أن الموت هو مفارقة الروح الجسد، وإنه انتقال من حال إلى حال ومن دار إلى دار، ولقد سمى الله الموت في كتابه مصيبه كما قال جل في علاه: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ (المائدة: 106) نعم الموت مصيبة لكن المصيبة الأعظم هي الغفلة عن الموت عدم تذكر الموت عدم الاستعداد للموت، لقد أوعظنا النبي – صلى الله عليه وسلم – بموعظة من أبلغ مواعظه تلين القلوب وتدعو إلى المحاسبة وتذكرنا بالآخرة فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((أكثروا من ذكر هاذم الذات )) نعم أيها الغالي يوم غفلنا عن الموت وسكرته والقبر وظلمته والسؤال وشدته ويوم القيامة وكرباته والصراط وحدته، يوم غفلنا عن هذه الأشياء قست القلوب وظهر الفساد في البر والبحر، فاعلمو عباد الله إن من كان للموت ذاكراً كان للموت مستعـداً، قال أبو علي الدقاق (من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث أكرم بتعجيل التوبة ونشاط في العبادة وقناعة في القلب، ومن نسي الموت عوقب بثلاث تسويف في التوبة وكسل في العبادة وعدم القناعة في القلب )، وذكر الموت يقلل كل كثير ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين وعباد الله المتقين.
إن الناس عند الموت على حالين إما محبٌ للقاء الله فيحب الله لقائه، وإما كارهٌ للقاء الله فيكره الله لقائه، قالت عائشة يا رسول الله كلنا يكره الموت قال: (( لا يا عائشة ليس ذاك لكن هو العبد الصالح – العبد المستقيم – عند سكرات الموت تأتيه ملائكة الرحمن تبشره بروح وريحان ورب راضي غير غضبان فيفرح بلقاء الله فيفرح الله بلقائه، أما العبد العاصي – العبد الغافل – فتأتيه ملائكة الرحمن تبشره بسخط وعذاب من الله فيكره لقاءِ الله فيكره الله لقائه )). فاستعدوا للموت عباد الله قبل أن يفاجئكم، قال أبو الدرداء رضي الله عنه وهو يحتضر( ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا؟ ثم بكى فقالت له امرأته: أتبكي وقد صاحبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: ومالي لا أبكي ولا أدري علام أهجم من ذنوبي )، وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه فقيل له ما يبكيك فقال:( أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي وإني أصبحت في صعودٍ مهبط على جنة أو نار ولا أدري أيهما يأخذ بي ).
قد آن للنائم أن يستيقظ من نومه، وحان للغافل أن ينتبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كأسه وقبل سكون حركاته وخمود أنفاسه وقبل رحلته إلى قبره وخلوده بين أرماسه. فمثل لنفسك يا مغرور فمثل يا رعاك الله وقد حلت بك السكرات ونزل بك الأنين والغمرات والناس من حولك مجتمعون تسمع كلامهم وتريد أن تكلمهم فلا تستطيع، فخيل لنفسك يا ابن آدم إذا أخذت من فراشك إلى لوح مغتسلك فغسلك المغسل وأنت جثة هامدة لا حركة ولا نفس وألبست الأكفان وأوحش منك الأهل والجيران وبكت عليك الأصحاب والأخوان وصلو عليك صلاة لا ركوع ولا سجود لها وحملوك إلى القبر وأنزلوك فيه وأدخلوك في ذلك اللحد الضيق المظلم ثم هلو عليك التراب وانصرفوا عنك وتركوك وحيداً، لا صديق ولا قريب الكل سينصرف عنك حينها ولا يبقى معك إلا ما قدمت من عمل، فتخيل ذلك وتخيل جلوسك لسؤال وما جوابك لهذا السؤال.
ولو انا إذا مِتْنَا تُرِكْنَا
لكان الموتُ غايةَ كُلِّ حيِّ
ولكنَّا إذا متنا بُعثنا
ونُسأل بعده عن كل شيء
ذا كان الموت مصير كل حي ونهاية كل شيء ألا يتعظ العاقل وينزجر الغافل من الغفلة عن المصير، والسؤال عن الكبير والصغير؟ ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (الجمعة:8).
اليوم تُعزِّي وغدا يعزى فيك
واليوم تبكي وغدا يبكى عليك.
وإذا حَمَلْتَ إلى القبور جنازةً
فاعلَمْ بأنَّكَ بعدها محمولُ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].
اللهم آمين
ربنا لاتكلنا الى انفسنا طرفه عين
اللهم اشملنا برحمتك ياارحم الراحمين
جزاك الله خير على المرور الجميل
اللهم آمين
وجزاك وجزاء كل المسلمين الفردوس الاعلى
(اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين )
اللهم تب علينا انك انت التواب الرحيم
الله يعطيك العافيه اختى نسمات