قيام الليل
الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة للمؤمنين، ومفزعاً للخائفين، ونوراً للمستوحشين، والصلاة والسلام على إمام المصلين المتهجدين، وسيد الراكعين والساجدين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين… أما بعد:
فإن قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.
قيام الليل في القرآن
قال تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]. قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل.
وقال ابن كثير في تفسيره: ( يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ).
وقال عبد الحق الأشبيلي: ( أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود ).
وقد ذكر الله عز وجل المتهجدين فقال عنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات:18،17] قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.
وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]. أي: هل يستوي من هذه صفته مع من نام ليله وضيّع نفسه، غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده؟!
إخواني: أين رجال الليل؟ أين ابن أدهم والفضيل ذهب الأبطال وبقي كل بطال !!
يا رجال الليل جدوا *** ربّ داع لا يُردُ
قيام الليل في السنة
أخي المسلم، حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وقال النبي : { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام } [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني].
وقال : { أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس } [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني].
وقال : { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } [رواه أبو داود وصححه الألباني]. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر.
وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: { ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه !! } [متفق عليه].
وقال : { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [رواه مسلم].
قيام النبي صلى الله عليه وسلم
أمر الله تعالى نبيه بقيام الليل في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [المزمل: 1-4].
وقال سبحانه: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [الإسراء: 79].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ } [متفق عليه].
وهذا يدل على أن الشكر لا يكون باللسان فحسب، وإنما يكون بالقلب واللسان والجوارح، فقد قام النبي بحق العبودية لله على وجهها الأكمل وصورتها الأتم، مع ما كان عليه من نشر العقيدة الإسلامية، وتعليم المسلمين، والجهاد في سبيل الله، والقيام بحقوق الأهل والذرية، فكان كما قال ابن رواحة:
وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشق معروفٌ من الصبح ساطعُ
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقناتٌ أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وعن حذيفة قال: { صليت مع النبي ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرَسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوذ… الحديث } [رواه مسلم].
وعن ابن مسعود قال: { صليت مع النبي ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء. قيل: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأَدَعَهُ ! } [متفق عليه].
قال ابن حجر: ( وفي الحديث دليل على اختيار النبي تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنبي ، وما هم بالقعود إلا بعد طول كثير ما اعتاده ).
قيام الليل في حياة السلف
قال الحسن البصري: ( لم أجد شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل ).
وقال أبو عثمان النهدي: ( تضيّفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا ).
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى، ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام، فيقوم إلى مصلاه.
وكان طاوس يثب من على فراشه، ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين !!
وكان زمعة العابد يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرِّسون، أكُل هذا الليل ترقدون؟ ألا تقومون فترحلون !! فيسمع من هاهنا باكٍ، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا متوضئ، فإذا طلع الفجر نادى: عند الصباح يحمد القوم السرى !!
طبقات السلف في قيام الليل
قال ابن الجوزي: واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات:
الطبقة الأولى: كانوا يحيون كل الليل، وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء.
الطبقة الثانية: كانوا يقومون شطر الليل.
الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال النبي : { أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود؛ كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سُدسه } [متفق عليه].
الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سدس الليل أو خمسه.
الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير، وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام.
الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتين.
الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين، ويُعسِّـلون في السحر، فيجمعون بين الطرفين. وفي صحيح مسلم أن النبي قال: { إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا آتاه، وذلك كل ليلة }.
الأسباب الميسِّرة لقيام الليل
ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل:
فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:
الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.
الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.
الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.
وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.
الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه.
قيام رمضان
قيام رمضان هو صلاة التراويح التي يؤديها المسلمون في رمضان، وهو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا الشهر.قال الحافظ ابن رجب: ( واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وُفِّي أجره بغير حساب ).
وقال الشيخ ابن عثيمين: ( وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها، لقول النبي : { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه] وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وآخره، وعلى هذا فالتراويح من قيام رمضان، فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها، واحتساب الأجر والثواب من الله عليها، وما هي إلا ليالٍ معدودة ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها ).
وتشرع صلاة التراويح جماعة في المساجد، وكان النبي أول من سنّ الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خشية أن تُفرض على أمته، فلما لحق رسول الله بجوار ربه، واستقرت الشريعة؛ زالت الخشية، وبقيت مشروعية صلاتها جماعة قائمة.
وعلى المسلمين الاهتمام بهذه الصلاة وأداؤها كاملة، والصبر على ذلك لله عز وجل.
قال الشيخ ابن عثيمين: ( ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله ).
ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن. ولكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة، غير متبرجة ولا متطيبة، ولا رافعة صوتاً ولا مبدية زينة.
والسنة للنساء أن يتأخرن عن الرجال ويبعدن عنهم، ويبدأن بالصف المؤخر فالمؤخر عكس الرجال، وينصرفن من المسجد فور تسليم الإمام ولا يتأخرن إلا لعذر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: { كان النبي إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قالت: نرى – والله أعلم – أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال } [رواه البخاري].
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
العبودية خمسة أشياء؛ وعدّ منها قيام الليل
أما معطيات صلاة الليل فهي
أولاً: إن صلاة الليل تثبت النور في قلب العبد النور، وقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال:
«إن العبد إذا تخلّى بسيّده في جوف الليل المظلم وناجاه، أثبت الله النور في قلبه1]
ثانياً: إن صلاة الليل تورث الشرف.
ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: «شرف المؤمن صلاته بالليل»3].
ثالثاً: إن صلاة الليل تستوجب رضوان الله
سبحانه وتعالى، وهو أكبر ما يمكن أن يناله المؤمن، وقد قرن الإمام الرضا عليه السلام بين صلاة الليل ورضا الله تعالى، فقال: «قيام الليل رضا الرب»[4
رابعاً: إن صلاة الليل تورث صحة البدن
، ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: «قيام الليل مصحّة للبدن» 5].
خامساً: حسن الوجه
، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «من كثرت صلاته في الليل، حسُن وجهه بالنهار» 6
وقال صلى الله عليه وآله: «ألا ترون أن المصلّين بالليل هم أحسن الناس وجوهاً؟ لأنهم خَلَوا بالليل لله فكساهم الله من نوره» 7].
سادساً: يُكتب من الذاكرين
، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا أيقظ الرجل أهله من الليل وتوضآ وصلّيا، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات» 8].
سابعاً: غفران الذنوب
، حيث جاء في الحديث النبوي الشريف: «يقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي قد تخلّى بي في جوف الليل المظلم والباطلون لاهون والغافلون نيام، اشهدوا أني غفرت له9
ثامناً: مباهاة الله
، وبهذا الصدد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا قام العبد من لذيذ مضجعه والنعاس في عينيه ليرضي ربّه جلّ وعزّ بصلاة ليله، باهى الله تعالى به ملائكته فقال: أما ترون عبدي هذا قد قام من لذيذ مضجعه إلى صلاة لم أفرضها عليه، اشهدوا أني قد غفرت له» 10].
تاسعاً: أنها تورث بياض الوجه
، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: «صلاة الليل تبيّض الوجه» 11].
عاشراً: تطيّب الريح
، فقد قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «صلاة الليل تطيب الريح»[23]، الظاهر أن المقصود الرائحة المادية، أما العلاقة فيما بين الأمرين فقد يكشفها التطوّر العلمي بعد حين.
الحادي عشر: تجلب الرزق
، فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام قوله: «إن الرجل ليكذب الكذب فيحرم بها رزقه،
قيل: وكيف يحرم رزقه؟ قال: يحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل حرم الرزق»[11].
وعنه عليه السلام أيضاً أنه قال في ضمن حديث: «.. ووُسّع عليه في معيشته»[11].
كما روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال إنها «بركة في الرزق»[11].
الثاني عشر: حسن الخلق
، وهذا ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام، فقال: «صلاة الليل تحسن الوجه وتحسن الخلق…»[12]..
الثالث عشر: قضاء الدين
، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال عن صلاة الليل بأنها تقضي الدين[13].
الرابع عشر: إزالة الهم، فعن الصادق عليه السلام: «وتذهب بالهم»[14].
فإذا تعالى المرء عن تفاهات الدنيا وعاش ضمن معادلات الآخرة، زالت همومه الدنيوية.
الخامس عشر: جلاء البصر، كما ذكر ذلك الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: «تجلو البصر»[15].
السادس عشر: إن صلاة الليل تجعل البيت بيتاً نورانياً
، فقد روي عن الصادق عليه السلام «أن البيوت التي يصلَّى فيها بالليل بتلاوة القرآن – ولعل الباء (في قوله عليه السلام بتلاوة القرآن) هي باء المعية- تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض»[16].
السابع عشر: أنها سبب حبّ الملائكة
، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «صلاة الليل مرضاة الرب وحب الملائكة»[17].
الثامن عشر: انها سبب «نور المعرفة»[18].
التاسع عشر: انها سبب «راحة الأبدان»[19].
العشرون: انها عبادة يكرهها الشيطان ففي الحديث الشريف «..وكراهية الشيطان»[20].
الحادي والعشرون: أنها «سلاح على الأعداء»[21].
الثاني والعشرون: أنها سبب «إجابة الدعاء»[22].
الثالث والعشرون: أنها سبب «قبول الأعمال»[23].
الرابع والعشرون: انها سبب إطالة العمر، إذ قال الإمام الرضا عليه السلام في حديث ذي تفاصيل: «ومدّ له في عمره»[24].
الخامس والعشرون: أنها تعطي الهيبة لمن يؤدّيها
، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «وضع الله تعالى خمسة أشياء في خمسة مواضع… والهيبة في قيام الليل»[25].
وهناك حوالي خمس وعشرين فائدة أخرى لصلاة الليل مذكورة في الكتب المفصلة .
ولعل من أسباب ذلك أن صلاة الليل تدفع المصلي إلى الخروج من العالم الضيق الذي نعيش فيه لينطلق ويعيش معادلات اخرى واسعة، فيكون كذاك الشاب الذي نقل عنه أنه خطب إبنة الملك، فاشترطت عليه أن يصلّي صلاة الليل أربعين ليلة، وبعد تمام الأربعين بعثت إليه تسأله عن السرّ وراء عدم تقدّمه لخطبتها، فأجاب أنه عشق ابنة الملك حينما كان قلبه فارغاً، ولكنه الآن – بعد صلاة الليل – قد امتلأ قلبه بحبّ آخر.
فحينما يحلّق الإنسان في تلك العوالم، فإن نمط تفكيره وأسلوب كلامه وطريقة عيشه وتعامله مع الآخرين تتغير دون شك.
إن من يفكّر في رضوان الله تعالى وفي الآخرة وفي الجنة والنار سوف لا يظلم أحداً ولا يتكبّر على أحد، بل سيتحوّل إلى وليّ من أولياء الله الذين هم أكثر الناس تواضعاً، وسوف يترفع على المعادلات المادية الحقيرة
وفقكم الله ولا تنسوني من دعاءكم
قال تعالى : (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا {78} وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا )( سورة الإسراء)ن
وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ {1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا {2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا{3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {4} إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا {5} إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا {6}(سورة المزمل).
وقال تعالى: ({16} كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ {17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{18}(سورة الذاريات).
وعن سهل بن سعد قال: جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت،واعمل ما شئت فإنك مجزى به،أحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس)(رواه الطبراني في الأوسط).
وورد في مجموع الزوائد : عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل).
الإعجاز العلمي :
جاء في كتاب " الوصفات المنزلية المجربة وأسرار الشفاء الطبيعية " وهو كتاب بالإنكليزية لمجموعة من المؤلفين الأمريكيين – طبعة 1993، أن القيام من الفراش أثناء الليل والحركة البسيطة داخل المنزل والقيام ببعض التمرينات الرياضية الخفيفة، و تدليك الأطراف بالماء، والتنفس بعمق له فوائد صحية عديدة
والمتأمل لهذه النصائح يجد أنها تماثل تماماً حركات الوضوء والصلاة عند قيام الليل، وقد سبق النبي (ص) كل هذه الأبحاث في الإشارة المعجزة إلى قيام الليل فقال: " عليكم بقيام الليل، فانه دأب الصالحين قبلكم، و قربه إلى الله عز و جل، و منهاة عن الإثم، و تكفير للسيئات، و مطردة للداء من الجسد "… أخرجه الإمام أحمد في مسنده و الترمذي و البيهقي و الحاكم في المستدرك عن بلال وابن عساكر عن أبي الدرداء، و أورده الألباني في صحيح الجامع برقم4079.
و عن كيفية قيام الليل بطرد الداء من الجسد فقد ثبت الآتي: " يؤدي قيام الليل إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزون ( وهو الكورتيزون الطبيعي للجسد ) خصوصاً قبل الاستيقاظ بعدة ساعات. وهو ما يتوافق زمنياً مع وقت السحر(الثلث الأخير من الليل )، مما يقي من الزيادة المفاجئة في مستوي سكر الدم، والذي يشكل خطورة علي مرضي السكر، و يقلل كذلك من الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم، ويقي من السكتة المخية والأزمات القلبية في المرضى المعرضين لذلك كذلك يقلل قيام الليل من مخاطر تخثر الدم في وريد العين الشبكي، الذي يحدث نتيجة لبطء سريان الدم في أثناء النوم، وزيادة لزوجة الدم بسبب قلة تناول السوائل، أو زيادة فقدانها. أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفس مما يعوق ارتجاع الدم الوريدي من الرأس ويؤدي قيام الليل إلى تحسن و ليونة عند مرضى التهاب المفاصل المختلفة، سواء كانت روماتيزمية أو غيرها نتيجة الحركة الخفيفة والتدليك بالماء عند الوضوء.
قيام الليل علاج ناجح لما يعرف باسم " مرض الإجهاد الزمني " لما يوفره قيام الليل من انتظام في الحركة ما بين الجهد البسيط والمتوسط، الذي ثبتت فاعليته في علاج هذا المرض ويؤدي قيام الليل إلى تخلص الجسد من ما يسمي بالجليسيرات الثلاثية ( نوع من الدهون ) التي تتراكم في الدم خصوصاً بعد تناول العشاء المحتوي علي نسبه عالية من الدهون والتي تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية بنسبة 32% في هؤلاء المرضي مقارنة بغيرهم، ويقلل قيام الليل من خطر الوفيات بجميع الأسباب، خصوصاً الناتج عن السكتة القلبية والدماغية وبعض أنواع السرطان كذلك يقلل قيام الليل من مخاطر الموت المفاجئ بسبب اضطراب ضربات القلب لما يصاحبه من تنفس هواء نقي خال من ملوثات النهار وأهمها عوادم السيارات ومسببات الحساسية قيام الليل ينشط الذاكرة وينبه وظائف المخ الذهنية المختلفة لما فيه من قراءه و تدبر للقرآن و ذكر للأدعية و استرجاع لأذكار الصباح و المساء. فيقي من أمراض الزهايمر وخرف الشيخوخة والاكتئاب وغيرها وكذلك يقلل قيام الليل من شده حدوث والتخفيف من مرض طنين الأذن لأسباب غير معروفه.
منقوووووول