أود التخلص من العجب، أنا مثلا أقرأ القرآن مثلا كل يوم سورة الملك وأسبح وهذا فضل الله وأصلي، ولكن ينتابني نوع من العجب بالنفس أحياناً وأنا لا أريده، وأريد أن يبتعد عني نهائيا أريد أن أعمل عملا ولا أريد أن يأتيني هذا العمل أنا محتاج وبقوة لهذه الفتوى لأني أصارع هذا الأمر ولا أريد أن يحبط عملي، عندما أفعل مثلا فعلا من فضل ربي مثلا كالتسبيح بعد الصلاة أو الذكر فأقول هذا فضل الله رب العالمين أو أقول هدفي هو رضاء الله رب العالمين، فهل هذا يبطل عجبي بنفسي؟
نص الجواب
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فجزاك الله خيراً أيها الأخ السائل على سؤالك، وزادك حرصاً، وبارك فيك، ونشكرك على تواصلك معنا.
واعلم رعاك الله أن العُجب من أمراض القلوب ، وهو داء خطير يصيب النفس، وهو عبارة عن رؤية النفس وإسناد العمل إليها ورؤية المَزِيَّة لها على الناس، والله تعالى قد حذَّرنا من العُجب كما قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}[النجم:32]، قال العلامة المناوي رحمه الله في فيض القدير: قال حكيم: إعجاب المرء بنفسه أن يظن بها ما ليس فيها مع ضعف قوة فيظهر فرحه بها والزهو الاستخفاف من الفرح بنفسه.
قال العلامة ابن عجيبة الحسني رحمه الله في إيقاظ الهمم: قيل معناه إذا عملت عملاً فلا تقل عملت ولا تظهر عند من يعظمك لأجل علمه بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث مهلكات شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه".
وقال زيد بن أسلم: معنى لا تزكوا أنفسكم لا تعتقدوا أنها بارة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من الذنوب العجب"، قال بعض السلف: لأن أبيت نائماً وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً.
وقيل لعائشة رضي الله عنها متى يكون الرجل مسيئاً؟ قالت: إذا ظن أنه محسن، قيل: والمعجب أعمى عن آفات نفسه وعمله والعمل إذا لم يُتفقد ضاع وإنما يَتفقد عمله من غلب عليه خوف الله وخوف ذنوبه ولا يريد الثناء على نفسه وحمدها وتزكيتها وربما أعجب برأيه وعقله فيستنكف عن سؤال غيره ولا يسمع نصح ناصح لنظره من سواه بنظر الاستحقار نسأل الله السلامة والعافية.أهـ.
ودواء العجب أن يتخلص المُعجب من ثقته بنفسه وأعماله، وأن يضع خَدَّ ضراعته وذله وانكساره على عتبة باب سيده ومولاه، وأن يعرف قدر نفسه، ويشهد فقره وكمال ضرورته إلى حفظ سيده له ومولاه، ولْيَبكِ راجياً عفوه عنه ومغفرته له، وليخرج من قلبه صولة الطاعة وليكسر أنفه من أن يشمخ بها أو يتكبر بها أو يرى نفسه بها خيرا من غيره، وليقف بين يدي ربه موقف الخطائين المذنبين، ناكس الرأس بين يدي ربه مستحيا خائفا منه وجلا محتقرا لطاعته مستعظما لمعصيته، فمن فعل ذلك فقد عَرَف نفسه بالنقص والذم، و عَرَف ربه متفرداً بالكمال والحمد.
لكن العُجب بالعمل لا ينافي أن يفرح العبد بتوفيق الله له لطاعته، وإدراك نعمة الله تعالى بأداء الطاعة التي يترتب عليها رضا الله تعالى، ونيل الثواب، والدخول في ديوان الصالحين، والعبور إلى مضمار منافسة السابقين إلى الله تعالى، مع عدم رؤية النفس عند العمل، بل وانكسارها، واعترافه بالتقصير، فالأول مذموم، والثاني محمود، ونقل الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58]، عن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة، قالوا: فضل الله الإيمان، ورحمته القرآن، ثم قال رحمه الله: والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب.
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما موقوفاً، قال: من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه، ومن أعطي القرآن فظن أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد حقر ما عظَّم الله، وعظَّم ما حقر الله، وليس ينبغي لحامل القرآن أن يحد فيمن يحد ولا يجهل فيمن يجهل، ولكن ليعف وليصفح لحق القرآن.
والذي يفرح بتوفيق الله تعالى له أن هداه لِطاعته، وألهمه ذكره، حيث وفَّقه لِتلاوة كتابه، وأشغله بقراءة كلامه، مع إخفاء العمل لِتجنب الرياء، وانكسار النفس بين يدي مولاها، وعدم رؤيتها عند العمل، لا يدخل في دائرة العجب، بل هو من الفرح المحمود بِطاعة الله تعالى، فمن عظيم فضل الله على العبد أن خلق فيه ونسب إليه.
وقد أورد الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره أنه لما قُدم خراجُ العراق إلى عمر رضي الله عنه خرج عُمَرُ ومولى له فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته، فقال عمر: كذبت، ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }وهذا مما يجمعون.
وبناءاً على ماسبق: فإننا نقول لك أخي السائل:ما تجده من الفرح بتوفيق الله تعالى لك أن هداك لِطاعته، مع الحرص على كتمان العمل وإخفائه، وانكسار نفسك وعدم رؤية المزيَّة لها ليس من العجب المذموم، بل هو من الفرح بفضل الله تعالى، فإن رأيت في نفسك تفاخراً وعجباً بالعمل، ورأت النفس أن لها مزيَّة وفضلاً فقد تحولت إلى العجب، ودواء ذلك بانكسار النفس، وإظهار ذُلِّها وافتقارها بين يدي مولاها، واحتقار ما أتيت من الطاعة إلى جنب ما اقترفت من المعاصي، وتذكر امتنان الله وتوفيقه بالطاعة، وشهود عجز النفس عن القيام بِحق الله تعالى والله أعلم.