في الغرفة رقم205..تستلقي مريظة السرطان منذ شهرين على سرير المعاناة والصبر في آن واحد…
حين انتابتها نوبة صراخ مجنونة..هرول الطبيب المناوب الى غرفتها دون ان يتوقف ليلتقط انفاسه ..اقترب من سريرها بملامح يملاؤها الذعر والخوف بدافع عال من الانسانية..متسائلا:
_مدام علياء؟؟..هل يؤلمك شيء ما..اين مكان الالم تحديدا..خذي نفسا عميقا..وضع سماعته الطبية على صدرها ليجس النبض..ولكن الصراخ لم يتوقف..انتظر بصبر اجابة شافية عن سؤاله..لكن امرانتظاره قد طال هذه المرة..حين ادرك بخبرة العشرين عاما..مع مرضى السرطان ان نوبات الصراخ مثيل مايسمع اللحظة يتكرر بفعل الضغط النفسي لمفارقة الاهل او من يحبون وهم يرقدون طويلا وبيأس يقتربون من ساعة الموت الاليمة!!…عاد صوت الطبيب المناوب يخترق سمع المريظة هناك خبر يتوجب اخبارك به دون تاجيل..انا آسف مدام علياء ولكن؟..توقف ولم يستطع ان يكمل مابدأه من حديث..حل الهدوء والصمت الحزين محل الصراخ الهستيري على نحو واضح..لكنه لم يدم كثيرا..قال الطبيب في قرارة نفسه(لاوقت للصمت الان ايتها السيدة يجب ان اخبرك بالامر فالوقت يمر سريعا)
الطبيب المناوب: مدام علياء مؤسف ان اخبرك ان جميع الفحوصات التي اجريت لك تقول ان ساعتين فقط هما الوقت المتبقي لك قبل الرحيل عن هذا العالم..هل ترغبين بأن تقولي شيئا او تطلبي امرا ما..سأعمل على تحقيقه لك قدر المستطاع..لكن صوته الهادىء اللطيف بخبره غير السارلم يلاقي القبول مطلقا..عاد الصراخ مجددا..ولكن بالتدريج اصبح منخفضا..شيئا فشيئا..بدا وكأنه استبدل بأنين متقطع وانفاس متعبة للغاية..شعرت بأن احدهم قد وخزها في ذراعها اليمنى..لكنها لم تغب بعد عن الوعي تماما..استمر انينها متراوحا بين جدران الغرفة205!!
سيدة علياء..سيدة علياء؟؟..احدهم يناديها لكنها لم تجب بشيء!!..كانت نظراتها تحدق بالسقف طويلا بدت وكأنها انتقلت الى السماء لكن نبضها مازل يحتضن الارض بدفئه!!..صور كثيرة ملئت السقف بشكل غير منتظم..بعضها يختفي ليعود مجددا للظهور..والبعض الاخر لم يظهرثانية..سميرة ابنة الخمس سنوات تقود دراجتها الصغيرة..سقطت كثيرا قبل ان تتعلم كيف تقودها بشكل متوازن..وشادي المشاغب دخل عامه الثالث ليصبح يتيما..امي بوجهها المعاتب لقلة زيارتي لها..وتلك جارتي الجديدة..ولكن صورة الجارة قد تلاشت سريعا لتحل صورة زملائها في العمل وهم يمرون الواحد تلو الاخرمودعين لها..اختلطت جميع الصور..بالتناوب ليمتزج الحاضر بالماضي..اخيرا اجتمع الكثير منهم برداء ابيض وصوت خفيض يكاد يخترق السمع..حول سريرها قال احدهم:
_اتركوها ايها الزملاء ترقد بسلام..واضاف الاخر..انها تحتظر..
اجابه احدهم مضيفا:
_انها الثواني الاخيرة وينتهي المشهد..من منكم سيضع الغطاء الابيض فوق راسها..تسائل بحزن؟
اضطربت دقات قلبها..واختفت الصور على نحو سريع وخاطف امام عينيها وكأن الجميع قد رحلوا بعد اتمام مراسيم الوداع على اتم وجه..حاولت ان تضرخ كي تقول لمن حولها توقفوا توقفوا لن اموت بهذه السرعة..ارجوكم لاتغطوا رأسي اكره الظلام..اكره الظلام بقيت تكرر تلك الكلمات بصوت مرتفع حين لامست كتفها يد رقيقة بصوت هادىء..
_امي حان وقت ذهابي للروضة..انها السابعة صباحا..طبعت سميرة على جبينها قبلة دافئة ومضت تشق طريقها بأتجاه الباب..مررت علياء احدى يديها بموازاة وجهها ثم بشكل مجنون نهضت من سريرها لتلمس كل شي تقابله رفعت صوتها: كل شيء مختلف هنا..مرآتي الكبيرة..شرفتي الممتلئة بالزهور..وصوت شادي وهو يغني في الحمام كعادته كل صباح..كل مارأيته كان كابوسا مزعجا..انا على قيد الحياة..بحزن شفيف تذكرت موت اعز صديقاتها بمرض السرطان قبل يومين!!
بقلمي
سلمت أناملك الذهبية فماخطته يستحق كل التقدير دمتي متألقه اختي
أختك شذى
دمت بخير وخير
احترامي عبير بابل
ذرفت عيني الدموع وتزايدت دقات قلبي يالله اشفي كل المرضى وارحمهم برحمتك يارب
سلمت أناملك الذهبية فماخطته يستحق كل التقدير دمتي متألقه اختي أختك شذى |
رائعة يا عبير أنتِ و قلمكِ الذهبي, سلمت يداكِ غاليتي اشتقتُ إليكِ
دمتِ بود مع محبتي كومي
دمت بخير
احترامي عبير بابل