أعمالهم، ولعل الصواب في ذلك والله أعلم أن ورود الكافر للنار هو دخولها وورود المؤمن هو المرور على الصراط.
(24) إذا وقف العبد بين يدي ربه تستقبله النار، وقد أخبر النبي r أن العبد إذا وقف بين يدي ربه للحساب فإنه تستقبله النار تلقاء وجهه، وأخبر أن الصدقة تقي صاحبها من النار. ففي الصحيحين عن عدي بن حاتم عن النبي r قال: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". وفي رواية للبخاري: "فمن لم يجد فبكلمة طيبة"، وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي r أنه قال: "رأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار وشررها بيده، فجاءته صدقته فظللت رأسه" رواه الحافظ أبو موسى المديني والطبراني، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعظم شأنه ويقول شواهد الصحة عليه.
(25) حال الموحدين في النار وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين، وشفاعة الشافعين. ورد في الأحاديث أن الموحدين يمرون على الصراط فينجو منهم من ينجو، ويقع منهم من يقع في النار، فإذا دخل أهل الجنة الجنة فقدوا من وقع من إخوانهم الموحدين في النار، فيسألون الله عز وجل إخراجهم منها [انظر التخويف من النار ص186].
(26) أهل النار الذين هم أهلها على الحقيقة، هم الكفرة والمشركون، فهم خالدون مخلدون، كما قال تعالى: }أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{ [البقرة 24] وفي الصحيحين أن الله تعالى يأمر آدم أن يخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فشق ذلك على أصحاب رسول الله r فقال: "إن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد". وورد في جملة من الأحاديث الصحيحة أن أكثر بني آدم من أهل النار، وأن أتباع الرسل قليل بالنسبة إلى غيرهم، وغير أتباع الرسل كلهم في النار، إلا من لم تبلغه الدعوة أو لم يتمكن من فهمها، وقد ورد في الأحاديث أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، وهي من كان على مثل ما عليه النبي r وأصحابه، وهو المتمسكون بكتاب الله تعالى وسنة رسوله r، فهذه هي الفرقة الناجية وحدها. نسأل الله أن يجعلنا منهم، والقرآن يدل على أن أكثر الناس في النار وهم الذين اتبعوا الشيطان، وأما عصاة الموحدين فأكثر من يدخل النار منهم النساء كما في الصحيحين في خطبة صلاة الكسوف وغيرها قال r"اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء" [متفق عليه].
(27) من صفات أهل النار ما ذكره الله بقوله: }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ{ [المدثر 42- 47] فكان من أسباب دخولهم النار أنهم لا يصلون ولا يزكون، وخوضهم في الباطل، وتكذيبهم بيوم الجزاء يوم القيامة جتى ماتوا على هذه الحالة. نسأل الله العافية. وفي الصحيحين عن النبي r أنه قال: "ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر" والعتل الغليظ الجافي، والجواظ الذي جمع ومنع، والمستكبر المتعاظم في نفسه، الذي يرد الحق، ويحتقر الناس كما قال النبي r: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" وبطر الحق رده وغمط الناس احتقارهم، وقال تعالى: }أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ{[الزمر 60].
وقد تبين من الأحاديث الواردة في هذا الباب أن صحة الجسد وقوته، وكثرة المال والتنعم بشهوات الدنيا، والتكبر والتعاظم على الخلق- هي من صفات أهل النار.
وفي صحيح مسلم: أهل النار خمسة:
1- الضعيف الذي لا زبر له، أي لا قوة له ولا حرص على ما ينفعه.
2- الخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق، إلا خانه ويدخل في ذلك التطفيف في المكيال والميزان، وكذلك الخيانة في الأمانات، ويدخل في ذلك من خان الله ورسوله بارتكاب المحارم سراً مع إظهار اجتنابها.
3- المخادع الذي دأبه مخادعة الناس صباحاً ومساءً، مخادعة الناس على أهليهم وأموالهم، والخداع من أوصاف المنافقين، ومعناه إظهار الخير وإضمار الشر بقصد التوصل إلى أموال الناس وأهليهم والانتفاع بذلك، وهو من جملة المكر والحيل المحرمة، وفي الحديث: "من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار".
4- الكذب والبخل، وكلاهما ينشأ عن الشح وهو شدة حرص الإنسان على ما ليس له من الوجوه المحرمة، وينشأ عنه البخل وهو إمساك الإنسان ما في يده والامتناع عن إخراجه في وجوهه التي أمر بها، وهذا الصنف هو البخيل. فالشحيح أخذ المال بغير حقه والبخيل منعه من حقه.
5- الشنظير وفسر بالسيء الخلق والفاحش، وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي r قال: "إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه" وفي الترمذي "إن الله يبغض الفاحش البذيء" وهو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام. فالفاحش هو الذي يفحش في منطقه، ويستقبل الرجال بقبيح الكلام من السب ونحوه.
(28) "أول من يدخل النار من عصاة الموحدين" خرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي r قال: "عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك لا يشغله رق الدنيا طاعة ربه، وفقير متعفف ذو عيال، وأول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط، وذو ثروة مال لا يؤدي حق الله منه، وفقير فخور". وخرج الترمذي أوله وقال: حديث حسن وأوصاف هؤلاء الثلاثة هي الظلم والبخل والكبر.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل ذكر فيه المقاتل والقارئ والمتصدق الذين يراءون بأعمالهم. قال أولئك أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة. وقد جمع بين هذا الحديث وبين ما قبله بأن هؤلاء الثلاثة أول من تسعر بهم النار وأولئك الثلاثة أول من يدخل النار وتسعير النار أخص من دخولها، فإن تسعيرها يقتضي تسعرها وإيقادها وهذا قدر زائد على مجرد دخولها. نعوذ بالله منها، وقد ورد أن فسقة القراء يبدأ بهم قبل المشركين.
قال ابن رجب وقد ذكر في الباب الخامس والعشرين أحاديث متعددة في خروج عنق من النار يوم القيامة يتكلم، وأنها تلتقط من صفوف الخلق المشركين والمتكبرين وأصحاب التصاوير وفي رواية ومن قتل نفسا بغير حق فينطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عام. وروي عن ابن عباس وغيره من السلف أن ذلك يكون قبل نشر الدواوين ونصب الموازين، وجاء في حديث مرفوع أن ذلك يكون قبل حساب الناس، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما. ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك…
المسلمين