تخطى إلى المحتوى

أفيضوا مجالسكم بينكم فضيلة الشيخ د على جمعة مفتى الجمهورية في الاسلام 2024.

أفيضوا مجالسكم بينكم فضيلة الشيخ د على جمعة مفتى الجمهورية

1- من وصايا سيدنا عمر بن الخطاب أن الناس إذا أرادت أن تبني الوطن وأن تفيد الأمة وأن تعلو بشأنها أن يجلس الناس بعضهم إلى بعض، وألا ينقسموا أحزاباً يكره بعضهم بعضاً ويمتنع بعضهم من بعض لأنه يتبع الفريق المخالف، بل لابد عليهم جميعاً أن تتسع صدورهم وأن يسمع بعضهم من بعض، لأن في صورة التشرذم لا يستفيد أحد من أخيه لأنه لا يسمعه أصلاً، وإذا سمعه يرفض كلامه، وإذا لم يرفضه يحاول جاهداً أن يثبت خطأه، فيضيع معنى النصيحة التي أكدها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى جعلها حقيقة الدين، فقال: «الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه)، فالنصيحة هي التي تجعل للأمة معنى وهي التي تعطي الأمة علوها وشرفها، وهي التي تحافظ على بقائها ونتذكر قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : «الحج عرفة»، فمن المعروف أن الحج له أركان سوى الوقوف بعرفة، وله بعد هذه الأركان واجبات وسنن وهيئات، ولكن الوقوف بعرفة ركن ركين لا يتم الحج إلا به حتى لو فعل كل أعمال الحج، فكذلك النصيحة لا يتم الدين إلا بها حتى لو قمنا بكل أعماله.
2- وهذه الكلمة الشريفة من سيدنا عمر رواها الإمام محمد بن جعفر بن جرير الطبري في كتابه الجامع المانع «تاريخ الأمم والملوك» المشهور بتاريخ الطبري عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن عمر قال للناس من قريش: «بلغني أنكم تتخذون مجالس لا يجلس اثنان معاً حتى يقال مَن صحابة فلان، مَن جلساء فلان، حتى تحوميت المجالس، وأيم الله إن هذا لسريع في دينكم، سريع في شرفكم، سريع في ذات بينكم، ولكأني بمن يأتي بعدكم يقول هذا رأي فلان، قد قسموا الإسلام أقساماً، أفيضوا مجالسكم، وتجالسوا معاً، فإنه أدوم لإلفتكم، وأهيب لكم في الناس اللهم ملوني ومللتهم وأحسست من نفسي وأحسوا مني ولا أدري بأينا يكون الكون وقد أعلم أن لهم قبيلاً منهم فاقبضني إليك (تاريخ الطبري المجلد الثاني صفحة ٥٧٢، دار الكتب العلمية، تحت عنوان: «حملوه الدر وتدوينه الدواوين»).
3- ففي هذا النص أن عمر لاحظ على جماعة من قريش الذين هم أهله وعشيرته أن بعضهم قد انقسم على بعض، وأن كل فريق كان يتجنب الجلوس إلى الفريق الآخر، وإذا دُعي أحدهم إلى لقاء سأل مَن صحابة فلان هذا؟ ومن جلساء علان؟ حتى يقرر الذهاب من عدمه، وبذلك تتم الفرقة ويجلس كل فريق يكلم نفسه لا يُطيق سماع الرأي المخالف، ولا النقاش، وبذلك يكون أحادي الرؤية لا يعيش إلا في نفسه، ويؤدي هذا إلى ضيق الأفق وإلى التعصب الأعمى وإلى الكراهية، وإلى الضيق بمن حوله، ثم يقسم سيدنا عمر على أن هذه الحالة سوف تؤدي إلى هلاك الدين هلاكاً سريعاً وإلى هلاك العزة والكرامة والشرف، بل إلى هلاك الوحدة، بل إلى هلاك الذات، وأن هذه الحالة لا تؤثر سلباً في العصر الذي حدثت فيه، بل إنها ستؤثر أيضاً على مستقبل البلاد، وسيأتي مَن بعدنا ويتمسك كل واحد منهم برأي فريق على حد قول الشاعر العربي أبي العلاء المعري:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وبذلك ينقسم الإسلام أقساماً بدلاً من أن يكون إسلاماً واحداً.
4- ثم تأتى الكلمة البليغة «أفيضوا مجالسكم بينكم»، التي قد نطلق عليها في عصرنا الحاضر «دعوة للحوار»، وإن كانت هذه الكلمة أكبر من ذلك، حيث تؤسس إلى تقديم مصلحة الوطن على أي اعتبار وتدرب على التعددية وقبول الآخر وتؤكد حرية الرأي وحرية التعبير، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولذلك قال بعدها: وتجالسوا معاً، وبيّن فوائد هذا، فقال: فإنه أدوم لألفتكم وأهيب لكم في الناس.
5- ويعبر سيدنا عمر عن الضعف البشرى الذي يصيب الجميع حتى لو كان ولياً من أولياء الله الكبار بقامة ومكانة عمر بن الخطاب، فيقول: اللهم ملوني ومللتهم، وهي كلمة وإن أظهرت ضجره من عصره ومن الناس، فإنها في الوقت نفسه زاد ووقود لكل صاحب مسؤولية يعتليه الضيق ويستأخر النتائج ويمل من الخلق، فإذا عرف أن هذا ليس ضعفاً فيه، وإنما هو أمر من خصائص البشرية يعتري الأكابر والأصاغر، كان ذلك دافعاً له إلى أن يصبر ويحتسب ويتوكل على الله، ثم يقول: «وأحسست من نفسي وأحسوا مني»، أي أنه شعر من نفسه العجز والملل والضجر وأنهم أحسوا منه استمرار المتابعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد إلى الخير وما يمثل ذلك من نوع من أنواعالضغط الاجتماعي أو التسلط الأبوي الذي يتمنى كثير من الناس أن يزول، فيقول عمر: «ولا أدري بأينا يكون الكون»، يعني لا أدري من سيكون أسبق منا لمغادرة هذه الحياة الدنيا ولقاء رب كريم، ثم يتمنى لقاء ربه، وهذا شعور لا يكون إلا من تقي محب لله، واثق من أن ما عند الله خير مما في يده.
6- إن مصر في عهدها الجديد تحتاج إلى نصيحة عمر، فكأنه يعيش معنا ويرى طوائف الشعب المصري وقد بدأت فيها الفرقة في وقت نحن أحوج الناس في العالم لأن يسمع فيه بعضنا بعضاً وأن يستفيد بعضنا من بعض، وأن نبحث جميعاً عن المشتركات التي تجمع ولا تفرق، وأن نتكلم في التفاصيل ونُخرِج منها الشيطان الذي يجلس فيها بعد أن يفهم بعضنا بعضاً ويعذر بعضنا بعضاً، وأن نزيل النزاع على البقاء لأن تنازع البقاء يؤدي إلى الفناء، أما اللقاء فهو طريق البقاء.
أيها المصريون، عمر يناديكم في عهدكم الجديد: «أفيضوا مجالسكم بينكم».

جريدة المصري اليوم بتاريخ 28/4/2016

Dr.Ali.Gomaa.lovers ط£ط**ط¨ط§ط¨ ط¯.ط¹ظ„ظٹ ط¬ظ…ط¹ط© | Facebook
‫الإمام العلّامة نور الدين علي جمعة مفتي الديار المصرية | Facebook‬
الدكتور علي جمعة (@DrAliGomaa) on Twitter
https://www.youtube.com/sub**********…notation_17432

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.