الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد، وآله وةصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيراً، أما بعد،،،
فإن للناس مجالس، وأحاديث، ولكل من المحادثة والمجالسة آداب وسنن، يحسن بالمرء مراعاتها، ويتجنب ما ينافيها؛ ليكون مجلسه تسوده الحكمة، وتغشاه السكينة، وتتنزل عليه الرحمة.
وإن المتأمل لأحاديثنا ومجالسنا ليلحظ خللاً كبيرًا؛ ذلك أنها تعمر ـ غالبًا ـ بالهذر الضار، واللغو الذي لا طائل تحته، ولا فائدة ترجى من ورائه.
فلا يعالج في تلك المجالس قضية، ولا يؤمر فيها بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس، فلا غرو أن صارت وبالاً على أهليها؛ حيث فقدوا بركاتها، وحرموا خيراتها.
فما أحرانا أن تكون أحاديثنا ومجالسنا عامرة بالجد والحكمة، حافلة بما يعود علينا بالفائدة والمتعة، بعيدة عما ينافي الأدب والمروءة ، وإن مما يعين على ذلك أن تلقى الأضواء على ما يدور في مجالسنا وأحاديثنا من أخطاء؛ كي تتلافى ويسعى في علاجها.
أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة:
1ـ الثرثرة: وهي كثرة الكلام بلا فائدة، والثرثار هو كثير الكلام تكلفًا. والثرثار يتكلم في كل باب، فإذا حضر مجلسًا ملأه بكثرة الضجيج، وأشغله بفضول الكلام، فالثرثرة من مظاهر سوء الخلق، وهي دليل على نقص العقل ورقة الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ] رواه الترمذي وأحمد. وقال عطاء:’بترك الفضول تكمل العقول’.
وقال القاسمي:’إياك وفضول الكلام؛ فإنه يظهر من عيوبك ما بطن، ويحرك من عدوك ما سكن؛ فكلام الإنسان بيان فضله، وترجمان عقله؛ فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل’.
2ـ الاستئثار بالحديث: فهناك من يستأثر بالحديث، فلا يعطي غيره فرصة لأن يتكلم.
والأثرة بالحديث آفة قبيحة، ومن الأدب في الكلام أن يقتصد المسلم في تحدثه في المجالس، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي:’وإياك أن تتصدى في مجالسك مع الناس للترؤس عليهم وأنت لست برئيس، وأن تكون ثرثارًا متصدرًا بكل كلام. وربما من جهلك وحمقك ملكت المجلس على الجلوس، وصرت أنت الخطيب والمتكلم دون غيرك. وإنما الآداب الشرعية والعرفية مطارحة الأحاديث، وكلٌ من الحاضرين يكون له نصيب من ذلك، اللهم إلا الصغار مع الكبار، فعليهم لزوم الأدب، وألا يتكلموا إلا جوابًا لغيرهم’.
3ـ الحديث عن النفس على سبيل المفاخرة: فبعض الناس لا يفتأ يتحدث عن نفسه، فيذكر محاسنها ، ويمتدح أعماله، ويدخل في ذلك تحدثه عن ذكاء أولاده، وعن زوجته، وحسن تدبيرها، ونحو ذلك.
والأصل في مدح الإنسان نفسه المنع؛ لقوله تعالى: } فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى[32]{ [سورة النجم].
4ـ الغفلة عن مغبة الكلام: فهناك من يطلق لسانه بالكلام دونما نظر في آثاره، أو أبعاده، غير عابئ بما يجره عليه من بلاء أو شقاء؛ فلربما كان سببًا في مقتله، أو في إذكاء عداوة، أو إشعال حرب، أو نحو ذلك.
قال أكثم بن صيفي:’مقتل الرجل بين فكيه’ يعني: لسانه. بل إن الإنسان قد يتكلم بكلمة لا يلقى لها بالاً يهوى بها في جهنم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ] رواه البخاري ومسلم . ولهذا يجب على العاقل أن يخزن لسانه، وأن يزن كلامه؛ حتى لا يقع فيما لا تحمد عقباه، فيندم ولات ساعة مندم.
5ـ قلة المراعاة لمشاعر الآخرين: فمن الناس من هو غليظ الطبع، كثيف النفس، لا يراعى مشاعر الآخرين، ولا يأنف من مواجهتهم بما يكرهون، فتارة يُذكر الحاضرين بعيوبهم، وتارة يؤذيهم بلحن منطقة، وتارة يذكرهم بأمور يسوؤهم تذكرها.
قال ابن القيم رحمه الله : ‘ومنهم من مخالطته حمى الروح، وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها. بل إن تكلم فكلامه كالعصى تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به؛ فهو يحدث من فيه كلما تحدث، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة، التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض…’. ولهذا فالرجل النبيل، ذو المروءة والأدب هو من يراعي مشاعر الآخرين، فلا يؤذيهم بكلمة، ولا يجرح مشاعرهم بإشارة أو نحوها.
6ـ التعميم في الذم: فتجد من الناس من يغلب عليه جانب المبالغة في إطلاق الأحكام، فتراه يعمم الحكم في ذم طائفة، أو قبيلة، أو جماعة من الناس. قال ابن المقفع:’إذا كنت في جماعة قوم أبدًا فلا تعمن جيلاً من الناس، أو أمة من الأمم بشتم ولا ذم؛ فإنك لا تدري لعلك تتناول بعض أعراض جلسائك مخطئًا فلا تأمن مكافأتهم، أو متعمدًا فتنسب إلى السفه.
ولا تذمن مع ذلك اسمًا من أسماء الرجال أو النساء بأن تقول: إن هذا لقبيحٌ من الأسماء؛ فإنك لا تدري لعل ذلك غير موافق لبعض جلسائك، ولعله يكون بعض أسماء الأهلين والحرم. ولا تستصغرن من هذا شيئًا؛ فكل ذلك يجرح في القلب، وجرح اللسان أشد من جرح اليد’.
7ـ كثرة الأسئلة، وتعمد الإحراج فيها: فيسأل عما لا يعنيه، ويسأل الناس عن أمورهم الخاصة، التي لا يرتضون أن يطلع عليها أحد غيرهم، ثم إن السائل قد يُوْقعُ نَفْسَهُ فيما يسوؤه من رد موبخ مسكتٍ ، قال ابن عبد البر:’قال تميم بن نضر بن يسار لأعرابي: هل أصابتك تخمة؟
قال: أما من طعامك فلا’.
ودع السؤال عن الأمور وبحثها فلرب حافر حفرةٍ هو يصرع
8ـ سرعة الجواب: فيجيب دون أن ينهي السائل كلامه، أو يجيب عن سؤال لم يوجه إليه، وأقبح ما في هذا أن يجيب المرء عن سؤال وجه إلى غيره، فهذا كله مناف لأدب المحادثة، قال عمر بن عبد العزيز :’خصلتان لا تعدمانك من الجاهل: كثرة الالتفات،وسرعة الجواب’ .
9ـ الحرص على إبداء الرأي في كل صغيرة وكبيرة:وهذا مما يتنافى مع الحزم؛ فليس من الحكمة أن يتعجل الإنسان إبداء الرأي؛ لأنه ربما جانب الصواب، وخالف الحقيقة، بل ربما قاده ذلك إلى أن يتعصب لرأيه ولو كان غير مصيب؛ كيلا يوصم بالعجلة والزلل. و آراء المرء له، وأقواله عليه؛ فإذا صرح بآرائه صار أسيرًا لها، مكبلًا في أغلالها، له غنمها، وعليه غرمها.
10ـ التعرض للسفلة والسفهاء:فهناك من لا يأنف من مجاراة السفهاء، والتعرض للسفلة؛ فإذا ما جمعه بهم مجلس توسع في الحديث معهم، وتمادى في مضاحكتهم وممازحتهم، مما يجعله عرضة لسماع ما لا يرضيه من ساقط القول، فيصبح بذلك مساويًا لهم في سفههم وسفالتهم؛ إذ نزل إليهم، وانحط في حضيضهم.
إذا جاريت في خلق دنيئًا فأنت ومن تجاريه سواء
والمروءة أن يعرض المرء عنهم، ويدع الحديث معهم إلا بقدر ما تدعو إليه الحاجة؛ من سلام أورده، أو جواب لسؤال، أو نحو ذلك، قال تعالى:}خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[199]{ [سورة الأعراف].
11ـ الحديث بما لا يناسب المقام: فتراه يتكلم بالهزل في مواقف الجد، ويحاول إضحاك السامعين في مجلس يسوده الحزن. ومن الناس من يخاطب الأذكياء بخطاب لا يناسب إلا قاصري العقول، وربما خاطب محدود الذكاء بكلام لا تدركه أفهامهم، ومن هنا يفقد الكلام قيمته، ويصبح ضربًا من الهذيان، بل ربما عرض صاحبه للمز للناس وعيبهم إياه.
ولئن كان مراعاة مقتضى الأحوال حسنًا مطلوبًا من كل أحد ـ فلهو من الخطيب حال الخطابة أولى وأحرى؛ فلكل مقام مقال، ولكل جماعة من الناس لسان تخاطب به؛ فالأغنياء يرضي كبرياءهم نزعٌ من الكلام لا يقتضيه مقام الخطبة ليسوا كذلك.
والعلماء يجتذبهم الثناء الحسن، وأن يكون الكلام الذي يلقى عليهم أقرب إلى العمق والسلامة؛ ليسترعي انتباههم. ثم إن الجماعة الثائرة تخاطب بعبارات هادئة. والجماعة الخنسةُ تخاطب بعبارات مثيرة للحمية، موقظة للهمة، حافزة للعزيمة. والجماعة التي شطت وركبت رأسها تخاطب بعبارات فيها قوة العزم، ونور الحق، وفيها إرعادة المنذر، ويقظة المنقذ، وفيها روح الرحمة، وحسن الإيثار؛ليجتمع الترهيب مع الترغيب، ومع سيف النقمة ريحان الرحمة. لذلك وجب على الخطيب أن يكون قادرًا على إدراك حال الجماعة، وما تقتضيه تلك الحال، والإتيان بالأسلوب الذي يلائمها؛ ليصل إلى مواضع التأثير فيها.
12ـ الحديث عند من لا يرغب: وهذا لا يحسن من ذي المروءة. قال مطرف: لا تطعم طعامك من لا يشتهيه .يريد لا تقبل على من لا يقبل عليك بوجهه.
ولا يدخل في ذلك كراهية الفساق والمجرمين لحديث الداعي إلى الله؛ فالعيب ليس فيه وإنما هو فيهم.
وما على العنبر الفواح من حرج أن مات من شمه الزبال والجعل
13ـ تكرار الحديث: فهناك من يذكر الشيء في المجلس الواحد مرات، وهناك من يكرر كلامه كثيرًا بلا مسوغ، مما يجعل الأذواق تمجه، والآذان تستك من سماعه. فأما إذا احتيج إلى التكرار، وكان فيه زيادة فائدة، ولم يكن موصلاً إلى حد الملال؛ فلا بأس به.
14ـ التعالي على السامعين:فمن الناس من إذا تحدث إلى أناس تعالى عليهم، وأزرى بهم.
وربما أشعر ـ ولو من طرف خفي ـ بأن السامعين لا يعون كلامه، ولا يدركون مراميه.
بل ربما تلمظ برطانة الأعاجم، وأدرجها في ثنايا حديثه بلا داع لذلك، وإنما قالها ليترفع على السامعين، وليظهر فضله عليهم!.
قال ابن المقفع:’تحفظ في مجلسك وكلامك من التطاول على الأصحاب، وطب نفسًا عن كثير مما يعرض لك فيه صواب القول والرأي؛ مداراةً؛ لئلا يظن أصحابك أن دأبك التطاول عليهم’.
قال الشيخ ابن سعدي :’واحذر غاية الحذر من احتقار من تجالسه من جميع الطبقات، وازدرائه، والاستهزاء به قولاً، أو فعلاً، أو إشارة أو تصريحًا، أو تعريضًا؛ فإن فيه ثلاثة محاذير:
أحدها: التحريم، والإثم على فاعل ذلك.
الثاني: دلالته على حمق صاحبه، وسفاهة عقله، وجهله.
الثالث: أنه باب من أبواب إثارة الشر، والضرر على نفسه’.
15ـ ترك الإصغاء للمتحدث: وذلك بمقاطعته، ومنازعته الحديث، أو بالتشاغل عنه بقراءة جريدة أو كتاب، أو متابعة متحدث آخر. فينبغي للمرء أن يحسن الأدب مع من يتحدث أمامه، وقال الحسن:’إذا جلست فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تعلم حسن القول، ولا تقطع على أحد حديثه’.
16ـ الاستخفاف بحديث المتحدث: فمن الناس من إذا سمع متحدثًا، وبدر من ذلك المتحدث خطأ يسير أو نحو ذلك؛ سفهه، واستخف بحديثه. ومن هذا القبيل ما يوجد عند بعض الناس، فما أن يتكلم أحد في مجلس إلا وتبدأ بينهم النظرات المريبة، التي تحمل استخفافًا وسخرية بالمتحدث.
وهذا لا يحسن أبدًا، عن معاذ بن سعد الأعور قال: كنت جالسا عند عطاء ابن أبي رباح، فحدث رجل بحديث، فعرض رجل من القوم في حديثه. قال: فغضب، وقال: ما هذه الطباع؟ إني لأسمع الحديث من الرجل، وأنا أعلم به، فأريه كأني لا أحسن شيئًا’.
17ـ المبادرة إلى إكمال الحديث عن المتحدث: قال ابن عبد البر رحمه الله:’ومن سوء الأدب في المجالسة أن تقطع على جليسك حديثه، أو أن تبتدره إلى تمام ما ابتدأ به منه خبرًا كان، أو شعرًا تتم له البيت الذي بدأ به؛ تريه أنك أحفظ له منه، فهذا غاية في سوء المجالسة، بل يجب أن تصغي إليه كأنك لم تسمعه قط إلا منه’. وقال عطاء:’إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد’.
18ـ القيام عن المتحدث قبل أن يكمل حديثه: فهذا من قلة الأدب، ومما ينافي إكرام الجليس، قال أبو مجلز:’إذا جلس إليك رجل يتعمدك فلا تقم حتى تستأذنه’.
19ـ المسارعة إلى تكذيب المتحدث: فمن الناس من إذا طرق سمعه كلام غريب من حدث ما ـ بادر إلى تكذيبه، وتفنيد قوله، إما تصريحا، أو تلميحا، أو إشارة باليد أو العين، أو أن يهمز من بجانبه؛ ليشعره بأن المتحدث كاذب.
فهذا العمل من العجلة المذمومة، ومن إساءة الظن بمن يتحدث، وهو مما ينفي كمال الأدب والمروءة.
فينبغي لمن استمع حديثًا من أحد ألا يبادر إلى تكذيبه، بل عليه أن ينصت له، وإن رأى في هذا في الحديث وجه غرابة فلا يستعجل الحكم عليه بالكذب، بل يستفصل لعله يبين له وجهته وأدلته، ثم إن تأكد من كذبه فلينصح له على انفراد؛ لئلا يعاود الكذب مرة أخرى. فإن عاد إليه، واقتضت المصلحة أن يبين كذبه، فلا بأس حينئذ من ذلك؛ حتى يرتدع من تلك الخصلة الذميمة.
20ـ التقصير في محادثة الصغار: فلمحادثة المربي صغاره فائدةٌ عظمى، لتعليمهم آداب الحديث، فبذلك ينمو عقل الصغير، وتتوسع مداركه، ويزداد رغبة في الكشف عن حقائق الأمور، ومجريات الأحداث.
كما أن ذلك يكسبه الثقة في نفسه، ويورثه الجرأة والشجاعة الأدبية، ويشعره بالسعادة والطمأنينة، والقوة والاعتبار. مما يعده للبناء والعطاء، ويؤهله لأن يعيش كريمًا شجاعًا، صريحًا في حديثه، جريئًا في طرح آرائه.
ومع أهمية هذا الأمر وعظم فائدته إلا أن هناك تقصيرًا كبيرا فيه؛ فكثير من الناس لا يأبه بمحادثة صغاره ولا يلقي بالاً لتعليمهم عن أسئلتهم إذا هم سألوا، بل ربما كذبهم إذا أخبروا، ونهرهم وأسكتهم إذا تكلموا وهذا من الخلل والتقصير؛ فهذا الصنيع مما يولد الخوف في نفس الصغير، كما يورثه التردد، والذلة، والمهانة، والخجل الشديد، وفقدان الثقة بالنفس. بل قد يعجز عن الكلام، وقد يصاب بعيوب النطق من فأفأة، وتمتمة، ونحوها.
فيحسن بالمربين والآباء إذا خاطبهم الصغار أن يقبلوا عليهم، وأن يصغوا إلى حديثهم، وأن يجيبوا عن أسئلتهم، وأن ينأوا عن كل ما يشعر باحتقار الصغار وازدرائهم.
21ـ الوقيعة في الناس: فهناك من إذا جلس مجلسًا وقع في الناس، ورتع في أعراضهم، وأطلق لسانه في ذمهم وعيبهم، غيبة، ونميمة، وافتراء وبهتانًا. ومن أصاخ السمع، وأصغى الفؤاد لمن ينم أو يغتاب؛ فهو مشارك له في الإثم.
ومن يطع الواشين لا يتركوا له صديقًا ولو كان الحبيب المقربا
قال الشافعي رحمه الله:
المرء إن كان عاقلاً ورعًـا أشغله عن عيوب غيره ورعه
كمـا العليل السقيم أشغله عـن وجع الناس كلهم وجعه
22ـ التسرع في نشر الأخبار قبل التثبت منها ومن جدوى نشرها: فمن الناس من إذا سمع خبرًا طار به، وسعى في نشره وبثه بين الناس، قبل أن يتثبت من صحته ومن جدوى نشره.
وهذا من الأخطاء الكبيرة التي يحصل بسببها الاختلاف والافتراق.
فالعاقل لا يتكلم إلا إذا تثبت من صحة الكلام، فإذا ثبت لديه صحته نظر:فإن كان في نشره حفز للخير واجتماع وألفة؛ نشره وأظهره، وإن كان الأمر بخلاف ذلك؛ كتم الخبر وستره.
ولقد ورد النهي عن أن يحدث المرء بكل ما سمع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: [كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ]رواه مسلم .
22ـ الكذب: فما أكثر الكذب في مجالس الناس، فمن الناس من إذا حضر مجلسا أطلق لسانه بالكذب، فتراه يأتي بالغرائب، ويغرب في العجائب؛ كل ذلك لأجل أن يستظرف ظله، ويستطرف حديثه، ويرغب في مجلسه. بل ربما ادعى الفضل، وتشدق بكثرة الأعمال مع أنه عاطل من ذلك كله، وإنما قال ذلك ادعاءً وتظاهرًا، ومجاراةً لأهل الفضل. والكذب دليل على ضعة النفس،وحقارة الشأن، وسقوط الهمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : [ إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا] رواه البخاري ومسلم.
24ـ سماع كلام الناس بعضهم ببعض وقبول ذلك دون تمحيص أو تثبت: قال الشيخ ابن سعدي:’ من الغلط الفاحش الخطر قبول قول الناس بعضهم ببعض، ثم يبني عليه السامع حبًا وبغضًا، ومدحًا وذمًا. فكم حصل بهذا الغلط من أمور صار عاقبتها الندامة، وكم أشاع الناس عن الناس أمورًا لا حقائق لها بالكلية، أولها بعض الحقيقة فنميت بالكذب والزور، وخصوصًا ممن عرفوا بعدم المبالاة بالنقل، أو عرف منهم الهوى، فالواجب على العاقل التثبت والتحرز، وبهذا يعرف دين المرء ورزانته وعقله’.
25ـ رفع الصوت من غير حاجة أو داع إلى ذلك: وهذا مما ينافي أدب الحديث، قال تعالى:}وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ[19]{ [سورة لقمان].
قال ابن سعدي في تفسير الآية:’ }وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ{:أدبًا مع الناس، ومع الله، } إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ{ أي أفظعها وأبشعها }لَصَوْتُ الْحَمِيرِ{ فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة لما اختص الحمار بذلك، الذي علمت خسته وبلادته’.
اللهم وفق من كتبه ومن قرأه ومن نشره وارزقهم السعادة في الدارين
ربـى يسعدكـ ^_^
تقبلي مرووري