عباد الله إن شأن الصلاة عظيم جدًا في ديننا معشر المسلمين وفي كل دين وأسرارها العظيمة وبركاتها العميمة وفوائدها الكثيرة لا تخفى على كثير من المؤمنين.
وليست الصلاة مجرد أقوال يلوكها اللسان وحركات تؤديها الجوارح بلا تدبر من عقل ولا تفهم ولا خشوع من قلب ليست تلك التي ينقرها صاحبها نقر الديكة ويخطفها خطف الغراب ويمر بها مر السحاب كأن وراءه طالب حثيث ويلتفت فيها التفات الثعلب يمينًا وشمالاً وفوقًا وتحتًا.
كلا فالصلاة المقامة تمامًا هي التي تأخذ حقها من التأمل والخشية والحضوع والسكون واحتضار عظمة المعبود جل جلاله وتقدست أسماؤه.
وذلك أن القصد من الصلاة وسائر العبادات هو تذكير الإنسان بربه الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى.
والصلاة صلة بين العبد وربه تقوى بها محبة العبد لربه كلما تكررت قال ابن القيم رحمه الله فإن المحب يتلذذ بخدمة محبوبه وتصرفه في طاعته وكلما كانت المحبة أقوى كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل فليزن العبد إيمانه ومحبته بهذا الميزان ولينظر هل هو ملتذ بخدمة محبوبه أو متكره لها يأتي بها على السآمة والملل والكراهة فهذا محك إيمان العبد ومحبته لله.
قال بعض السلف إني أدخل في الصلاة فأحمل هم خروجي منها ويضيق صدري إذا فرغت لأني خارج منها ولهذا قال النبي وجعلت قرت عيني في الصلاة ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه لا يود أن يفارقه ولا يخرج منه فإن قرة عين العبد نعيمه وطيب حياته به.
وقال بعض السلف إني لأفرح بالليل حين يقبل لما تتلذذ به عيشتي وتقر به عيني من مناجاة من أحب وخلوتي بخدمته والتذلل بين يديه واغتم للفجر إذا طلع لما اشتغل به بالنهار عن ذلك فلا شيء ألذ للمحب من خدمة محبوبه وطاعته أين هؤلاء ممن لذتهم وأنسهم عند المنكرات.
وقال بعضهم تعذبت بالصلاة عشرين سنة ثم تنعمت بها عشرين سنة وهذه اللذة والتنعم بالخدمة إنما تحصل بالمصابرة على التكره والتعب أولاً فإذا صبر عليه وصدق في صبره أفضى به إلى هذه اللذة.
وقال أبو زيد سقت نفسي إلى الله وهي تبكي فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك اهـ.
وقال الله تعالى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي.
وقال إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله رواه أبو داود ولهذا كانت عنوان على الفلاح قال تعالى إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ (الآية).
والمراد بعمارتها بالصلاة والقربات وقال إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله يقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.
وجاء ذكر الصلاة في القرآن في مواضع كثيرة وأثنى جل وعلا على المقيمين لها والمحافظين عليها وأخبر أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ومن دعاء الخليل عليه السلام أنه يسأل ربه أن يجعله مقيمًا لها قال تعالى: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي.
ومدح بها إسماعيل قال تعالى: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا وأمر جل وعلا موسى بإقامتها أول ما يأمره به في ساعات الوحي الأولى قال تعالى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي وقال له ولهارون أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ.
وفي وصية لقمان لابنه يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ الآية. وينطق الله عيسى وهو في مهده فيقول وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا.
ويأمر الله بها صفوة خلقه وخاتم أنبيائه فيقول جل وعلا اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ ويقول جل وعلا وتقدس وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا.
ويبتدوء بها أوصاف المؤمنين ويختم بها فيقول سبحانه وتعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ الآيات إلى قوله وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ.
ويؤكد المحافظة عليها حضرًا وسفرًا وفي الأمن والخوف والسلم والحرب حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ (238) فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا.
وأخبر جل وعلا عمن أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات أن عاقبة أعمالهم وسوء مآلهم شر وخسران فقال فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.
وجعلها النبي الشعار الفاصل بين المسلم والكافر فقال بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة وقال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وفي الحديث الآخر من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله وقال عليه الصلاة والسلام من فاتته صلاة فكأنما وتر أهله وماله.
ومما يدل على شأن الصلاة مع ما تقدم اهتمام المسلمين بتوجيه المحتضر وهو في سكرات الموت إلى القبلة وكذلك وضعه في قبره متجهًا إلى القبلة وما ذاك إلا لأنها الجهة التي يتجه إليها كلما أراد أن يتعرف إلى ربه ويدعوه ويجدد الصلة بينه وبين ربه في الصلاة.
إِذَا مَا الْفَتَى صَلَّى وأَرْضَى إِلَههُ
وَإِنْ هُوَ لَمْ يَظْفُرْ بِحُسْنِ رِضَائِهِ
تُضِيءُ لَهُ الآفَاقُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
كَسَتْهُ يَدُ الآثَامِ حُلَّةَ خَائِبِ
اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم ثبت إيماننا ثبوت الجبال الراسيات ووفقنا للعمل بالباقيات الصالحات واعصمنا يا مولانا عن المحرمات والمشتبهات واغفر لنا جميع الخطايا والزلات وافتح لدعائنا باب القبول والإجابات يا أجود الأجودين وأكرم الأكرمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تسلمين على روعه حضورك ومرورك العطر …لاخلا ولاعدم
دمتي بحفظ الله ..