التساهل في الفتوى
الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع ، كثير الفضل ، لأن المفتي وارث الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - وقائم بفرض الكفاية ولكنه معرض للخطأ ; ولهذا قالوا: المفتي موقع عن الله تعالى .
وروي عن ابن المُنكدر قال: "العالم بين الله تعالى وخلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم".
وعن سفيان بن عيينة وسحنون: "أجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً".
◄ مدخل لغوي:
الفتوى لغة: اسم مصدر بمعنى الإفتاء، والجمع : فتاوى . يقال: أفتيته فَتْوى وفتيا، إذا أجبته عن مسألته. والفتيا: تبيين المشكل من الأحكام. وتفاتوا إلى فلان: تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفتيا.
ومنه قوله تعالى حاكياً عن ملك مصر:
﴿ يَا أَيُّهَا الْمََلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي﴾ (يوسف: 43 ).
* والاستفتاء لغة: طلب الجواب عن الأمر المشكل، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [ الكهف: 22 ]. وقد يكون بمعنى مجرد السؤال، ومنه قوله تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ﴾ [ الصافات: 11 ]، قال المفسرون: أي اسألهم.
والفتوى في الاصطلاح: تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه .
والمفتي لغة: اسم فاعل أفتى، فمن أفتى مرة فهو مفتٍ، ولكنه يحمل في العرف الشرعي بمعنى أخص من ذلك .
◄ حكم الفتوى :
الفتوَى حكمٌ شرعيّ، والمفتي مخبِر عنِ الله في أنّ اللهَ أحَلَّ هذا أو حَرّم هذا أو أوجَبَ هذا مستنِدًا إلى دَليلٍ معتمِدًا على الدليل أما الإفتاء بغير علم فهو حرام ومن الكبائر، لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله، ويتضمن إضلال الناس. قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَاْلإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا َلا تَعْلَمُونَ ﴾ فقرن سبحانه وتعالى القول على الله بغير علم بالفواحش والبغي والشرك.
* وإذا فعل المستفتي بناء على الفتوى أمراً محرّماً أو أدّى العبادة المفروضة على وجه فاسد ، حمل المفتي بغير علم إثمه ، إن لم يكن المستفتي قصّر في البحث عمن هو أهل للفتيا ، وإلا فالإثم عليهما، لقول النبي : ( من أُفتي بغير علم ، كان إثمه على من أفتاه) .رواه أبو داود بسند حسن .
* ومن هنا فلا مجال للمستفتي للتعلق بمقولة: " علقّها في رقبة عالم " التي شاعت بين العامة. فيظن المستفتي أنه قد نجا بسؤاله للمفتي وتحليل الأخير أو تحريمه للمسألة.
* قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لو أن رجلاً عمل بكل رخصة: يعمل بمذهب أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع ( يعني الغناء ) ، وأهل مكة في المتعة، لكان فاسقاً .وهذا القول يؤدي الى ما اتفق عليه عامة العلماء في أنه ليس للمفتي تتبع رخص المذاهب، بأن يبحث عن الأسهل من القولين أو الوجهين ويفتي به. ذلك أن الراجح في نظر المفتي هو في ظنه حكم اللّه تعالى، فتركه والأخذ بغيره لمجرد اليسر والسهولة استهانة بالدين، شبيه بالانسلاخ منه، ولأنه شبيه برفع التكليف بالكلية ..
◄ أوصاف المفتي :
1- أن يكون قيماً بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية عن الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وما التحق بها على التفضيل، وقد فُصِّلَت في كتب الفقه فتيسرت ولله الحمد.
2- وأن يكون عالماً بما يشترط في الأدلة، ووجوه دلالتها، وبكيفية اقتباس الأحكام منها، وهذا يستفاد من أصول الفقه.
3- عارفاً من علوم القرآن، والحديث، والناسخ والمنسوخ، والنحو واللغة والتصريف، واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن معه من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها.
4- ذا دربة وارتياض في استعمال ذلك.
5- عالماً بالفقه ضابطاً لأمهات مسائله وتفاريعه.
رأى رجل ربيعة بن أبي عبد الرحمن يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقال : اُستفتي من لا علم له ، وظهر في الإسلام أمر عظيم . ثم قال: ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السُراق .
قال ابن القيم: فكيف لو رأى ربيعة زماننا ، وإقدام من لا علم عنده على الفتيا ، وتوثبه عليها ، وهو من بين أهل العلم منكر أو غريب ، فليس له في معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف نصيب ، ولا يبدي جوابا بإحسان .
لقد كثرت الفتاوى من حولنا، ودخل حلبتها كل من يريد سواء عن علم أو بجهل، وتعدد المفتون، حتى ليمكننا أن نسمي العصر الذي نعيش فيه الآن بعصر مهرجان الفتاوى. وأصبح للناس مواسم للفتاوى: ففي رمضان، تكثر الفتاوى عن الصوم والزكاة وزكاة رمضان، وفي أشهر الحج تكثر الفتاوى عن مناسك الحج والعمرة وآداب الزيارة، وفي بقية شهور العام تكون أسئلة الصلاة والطهارة هي المادة الرئيسية للفتاوى.
◄أسباب ضياع هيبة الفتوى من النفوس :
1) التصدي للفتوى ممن ليس بأهل لها : كالإعلاميين والصحافيين وكل من أراد توجيه رأي الناس لأمر له فيه مصلحة بغض النظر عن رأي الشرع أفتى لنفسه ووضع أسبابا لفتواه ..
2) الهزيمة النفسية للمفتين : وهذا عامل في غاية الخطورة. فوجد من المفتين أمام ضغط العوامل السياسية التي تمر بها الأمة الإسلامية ، وكثرة الدعاوى المغرضة وطعونهم في الإسلام ، ومحاولة منهم لكي يبرروا للناس الواقع الذي يعيشون فيه ، تجدهم أمام هذه الضغوط يتهاونون في أمر الدين، ويحاولون إضفاء صفات وأحوال جديدة عليه لكي يبرهنوا على أنه دين متطور ومناسب لهذا العصر.
3) تضارب فتاوى المفتين: فتجد للموضوع الواحد أكثر من فتوى متعارضة، مما أضاع أثر الفتوى من النفوس. فيتهاون المسلم بعد ذلك في السؤال عن أي شيء، أو يعمل بأيسر الآراء دون مراجعة أيٍ من المفتين.
4) ضياع الهيبة والنفوذ للشيوخ من نفوس الناس: وهذا ما أدى إلى عدم تمسك الناس بالفتاوى التي تصدر عن هؤلاء الشيوخ .
* عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله ، يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا ، حتى ترجع إلى الأول . وكثـر النقل عـن السلف أنهم كانوا إذا سئل أحـدهم عما لا يعلم أن يقـول للسائل: لا أدري . وينبغي للمفتي أن يستعمل ذلك في موضعه ويعوّد نفسه عليه .
وقد سُئل مالك عن ثمان وأربعين مسألة ، فقال في اثنتين وثلاثين منها : لا أدري. وكان يقول : من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب. وسئل عن مسألة ، فقال: لا أدري . فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة! فغضب وقال : ليس في العلم شيء خفيف .
* وفي زماننا هذا نستمع لبعض الفتاوى التي نتعجب ممن سأل عنها ونزداد تعجبا ممن أجاب عليها ..
كالفتوى التي صدرت في حكم السحاب الذي في الظهر وجانب الصدر في لباس النساء .. فالسائل هنا قصد التعقيد على نفسه وتجاهل ما هو أعظم من السحاب ولم يتمعن في قوله تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) ولم يتعظ من بني إسرائيل الذين عسروا على أنفسهم عندما أمرهم الله بذبح البقرة ..
والأدهى من ذلك عندما تقرأ الفتوى الصادرة بحكم هذا السحاب غافلين عن أقوال السلف الصالح والتي أذكر منها :
عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم: "مَنْ أفتى عن كلِّ ما يسأل فهو مجنون".
وعن الشعبي والحسن وأبي حَصِين التابعيين قالوا: "إن أحدَكَم ليفتي في المسألة ولو وَرَدَتْ على عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر".
وعن عطاء بن السائب التابعي: "أدركتُ أقواماً يسأل أحدهم عن الشيء فيتكلم وهو يرعد".
وعن ابن عباس ومحمد بن عجلان: "إذا أغفل العالم (لا أدري) أُصِيبت مقاتله".
قول الشافعي: (ما رأيتُ أحداً جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت منه عن الفتيا).
وفي الجانب الآخر نرى من الفتاوى التي استفزت الناس في حيائهم وعقولهم وموروثاتهم المعرفية . والتي من أشهرها جواز إرضاع زميل العمل وجواز المصافحة بين الشباب والفتيات وما اندرج معها من أسباب لا تغني عن شئ .. ومما غفلت عنه الأمة الإسلامية بأن هذه الفتاوى لا تمس البلد الذي صدرت منه وإنما تمس العالم الإسلامي بأكمله ومن هذه النقطة يسعى العلمانيون ليشوهوا صورة الإسلام والمسلمين ..
فليتَّقِ الله المفتون في الأمور الشرعيّة، وليحاسبوا أنفسَهم قبلَ أن يحاسبَهم الله، وليراقِبوا اللهَ فيما يقولون، وليكن منهجهم واحداً مع العامة والخاصة؛ وأن يبتعدوا عن الأقوال الضعيفة والمرجوحة وعن تقديم العقل وإرضاء الجماهير ولتكن الفتوَى بعدَ التأنّي والبَصيرة، لا سيّما في الأمورِ العامّة التي تتَعلّق بمصالحِ الأمّة حتى لا تزِلَّ أقدامُ أقوامٍ قصُرت عقولُهم، وقلَّ إدراكهم، ولم يحيطوا بالنّصوصِ، ولم يفهَموا الأمورَ على فهمِها الصحيح، فيقعوا في الخطأ من حيث لا يشعرون.
العمل على نشر العلم الشرعي بين أفراد الأمة، وتشجيع الناس على تلقي هذه العلوم، وتبصير الناس بأهميتها، حتى لا تقع الناس فريسة لمن يتلاعبون بالدين، ولنتيقن أن هذا العلم دين كما قال محمد بن سيرين، قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
( بحث جمعته من عدة مواضيع وأضفت عليه وطرحته هنا لأهميته وأتمنى أن أقدمه لدكتوري في الجامعة لكن بعد أن أرى كما أكبر من الاراء المختلفة من سيدات المنتدى )
تحياتي : ننوشة ….
طرح مهم . . وبحث وافي
قال الشيخ الالباني ..رحمه الله تعالى …
عندنا في سوريا يقولون : العلماء اثنان :
عالم عامل ..وَ عــامل حــالهـ عامــل ..؟
لاشكـ في وجود كثير ممن يفتون بغير علم .. واتضحت احاديث
كثيرة تبين مدى خطورة ذالكـ
جزاكـٍ الله خير عزيزتي ع الطرح المميز
وباركـ الله تعالى فيكـِ .. وكتب لكـ الاجــر
كل الود والتقدير لكـِ
نور الإيمــان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بارك الله لك وجعلها بميزان حسناتك
ان شــاء الله
كل الود والاحترام
نور الايمان ..
ريناد ..
شكرا لكن من أعماق قلبي ..
أرجو أن يناقش موضوعي فمن لديه معلومات عنه لا يبخل علي فقد أستفيد منها في بحثي