الثمن الجنه
الصلاة
للصلاة في الإسلام منزلة لا تعدلها منزلة أي عبادة أخرى فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، قال r: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله»ا
وهي فريضة دائمة مطلقة، لا تسقط حتى في حال الخوف، قال تعالى: }حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ{ [سورة البقرة، الآيتان: 238، 239].
وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات، وهي أول ما يحاسب عليه العبد وهي آخر وصية وصى بها رسول الله، r، أمته عند موته فقال: «الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم
وهي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله، قال r: «لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضًا الحكم وآخرهن الصلاة
وقد ذكرها الله تعالى من الشروط الأساسية للهداية والتقوى فقال تعالى: }الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ{[البقرة: 1-3] واستثنى تبارك وتعالى المحافظين على الصلوات من أصحاب الأخلاق الذميمة فقال تعالى: }إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ{ [المعارج: 19-23]. وقال تعالى وهو يحكي عن أهل النار: }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{(
وقد توعد الله تارك الصلاة بقوله: }فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{ [الماعون: 4، 5]، والسهو هو تركها حتى يخرج وقتها.
وحذر جل وعلا من إضاعة الصلاة وتوعد مضيعها بالعذاب الشديد فقال تعالى: }فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا{ [مريم: 59]، والغي: واد في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر جعله الله لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات.
ولقد اهتم المسلمون بهذه الصلوات أيما اهتمام وحافظوا عليها أشد المحافظة وكان قدوتهم في ذلك رسول الله r كما ذكرت ذلك عائشة -رضي الله عنها-: “كان رسول الله r يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه».
هذا هو قدوتنا r نسير على طريقه ونقتفي أثره
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا
كفى بالمطايا طيب ذكراك هاديًا
وسار السلف الصالح من هذه الأمة على هذا المنهج النبوي الشريف، فهذا سعيد بن المسيب من شدة حرصه على الصلاة حافظ على دخول المسجد قبل الأذان لمدة تزيد عن أربعين سنة، قال برد مولى سعيد بن المسيب: ما نودي للصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد.
وقال ربيعة بن يزيد: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضًا أو مسافرًا.
وأرشد r للمحافظة على هذا الخير العظيم فقال: «اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»
* شهد أهل الخير لأهل الخير فقد قال يحيى بن معين عن يحيى بن سعيد: إنه لم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة
أولئك قوم قلوبهم معلقة بالمساجد وقد جاءتهم البشائر في قوله r: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم: هذا هو قدوتنا r نسير على طريقه ونقتفي أثره
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا
كفى بالمطايا طيب ذكراك هاديًا
وسار السلف الصالح من هذه الأمة على هذا المنهج النبوي الشريف، فهذا سعيد بن المسيب من شدة حرصه على الصلاة حافظ على دخول المسجد قبل الأذان لمدة تزيد عن أربعين سنة، قال برد مولى سعيد بن المسيب: ما نودي للصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد
وقال ربيعة بن يزيد: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضًا أو مسافرًا.
وأرشد r للمحافظة على هذا الخير العظيم فقال: «اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن
* شهد أهل الخير لأهل الخير فقد قال يحيى بن معين عن يحيى بن سعيد: إنه لم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة).
أولئك قوم قلوبهم معلقة بالمساجد وقد جاءتهم البشائر في قوله r: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم: أن عمر بن الخطاب لما طعن جعل يغمى عليه فقيل: إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة إن كانت به حياة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، قد صليت فانتبه فقال: الصلاة ها الله، فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وإن جرحه ليثعب دمًا
رضي الله عنه وأرضاه، لقد علم الصحابة شدة اهتمامه وحرصه على الصلاة -فعلموا أنه إن ذكرت الصلاة على مسمعه وبه حياة- فإنه سيفيق من الإغماءة التي كان فيها وقد كان ذلك، فلما ذكروا له الصلاة أفاق.
أما في زماننا فلا يحلو للبعض النوم إلا وقت الصلاة، والبعض يسمع صوت المنبه للصلاة ولكن لا يستيقظ، وآخرون يوقظون للصلاة ولا يستجيبون -وكأنهم إلى الموت أقرب منهم للحياة- ولكن لو سمعوا بأن لصًا في الدار أو صافرة الإنذار انطلقت، لرأيت سرعة الانتباه وقوة الوثبة.
لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم
ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
أخي المسلم
سطر الربيع بن خثيم موقفًا عظيمًا في حياته فها هو بعدما سقط شقه يهادي بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحابه يقولون: يا أبا يزيد لقد رخص لك، لو صليت في بيتك فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: حي على الفلاح، فمن سمعه منكم ينادي حي على الفلاح فليجبه ولو زحفًا ولو حبوًا
لقد كان هناك دافع يدفعهم ويستحثهم لتحمل المشاق في سبيل إقامة الصلاة طاعة لله عز وجل، وامتثالاً لأوامره، ورغبة فيما عنده.
فهذا عدي بن حاتم يقول: ما جاء وقت الصلاة إلا وأنا إليها بالأشواق، وما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا لها مستعد
لقد حرك الداعي إلى الله وإلى دار السلام النفوس الأبية، والهمم العالية، فأسمع منادي الإيمان من كانت له أذن واعية، وأسمع الله من كان حيًا فهزه النداء إلى منازل الأبرار وحدا به في طريق سيره فما حطت به رحاله إلا بدار القرار
أحن اشتياقاً للمساجد لا إلى
قصور وفرش بالطراز موشح
وهذا الاهتمام بالصلاة تحول إلى فرح وسرور بدخول وقتها وهو فرح وبهجة بالعطاء العظيم من الله الكريم المنان فهو كما ذكر أبو بكر بن عبد الله المزني: من مثلك يا ابن آدم؟ خلي بينك وبين الماء والمحراب، متى شئت تطهرت ودخلت على ربك -عز وجل- ليس بينك وبينه ترجمان ولا حاجب
فهذه ولله الحمد من نعمه علينا نقصده متى شئنا فترفع بالصلاة الدرجات وتحط الخطيئات، فسبحانه ما أكرمه وجل جلاله ما أعظمه.
ولا شك أنه يتأسف على فوات هذه النعم وضياع الأوقات بدون فائدة ورأس مال المسلم عمره.. أفلا يتأسف على ضياعه؟ قال أبو رجاء العطاردي: ما أنفس عليَّ شيء أخلفه بعدي إلا أني كنت أعفر وجهي في كل يوم وليلة خمس مرات لربي عز وجل
أخي المسلم:
لقد أعطوا الصلاة حقها وأنزلوها منزلتها، ولذلك كانت عندهم المقياس الأول، كما أكد ذلك عمر بن الخطاب بقوله: إذا رأيت الرجل يضيع من الصلاة فهو والله لغيرها أشد تضييعًا
وسار على هذا المنهج أبو العالية فقال: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام، فأول ما أتفقد من أمره صلاته، فإن وجدته يقيمها ويتمها أقمت وسمعت منه، وإن وجدته يضيعها رجعت ولم أسمع منه وقلت: هو لغير الصلاة أضيع.
وامتدادًا لهذا التواصل الخير امتد هذا الحرص ليصل إلى أطفالهم امتثالاً لقوله، r: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع
فكان زيد الأيامي يقول للصبيان: تعالوا فصلوا أهب لكم الجوز، فكانوا يجيئون ويصلون ثم يحوطون حوله، فقيل له: ما تصنع بهذا؟ قال: وما علي، أشتري لهم جوزًا بخمسة دراهم ويتعودون على الصلاة
والكثير الآن اهتم بتربية أبنائه تربية دنيوية بحتة، فحرص على المأكل والمشرب وتوفير وسائل الترفيه واللهو ولكنه ترك المهمة الأولى والمسئولية الكبرى للآباء ألا وهي تربية أبنائهم التربية الإسلامية الصحيحة وتعويدهم على الصلاة وتفقدهم حال غيابهم عنها والله -سبحانه وتعالى- يقول: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ{ [التحريم: 6].
الصلاة مع الجماعة:
أوجب الله -سبحانه وتعالى- أداء الصلاة المفروضة مع الجماعة فقال تعالى: }وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ{ [البقرة: 43]، وداوم عليها r، وأصحابه مداومة شديدة حتى كأنها جزء من الصلاة، ولم يتركها r في السلم ولا في الحرب ولا في مرضه الذي مات فيه.
وفي مساجدنا اليوم اختفى هذا الأمر ولم يحرص الجميع على أدائها مع الجماعة، فإننا نرى حضور المصلين لصلاة الجمعة وامتلاء المساجد بهم، ثم لا نراهم في الصلوات الخمس، أيحسبون أنهم لا يحاسبون على هذا التقصير والتهاون؟ أم بأي عذر سقطت عنهم صلاة الجماعة حتى يتخلفوا عنها لا سيما وهم يسمعون ذلك النداء الذي يرتفع على المسامع خمس مرات كل يوم؟
أخي الحبيب:
لكم نحمد الله على ذلك، فكم من مسلم في بلاد الكفار يحرم من سماع هذا النداء، وكم من ميت لم يعد يجيب نداء التوحيد، وكم من مريض يحن إلى تلبية الدعوة ويحول بينه وبينها المرض، فإن لنداء التوحيد رنة في الأذن وفرحة في القلب، كيف لا، وهي دعوة من الله جل وعلا للسير في ركب الصالحين الراكعين الساجدين.
ولهذا كان أبو عمران الجزني إذا سمع الأذان تغير لونه وفاضت عيناه.
وقبله كان سيد المرسلين كما قالت عائشة رضي الله عنها «كان رسول الله r يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه» صلوات ربي وسلامه عليه.
وكان علي بن الحسين -رحمه الله- إذا توضأ يصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
وحين استيقظ سليمان بن الأعمش من النوم لحاجة فلم يصب ماء، وضع يده على الجدار فتيمم، ثم نام، فقيل له في ذلك، قال: أخاف أن أموت على غير وضوء
وذلك امتثالاً لقول الرسول r: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن
ليس الطريق سوى طريق محمد
فهي الصراط المستقيم لمن سلك
من يمشي في طرقاته فقد اهتدى
سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك
توضأ منصور بن زاذان يومًا فلما فرغ دمعت عيناه ثم جعل يبكي حتى ارتفع صوته فقيل له: رحمك الله ما شأنك؟ فقال: وأي شيء أعظم من شأني؟ أريد أن أقوم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوم، فلعله أن يعرض عني
وما ذاك إلا لصلاح قلوبهم وصفاء سرائرهم، فعندما قيل ليزيد بن عبد الله: ألا نسقف مسجدنا؟ قال: أصلحوا قلوبكم يكفكم مسجدكم
فإن من صلح قلبه وأخلص نيته لم ينظر إلى سقف ولا إلى نقش بل اهتم بصلاته وتأديتها على الوجه الأكمل رجاء قبولها.
وهذا عدي بن حاتم -رضي الله عنه- يقول: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء
وتلبية النداء في حياتهم تتم بصورة عملية لا تراخي فيها ولا تكاسل، فهو نداء يعني لهم التوجه إلى المسجد وترك ما في أيديهم من أعمال الدنيا.
لنر إبراهيم بن ميمون المروزي ومهنته الصياغة وطرق الذهب والفضة، كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردها.
إنهم رجال تفرغوا لتلبية هذا النداء طاعة لرب العالمين وامتثالاً لأمر سيد المرسلين، تركوا الدنيا جانبًا وقاموا عن أعمالهم سراعًا متجهين إلى الله -جل وعلا-.
أخي المسلم:
صلاة المرء في أخراه ذخر
وأول ما يحاسب بالصلاة
فإن يمت فطوبى ثم طوبى
له الفوز فيها بالصلاة
وإلا النار مثواه وتبًا
له تبًا بعد الممات
وكانوا من شدة الحرص على الصلاة وعلى الطاعات نراهم يتسابقون إلى المساجد حال النداء فهو كما قال الشاعر:
تراه يمشي في الناس خائفاً وجلاً
إلى المساجد هونًا بين أطمار
وحالنا اليوم خلاف ذلك، ونرى البون الشاسع و الفارق الكبير بين عباد الأمس ورجال اليوم، فهناك الكثير اليوم ممن لم يدخل المسجد قبل الأذان أو معه بل إن البعض قد يموت وهو لم يدخل المسجد بل يدخل به للصلاة عليه.
وهذا الاهتمام بأمر الصلاة الذي نراه في واقع حياتهم من حضورهم إلى المساجد مبكرين ومحافظتهم على الصف الأول نراه استجابة لقوله r: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لا يجدوا إلى أن يستهموا عليه لاستهموا عليه»
وحافظ على هذا الخير الكثير من سلف الأمة فكان بشر بن الحسن يقال له (الصفي) لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين سنة.
وانقلبت الأمور وتغيرت المفاهيم وندر من يحافظ على هذا الواجب العظيم والخير العميم.
أما عن الحرص على حضور التكبيرة الأولى مع الإمام التي لا يدركها الكثير من الناس اليوم فحدث ولا حرج.
قال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة
}وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ{.
هو مطلب يستحق المنافسة، وهو أفق يستحق السباق، وهو غاية تستحق الغلاب.
والذين يتنافسون على شيء من أشياء الأرض مهما كبر وجل وارتفع وعظم، إنما يتنافسون في حقير قليل فانٍ قريب الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولكن الآخرة ثقيلة في ميزانه فهي إذن حقيقة تستحق المنافسة فيها والمسابقة
بقى سليمان بن مهران سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولىرحمنا الله برحمته، فالبعض قد لا يدرك التكبيرة الأولى في السنة كاملة إلا مرة أو مرتين.. وانظر إلى الصفوف بعد انتهاء الإمام من الصلاة ترى أن من أدرك الصلاة كاملة هم القلة القليلة.
أين نحن من هؤلاء؟
هذا أسيد بن جعفر يقول: ما رأيت عمي بشر بن منصور فاتته التكبيرة الأولى، ولا رأيته قام في مسجدنا سائل قط إلا أعطاه
وقال وكيع بن الجراح: كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى
بل إن بعضهم -رحمه الله – لم تفته التكبيرة الأولى مع الإمام إلا في يوم واحد منذ أربعين سنة ولعذر.
فقد قال ابن سماعة: مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يوم ماتت أمي
وإذا كان هذا ما عرفناه من اهتمامهم بالصلاة وبتكبيرة الإحرام خصوصًا، فلا غرابة إذا قال إبراهيم النخعي: إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منهوهذا إبراهيم التيمي يؤكد هذا الاهتمام وأنه عنوان صاحبه بقوله: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يديك منهوقد أدرك السلف -رحمهم الله- ذلك فاهتموا بالتبكير إلى الصلاة فقال سفيان بن عيينة: إن من توقير الصلاة أن تأتي قبل الإقامة
* هذا هو شدة حرصهم واهتمامهم ما بالك إذا فاتتهم الصلاة في الجماعة مع شدة عنايتهم بها واستعدادهم لها.
قال قاضي الشام سليمان بن حمزة المقدسي: لم أصل الفريضة منفردًا إلا مرتين وكأني لم أصلهما قط، مع أنه قارب التسعين
وكانوا يتألمون لفوات هذا الخير العظيم والأجر الجزيل.
قال محمد بن المبارك الصوري: كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى
ولم تكن صلاة الجماعة تعدل عندهم شيئًا من أمور الدنيا التي أصبحنا نلهث وراءها وربما نؤخر الصلاة من أجلها، فقد أتى ميمون بن مهران المسجد فقيل له: إن الناس قد انصرفوا فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لفضل هذه الصلاة أحب إلي من ولاية العراق
والبعض منا يفوت صلاة الجماعة لأمر بسيط وشغل قليل من أمور الدنيا لا يعدل شيئًا يذكر، فما بالك بولاية العراق؟!
وقوم أمرهم كذلك لابد أن هناك نوعًا من التأثر على فوات الجماعة فهذا ابن عمر إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته.
اغتنم في الفراغ فضل ركوع
فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيح رأيت من غير سقم
ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
أخي الحبيب:
صلاة الجماعة عند هؤلاء الأخيار لها منزلة عظيمة وفقدها كفقد عزيز لديهم، لعظم أمرها ولمعرفتهم بحقيقتها وهو كما جرى لحاتم الأصم عندما قال: فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا
وهذا من درر الكلام ونفيسه: فما أكثر ما نرى من المعزين بفقد عزيز وذهاب قريب، ولكننا لا نرى من يعزي في فقد جانب من جوانب الدين، فاللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا.
قال يونس بن عبد الله: ما لي تضيع لي الدجاجة فأجد لها وتفوتني الصلاة فلا أجد لها
كم لدينا ممن يغتمون بهموم العمل وزيادة المراتب ومتى يحين موعد الترقية، ويسهرون الليالي وربما تطاول بهم الهم لا ينامون إلا قليلاً وفي النهار يتعبون ويجرون هنا وهناك بهمة ونشاط ويحسبون حسابًا لكل شاردة وواردة من أمر الدنيا، وتفوتهم الصلاة مع الجماعة وهو لا يألمون ولا يتألمون، وقد يتعذر البعض بكثرة المشاغل ومتطلبات الحياة وأمور الدنيا.
أخي الحبيب:
وأنت تهب من فراشك مسرعًا، تركت لذة النوم ولين الفراش، تردد مع المؤذن ما يقول ثم تسير إلى صلاة الفجر بخطوات مطمئنة.. في برد قارس وظلام دامس.
لا حرمك الله الأجر، وكتب خطواتك.. ألا فأبشر بخير عظيم بشرك به نبي هذه الأمة r بقوله: «بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» [رواه أبو داود والترمذي].
لا يغلبنك الشيطان ولا تتردد في القيام.. سر إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر..
بلغك الله ما قصدت وجعل الجنة مثواك..
أخي المسلم:
لنرى كيف كان اهتمام السلف الصالح بالطاعات والعبادات رغم الأعباء التي يحملونها، فهذا القاضي أبو يوسف يصلي بعدما ولي القضاء في كل يوم مائتي ركعةبل إن خليفة المسلمين هارون الرشيد بعد أن تولى الخلافة يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن يعرض له علة
وكان للمسجد عندهم اهتمام خاص لكونه مكانًا للعبادة فعندما رأى عطاء بن يسار رجلاً يبيع في المسجد دعاه فقال له: هذه سوق الآخرة فإن أردت الدنيا فأخرج إلى سوق الدنيا.
ونتمثل بقول الشاعر حين نرى التهاون والتكاسل:
أيا عجبًا كيف يعصى الإلـه
أم كيف يجحده جاحد؟
ولله في كل تحريكة
وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
كتاب والثمن الجنه
بقلم عبد الملك القاسم
وجعله الله بميزان حسناتك يارب
موضوع مميز