لا يعتبر عجيبا أن تمثل الهبّات الساخنة لدى النساء رمزا لأحد العوارض السيئة لمرحلة سن اليأس من المحيض. والارتفاع المفاجئ في درجة حرارة الجسم، الذي يقود إلى حدوث الهبّات الساخنة، والتعرُّق الليلي، قد يكون عاملا مثيرا للاضطراب، ويؤدي إلى الضعف والوهن في بعض الحالات.
وفي الواقع فإن الدلائل الحديثة تشير إلى أن الهبات الساخنة الشديدة قد ترمز إلى أمر أكثر جسامة من كونها مسألة عابرة، إلى أنها قد تكون على صلة بوجود خطر متزايد لظهور أمراض القلب والأوعية الدموية.
الهبات الساخنة والقلب
منذ عام 2024 ربطت ثلاث دراسات موسعة بين الهبات الساخنة hot flashes وعوامل الخطر التي تتسبب في ظهور أمراض القلب والسكتة الدماغية.
ونسرد في ما يلي الدراسات ونتائجها:
«دراسة مبادرة النساء» The Women"s Health Initiative (WHI) المنشورة في مجلة الجمعية الطبية الأميركية (أبريل «نيسان» 2024). وقد عكف الباحثون في هذه الدراسة على تحليل نتائج التحاليل التي صمموها لتحديد ما إذا كان عمر المرأة التي تشرع في تناول العلاج الهرموني التعويضي hormone therapy (HT)، يؤثر على خطر التعرض لأمراض القلب.
ودرس الباحثون أكثر من 27 ألف امرأة في أعمار بعد سن اليأس من المحيض، تراوحت أعمارهن بين 50 و70 سنة، تم اختيارهن بشكل عشوائي لتناول العلاج الهرموني، أو تناول حبوب وهمية.
وتم تقسيم النساء إلى ثلاث مجموعات: من اللواتي لم تلاحظ لديهن أية هبات ساخنة، واللواتي كانت لديهن هبات ساخنة خفيفة، واللواتي كانت لديهن هبات ساخنة متوسطة إلى شديدة.
ووجد الباحثون أن الزيادة في خطر أمراض القلب والأوعية الدموية لدى مجموعات النساء اللواتي كُنّ قد مررن بسن اليأس من المحيض قبل أكثر من 10 سنوات، كانت (أي الزيادة) مقتصرة على النساء اللواتي استمرت لديهن الهبات الساخنة المعتدلة أو الشديدة.
الهبات الساخنة والكولسترول والضغط
«دراسة إيندهوفين حول هشاشة العظام في مرحلة ما قبل سن اليأس» The Eindhoven Perimenopausal Osteoporosis Study. وهي دراسة كبيرة بدأت في مدينة إيندهوفين في هولندا، في أواسط التسعينات من القرن الماضي، بهدف التعرف على العوامل المرتبطة بحالة انخفاض كثافة العظام خلال مرحلة ما قبل الوصول إلى سن اليأس.
وقد وظفت بيانات عن النساء الساكنات في المدينة اللواتي ولدن بين عامي 1938 و1948 لدراسة الحالات المرضية الأخرى التي تؤثر على النساء في أواسط أعمارهن.
وفي مجلة «ضغط الدم العالي» Hypertension (يونيو «حزيران» 2024) حلل الباحثون معلومات من 5523 من المشاركات في دراسة إيندهوفن اللواتي أجبن على أسئلة حول تكرار حدوث الهبات الساخنة وشدتها، وكذلك عن التعرُّق الليلي، أو كليهما. ولم يلاحظ نحو نصف النساء أي أعراض، بينما أفاد النصف الثاني منهن بوجود الهبات الساخنة، أو التعرُّق الليلي، أو كليهما. ووجد الباحثون أنه كلما زادت حدة هذه الأعراض، زادت مستويات الكولسترول، وضغط الدم المرتفع، ومؤشر كتلة الجسم.
مرض القلب المبكر
«دراسة صحة النساء في كل الوطن» The Study of Women"s Health Across the Nation (SWAN). وكانت دراسة القلب SWAN Heart أحد عناصر هذه الدراسة المفصلة التي توجهت إلى دراسة التغيرات البدنية التي تحدث في مرحلة ما قبل الوصول إلى سن اليأس perimenopause (التي تسبقه بعدة سنوات).
وتناولت هذه الدراسة العلاقة بين الهبات الساخنة ومرض القلب المبكر الذي لم يتم رصده.
وفي مجلة «الدورة الدموية» Circulation (أكتوبر «تشرين الأول» 2024) عرض باحثو دراسة القلب SWAN Heart نتائجهم حول 492 من النساء قبل مرحلة سن اليأس، من اللواتي لم يتناولن العلاج الهرموني التعويضي. وأجابت النساء عن الأسئلة في استبيانات خاصة لتقييم أعراض سن اليأس لديهن، وتم إخضاعهن أيضا لاختبارات بالموجات فوق الصوتية لتقييم وظيفة الشرايين، ولتصوير طبقي مقطعي لقلوبهن.
وقد وجد الباحثون أن النساء، كمجموعة، اللواتي كان لديهن هبات ساخنة، كن متعرضات لوجود حالة تكلس أعظم في الصمام الأورطي لديهن، كما أن الأوعية الدموية لديهن كانت أقل قدرة على التوسع لدى زيادة تدفق الدم. وكلا هذين المتغيرين يعتبران من العلامات المبكرة على أمراض القلب والأوعية الدموية.
إن هذه الدراسات تثير أسئلة مهمة: هل الهبات الساخنة هي عامل خطر لأمراض القلب، والعكس بالعكس؟ ما الآليات التي تربط بينهما؟ هل إزالة الهبات الساخنة تقلل من خطر أمراض القلب والأوعية الدموية أو حتى تقف مرض القلب وتدرؤه؟
وحتى الوقت الذي تظهر فيه الإجابات على هذه الأسئلة، فإن أفضل النصائح التي تقدم إلى النساء اللواتي لديهن هبات ساخنة شديدة أو متواصلة، هي تقييم مخاطر تعرضهن لأمراض القلب والأوعية الدموية مع أطبائهن، وكذلك الاهتمام على وجه الخصوص بنمط حياتهن بهدف التقليل من أخطار أمراض القلب والسكتة الدماغية، بإجراء التمارين الرياضية، ومراقبة وزن الجسم، والتوقف عن التدخين.
[font=Tahoma]استمرارها قد يشكل علامة تحذير [/font]
تؤذي الهبات الساخنة الكثير من النساء في أثناء عبورهن مرحلة سن اليأس من الحيض. وهذه الأعراض التي تتجسد في شكل حرارة، وتعرُّق، وهبّات، بمقدورها أن تقود إلى اضطرابات في النوم، وسوء المزاج، والتسبب في عدد من الإزعاجات الأخرى.
وعند بعض النساء، فإن الهبات الساخنة تختفي بعد عدة سنوات. أما عند نساء أخريات، فإن هذه الأعراض تستمر حتى بلوغهن السبعينات وأكثر، من أعمارهن.
وإضافة إلى كونها منغصة، وفي بعض الأحيان محرجة، فإن الهبات الساخنة قد تكون علامة تحذير لحدوث مشكلات في القلب والأوعية الدموية في المستقبل.
وفي عدة دراسات كبيرة، لوحظ أن النساء اللواتي كن يعانين من الهبات الساخنة في أعمار الستينات أو السبعينات، كان لديهن، مقارنة بنظيراتهن اللواتي لم تكن لديهن أي أعراض للهبات الساخنة، على الأكثر، ضغط عال في الدم، ومستوى عال من الكولسترول، وتراكم الكالسيوم على الشرايين، وهو علامة على الشرايين المتصلبة الممتلئة بالكولسترول.
وبما أن الهبات الساخنة لا تسبب هذه المشكلات، فإن تناول الأستروجين لن يقلب الأمور ويعيدها إلى نصابها الطبيعي. وتفترض الأبحاث الأخيرة أن الأستروجين في النساء الأكبر سنا قد يؤدي حتى إلى تغيرات ضارة في الشرايين.
وإن كانت مرحلة سن اليأس قد مرت لديك، فإن الهبات الساخنة لا تزال موجودة، فإنه قد يكون من المهم جدا، الاهتمام الأكثر بمراقبة ضغط الدم لديك، والكولسترول، والوزن، وإجراء التمارين الرياضية.
منقووووووول للفائدة