الحقيقة التي يهدينا إليها الحس والعقل والدين في تركيب الإنسان
أنه الموجود الذي ينطوي على أبعاد ثلاثة تتمثل في العقل والقلب والجسد،
أو يعتبر الفلاسفة:
الوجود العقلي والوجود المثالي والوجود الحسي،
وكل واحد من هذه الوجودات الإنسانية تعكس بعداً من أبعاد مطلق الوجود،
ولذا صار الإنسان عالماً أصغر يقابل العالم الأكبر.
جاء الإسلام ليقرر وجود هذه الأبعاد أولاً، وليعطي كل بعد من الأبعاد حقه
وما يستحقّه،
ومن هنا صارت أحكام الإسلام تتوزع باتجاهات ثلاثة،
فهناك أولاً الأحكام الفقهية التي ترتبط بالبعد الحسي من الإنسان،
وهناك ثانياً الأحكام الروحية التي ترتبط بالبعد المثالي من الإنسان،
وهناك ثالثاً الأحكام العقلية التي ترتبط بالبعد العقلي من الإنسان.
حديثنا في هذا المقام يتعرض للبعد الثاني من أبعاد الإنسان،
وهو بعد أولاه الإسلام اهتمامه وعنايته من خلال رؤاه التالية في التعامل
مع هذا البعد:
فأولاً: يقرر الإسلام حقيقة الارتباط الوثيق القائم بين الإنسان وخالقه، يقول تعالى:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)
(ق/16).
ويقول: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر/19).
ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال/24).
ثانياً: يقرر الإسلام أن الغاية من خلق الإنسان وإيجاده تتمثل في إخلاصه العبادة لله تعالى،
قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/56).
وقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) (الزمر/2).
وقال : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (غافر/65).
ثالثاً: يحدد الإسلام هدفاً أساسياً لبعث الأنبياء وإنزال الرّسالات وهو تزكية وتربية الناس،
فيقول تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران/164).
ويقول: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة/129).
ويقول: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة/2).
رابعاً: العبادة في الإسلام تقوم على مبدأ البصيرة والوعي والمعرفة،
يقول تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف/108).
خامساً: ترتبط العبادة بمفهوم الأدب أشدّ الارتباط وفي ذلك يقول الإمام علي
: (يا مؤمن إن هذا العلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلمهما فما يزيد من علمك وأدبك يزيد في ثمنك وقدرك،
فإن بالعلم تهتدي إلى ربّك وبالأدب تحسن خدمة ربّك،
وبأدب الخدمة يستوجب العبد ولايته وقربه فاقبل النصيحة كي تنجو من العذاب)
المصدر: كتاب أصول المحاضرات
أول وحدة ترد اللهم أعنا ع طاعتك وحسن عبادتك