يقتل كفرا حكم من انتقص أو سب أو استهان به صلى الله عليه وسلم!!
قال تعالى: ((إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا)) وقال تعالى: ((والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم)) .
فكل من استهان برسول الله صلى الله عليه وسلم أو سبه أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو في نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له والإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له فانه يقتل كفرا، لما روى أبو داود والنسائي واللفظ له : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن أعمى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان له أم ولد وكان له منها ابنان وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتسبه فيزجرها فلا تنزجر وينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم فوقعت فيه، فلم أصبر أن قمت إلى فوضعته في بطنها فاتكأت عليه فقتلها فأصبحت قتيلا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع الناس ، وقال : أنشد الله رجلا لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام ، فأقبل الأعمى يتدلل فقال: يارسول الله ، أنا صاحبها ، فكانت أم ولدي وكانت بي لطيفة رقيقة، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين ولكنها كانت تكثر الوقيعة فيك وتشتمك فأنهاها فلا تنتهي ، وأزجرها فلا تنزجر، فلما كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك ، فقمت إلى المغول فوضعته في بطنها فاتكأت عليها حتى قتلها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا اشهدوا أن دمها هدر)).
عباد الله والذي حمل المشركين والمنافقين على بغض الرسول صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به، أنه نهاهم عن الشرك في عبادة الله عز وجل ، ومازال المشركون يسبون الأنبياء ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون، إذا دعوهم إلى التوحيد لما في أنفسهم من عظيم الشرك ، وهكذا تجد من فيه شبه منهم إذا رأى من يدعو إلى التوحيد استهزأ بذلك لما عنده من الشرك وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا، وكان يقول لا يدري محمد إلا ماكتبت له، فأماته الله فدفنوه ، فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبحوا وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على إن هذه عقوبة لما قاله وأنه كان كاذبا، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد إذ كان عامة المرتدين لا يصيبهم مثل هذا ، وان الله لمنتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه ، ومظهر لدينه وكذب الكاذب إذا لم لم يمكن للناس أن يقيموا عليه الحد.
وقال في موضع آخر: وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة.
وقد قال أصدق القائلين سبحانه مبينا تكلفه بكفاية شر هؤلاء ((قولوا ءامنا بالله وما أنزل ألينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فأن ءامنوا بمثل ما ءامنتم به فقد أهتدوا وان تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيهم الله وهو السميع العليم))135 136 البقرة.
فما أوسع البون بين أهل الإسلام والأتقياء الأنقياء الذين يؤمنون بجميع الرسل ويعظمونهم ويوقرونهم وبين غيرهم الذين ناصبوا رسلهم العداء قديما وحديثا، وورثوه كابرا عن كابر من اليهود والنصارى.
عباد الله إن من سنة الله تعالى فيمن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله ينتقم منه في الدنيا قبل الآخرة ، والحوادث أتي تشير إلى هذا في السيرة النبوية وبعد عهد النبوة كثيرة قال تعالى: ((فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزءين))
وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر ، وكلاهما لم يسلم، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأكرم رسوله، فثبت ملكه.
قال ابن تيمية رحمه الله في الصارم: فيقال إن الملك باقي في ذريته إلى اليوم، ولايزال الملك يتوارث في بعض بلادهم، وأما كسرى فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق، فلم يبق بين للأكاسرة ملك، وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى: ((إن شانئك هو الأبتر))
فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فان الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أما انتهاك عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه مناف لدين الله بالكلية ، فان العرض متى انتهك سقط الاحترام والتعظيم ، فسقط ما جاء به من الرسالة فبطل الدين ، فقيام المدح والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين كله ، وان كان ذلك وجب علينا أن ننتصر له ممن انتهك عرضه، ويقول الله تعالى: ((إن شانئك هو الأبتر)) فأخبر سبحانه أن شانئه (مبغضه) هو الأبتر والبتر القطع .
ومما قاله أبن تيمية عن هذه الآية " أن الله سبحانه بتر شانئ رسول الله من كل خير ، فيبتر ذكره وأهله وماله ، فيخسر ذلك الآخرة ، ويبتر حياته فلا ينتفع بها ، ولا يتزود فيها صالحا لمعاده ويبتر قلبه فلا يعي الخير، ولا يؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد ناصرا ولا عونا ، ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يتذوق طعما ولا يجد حلاوة.
وذكر السبكي أن سبب تأليفه لكتاب ( السيف المسلول على من سب الرسول) قال إن فتيا رفعت إلي في نصراني سب ولم يسلم، فكتبت عليها ، يقتل النصراني المذكور ، كما قتل النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن الأشراف ويطهر الجناب الرفيع من ولوغ الكلب:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
إلى أن قال السبكي : وليس لي قدرة أن أنتقم بيدي من هذا الساب الملعون والله يعلم أن قلبي كاره منكر ، ولكن يكفي الإنكار بالقلب هاهنا فأجاهد بما أقدر عليه من اللسان والقلم ، وأسأل الله عدم المؤاخذة بما تقصر يدي عنه، وأن ينجيني كما نجى الذين ينهون عن السوء انه عفو غفور، ولقد سأل الخليفة هاروت الرشيد الإمام مالك في رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له أن بعض المتفقهة أفتوا بجلده، فغضب مالك وقال يا أمير المؤمنين ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها صلى الله عليه وسلم من شتم الأنبياء قتل .
وهذا الأمر الموجع علينا أن ننصره ونجله بالقلب واللسان والقلم والمال ومن ذلك بذل المال في طباعة ماكتب في الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أمر الله تعالى بذلك في قوله تعالى: ((لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتيبحوه بكرا وأصيلا)) فالواجب علينا أن ننصره ونمنعه من كل ما يؤذيه ، كما يتعين علينا إجلاله وإكرامه ومحبته عليه الصلاة والسلام والمقصود أن يجتهد أهل الإسلام عموما في الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتصار لمقامه الشريف بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم وان يبذل الجميع قصارى طاقتهم تجاه هذه الواقعة ونظائرها ، ولو بالمقاطعة لمنتجاتهم ، وعلى المسلمين أن يبغضوا اليهود والنصارى والمشركين بقلوبهم وأن يدعو عليهم بالهزيمة ويسألوا الله أن ينصر المسلمين عليهم في كل مكان ، اللهم عليك بمن سب رسولك اللهم أجعلها عليهم سنين كسنين يوسف اللهم أشدد وطأتك عليهم ، ومزقهم تمزيقا ودمرهم تدميرا، لا اله إلا الله العلي العظيم لا اله إلا الله العليم الحليم لا اله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش الكريم سبحان مجيب الدعوات، سبحان مغيث اللهفات اللهم أغثنا بنصر نبيك ونصر دينك ، وأنزل العقوبة العاجلة التي لاترد عن القوم الظالمين بمن سب رسولك وسخر به.
عباد الله: من حقق إيمانه برسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن محبته عليه الصلاة والسلام آكد عليه من محبة والده وولده والناس أجمعين ، بل يكون عليه الصلاة والسلام أحب إليه من نفسه ، لما روى البخاري من حديث عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يارسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر : "فانه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي " فقال النبي صلى الله عليه وسلم "الآن يا عمر"
وماروى أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" متفق عليه.
وفي رواية مسلم "حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين"
وذلكم لأن الله أستنقذنا به من النار ، وهدانا به من الضلال ، وإذا تأمل العبد النفع الحاصل له من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الله به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، إما بالمباشرة وإما بالسبب علم انه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره، لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل له أكثر من غيره ، فيجب حبه ونصر سنته والذب عن شريعته وبغض من يبغضه عليه الصلاة والسلام ومجاهدته على حسب الاستطاعة ،
ومن أسباب دوام محبته عليه الصلاة والسلام وزيادتها وتضاعفها : الإكثار من الصلاة والسلام عليه لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالية لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره نقص حبه من قلبه فيجب علينا أن نجاهد أنفسنا على إيصال محبته صلى الله عليه وسلم إلى سويداء قلوبنا وأن ننشئ أولادنا على محبته عليه الصلاة والسلام محبة سالمة من الغلو والجفاء ومن الإفراط والتفريط ولقد غلا قوم في حبه فأشركوا بالله فجعلوا ينشدون قصيدة البوصيري المسماة بالبردة وجفا آخرون فأعرضوا عن حبه فلا يخطر ذلك بقلوبهم وأعرضوا عن سنته وتحاكموا إلى غير شريعته قال تعالى : ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)) وتوسط المؤمنون المتبعون للصحابة الكرام فأحبوا الرسول عليه الصلاة والسلام بقلوبهم واتبعوه بجوارحهم وحكموا سنته ورضوا بها وسلموا تسليما وقالوا انه عبد لا يعبد ورسول لا يكذب ويطاع ويتبع.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
كتبه /عبد الله بن إبراهيم القرعاوي
إمام وخطيب جامع خادم الحرمين الشريفين في بريده..
وجزى الله الفردوس الأعلى من أعان على نشرها وله دعوة خاصة في ظهر الغيب بإذن الله..
جعله الله في ميزان حسناتك