السلام عليكم حبيت انزلكم هالرواية للكاتبه #أنفاس_قطر# لانها صج صج روعه
وترى ماراح اسوي نفس العضوات يعني موشرط تدزونلي عالخاص ردود عشان اكمل
اخليكم مع الرواية الحين
بسمــ اللهـ الرحمنـ الرحيمـ
أسى الهجران/ الجزء الأول
#أنفاس_قطر#
يومٌ خريفي بارد.. برودته الخافتة المرتعشة تسربت بحدة موحشة للروح قبل الجسد
إنها واشنطن دي سي.. أواخر شهر سبتمبر..شهر الخريف المرير
تقلبات الأجواء.. واصفرار الأشجار.. ووجع الغربة
وآه يا وجع الغربة.. ما أقساها على روحه الحرة المستنزفة شوقاً موجعاً لأرضه
لا شيء يستنزف الروح شيئاً فشيئاً كإحساس الغربة، هذا الإحساس الذي يبدأ بالتهام الروح حتى يحيلها رماداً
وتكون العودة للوطن هي كعودة العنقاء التي تقوم من رمادها حين يعبرها جسدٌ حيٌّ كما تقول الأسطورة
وهكذا هو الوطن!! هو الجسد الحيُّ الذي يعيد الروح لبقايا الرماد..
وهاهو الغريب المشتاق المعتصم بجَلَده ودفء ذكرياته وحرارة حنينه يقف في موقف الحافلات القريب من منزله وقفته المعتدّة بجسده الفارع الطول
يحكم إغلاق جاكيته الجلدي على صدره العريض ليصدَّ لسعات البرد في ساعات الصباح الباكر
الشمس لم تشرق بعد، ولكن هاهي تغازل الأفق..
"شمسهم الباهتة الهزيلة!!"
ينظر للأفق ( وهذي اسمها شمس.. خلهم يجون عندنا في الدوحة ويعرفون الشمس صدق.. آه يا شمس الدوحة.. ويا دفى الدوحة..جعلش بعد طوايف واشنطن وفوقها البيت الأبيض)
كان عنده سيارة.. ولكنه يفضل استخدام المواصلات العامة في مشوار الجامعة ذهابا وإيابا..
وصلت الحافلة في موعدها
يركب بخطواته الثقيلة الواثقة المعتادة.. يلقي التحية على "ستيفن" سائق الحافلة الزنجي المرح الذي ربط بينهما ودٌّ إنسانيٌّ عمره خمس سنوات منذ سكن في كولومبيا ديسكيرت ودرس في جامعة جورج تاون القريبة..
وهكذا الألفة البشرية تعقد أواصرها بين البشر.. لمجرد كونهم بشر
بالمعنى الحقيقي للبشر!!
لأن هناك بشراً قد لا يكون لهم من البشرية إلاَّ اسمها!!
كان من الممكن أن يلاقي سكناً ملاصقاً للجامعة ولكنه أراد سكناً يكون ملاصقا لمسجد (كافي علي غربة الجسد.. خل قربي من بيت الله يسكن روحي)
بعد إلقاء التحية.. اتخذ مكانه في الحافلة الفارغة تماماً من الركاب في هذا الوقت..
اعتاد الخروج مبكراً حتى يستغل الوقت بالبقاء لأطول وقت في المكتبة لانجاز أطروحته للدكتوراه في إدارة الأعمال.. تبقى عليه هذا العام فقط..
وما أطوله عليه من عام!!!.. رغم أنه كان يضغط على نفسه كثيرا للانتهاء في أسرع وقت..
(أوووف.. لو أني في بريطانيا كان خلصت من زمان)
كما هو معروف: نظام الدراسة في أمريكا أسهل في الماجستير وأصعب في الدكتوراه.
وبريطانيا هي العكس أصعب في الماجستير وأسهل في الدكتوراه
من الممكن للدارس أن ينهي دراسة الدكتوراه في بريطانيا في سنتين فقط لو كان بنظام الفول تايم.. والماجستير سنة واحدة بنفس النظام الفول تايم Full Time
أما أمريكا فهو محتاج لخمس سنوات أو أربع على أقل تقدير في الدكتوراه وذلك في حال نحر نفسه تعبا وضغطا .. بينما الماجستير: ثمانية أشهر في أمريكا تكفيه..
جالسٌ مستغرقٌ في التفكير (الله يلعنهم البريطانيين.. الأنذال.. الباردين) وذاكرته تعود ل12 عاما مضت، وتستعيد السبب الذي حرمه من الدراسة في بريطانيا وإنهاء دراسته بسرعة ليعود إلى صحرائه الغالية… فهذه الغربة أصبحت شديدة الوطأة على روحه البدوية الوثابة..
حين تكون معتادا على صمت الصحراء وعمقها واتساع أفقها.. وجلافة أهلها وشهامتهم حتى وإن تحولت الأرض في اتجاه المدنية ولكن نبضها يبقى صحراويا وروحها تبقى صحراوية وأهلها معتصمون بأخلاقيات الصحراء
ثم تجد نفسك محشورا بين ناطحات السحاب.. وعوادم السيارات.. وانعدام النخوة.. حينها تشعر أن روحك تهوي تحت المقصلة.. وأنك تتمدد على السندان في انتظار المطرقة التي لا تعلم متى ستأتي..
عودة لبريطانيا..كان حينها في السابعة عشرة
اعتاد هو وأبناء عمه محمد :راكان الأكبر منه بسنة، وناصر الأصغر منه بسنة: الذهاب كل صيف لمدينة كامبردج شمال شرق لندن لدراسة اللغة الانجليزية
كان يوجد شباب انجليز.. دائما يتحرشون بهم يريدون التعارك معهم..
وكان العراك دائما بسيطا.. وأحيانا لا يتجاوز مجرد التلاسن بالكلمات..
في ذلك اليوم كان لوحده، وأولاد عمه ناصر وراكان كانوا في لندن عند والدهما
رآهم يتحرشون ببنات عربيات، وهم تحرشوا فيهن قصدا
كانوا يريدون أن يستفردوا به ويضربوه لأنهم رأوه وحيدا
لم يحتمل..ثارت حميته وثار دمه الحار
وللإناث دائما في ثقافة الشهامة العربية هذا القدر الثمين البهي!!
حصل عراك كبير كان فيه هو المنتصر.. والشابان البريطانيان كانت إصاباتهما كسور مختلفة.
في ذلك الحين: حمد ربه أن ناصر وراكان لم يكونا متواجدين
وخصوصا راكان الهادئ العميق الذي كان أكثرهم حِلما.. لكنه ينطبق عليه وصف (احذر الحليم إذا غضب) لأنه إذا اُستثير وضرب فهو لا يرحم من يلقيه القدر أمامه وخصوصا مع ضخامة جسده التي تتجاوزهم جميعا
السفير القطري استطاع إنهاء الموضوع
وآباء الشبان الذين كانوا من النبلاء البريطانيين عرفوا أن أبنائهم هم المخطئون فقبلوا اعتذار السفارة
لكن اسكوتلانديارد (الشرطة البريطانية) وجهت له تحذيرا مهذبا: إنه غير مرحب فيه في بريطانيا.. اعتقد وقتها أن التحذير غير مقصود
وهو فعلا لم يعد لبريطانيا لأنه انشغل في دراسته الجامعية..
لكن بعد الحادثة إياها بأربع سنوات..
كان جده الأثير الغالي كبير العائلة في مرضه الأخير في لندن
كان أبوه وعمه عنده.. لكنه لما أحس بدنو أجله.. أرسل في طلب أحفاده الشباب الخمسة كلهم حتى أصغرهم فارس اليتيم الذي كان وقتها في ال18 من عمره..
حطوا في مطار هيثرو.. وجميعهم أنجزوا إجراءاتهم بسرعة إلا هو.. حجزوه لليوم التالي وهو لا يعرف السبب.. وبعدها صارحوه: "احنا مو قلنا لك إنك غير مرحب فيك هنا"
ثم سمحوا له بالخروج بعد تدخل السفارة للمرة الثانية
عاد بعدها بأيام على نفس الطائرة مع جثمان جده
وهو يعد نفسه أنه لن يعود لهذه البلد التي أهانته.. وكسرت عنفوان جده وهيبته
ليعود ذلك الرجل القوي الصلب من تلك البلاد الباردة جسدا باردا في صندوق بارد!!
جده الذي صنع منهم كلهم نماذج مصغرة له
نماذج تختلف في شخصياتها وأشكالها ولكنه أورثهم جميعا صفتين إحداها خَلقية والأخرى خُلقية:
الطول الفارع، والاعتداد البالغ بالنفس.
" ميشيل.. ميشيل"
انتزعه من ذكرياته التي تطوف به أرجاء الدوحة التي يغتاله شوقه لها وحنينه لأهله فيها.. صوتها الهامس الضعيف
ابتسم وهو يراها تجلس مقابلة له بضعفها البادي وشعيراتها البيضاء المتناثرة حول وجهها الغارق في التجاعيد
وهمس لها بانجليزية سليمة بلكنة أميركية واثقة : صباح الخير جانيت.. إنها المرة المليون التي أقول لك اسمي مشعل.. واكره اسم ميشيل هذا
ابتسمت: أوه ميشيل.. اسمك صعب.. هل ستعاتب سيدة جميلة مثلي حين تخطئ في اسمك كل مرة.. ألا تخجل؟!
مشعل بابتسامة: لا لا أخجل.. سأبقى أقولها حتى تتقني نطق حرف العين..
نظر مشعل لجانيت بحنان إنساني شاسع..
يشعر نحو هذه العجوز بحنان بالغ.. رغم سنوات عمرها التي قاربت السبعين إلا أنها مازالت تعمل في أحد مصانع النسيج في ضواحي كولومبيا ديسكيرت
لا أنيس لها.. بعد أن تركها أبنائها وتفرقوا في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية ونسوا أن لهم أم
اعتادت تبادل أطراف الحديث مع مشعل بعد أن تركب في المحطة التالية له.. وتنزله في الجامعة.. لتكمل هي طريقها للضواحي..
ابتسم مشعل وأكمل بلغته: فديت العجايز ياجانيت عشان عجوزن في الدوحة..
ابتسمت جانيت وهي تهزُّ رأسها بعدم فهم: أكرهك حين تتكلم بلغتك.. أشعر أنك تسخر مني.. ثم أردفت بابتسامة مرحة: هل تسخر مني أيها الوسيم؟؟
ضحك مشعل: أ هذا يعني أنني لست مرعبا..كمصارعٍ مكسيكي..؟؟
ضحكت جانيت وهي تستعيد ذكرى لقائهم الأول، حينها ارتعبت من طوله الفارع ولأن شكله يشبه شكل من يسمونهم (اللاتينيين) اعتقدت أنه مصارع مكسيكي
أجابت: اعتدت على شكلك وأحببته حتى أقنعت نفسي بوسامتك..
لم يكن مشعل وسيما بالمعنى المعروف للوسامة ولا حتى بأي صورة.. ولكن ملامحه السمراء الحادة كانت محددة برجولة هادرة بالغة الجاذبية..
عاد مشعل للابتسام وهو يغير الموضوع ويقول: هل قرأتِ الكتاب الذي أعطيتكِ إياه المرة الماضية؟؟
ابتسمت جانيت وقالت: أعرف أن دينكم حق.. والكتب التي ملئت منزلي والتي تحضرها أنت لي تثبت لي ذلك.. ودينكم يقول: أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.. لا تستعجلني.. فأنا كاثوليكية مؤمنة.
ضحك مشعل: يعني مطوعة المسيحيين؟؟
جانيت تضحك: هأنت تعود لإحراجي بكلامك الذي لا أفهمه.. اقتربت جامعتك قم لتنزل… ثم أكملت وهي تخرج نقود من حقيبتها: وأريدك يا بني لو استطعت أن تسدد هاتفي
مشعل بغضب وهو يستعد للنزول: أعيدي نقودكِ لحقيبتكِ، سأسدد هاتفكِ بعد أن أخرج من الكلية
جانيت بحرج: لكن!!
قاطعها نزول مشعل وهو يلوح لها بيده
وينزل ليعبر بوابة جامعة جورج تاون الضخمة العريقة
جامعة جورج تاون تقع في كولومبيا ديسكيرت بالقرب من أخطر مكانين في العالم: البيت الأبيض (مقر الرئيس الأمريكي) والبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)
حين أُنشئت في القرن الثامن عشر الميلادي كانت جامعة كهنوتية كنسية
ولكنها اليوم من أكثر الجامعات انفتاحاً دينياً رغم تقاليدها الكنسية المتوارثة
بها طلاب من جميع الأديان، بل هي أول جامعة أميركية تعين إماماً مسلماً ليؤم الطلبة المسلمين فيها
وبها مركز للدراسات العربية المعاصرة هو الأضخم في أمريكا، وبها قسم لتدريس اللغة العربية هو الأفضل من بين كل الجامعات الأميركية
اشتهرت بتخصصين على كل مستوى العالم: السياسة، والاقتصاد
أشهر السياسيين الأميركيين أمَّا تخرجوا منها وأمَّا مازالوا أساتذة فيها
منهم على سبيل المثال "بيل كلينتون" الذي تخرج منها
و"مادلين أولبرايت" و "جورج تينت" اللذان مازالا يدَّرسان فيها
وأساتذتها يشكلون دائما خياراً متاحاً ممتازاً لأيِّ منصبٍ حكوميٍّ أميركيٍّ فارغ.
أمَّا الطريف بالنسبة لهذه الجامعة أنها منعت النساء/ الطالبات من الدراسة فيها حتى منتصف القرن العشرين..
حتى لا يتشدقوا علينا ويتهموننا نحن العرب بالتحجر!!!
وصل مشعل للمكتبة الرئيسية في الجامعة: مكتبة جوزيف مارك لوينجر (سُميت بهذا الاسم تخليدا لأحد ضحايا حرب فيتنام) ، كانت المكتبة تحتل مبنى حجريا ضخما مستقلا في الناحية الغربية من الجامعة
مازال الوقت مبكراً جداً.. لا يوجد سوى موظف الأمن الذي اعتاد على رؤية مشعل في هذا الوقت.
اختار زاويته المفضلة، وأخرج أوراقه وحاسوبه المحمول، وسرعان ما استغرق في العمل
بعد حوالي 40 دقيقة.. همسات عند أذنه: مشعل.. مشعل
ألتفت للصوت الذي عرفه وابتسم وهو يقول بهمس مرحب بصوت خافت جدا احتراما لتقاليد المكتبة : هلا سعيد.. ياحياك الله يارجّال..
سعيد بابتسامة وهو يسحب مقعداً ويجلس بجوار مشعل ويميل لأذنه ويقول بهمس: أنت داري أني مواصل ما بعد رقدت.. جاي أدور لك..3 أيام ماشفتك.. حرام عليك يا أخي!! ارحم نفسك شوي ترا عمرك 29 سنة يعني مهوب 50 عشان تستقتل على المخلاص.
مشعل بملل حزين: تعبت يا أخيك من ذا الديرة ما أبغي إلاَّ الفكة وديرتي، أنت داري أن موسم القنص خلاص بدأ.. وأنا قاعد هنا مقابل ذا الوجيه الودرة.
سعيد (بعيارة): حد يعيف أمريكا، صدق إنك بدوي طرت وإلا وقعت
يعني دكتوراة وتفوق ولغة وأمريكا..ومع كذا ماتبي غير برانك وأبلك وطيرك
مشعل بابتسامة ترنو للبعيد: جعل طيري بعدهم!!
سعيد كمن تذكر شيئا.. همس لمشعل كمن يخبره سرا: فيه بنية قطرية توها واصلة من كم أسبوع سجلت معنا في الجامعة ماجستير
مشعل ينظر لسعيد نظرة غضب: تهبى أنت وجهك وأنا مشعل بن عبدالله بن مشعل آل فارس الــ ..من متى وأنا أدور علوم النسوان؟؟
سعيد يكتم ضحكته: يا أخي حد طلب منك البطاقة الشخصية؟!!
وبعدين على ويش مستحمق؟؟ وش فيك مهوب فيني؟؟.. تراني أنا وياك من نفس القبيلة يا ولد آل فارس
مشعل بغضب مكتوم: فيك إن ذا الديرة علمتك قل السنع
سعيد يبتسم: أنا ما أدري بصراحة مخك وين راح.. أنا بس كنت أبي أقول لك عن ذا البنية.. لأنها بصراحة غريبة
مشعل بعدم اهتمام: ليه يعني تطيح الطير من السما؟؟
سعيد بنبرة اهتمام: بالعكس عادية جدا.. لكن فيها شيئين غريبين:
الشيء الأول تعرف أنه البنات أول ما يجون هنا خايفين ويبون حد يساعدهم الشباب في نادي الطلاب القطريين اتصلوا فيها يبون يشوفون هي تبي مساعدة، بس هي رفضت، وقالت أعرف أصرّف روحي
الشيء الثاني: لبسها: يعني البنات هنا في الجامعة اللي بتذبح روحها بالستر، بتلبس جلباب وحجاب ويكون لونه فاتح، لكنها هي يالله تشوف حدود وجهها من كثر ماهي شادة حجابها على وجهها ولابسة عباة سوداء
مشعل وهو يريد إنهاء الحوار: الله يستر عليها وش نبي ..
قاطعه سعيد يضحك بخفوت: لا واسمها هيا بعد.. اسم عجوز
غصباً عنه: وجد مشعل نفسه يبتسم واسم (هيا) يداعب أذنه كموسيقى عذبة.. يا الله كم يحب هذا الاسم الذي يسكن حناياه!!
ويتسرب إلى عمق روحه.. اسم يشده إلى جذوره.. وعبق وطنه
رائحة جدائلها العتيقة العطرة العذبة تتسرب إلى خياشيمه كسحرٍ أبديٍّ حين كان يلتف بجديلتها الطويلة ويستكين في حضنها الدافئ.. و………
ولكنه انتزع نفسه من أفكاره وهو يقول لسعيد: سعيدان جعل السلال يضرب بطنك أنت جاي تشوفني؟ وإلا تهل لي شريطك مثل النسوان؟..أنت منت بشايفني رجّال قدامك؟!
سعيد يضحك بصوت عالي لفت انتباه رواد المكتبة القلائل: أنا أبي أدري وش أنا أحب فيك.. شايف حالك.. يعني عشان الله معطيكم أنت وعيال عمك شوي طول، شايفين حالكم على العالم…….. وأكمل بنبرة حزن مصطنعة: لنا الله احنا القصار
مشعل يبتسم ويقول بجدية لا تتناسب مع ابتسامته: الرجّال اللي مرجلته في طوله وإلا عرضه مهوب رجّال..وأنا وعيال عمي رياجيل حتى لو كنا أشبار القاع.. ثم أكمل بنبرة اهتمام: إلا عيال عمي وش دخلهم في السالفة؟؟
سعيد بلؤم وهو يريد إغاظة مشعل لأنه يعلم تولع مشعل بأبناء عمومته: كذا طروا على بالي، بصراحة كلهم كلهم مشعل وراكان وناصر وفارس شايفين حالهم، على شنو ما أدري، وخصوصا سميك مشعل ما ينبلع، راسم روحه زيادة عن اللزوم.. ثم أكمل بلؤم أكبر مقصود: إلاَّ مرته وش اسمها؟؟
لأنه يعلم أن زوجة مشعل بن محمد هي شقيقة مشعل بن عبدالله الكبرى
مشعل بغضب هادر وهو يهمس ويصرُّ على أسنانه: والله لو أني ما ني بداري أنك تضحك، وإلاّ والله ما أخليك تطلع من ذا المكتبة على أرجيلك
سعيد بطريقته المرحة المعبرة عن طيبة قلبه والتي يعرفها مشعل جيدا وهو يحرك أصابعه ويرف برموشه بسرعة بطريقة أنثوية وهو يهمس بدلالٍ تمثيليٍّ مصطنع: وس فيك أنته عسبي جذيه؟؟ ترا عاتي لو تبي أقول لك أسماء خواتي الست قلت لك.. يمكن يعجبك اسم وحده فيهم وتريحنا منها..
غصبا عنه: ابتسم مشعل لا يستطيع أن يغضب من سعيد الذي يشكل نسيماً عليلاً يهب على روحه في هذه الأرض فهما يشكلان غصنان لذات الأرض، ذات القبيلة ، ذات اللهجة
رابطٌ يربطه بهناك.. حتى لا يجن من هنا!!
ابتسم وتفكيره يأخذه إلى شقيقاته الأربع.. أميراته الأثيرات الثمينات
مستعدٌ هو أن يمزق بأسنانه وبدون أدنى رحمة من يدوس على طرف ظل واحدة منهن!
مجرد ظلها!!
أو حتى يقترب من حدود مضايقتها!!
حتى المتزوجات منهن مازال يشعر أنه المسؤول الأول عنهن، رغم وجود والده وأزواجهن..
#أنفاس_قطر#
#أنفاس_قطر#
في نفس الوقت.. ولكن على بعد آلاف آلاف الكيلومترات
الدوحة.. الوقت بعد المغرب بتوقيتها
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشاعل ابنته الثالثة تحديدا..
كانت تقف مرتعشة تحتضن نفسها بضعف، وتمنع دموعا وشيكة من الانهمار، اقتربت منها شقيقتها الكبرى ووضعت كفها على كتفها وهي تهمس لها بحنان: مشاعل ياقلبي.. أنا الحين أبي أعرف وش اللي مزعلش في موعد العرس؟؟
ابتعدت مشاعل عن مدى كفها الناعمة الحنونة وهي تقول بغيظ تغرغر بالبكاء: يعني عشانه حماش بتبدينه على أختش؟!!
تراجعت الأخت الكبرى وهي تشهق بعنف: وش ذا الخرابيط اللي أنتي تقولينها؟؟
ثم تماسكت وهي تقول بهدوء: يعني أنتي متملكة صار لش كم شهر، وما أعتقد أن حد جبرش على ناصر، أنتي اللي وافقتي باختيارش.. وماعقب الملكة إلا العرس.. يعني ليش مسوية ذا السالفة كلها؟
مشاعل وهي تمسح دموعها التي انهمرت لتكتسح خديها الحمرواين لسبب هي من يعرفه.. الاحمرار الذي غشا وجهها منذ أخبرتها شقيقتها بموعد زواجها الذي تقرر بعد ثلاثة أشهر في بداية يناير: لطيفة.. أنا ماقلت أني ما أبي ناصر بس عرس بس بدون وجود أخي مشعل مستحيل..
ابتسمت لطيفة لذكر مشعل.. الاسم الذي يدفع أقصى درجات السعادة في قلب أي واحدة منهن: فديت الطاري
ثم أكملت بجدية: يعني السالفة كذا بس؟؟ ناصر ماحدد الموعد إلا عقب ما أتفق مع مشعل.. مشعل بيكون هنا من 20/12.. قبل إجازة الكريسمس عندهم.. وبيقعد عندنا أكثر من شهر
لم تحتمل مشاعل بعد ذلك
انهارت باكية بعنف على سريرها وهي تغالب شهقاتها حتى لا يسمع صوت بكائها العالي أحد خارج الحجرة..وخصوصا تلك الصغيرة (وكالة الأنباء) التي لا تفتأ تداهم أي خلوة كشبح لا يُعلم من أي زاوية خرج.. شقيقتهن الصغرى ذات السنوات الإحدى عشرة :ريم
لطيفة صُعقت من بكائها وهي تسرع الخطى لسريرها وتجلس جوارها وهي تمسح على ظهرها برقة وتقول بحنان مختلط بالجدية: مشاعل قوم كلميني، السالفة مهيب موعد عرس وبس.. قومي قولي لي وش فيش؟؟
************************
عودة لجامعة جورج تاون في واشنطن دي سي.. لكن في مكان آخر من أنحاء الجامعة الشاسعة
على كرسي حجري أمام كلية الاقتصاد..
كانت تجلس بهدوء.. تضع كتابها على فخذها وحقيبتها إلى جوارها غير مبالية بنظرات الاستغراب أو حتى الاحتقار لشكلها وللبسها: عباءتها السوداء المغلقة الفضفاضة، حجابها الأسود الذي ينخفض إلى حدود حاجبيها ويرتفع إلى منتصف ذقنها..
كانت ملامحها الرقيقة/الحادة تتمدد بنعومة/بقوة على صفحة وجهها ببشرته الصافية الخالية من أي مساحيق..
قد لا تبدو جميلة لمن يراها لأول مرة دون أن يدقق في ملامحها
ولكن النظرة الثانية ستكشف للرائي حتما سرا ما يختفي خلف هذا الوجه الآسر.. الآسر لسبب مجهول يجعله يتغلغل في عمق روحك ليستولي عليك
رن هاتفها المحمول.. تناولته ونظرت للشاشة.. عقدت حاجبيها: (بدون رقم)
ردت بهدوء: هالو
………..
بفرح غامر: باكي يالخايسة.. وينج؟؟ لي أيام أتصل فيج.. على طول مغلق
………..
باستغراب: قاعدة قدام كليتي.. أنطر المحاضرة بعد نص ساعة
……………
بحزن: يعني أسبوعين ماسمعت صوتج.. وعقب تبين تسكرين بسرعة
…………..
خلاص مع السلامة.. سلمي على الأهل
أعادت محمولها في الحقيبة.. وفتحت الكتاب لتبعد تفكيرها عن إحساسها بالوحشة
هل كُتب عليها أن تعيش حياتها كلها في خوف مرعب من الوحشة والوحدة؟؟
الوحدة كابوسها المرعب، الذي تهرب منه لتجده يتسلل إليها بأذرعه العنكبوتية ويحيط بها حتى يتخلل جسدها وروحها ويعتصرهما بوحشية
*******************
عودة لمنزل عبدالله بن مشعل.. وغرفة مشاعل المنهارة بكاءً غير مفهوم
لطيفة بدئت لهجتها تتغير للغضب وهي تحاول تهدئة مشاعل ومعرفة سبب انهيارها: مشاعل قومي كلميني وإلا والله العظيم لأتصل بمشعل أخليه يتفاهم معش
مشاعل حين سمعت اسم مشعل قفزت كالملسوعة وهي تمسح دموعها وتتماسك: لا.. لا ..تكفين.. كله ولا مشعل.. لا تكدرين عليه.
لطيفة وهي تصر على أسنانها: زين قولي لي وش فيش؟؟
مشاعل اعتدلت جالسة وهي تخفض عينيها وتفرك أناملها وتقول بخجل بالغ: خايفة ومستحية.. إذا مشعل أذوب من الخجل في وجوده وهو أخي اللي أغلى من عيوني.. أشلون تبون تسكرون الباب علي مع رجّال غريب
حينها انفجرت لطيفة ضاحكة بعذوبة: والله العظيم ناصر مايعض.. وش حليله؟؟ وبعدها أكملت لطيفة وهي تتماسك: زين السحا ما يستدعي الخوف يعني.. عشان تخافين
مشاعل بهمس مؤلم وكأنها تنظر لخيال غير مرئي خلف شقيقتها: خايفة من الزواج نفسه.. يعني فيه تجربتين قدامي ما تشجع صراحة
لطيفة برعب داخلي (ماذا تحاول هذه الصغيرة أن تفعل؟؟
هل تحاول تسلق روحي لتطل في خباياي؟!
هل تحاول التطاول على أسواري التي تعبت في التمترس خلفها؟!
هل تحاول النظر خلف صورتي اللامعة التي أرهقني تنميقها؟؟)
لم تكن تريد أن تسأل عن شيء تعرف هي جوابه، ولكنها مجبرة أن تفعل من واقع دورها كأخت كُبرى، سألت بحذر مرّ: أي تجربتين؟؟
مشاعل بألم عميق: أنتي وموضي؟؟
(يالا الصغيرة اللئيمة.. لم أخف يوما من شيء كخوفي من نظرتها السابرة.. كنت أعلم أنها الوحيدة التي تشعر بي..بحاستها المتسلقة الغريبة
أحاول أن أختبئ من نظراتها الحادة الشفافة لأجدها تحاصرني بالمرصاد حين أنتبه من لحظات شرودي..وكأنها تقتنصني وتقتنص نبض روحي المردوم تحت أطنان الكبت…
أرجوكِ مشاعل.. لا تنبشيني.. فأنا أحاول المسير)
ابتسمت لطيفة وهي تقول بحنان تحاول أن تخفي خلفه مشاعرها: ليه يعني؟؟ أنا وموضي عايشين مبسوطين مع رياجيلنا..
مشاعل بنبرة تقطر ألما صافيا: أنا ماني بزر.. عمري 22 وتخرجت من الجامعة خلاص..
تكلمي عن نفسش لو أنتي مبسوطة.. بس موضي!!!… موضي سالفتها عويصة.. لو يدري مشعل فيها بس.. والله إن يكسّر الدنيا
أمانة عليش وين موضي اللي كانت أكشخ وحدة فينا وأكثرنا مرح وحياة.. وين راحت؟؟ وين راحت؟؟ نحرها حمد نحار..
وتسألين ليه خايفة من الزواج؟ خل نبدأ فيش.. وعقب نرجع لموضي
انتفضت لطيفة بوجل (لا تفعلي مشاعل لا تفعلي!!)
ولكن مشاعل أكملت بذات نبرتها العميقة التي تعبر عن عمقها الداخلي
ولطالما كانت مشاعل الرقيقة الملامح الهادئة الناعمة العميقة الصامتة الخجولة هي من تكتشف دواخل شقيقاتها بدون تصريح منهن: لطيفة.. طالعي المراية وشوفي وجهش؟؟
استغربت لطيفة من طلبها (وش فيه وجهي؟؟) استجابت كالمخدرة وهي تتجه للمرآة.. وتنظر لصفحة وجهها المنعكسة
لطالما كانت لطيفة هي الأجمل، لم يكن لينافسها أحد في الجمال سوى العنود ابنة عمها وأخت زوجها.. ولكن حتى عندما تنحصر المقارنة بينهما، فلطيفة هي الأجمل بلا شك..
كانت وهي في الحادية والثلاثين أجمل بكثير مما كانت وهي في الثامنة عشرة حين تزوجت مشعل..ورغم إنجابها لأربعة أطفال كان جمالها ينضج بوجع هادر عاما بعد عام.. كان جمالها يؤلم الناظر لشدة سطوته
ومع ذلك لم يكن كل هذا الجمال المغلف بروحها الأجمل ليستوقف زوجها مشعل أو يستوقف مشاعره على أعتابها..رغم أنها كانت تذوب فيه وله ومن أجله..
كانت في كثير من الأحيان تتساءل إن كان يعرف ملامحها
أو حتى يعرف أنها جميلة أصلا!!
إن كان يعرف لون عينيها..أو تقوس حاجبيها.. أو مقدار سطوة شفتيها في التواءهما المثير؟!!
فهي لم تره يتمعن في وجهها ولو لمرة واحدة.. كما اعتادت أن ترى النساء اللاتي تجلس معهن.. واللاتي لا يستطعن رفع أعينهن عن سحر جمالها..وهن نساء!! فكيف به وهو رجل مكتمل الرجولة.. وزوجها؟!!
أعتاد أن يمر بجوارها كأنها شيءٌ لا يستحق التوقف عنده..
لم يمتدحها يوما..
ولم يذمها أيضا..
ولكنه لابد أن يقرعها من وقت لآخر كأنها أحد موظفي شركته..
ورغم تقريعه لها لم يقسُ عليها يوماً.. كانت مشاعره دائما محايدة من جهتها.. لا تعرف تطرف المحبين في الحنان أو القسوة..
نفضت لطيفة سيل أفكارها الموجع لتلتفت لمشاعل: وش فيه وجهي؟؟
مشاعل بعمق مؤلم: كل يوم وأنتي أحلى من اليوم قبله.. وكل يوم ولمعة عيونش تنطفي أكثر عن اليوم اللي قبله..
*************************
عودة إلى واشنطن وجامعة جورج تاون.. والكرسي الحجري
حيث تجلس تقلب كتابا تقرأه بعينيها وأحرفه عاجزة عن اختراق حدود عقلها المثقل بالأفكار والأسى..
"هيا..هيا"
أ يعقل؟؟
يبدو أنها أصيبت بحالة جنون.. فهي تعتقد أنها تسمع صوت باكي تناديها.. باكي التي يفصل بينها وبينها المحيط الأطلسي بامتداده الشاسع..
" بت يا هيا.. أمريكا طرشتك وإلا إيه" الصوت قريب جدا.. وحقيقي جدا.. لكنه خيال بالتأكيد..
وهذه اليد الحانية التي تهز كتفها.. هل هي خيال أيضا؟؟
ألتفتت هيا بدهشة.. وتحولت الدهشة لصدمة عنيفة وهي ترى صديقتها المقربة باكينام تقف خلفها
باكينام التي لم ترها منذ أكثر من عام.. ولكن الاتصالات لم تنقطع بينهما مطلقا
باكينام مزيج الأعراق المثير..
باكينام والدها مصري، ووالدتها انجليزية، وجدتها أم والدها تركية، وجدتها أم والدتها ايرلندية..
والدها دبلوماسي مصري عاش معظم حياته في بريطانيا..
تنافس في باكينام عرقان من أكثر أعراق الأرض اعتدادا بالنفس: الأتراك والايرلنديون..
جدتها التركية عاشت حياتها كلها تقول: عرب سيس..(على خلفية كراهية الأتراك المتوارثة للعرب) ومع ذلك يشاء القدر ألآ تتزوج إلاّ من عربي.. وتذوب في هواه.. حتى واراه قبره وهي مازالت تهتف: عرب سيس..
وجدتها الايرلندية عاشت حياتها كلها وهي تقول: الإنجليز البرابرة المتوحشون (على خلفية العداء الشهير بين الايرلنديين والإنجليز والحروب التي أُريق فيها الكثير من الدماء) ومع ذلك يشاء القدر ألآ تتزوج إلا من انجليزي.. وتذوب في هواه.. حتى واراه قبره وهي مازالت تهتف: الإنجليز البرابرة المتوحشون..
والجدتان نقلتا مشاعرهما الكاذبة لحفيدتهما.. وهاهي باكينام ترفض أن ترتبط بأي مصري أو حتى انجليزي.. وزرعا فيها اعتدادا لا حد له بنفسها
تعرفت هيا على باكينام التي تكبرها بعامين قبل خمسة أعوام في لندن
كانت باكينام تدّرس الانجليزية في المعهد الذي دخلته هيا.. كمدرسة مساعدة إلى جانب دراستها الجامعية
لم تكن باكينام في حاجة للعمل.. ولكن اعتدادها بذاتها هو ما دفعها للعمل
ومنذ ذلك الحين انعقدت أواصر صداقة متينة بين الفتاتين حتى بعد أن أنهت هيا دراستها للانجليزية في المعهد بسرعة ودخلت كلية كوينز التابعة لجامعة لندن العريقة.
ألتفتت هيا لبكينام لتشعر بصدمة حقيقية، أولا لأنه مضى عام على أخر رأتها فيها في لندن حين تخرجت هيا وعادت للدوحة..
السبب الثاني والمفرح بعمق هو منظر باكينام الجديد.. لم تعلم هيا أنها تحجبت أخيرا بعد سنوات من محاولة إقناع هيا لها.. وباكينام تقول لها: حين أفعلها سأفعلها باقتناع.. وهاهي فعلتها بكامل اقتناعها..
وهاهي باكينام تقف بثقة بحجابها وهي ترتدي بنطلون جينز يعلوه قميص أزرق واسع إلى ركبتيها..في إطلالة شفافة تبهج الروح.. وبشرتها البيضاء المشربة بحمرة تتوهج بانفعال.. وعيناها الخضروان بهما مزيج عذب من الحنان والشوق
التبست مشاعر هيا.. وفرحة عارمة تغزو مشاعرها المتوترة..أجهشت بالبكاء وهي تحتضن باكينام بعنف: وحشتيني يالخايسة.. وحتى ماقلتي لي إنج تحجبتي عشان افرح لج..
باكينام وهي تحاول منع دموعها من التساقط، الدموع التي لا تتناسب مع قوة شخصيتها: حبيت أعملها لك مفاجأة.. وبعدين إيه الدموع دي.. بيقولو احنا المصريين شعب عاطفي.. بس شكلكوا عايزين تاخدوا السمعة الظريفة بتاعتنا..
هيا تفلت باكينام وهي تستوعب أنها ترى باكينام هنا في واشنطن وليس في لندن، هتفت باستغراب: أنتي وش جابج هنا؟؟
باكينام بمرح وهي تسحب هيا وتجلسها على الكرسي الحجري: الله.. إيه الترحيب الجامد دا؟!!! إيه اللي جابني هنا؟؟!!.. طبعا جايه أدور لي عريس.. مادمت مش هتجوز مصري ولا انجليزي.. جيت ادور لي امريكاني حليوه مريش طحن يئدر جمالي وزكائي..
هيا تضحك: إيه طحن ذي؟؟ شكلج توج جايه من مصر.. مايختبص حكيج كذا إلا من أثار مصر..
باكينام تبتسم: آه.. لسه جاية من مصر ياحياتي يامصر..
هيا وهي تتذكر الموضوع الأساسي: لا جد وش جابج هنا.. غير أنج مشتاقة لي طبعا.. أعرف أنج عملية.. ومن أنصار ضرب عصفورين بحجر..
باكينام بمرح: طول عمرك أروبة.. أنا سجلت معاكي ماستر وفي نفس الجامعة الحلوة دي بس مش اقتصاد زيك..أنا سجلت علوم سياسية عشان يـبئى ابن الوز عوام..
هيا بفرح هادر: جد؟؟ جد؟؟ ثم استدركت بمنطقية: بس كان ممكن تدرسين نفس التخصص في كامبردج وإلا أكسفورد.. وهم ممنونين يتقبلون وحدة في مؤهلاتج.. وأنتي بتظلين عند هلج؟؟
باكينام بهدوء وابتسامة: بس في السياسة مافيش زي جورج تاون دا أولا.. ثانيا: أنا حبيت أخوض تجربة جديدة.. ثالثا كلها كم شهر وأرجع أدرس دكتوراه في بريطانيا.. وأنتي مقررة إيه؟؟
ابتسمت هيا بود: نفسج أكيد.. ماستر هنا.. وبأرجع أدرس دكتوراه في بريطانيا.. من اللي يبي يضيع عمره في دكتوراه هنا.. المهم الحين قولي لي أخبارج كلها.. مشتاقة لج موووت.. وقولي لي متى تحجبتي وأشلون؟؟
بعد عدة أيام.. في الدوحة
بعد صلاة العصر بساعة..
نادي الفروسية
كانا اثنان يتسابقان في المضمار.. وصل الأول خط النهاية ونزل عن فرسه الرشيقة القوية السوداء كليل معتم ساحر السواد
كانت تصهل بعنفوان وهو يقف لجوارها ويمسح على عنقها الطويل الشامخ بفخر..علاقة فريدة تجمع الفارس بفرسه.. لا يحس بعمقها إلاَّ من رأى سحر تواصلهما بعينيه
كانت تستمد شموخها من شموخه وفخرها أن تكون فرساً لهذا الفارس الاستثنائي الذي يقف بطوله الفارع إلى جوارها في لباس الفرسان الأنيق الذي احتضن كتفيه العريضين وعضلات صدره النافرة بدقة تفاصيلها
ولكنه كان أنحف من شقيقيه الأكبر منه: مشعل وراكان.. نحافةً مقصودة لضرورة ضبط الوزن لكونه جوكياً محترفاً لا بد ألا يثقل على فرسه بوزنه..(الجوكي= راكب الخيل المحترف)
وصل الثاني بعده بدقيقة.. وهو يهتف بنفسٍ مقطوعٍ: يعني ناصر مافيه مرة تخليني أسبقك.. كل مرة تكسر بخاطري أنت والجليلة جذيه…
رفع ناصر عينيه له وهو يعدل وضع نظارته الشمسية عليهما وفكه القوي يرتفع باعتداد: كفاية عليك يا حسن أنك قادر تروض ذا الحصان.. ركوب ثيندر بروحه أحسه إنجاز..
حسن بابتسامة وهو ينزل ليحتضن عنق ثيندر: ترويض ثيندر كان أكبر تحدي في حياتي..
ثم أكمل بجدية: إلا صج يقولون منت مشارك في الفريق في سباق التحمل الصحراوي في الأردن شهر يناير..؟؟
ابتسم ناصر وهو يضرب على رأسه كمن تذكر شيئا: السموحة يا أخيك ياحسن.. نسيت أقول لك.. موعد عرسي تحدد قبل موعد السباق بيومين.. والله لو دريت بموعد السباق قبل تحديد الموعد كان أجلته لعقب.. الحين شباب الفريق وأنت أولهم ما حد منكم بحاضر عرسي
ابتسم حسن وهو يربت على كتف ناصر : آفا عليك.. عني بأخليهم يشحنون ثيندر.. وبأحضر عرسك وبأطلع منه على المطار على طول
ناصر بود وأخوية: جعلني ماخلا منك ماتدري وش كثر فرحتني..
الاثنان يمشيان متجاورين متوجهين للحظائر..
حسن بتساؤل: جاي التدريب بكرة؟؟
ناصر وهو يسحب "الجليلة" لإعادتها للحظيرة: لا بكرة عندنا مؤتمر في الشغل..
كان ناصر فارساً محترفاً في فريق قطر لسباقات التحمل..
ولكن اشتراكه في الفريق كان على سبيل الهواية إلى جانب عمله في العلاقات العامة في وكالة الأنباء القطرية (قنا)
وهو يفكر في الاعتزال بعد زواجه.. وبعد أن قضى سبع سنوات في الفريق
ولكنه طبعا لا يفكر بترك ركوب الخيل الذي تغلغل في روحه ووجدانه
***********************
الدوحة.. منزل حمد بن جابر
زوج موضي وابن خالها
وفي ذات الوقت هو ابن عمتها نورة /أم حمد هي الابنة الوحيدة لمشعل الكبير
ذات الليلة ولكن الساعة 11 مساء بتوقيت الدوحة
يطرق الباب بوحشية.. وكأنه وحشٌ فقد عقله: أقول لش افتحي يا موضي قدام أكسر الباب..
ترد من خلف الباب بصوت باكي مرتعش: تكفى يا حمد لا تضربني.. تو أثار ضرب المرة اللي فاتت خفت من وجهي
حرام عليك لي أسبوعين ماشفت هلي.. وكل ما اتصلوا فيني يبون أجيهم أو يجوني تعذرت منهم .. عشان مايشوفون الضرب بوجهي.. عشانك موب عشاني
يصرخ بصوت مرعب: يعني أشلون؟ تخوفيني بهلش؟؟
موضي بنفس الصوت الباكي: حمد حرام عليك.. بأروح لهم بكرة.. وإذا رجعت اضربني على كيفك.. والله ما أقول شيء.. كسرني لو تبي
يا الله !!
كيف يكسر الظلم النفوس.. ويحيلها لحطام بشري يمشي على قدمين.. ويجعلك تتنازل عن أبسط حقوقك:
إنسانيتك!!
واحترامك لذاتك!!
********************
الدوحة
منزل فارس بن سعود بن مشعل
آذان الفجر
أم فارس تتوجه إلى غرفة فارس لإيقاظه لصلاة الفجر..
مازالت هذه السيدة تحتفظ بالكثير من ملامح صباها وهي في أواسط الأربعينات.. ولم تنجب غير فارس بعد أن توفي زوجها وابن عمها سعود وهي حامل..
لم تفكر أن تتزوج بعده لأنها خافت من عمها مشعل الكبير.. لأنها تعلم أنه سينتزع فارس من أحضانها بدون رحمة.. لو فكرت أن تتزوج..
وفي أحيان كثيرة تتساءل : أ لم ينتزعه فعلا من أحضانها؟؟
هو ومشعل الآخر.. مشعل ابن حماها محمد..
فالمشعلان تبادلا على تربية فارس دون أن يكون لها دورٌ فعليٌّ في هذه التربية..
مشعل بن محمد كان الأكثر التصاقاً بجده بحكم أنه الأكبر بين الأبناء وكان طوال ثماني سنوات هو الولد الوحيد في العائلة حتى جاء راكان ثم بعده بسنة جاء مشعل بن عبدالله ثم بعدها بعام ناصر.. ثم بعدها بعامين فارس..
تشرب مشعل بطباع جده الصلب .. ثم بعد ذلك الاثنان شرَّبا فارس هذه الطباع مضاعفة.. ليتجاوزهم جميعا وتتحول الصلابة عنده إلى قسوة عجزت عن سبب تفهمها..
لم يكن فارس قاسيا عليها أبدا.. هي الوحيدة التي كان يذوب حنانا لها.. ولكنها ترى قسوته تتجلى في تعامله مع الآخرين
وصلت إلى غرفة فارس وهي تطوف مع أفكارها.. اقتربت من سريره وهي تهمس بحنان: فارس حبيبي قوم يأمك للصلاة
بعد محاولات بسيطة جاءها صوته الأجش الشديد الخشونة: إن شاء الله يمه، قايم الحين… قالها وهو يستوي جالسا بقامته الطويلة مثل أبناء عمه
كان الطول وعرض الكتفين هو صفة الشبه الوحيدة التي ربطته بعائلة مشعل..
ولكن ملامحه الأخرى كانت شيئا مختلفا.. مختلفا جدا
الملامح التي كانت أحد أسباب تكوينه المقصود لشخصيته المرعبة القاسية
الشخصية القوية التي ناسبها عمله ********ل نيابة في النيابة العامة، العمل الذي التحق به قبل 4 سنوات فور تخرجه من الجامعة من تخصص القانون..
**************************
منزل عبدالله بن مشعل.. صلاة الفجر
غرفة الجدة أم محمد
قد يستغرب البعض لماذا الجدة في بيت عبدالله وليست في بيت محمد الكبير؟؟
قبل أن يتوفى الجد بعدة سنوات كان هو وأبناؤه أنجزوا بناء منازل آل مشعل الجديدة..
أربعة منازل فخمة متلاصقة على ذات الطراز أمامها مجلس رجال خارجي ضخم مفتوح على الشارع مباشرة هو مقر اجتماعهم كلهم..
واشتروا كلهم لبقية الأبناء أراضٍ ملاصقة في حال قرر الشباب غير المتزوجين بناء منازلهم..
أما البيوت التي تمَّ انجازها فكانت لعبدالله ومحمد ومشعل بن محمد ولفارس بن سعود الذي أصرَّ جده أن يبني له بيتا خاصا فيه تدعيما لشخصيته القوية وحتى يضمن له ألا يتعب في بناء بيت حين يكبر..
والجد قرر أن يسكن مع عبدالله لعدة أسباب أهمها فارس.. لأن زوجة عبدالله كانت أم فارس بالرضاعة أرضعته مع موضي.. لذا كان فارس حراً في دخول البيت والخروج منه
السبب الثاني أن عبدالله كان هو من تبقى عنده أطفال صغار.. ومشعل الكبير مع صلابته يبقى جداً يستمتع برؤية أحفاده وخصوصا كلما كانوا أصغر.
السبب الثالث: أن زوجة عبدالله كانت ابنة شقيقة هيا.. وتقريباً هم من ربوها وهي الأقرب لهم من بين كل زوجات أبنائهم.
لذا قرر مشعل الكبير وأم محمد أن يسكنوا في بيت عبدالله رغم توسل محمد الدائم لهم.
ينزل عبدالله لصلاة الفجر ومعه ابنه الصغير ابن الثالثة عشرة.. ويمر بحجرة أمه التي كانت تجلس على سجادتها مشغولة بأذكارها تنتظر الإقامة (رغم أن حفيداتها حاولن إقناعها أن المرأة لا إقامة لها وإنها مادامت تصلي في بيتها فهي تستطيع الصلاة فور دخول الوقت)..
ينحني ليقبل رأسها بقامته الطويلة التي لم تأخذ من صلابتها وامتدادها سنواته الخمسة والخمسين شيئا.. ويهمس باحترام جزل: صبحش الله بالخير طال عمرش في الطاعة.. كيف أصبحتي جعلني الأول؟؟
انتفضت وتقلصت تجاعيد وجهها الغائرة وهي تضع طرف جلال الصلاة على أنفها وفمها لأنها اعتادت ألا يراها أبناؤها بدون برقعها ، وهتفت بحزم: صبحك الله بالنور والسرور.. كم مرة قلت لك لا عاد تقول جعلني الأول..
ابتسم لتكشف ابتسامته عن صفِّ أسنانٍ كاملٍ فتيٍّ هو نتاج زراعة حديثة بعد أن رفسته إحدى نياقه الأثيرة في وجهه قبل عدة أعوام: جعلني فداش، وفدا رجيلش
أم محمد بغضب: قوم توكل على الله وروح للمسجد.. وجعلني أنا اللي قدامكم كلكم أنتو وعيالكم
جعل ربي ما يفجعني في واحد منكم.. ماعاد أبي يا أمك إلاَّ حسن الخاتمة
ثم أكملت بحزن مرير وكأنَّ الكلمات تخرج مضرجة بدم أعماقها المكلومة: كفاية علي الاثنين اللي راحوا ما تمتعوا بشبابهم..
#أنفاس_قطر#
واشنطن دي سي
جامعة جورج تاون
الساعة 2 ظهرا بتوقيت واشنطن
في حديقتها الشاسعة.. يجلس على الأرض
يمدد ساقيه الطويلتين اللتين يحتضنهما بنطلون أسود بقصة مستقيمة يرافقه على صدره العريض كنزة صوفية خفيفة رمادية اللون رفع أكمامها وأزاحها عن ذراعيه الأسمرين القويين وهو يقلب مجموعة من الأوراق بين يديه
استعدادا لمقابلة البروفسور المشرف بعد نصف ساعة..
رنَّ هاتفه المحمول، تناوله ونظر لشاشته.. ابتسم وهو يرد: هلا سعيد
………………..
موجود طال عمرك
……………….
عند الشجرة اللي أقعد عندها دايم
بعد دقائق كان سعيد يصل بجلبته المعتادة: هلا والله بالشيخ مشعل..
رفع مشعل عينيه لسعيد المتأنق بربطة العنق الرمادية الغامقة والقميص الرمادي الفاتح والطقم الرسمي الكحلي الأنيق : وش عنده الأخ كاشخ؟؟ مهوب عوايد
ضحك سعيد: طول عمري كشخة..
ابتسم مشعل: لا صدق الكشخة ذي شكلها سبيشل.. وش عندك؟؟
سعيد بمرح: على طول كاشفني.. جاي من السفارة طال عمرك كان عندي معاملة أخلصها.. وعلى فكرة ترا الملحق الثقافي يبيك
مشعل بهدوء: قال لك وش يبي مني؟؟
سعيد هزَّ كتفيه: لا… وهو يضع جريدة تحته حتى لا يفسد طقمه ويجلس بحذر إلى جوار مشعل حتى لا يتجعد بنطلونه
مشعل يضحك: يا المتيح ضاق عليك المكان إلاَّ تضيق علي..
سعيد يتجاهل شكوى مشعل وهو يضع كتبه جواره ويقول باهتمام: مادريت بأخر أخبار الشعب القطري في واشنطن..
مشعل وهو يقلب أوراقه ويضع ملاحظاته عليها: من وين أدري ووكالة الأنباء توه واصل الحين
سعيد يصطنع الغضب: الشرهه علي اللي أبيك تتواصل مع العالم.. وإلا أنت يمكن لا تقوم الحرب العالمية الثالثة مادريت بها وأنت دافن روحك وسط كتبك
مشعل وهو مستغرق في عمله: زين قل لي وش صاير.. لانك لو خليت العلوم في بطنك، بيجيك حاطي باطي.. (العلوم= الأخبار)
سعيد يضحك: مالت على عدوك.. ياطويل العمر صايرة علوم.. دريت بها من رئيس نادي الطلاب القطريين.. قابلته في السفارة
مشعل بنفاذ صبر: اخلص علي.. موعدي مع البروفيسور بعد شوي
سعيد يلقي الخبر بنبرة مذيعين الأخبار الجادة: البنية اللي اسمها هيا اللي كلمتك عنها قبل كم يوم.. تلاغت مع ولد في المدرج.. والولد شد حجابها..
مشعل لم ينتظر بقية الخبر لأنه قفز بانفعال كاسح..وترتسم على وجهه انفعالات عنيفة كأنه أسدٌ على وشك التهام فريسته
سعيد باستغراب : وين بتروح؟ ما كملت لك..
مشعل بغضب دموي: وهي فيها تكميل يا الكمخة.. بناتنا يفسخون حجبهم في الجامعة، وأنت مخليها سالفة.. بأطلع الحين لمدير الجامعة وعقب للسفير
سعيد يضحك: يمه منك ماعندك تفاهم… ماصار شيء
وهيا ذي ماينخاف عليها.. أصلا حجابها ما انفسخ لأنها كانت شادته وملزقته بلزقة عنزروت الظاهر، لا وضربت الولد كف.. وقدمت فيه شكوى بعد.. والجامعة قدمت اعتذار للسفارة
مشعل جلس بعد ما أطمئنت حميته الملتهبة: طيب والبنت ليش تلاغى هي والولد؟؟
سعيد بشرح: كان مجرد نقاش في المحاضرة.. بس الولد احتد وقال لها أنتي إرهابية وخرابيطهم الفاضية اللي أنت خابر وشد حجابها.. والبروفيسور نفسه طرده وقدم هو بعد شكوى ضده
في ذات الجامعة
وفي مكان قريب جدا من جلوس مشعل وسعيد
كانتا تجلسان على كرسي حجري.. هيا بعباءتها ولبسها المعتاد.. وباكينام ببنطلون كتان زيتي واسع وقميص بيج واسع للركبة وحجاب زيتي..
هيا تكمل بمرح: بس لو شفتي وجه الولد عقب الكف..
باكينام وتضحك: أما انتي يا بت يا هيا تحفة.. ماحدش يجي جنبك تعمليه فشه وكوارع وبمبار..
هيا تضحك: أعييييييييه منج.. زين خليه بفتيك وستيك شي كشخة.. اللي يشوف كلامج مايقول بنت كلاس.. لكن جزارة من السلخانة
باكينام تضحك: أنت هتعملي زي أنّا (أنّا=الجدة بالتركية).. بتقول لي ماتشميش مع الولاد
ولاد عمي دول يخربوها ويئعدوا على تلها، هم اللي تلفوا لي لساني
المرة دي أخدوني للحسين واكلوني لحمة رأس، كنت هاموت وجالي تلبك معوي
هيا بخبث: على طاري (الولاد) أخبار ابن الجيران اللي في مصر إيه؟؟
باكينام تغمز : الله أنتي ما بتنسيش؟!!
ثم أكملت بنبرة الشعارات الحماسية: لا للمصريين.. لا للعرب.. لا الإنجليز
ثم أردفت وهي تلتفت للشباب المتواجدين حولهم وتقول (بعيارة): أهلا بالأمريكاني
**************************
منزل محمد بن مشعل..
غرفة ابنته الكبرى مريم..التي تعبر انعطافة أواسط الثلاثينات
آذان الفجر..
نهضت من نومها على صوت جرس المنبه لصلاة الفجر.. نهضت بهدوء وهي تتمتم بدعاء الاستيقاظ.. توضأت ثم توجهت لغرف أشقائها لترى من منهم أستيقظ للصلاة
وهي تغلق باب غرفتها، مرَّ بها ناصر وهو يقول لها بمرح ومودة: صبّحها الله بالخير شيخة أل مشعل كلهم.. أنا اليوم براءة قمت بروحي.. روحي ذهني راكان والعنود.. (ذهني=صحي)
ابتسمت مريم بشفافية ابتسامة زينت وجهها الصافي الشفاف وهي تقول: دوم مهوب يوم.. مافيه حد يتعبني وأنا أذهنه مثلك.. وإلاَّ راكان والعنود مقدور عليهم
ناصر يضحك وهو ينزل السلم: زين يا مريوم، رجعتي علي، على نصوري المسكين.
مريم وهي تتوجه لغرفة راكان أولا: أنت مسكين أنت؟؟ أنت مسكون طال عمرك..
ضحكة ناصر المجلجلة تصلها من الأسفل وهي تصل لباب غرفة راكان
رغم أن راكان أصغر منها بخمس سنوات (أمها أسقطت مرتين بينهما) إلا أنها تهابه وتحترمه
فراكان بهدوئه وسمْته وطباعه ومهابته كان يجبر من هو في حضرته على احترامه
تدخل مريم بحذر لأنها تخشى أن تصدم بشيء من دروع راكان أو كؤوسه
راكان بطل أوليمبي حاصل على عدة ميدايات عالمية في الرماية
إضافة إلى أنه يتسلى بلعب الشطرنج.. وحاصل على عدة ميداليات فيها
ورغم غرابة اجتماع الرياضتين.. بين رياضة جسدية وأخرى عقلية.. إلاَّ أن هذه كانت غرابة راكان أيضا
راكان الذي يستحيل أن يكتشف أحد كيف يفكر.. وكأن الحياة أمامه لعبة شطرنج.. يجب ألا يكتشف أحد حركتك القادمة حتى لا يباغتك
من ذلك مثلا لماذا راكان يرفض أن يتزوج حتى الآن رغم وصوله الثلاثين؟؟
لا أحد يعلم.. ولا حتى مشعل بن عبدالله صديقه المقرب!!
اقتربت مريم من سريره وهي تمدُّ يديها وتتحسس طريقها حتى وصلت
هزَّت كتفه من ناحية صدره اليسار بلطف: راكان.. راكان.. يا موظفين الديوان الأميري (حيث يعمل راكان)
راكان بصوت ناعس عميق: لبيه يا أم محمد.. قايم جعلني فداش..
راكان بالذات اعتاد أن يناديها أم محمد.. احتراما لها
وربما تحقيقا لرغبة لن تحصل أبدا: أن تكون يوماً أماً لمحمد أو غيره!!
مريم بابتسامة: ماشاء الله عليك.. هذا صدر وإلا مطار؟!
راكان وهو يعتدل جالسا ويفتح عينيه الواسعتين بكسل، ويبتسم: شام ريحة تنظال يا أم محمد..
ضحكت مريم: قلنا ماشاء الله.. تقول لي العنود أنك غطيت كل سلالة آل مشعل طول وعرض
ضحك راكان: وش ذا؟؟ أنتي وأختش مسوين اجتماع نظل عائلي علي
ابتسمت مريم: على طاري أختك خلني أروح أذهنها
راكان بحنان: تبين أوصلش لغرفتها؟؟
مريم بذات الحنان وهي تتلمس طريق الخروج: لو أبيك توصلني بأقول لك روح ذهنها أنت..
راكان وهو يدخل لحمامه الخاص ويقول بمرح: لا يا بنت الحلال فكينا من أختش الأذوة ذي.. ما حد عنده استعداد لملاغتها على الصبح غيرش.. ما أدري أشلون تستحملينها؟؟
مريم وهي تخرج: فديت روحها.. بنتي ذي مهيب أختي بس..
وفعلا كانت العلاقة بين مريم والعنود تتجاوز علاقة الاخوة العادية لشيء أعمق بكثير.. ففرق خمسة عشر عاما بينهما.. أهلت مريم أن تكون أما للعنود وبجدارة
وصلت مريم لحجرة العنود.. أخر العنقود ومدللة البيت
في هذه الحجرة تحفظ كل زاوية وتستطيع التحرك بثقة.. توجهت لسرير شقيقتها
ومباشرة توجهت لرأسها لأنها تعرف كيف تنام وعلى أي وضعية تماما..
همست عند رأسها بحنان وهي تداعب خصلات شعر العنود الحريري المتناثر على مخدتها: عنادي.. قومي يا قلبي.. الفجر أذن..
العنود وعيناها ماتزال مغلقتين تهمس بدلالها الطبيعي الرقيق بصوتها العذب المفعم بأنوثة مصفاة: وين أحلى بنت في الدوحة؟؟
مريم تبتسم: أكيد مهيب عندنا في البيت.. وماعندي وقت أروح أدور برا
العنود تبتسم وتفتح عينيها النجلاوين برموشهما الطويلة المتشابكة: ماني بقايمة حتى ألقى جواب صريح وواضح ومحدد..
مريم تبتعد عن سريرها وتقول بمرح: أنا طلعت من ذنبش.. إذا سألش الله عز وجل يوم الحساب ليه ماصليتي الفجر.. قولي عشان مريم ما تعرف وين أحلى بنت الدوحة
العنود تقفز واقفة من سريرها للأرض في قفزة واحدة لتظهر بيجامتها الزهرية الطفولية المليئة بالخطوط المتداخلة والنجوم.. وتحتضن مريم وتطبع قبلة عميقة على خدها: أفا .. الدعوة خاربة مع ذا الفجرية.. مافيه مجاملات تطري القلب
مريم وهي تمسح قبلة العنود وتقلب وجهها بطريقة مصطنعة مرحة: الله يقرفش.. ألف مرة قايلة لش لا عاد تحبيني وأنتي ماغسلتي
تضحك العنود وهي تفلتها وتتوجه لحمامها: يا أختي وجهي منور وأنفاسي معطرة حتى وأنا صاحية من النوم.. يا حظه بس زوج المستقبل
مريم وهي تغادر الغرفة وتضحك: إلاَّ أمه داعية عليه ومن قلب
" الله يديم ذا الضحكة علينا يارب"
وقفت مريم باحترام وهو تسمع صوت والدها الحنون المختلط بحزمه الطبيعي: هلا يبه.. صبحك الله بالخير يا بو مشعل..
محمد ينحني بقامته المهولة الصامدة قوة وحزما على جبينها ويقبله وهو يحتضنها من كتفها بحنان: صباحش أخير يا أبيش.. أخوانش راحو للمسجد؟؟
مريم بذات نبرة الاحترام: ناصر راح.. وراكان يتوضأ وبيروح الحين
أبوها يفلتها ويتجاوزها نازلا متوجها للمسجد، وهو يقول بحنان لم تخطئ أذنها نبرة الحزن العميقة فيه.. النبرة التي تمزق روحها أشلاءً : يالله ياكريم مع صلاة ذا الفجر أنه ما يحرمنا منش.. ويعوضش بالجنة ونعيمها..
العصر
واشنطن دي سي
مكتب الملحق الثقافي في السفارة القطرية التي تقع في 2555 m st nw بالقرب من (روك غريع بارك).
كان مشعل يشرب قهوته بهدوء بعد تبادل التحيات والترحيب المعتاد مع الملحق الثقافي
الذي تجمعه به علاقة مودة متينة: عسى ماشر يادكتور؟؟
ابتسم الملحق بمودة: لا شر ولا يحزنون، اشتقنا لك يا أخوي، ماتنشاف هذا أولا
ثانيا : واصل لك شريط فيديو من ولد عمك راكان
قلت فرصة نستدعيك ونسلم عليك ونعطيك إياه..
ابتسم مشعل وهو يتذكر أن راكان أخبره أنه سيرسل له شريط فيديو لرحلة قنصهم في الجزائر..
بعد حوار قصير مع الملحق واستلام مشعل لشريطه.. استأذن مشعل لأنه يعلم مشاغل الملحق مع وعد بالالتقاء على العشاء قريبا..
كان مشعل يهم بالمغادرة حين أستوقفه الملحق بقوله: تدري يا مشعل أنه فيه طالبة جديدة جايه قبل كم أسبوع اسمها مطابق لاسمك بالكامل
ولما سألتها أنت بنت عم مشعل، قالت: مالي عمام
قلت لها الاسم نفس الاسم
بس بعد أصرت إنها ما تعرفك وأنها مالها أعمام وان أبوها وحيد..
عاد مشعل للوقوف أمام الملحق وهو يسأل باهتمام: وش اسمها؟؟
أجابه الملحق وهو يفتح قائمة أسماء الطلاب القطريين التي لا تفارق مكتبه:
هيا سلطان مشعل آل فارس الــ
***************************
في الدوحة
الليلة السابقة للأحداث الماضية
بيت مشعل بن محمد بن مشعل..
الساعة 9 ونصف مساء
كانت لطيفة تضع صغيرتها جود ذات الأعوام الثلاثة في سريرها
في غرفتها المشتركة مع شقيقتها مريم ذات الأعوام العشرة النائمة منذ أكثر منذ ساعة..
قرأت لطيفة الأذكار على الصغيرتين وحصنتهما..
ثم توجهت لغرفة أبنائها الذكور: محمد وعبدالله
تأكدت أنهما نائمان بعمق وقرأت عليهما هما أيضا الأذكار وحصنتهما..
ثم توجهت لغرفتها لتستحم كعادتها المسائية
تتوتر حين ينام أبنائها ويخلو عليها المنزل
وتجد أنها أصبحت خالية من مشاغل أبنائها التي تدفن فيها فوضى التفكير المؤلمة..
معركتها مع مشاعل قبل أيام مازالت ماثلة تحز في عمق مشاعرها المجروحة
أنهت حمامها.. وهاهي تقف أمام مرآتها بروبها الملفوف على جسدها المثير وشعرها المبلول يتناثر على كتفيها
تمعن النظر في ملامح وجهها بجماله المسكر
(وش فيني مهوب عاجبه؟؟ ليته بس يقول لي.. والله لأتغير عشانه.. بس ليته يقول.. ذبحني تجاهله)
جلست.. جففت شعرها بالمجفف الكهربائي وفردته.. ثم تعطرت بكثافة كعادة فقط، وليس من أجله هذه الليلة!!
قامت لتختار لها لباسا للنوم..
وقفت أمام دولاب ملابسها الضخم.. فتحت ناحية قمصانها
كل هذا الفيض الساحر المثير من شلالات الشيفون والحرير لم يستنطقه بكلمة واحدة!!
لِـمَ الاهتمام؟؟
أغلقت الدولاب.. لتتناول لها بيجامة قطن بأكمام طويلة
منذ زواجهما لم تعتد أن تنام قبل أن يعود للمنزل.. مهما تأخر.. وكثيرا ما تأخر!!
فهذا الرجل مهووس بعمله وصفقاته..
ينتظر إغلاق ول ستريت أو افتتاحها.. أو ربما داو جونز أو إغلاقها..
ولم يهتم يوما أن يطمئن المخلوقة التي تُسمى زوجته.. والتي كانت تذوب قلقا عليه..
لم يكن لقلقها اعتبارا أو معنى :
" أنا ماني ببزر تحاتيني" هكذا كان رده الدائم الحاد والواثق..
كانت تشغل نفسها بأبنائها.. ولكن من تخدع.. هم أبنائها وهو زوجها.. لكل منهم اهتمامه الخاص..
ومن كانت تخدع أيضا؟؟
هل هو زوجها فقط؟!!
مشعل بالنسبة لها لم يكن مجرد زوج..
رغم أنها بالنسبة له لم تكن أكثر من زوجة والسلام.
يحترمها؟؟ نعم.. يقدرها؟؟ نعم..
يحبها؟؟
لا تعتقد..
ما هذا الرد الحاد الموجع؟؟ لِـمَ لا تقولين ربما.. اشرعي بابا للأمل..
(باب للأمل بعد 13 عاما من الزواج؟!!)
في أحيان كثيرة تشعر أنه لولا حاجته البيولوجية الجسدية لها لم يكن ليقترب منها
مجرد جسد.. ليس لأنها لطيفة بملامحها وروحها
في ذات الوقت الذي تكون لطيفة تذوب بين يديه وفي أحضانه..
لِمَ يعجز عن الإحساس بها؟
فمشعل هو نبض روحها .. على يديه تفتح صباها
ولم تعرف خفقات القلب وتسارع الأنفاس واضطراب المشاعر إلا بحضوره ومن أجله..
حديث يطول..يطول ولم ينتهِ..
ومشعل لاهٍ في أعماله عن كل شيء..كل عام يمر يزيد تغلغل مشعل في روحها.. ويزيد تجاهل مشعل لها..
التجاهل الذي ينحر روحها الملتاعة..
هذه الليلة تريد أن تعلن تمردها على ذاتها..
لن تنتظره..
ستنام..
13 عاما مرت وهو يعاتبها حين يجدها تنتظره لدرجة أنه قال لها قبل يومين: خنقتيني باهتمامش.. أنا ماني بزر بيضيع في الشوارع.. عشان أمه تقعد تنتظره عشان تطمن أنه في فراشه قبل ما تنام هي
نامي لا تنتظريني رجاء.. يعني أنتي تبين تحسسيني بالذنب لما ألاقيش سهرانة تنتظريني وأنا تأخرت عليش؟؟
(خلاص يا مشعل لا أحسسك بالذنب ولا تحسسني.. بانام وباريحك من شوفة وجهي اللي تضايقك)
تمددت لطيفة في سريرها.. بعد أن أغلقت كل الأضواء وتركت ضوءاً خافتاً عند الباب وأخر بجوار سريرها
لم تستطع أن تنام وهو لم يعد بعد.. تستطيع أن تخدعه.. ولكنها لا تستطيع خداع نفسها..
بقيت ساهرة تتقلب في فراشها وهي تمتم بالأذكار.. حتى قارب الوقت الساعة الواحدة ليلا
حينها سمعت صوت الباب يفتح.. أولت ظهرها للباب.. وقررت تمثيل النوم.. لا تريد رؤيته هذه الليلة..
********************
واشنطن دي سي
في سيارته يغلي من الغضب.. وعلى استعداد لارتكاب جريمة فيمن يلقيه القدر العاثر في طريقه..
(بنت عمي أنا.. أنا..!!!!
وحدة من بنات مشعل.. دايرة من ديرة لديرة من لندن لواشنطن.. ماكن وراها رياجيل يحكمونها..
لا ومارضت تسكن في سكن الطالبات بعد..خوش والله.. وش عندها ذي؟؟.. زين يا بنت سلطان زين.. إذا عمي مات وهو مارباش أنا اللي بأربيش..
يعني ابي يدور عليكم.. وأنتي بايعة البيت..وهاجة من الدوحة!!..)
أفكاره الدموية النارية تلتهمه..
وغضبه من كل شيء يتصاعد..
يحتمل أي شيء.. أي شيء إلاَّ شيء يمس شرف عائلته وسمعتها
وصل إلى قمة الغضب والانفعال وهو يصل إلى العنوان الذي أخذه من السفارة
صعد السلالم ركضا بدون تفكير.. ووقف أمام شقتها ليضغط بعنف غاضب على جرس الباب
حينها استعاد بعضا من تفكيره المنطقي:
( أشلون أدق الباب على بنت ساكنة بروحها ومهيب حلال لي..
أكيد أصلا مهيب فاتحة لي إذا شافتني مع العين السحرية رجّال غريب ماتعرفه ..مستحيل تفتح لي)
كان مشعل على وشك التراجع والنزول وهو يقرر أن يتصل بها تلفونيا ليقابلها في الجامعة ويتصرف معها..
لكن ما نحره تماما.. أنها فتحت له الباب ببساطة
وهي تقف أمامه بثقة خلال فتحة الباب الموارب..
لتصدمه بصدمتين كل صدمة منها أعنف من الأخرى
*****************************
غرفة لطيفة/ الليلة السابقة
تمددت لطيفة في سريرها.. بعد أن أغلقت كل الأضواء وتركت ضوءا خافتا عند الباب وأخر بجوار سريرها
لم تستطع أن تنام وهو لم يعد بعد.. تستطيع أن تخدعه.. ولكنها لا تستطيع خداع نفسها..
بقيت ساهرة تتقلب في فراشها وهي تمتم بالأذكار..
حتى قارب الوقت الساعة الواحدة ليلا
حينها سمعت صوت الباب يفتح.. أولت ظهرها للباب
وقررت تمثيل النوم..
لا تريد رؤيته هذه الليلة..
رائحة عطره الثقيلة الفاخرة سبقته وهو مازال واقفا أمام الباب ببنيته الهائلة طولا وعرضا
(ياالله كيف يعبث حضور هذا الرجل بمشاعرها كأنها ريشة يطيرها نسيم حضوره أو أعاصيره!!)
دخل بخطواته الواثقة وهو يمسح بإرهاق على شعيرات عارضه الأسود المحدد بدقة وأناقة..
أغلق الباب وهو يفتح أزرار ثوبه ليحرر عضلات صدره العريض
ثم يسحب غترته عن رأسه ويلقيها دون اهتمام على الأريكة، ليُفاجأ بشيء غير معتاد: الضوء الخافت، ولطيفة لا تنتظره..
تلفت حوله..
فوجئ أن لطيفة نائمة..شعر بالارتياح أنها وأخيرا أطاعته ولم تنتظره..
ولكنه بعد دقيقة شعر بضيقٍ غير مفهوم
اعتاد على انتظارها له
وربما على تقريعها أيضا كلما وجدها تنتظره
وهي تنظر له كطفلة مبهورة تشعر بالذنب
( – مهوب أنت اللي توك مهزئها قبل أمس وقايل لها لا عاد تتنيني..
– زين 13 سنة وانا أقول لها لا تتنيني.. وش معنى ذا المرة؟؟
– أما أنك رجّال غريب!!) "تتنيني= تنتظريني"
تجاوز مشعل بسرعة أحاسيسه الملتبسة.. وتوجه للحمام ليستحم
صلى قيامه ثم تمدد إلى جوارها..
وقتها كانت لطيفة نامت بالفعل بعد أن أطمئنت على عودته
ينظر مشعل إلى ظهرها..
ويتمنى لأول مرة لو أنها تقلب وجهها ناحيته..
يريد أن يرى ملامحها الساكنة وهي نائمة بوداعة
(وش فيك الليلة يا مشعل؟؟ منت صاحي)
ولكن هذا الإحساس الطارئ سرعان ما تبخر كقطرة ماء على صفيح ساخن
لتعود مشاعر التجاهل التي راكمتها السنوات تطفو
وهو يعطيها ظهره ويستغرق في النوم هو أيضا.
***********************
قبل ذلك بحوالي ساعتين
مجلس آل مشعل
الشباب جميعهم كانوا مجتمعين
مشعل وأشقائه راكان وناصر وابن عمهم فارس
كان الأربعة يلعبون بيلوت: مشعل وراكان فريق، ناصر وفارس فريق
كانوا يجلسون على الأرض وقد جذبوا مخدات الكنب الفخمة للاتكاء عليها
لجلوس الأرض حميميته، والبيلوت لا يصلح إلاَّ بهذه الطريقة.
كان العمالقة الأربعة بحضورهم الرجولي الكاسح يجلسون في مربع
وحولهم أكواب فارغة وأخرى ممتلئة من الشاي و (الكرك)
مشعل يركز في أوراقه ويوجه كلامه لناصر: رحت للمحل اللي قلت لك عليه اليوم؟؟
ناصر وهو يركز بدوره في ورقه: رحت بس ماعجبتني الديزاينات اللي عنده.
مشعل بلهجته الجدية: بس هذا أحسن واحد يسوي جبس في الدوحة..
ناصر بلهجة اعتيادية: بس ماعجبني.. تعرف حد غيره؟
مشعل : أعرف واجد
راكان يقاطعهم بمرح وهو يوجه حديثه لمشعل: لنا الله.. يعني عشان نويصر معرس، الكلام كله معه
ترا أنا اللي خويك في اللعب… وأنا وأنت الشيبان هنا
عطني إشارة وإلا غمزة.. شكل البزارين فويرس ونويصر بيأكلونا
ناصر يضحك: الرازق في السما والحاسد في الأرض.. تدري شكلي المفروض أخاوي مشعل عشان نسوي حزب المتزوجين
وراكان وفارس نخليهم حزب العزابيه
مشعل باهتمام وهو ينظر لراكان وفارس: وأنتو يالأثنين منتو بناوين تعرسون؟؟
كان لمشعل احترامه الكبير عند أشقائه وابن عمه..
فهو أكبر من راكان بثماني سنوات، ومن ناصر بعشر سنوات، ومن فارس ب12 سنة..
شارك في تربيتهم.. وفي تربية فارس خصوصا..
ولأسباب تتعلق بفارس وتكوينه وظروفه كان اهتمامه بفارس أكثر حتى من اهتمامه بأشقائه.. أكثر بكثير!!
بعد سؤال مشعل الحازم والقاطع والهادئ
عمَّ صمتٌ باردٌ غريب المجلس، حتى قطعه ناصر بمرحٍ متوتر:
يا جماعة ترا سؤال مشعل مهوب عن اكتشاف الذرة.. كلمة ورد غطاها
راكان بجملة قاطعة: أنا ما أفكر في العرس وأنتو عارفين ذا الشيء ومافيه داعي حد يفتح ذا الموضوع معي
مشعل بحزم يوجه حديثه لفارس: وأنت بعد بترد نفس رد ولد عمك؟
فارس بنظرة غامضة ونبرة قاطعة خشنة بغموض مدروس:
أنا بأعرس وقريب.. بس خل الوالدة تختار لي المره اللي تجوز لها.
صمت الشباب الثلاثة الآخرين بحرج ..
كيف والدته تختار له.. ماذا يقصد؟؟
كيف؟؟
وشقيقتهم العنود التي يعرف الجميع أنها له منذ سنوات!!!!
إحساس مرٌّ اجتاح رجولتهم الثمينة
وكأن فارس يريد توجيه إهانة مبطنة لهم في مستقر قلوبهم:
صغيرتهم المدللة العذبة
سكتوا جميعا والأشقاء الثلاثة يتبادلون نظرات عميقة مضمونها:
لنتجاوز هذا الموضوع.. هو الخاسر إن كان لا يريد شقيقتنا
ولكنه يبقى ابن عمنا وشقيقنا
واستكملوا اللعب وكأن شيئا لم يحدث..
رغم أن هناك ماحدث..!!!
***************************
أمام شقة هيا في واشنطن
كان مشعل على وشك التراجع والنزول وهو يقرر أن يتصل بها تلفونيا ليقابلها في الجامعة ويتصرف معها..
لكن ما نحره تماما.. أنها فتحت له الباب ببساطة.. وهي تقف أمامه بثقة خلال فتحة الباب الموارب..
لتصدمه بصدمتين كل صدمة منها أعنف من الأخرى
الصدمة الأولى: أنه رأى أمامه نسخة مصغرة من جدته الأثيرة الغالية (هيا) أم والده
وكأن جدته تقف أمامه وقد صغرت 50 عاما..
نفس الملامح الحادة الرقيقة..
نفس نظرة العينين المذهلة..
النظرة الشرسة الحنونة..
التي تشعرك أن هذه الأنثى قد تلتهمك حيا بدون أن يرف لها جفن..
وفي ذات اللحظة عينها ستأخذك في أحضانها لتشبعك حنانا ليس له شبيه
جدته التي رفضت أن يسمي أي ابن لها بناته باسمها..
ليسمي الغائب المطرود ابنته عليها لتأخذ هذه البنت مع الاسم ملامح جدتها الفخمة الثمينة..
الملامح التي كانت قادرة هي فقط ولا أحد سواها على إذابة جبروت مشعل الكبير
الصدمة الثانية: كيف تفتح له الباب بهذه البساطة؟؟!!
أ معتادة هي على فتح بابها لأي طارق غريب؟؟!!!!!!
هذه الصدمة كانت أقسى على روحه وأعنف..
كيف تفعل هذا ابنة من بنات مشعل.. وكأنها إحدى بنات ____؟!!
يعجز حتى عن مجرد التفكير في الكلمة..
وترجم غضبه فورا… بعد أن تجاوز صدمته بشبهها الكبير بجدته الذي لم يستغرق حتى ثانية واحدة
ليقول لها بغضب هادر مكتسح: أشلون يا بنت سلطان.. يا بنت الحسب والنسب
تسمحين لنفسش تفتحين الباب كذا بكل بساطة لرجّال ماتعرفينه
يعني عشان مفكرة أنه ما وراش رياجيل يسنعونش.. ويكسرون خشمش لين تعرفين أن الله حق..
ردة فعلها التالية ذبحته
وكان مشعل على وشك أن ينتزع حزامه من بنطلونه ليجلدها به وهو يراها تفتح بابها على مشراعيه وكأنها تدعوه (وهو الرجل الغريب) للدخول..
وفعلا وضع يده على حزامه وكان على وشك سحبه
لولا أن الباب المشرع كشف له عن صالة صغيرة
تجلس فيها سيدة عجوز تلبس دراعة داكنة وشيلة أُحكم لفها على وجهها
وشابة طويلة محجبة تبدو ملامحها الجميلة انجليزية إلى حد ما..
وهيا تقف بين مشعل الواقف عند الباب
وبين الجالسات المستغربات ما يحدث..
وتوجه حديثها للسيدة العجوز بنبرة ساخرة لاذعة مرة قاتلة:
يمه خليني أعرفج
هذا ولد عمي مشعل بن عبدالله
شفتي يمه : وأخيرا شفت واحد من هلي.
هلي اللي رموا لحمهم في الدوحة.. جايين يدورونه في أمريكا.. بعد ما نسوه 23 سنة !!!
.
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.
الجزء السادس
أمام باب شقة هيا في واشنطن دي سي
كان مشعل على وشك أن ينتزع حزامه من بنطلونه ليجلدها به وهو يراها تفتح بابها على مشراعيه وكأنها تدعوه (وهو الرجل الغريب) للدخول..
وفعلا وضع يده على حزامه وكان على وشك سحبه
لولا أن الباب المشرع كشف له عن صالة صغيرة
تجلس فيها سيدة عجوز تلبس دراعة داكنة وشيلة أُحكم لفها على وجهها،
وشابة طويلة محجبة تبدو ملامحها الجميلة انجليزية إلى حد ما..
وهيا تقف بين مشعل الواقف عند الباب
وبين الجالسات المستغربات ما يحدث..
وتوجه حديثها للسيدة العجوز بنبرة ساخرة لاذعة مرة قاتلة:
يمه خليني أعرفج
هذا ولد عمي مشعل بن عبدالله
شفتي يمه : وأخيرا شفت واحد من هلي.
هلي اللي رموا لحمهم في الدوحة.. جايين يدورونه في أمريكا.. بعد ما نسوه 23 سنة !!!
قبل هذا الموقف بثلاثة أسابيع ونصف تقريبا
مكتب الملحق الثقافي في السفارة القطرية بواشنطن
هيا تجلس أمامه بخجلها الواثق.. بالكاد يظهر وجهها من شدة إحكام حجابها وتقريبه من أطراف وجهها..
الملحق بنبرة أبوية: خلصتي بكالوريس في لندن؟؟
هيا بهدوء: نعم..
الملحق بذات النبرة الأبوية: وليش ماتبين تسكنين في سكن الطالبات؟؟
هيا: أمي معاي.. وموب أي مكان بيناسبنا
أمي مرة كبيرة ومريضة ولازم أجيب لها وحدة تقعد عندها وقت ما أروح الجامعة
وأنت عارف أنه سياسة سكن الطالبات ما تسمح بالدخول إلا بأذن..
الملحق: براحتج يا أبوج أنتي والوالدة… محتاجة منا أي خدمة ترانا حاضرين على طول
وهذا كرت السفارة فيه تلفونات الطوارئ
هيا تتناول الكرت وتتمتم باحترام: مشكور يا دكتور.. ممكن أستأذن؟؟
الملحق: أكيد يا… (يقرأ الاسم في الورقة أمامه) يا هيا..
ثم يعقد جبينه بتفكير: هيا سلطان مشعل آل فارس الــ
أنتي بنت عم مشعل عبدالله الطالب اللي في أخر سنة دكتوراه هنا ؟؟؟
هيا ارتعشت بعنف وهي تسمع الاسم.. كادت أن تتهاوى من وقفتها
لكنها تماسكت وهي ترد ببرود محترم: لا يا دكتور.. أنا أبوي وحيد ماله أخوان..
الملحق بتفكير عميق: بس نفس الاسم الخماسي.. غريبة يعني.. متأكدة أنتي؟؟
وأكمل وهو يقف ويسحب صورة في برواز من الخزانة الزجاجية خلفه: شوفي هذا مشعل معي أنا والسفير
في حفل تكريم الطلاب القطريين قبل سنتين.. مشعل من خيرة طلابنا..
حاولت هيا ألا تنتظر للصورة.. ولكنها كانت مجبرة احتراما للملحق
نظرت لها نظرة سريعة.. هزتها الصورة بعنف
نفس طول والدها ووقفته المعتدة وبعض ملامحه المرسومة بحدة
ولكن ليست نفس نظرة العينين.. ليست نفسها!!
(هذا نظرته حادة.. قاسية..متسلطة مثل كل آل مشعل المتوحشين.. موب مثل نظرة أبوي اللي تذوب حنان وتسامح)
رفعت عينها عن الصورة
وهي تكتم تيار المشاعر المتضاربة الذي يكتسح جوارحها بين الغضب والحقد والحنين
لترد على الملحق بعدم اهتمام مهذب: ما أعرفه يادكتور.
***********************
قبل وصول مشعل إلى شقة هيا بدقائق..
هيا تجلس مع والدتها وصديقتها باكينام
جلسة حميمة يدور فيها الحديث الودي الحميم..
باكينام اعتادت على أم هيا وتحبها كثيرا وتعتبرها كأم ثانية لها
فأم هيا كانت مرافقة لهيا طوال فترة دراستها في بريطانيا.. وتوطدت علاقتها ببكينام خلالها.
أم هيا بصوت متعب حنون: ماشاء الله عليج يا باكي.. تهبلين بالحجاب الله يحفظج ويثبتج على طاعته..
باكينام تبتسم: أنا حلوة يا ماما على كل حال..
هيا تقاطع الحديث بمرح: حلوة بس الحين أحلى
أوووه كنت بأنسى.. خلوني أقوم ألبس عباتي
بأنزل للسوبرماركت أجيب لنا أغراض دام أنتي يا باكي قاعدة عند أمي..
باكي تمسك بيد أم هيا بمودة: روحي وسيبيني أنا وماما.. أصلا أنتي ئادة عزول بيننا..
هيا تبتسم وهي تتناول عباءتها من المشجب المعلق في الصالة: لنا الله..
ما أن أنهت هيا لبس عباءتها وحجابها حتى رن جرس الباب
هيا ألتفت لأمها وباكينام وهي تهز كتفيها: من بيجينا؟؟
أمها بهدوء: طلي مع العين السحرية وشوفي من..
هيا وضعت عينها على العين السحرية
لتجد أمامها أخر شخص كانت تتمنى أو تتوقع رؤيته
كان يقف بطوله المرعب متسندا على إطار الباب وعلى وجهه ترتسم علائم غضب مخيف..
واحد من آل مشعل..
آل مشعل..
آل مشعل..
آل مشعل الحلم الذي حلمت به طويلا
ثم الكابوس الذي أرادت أن تلغيه من حياتها
الكابوس الذي يعيد لها أسوأ ذكرياتها
وأمرَّ مشاعرها: الخذلان والظلم والقهر والأسى…… والهجران
(يا ربي.. يا ربي.. وش أسوي؟؟ ما أبي حد من آل مشعل في حياتي.. وش جابه ذا؟؟ وش عقبه جايين؟؟ وش عقبه؟؟ عقب ما راح الغالي جايين يكملون علينا)
شعرت هيا بتوتر عميق وغضب أعمق وهي تراه أمام بابها
لم تكن تريد أن تفتح له..
كانت تريد أن تلغي أهل والدها من حياتها
أن تتناسى حتى اسمها حتى تنساهم
لكنها أخذت نفسا عميقا وقررت أن تفتح له
لأنها كانت تعلم أن هذه المواجهة لا يمكن تأجيلها مادام قد عرف مكان سكنها
فتحت له الباب وهي تتسلح بأقصى درجات الثقة
ما أن فتحت الباب حتى صدمت برؤيته
رؤيته في صورة أو من خلال فتحة العين السحرية كانت شيئا مختلفا عنه حقيقة..
مرعب هذا الرجل بحضوره المسيطر!!!
ولكن..
يا الهي…
يا الهي كم يذكرها بوالدها.. تكاد تشعر برائحة والدها في الجو
قوة والدها المحتوية التي كانت تشعرها بالأمان وهي في أحضانه..
عبق حضور والدها المختلف ودفئه يحيط بها
و….
(يخسى ذا المشعل المعفن يكون مثل أبوي)
ما أن فتحت له حتى صرخ في وجهها بصوته العميق المرعب الغاضب: أشلون يا بنت سلطان.. يا بنت الحسب والنسب
تسمحين لنفسش تفتحين الباب كذا بكل بساطة لرجّال ماتعرفينه
يعني عشان مفكرة أنه ما وراش رياجيل يسنعونش.. ويكسرون خشمش لين تعرفين أن الله حق..
لم تهتم هيا بأي شيء قاله.. فكل آل مشعل لا يهمونها ولا حتى ذرة
تريد أن تنهي كل هذه المهزلة ليخرج هذا المدّعي الغريب المدعو ابن عمها من حياتها
تريدهم أن يتركوها كما تركوهم طوال عمرهم
أن ينسوهم أو يتناسوهم كما فعلوا بكل قسوة طيلة حياتها الماضية
أن يتجاهلوا دمهم الذي يجري في عروقها بعد أن حقروا حرمة الدم وجعلوه ماء مستباحا مهانا
كانت تهتف في داخلها : (اطلع.. اطلع.. اطلع من حياتي.. ما أبيكم خلاص.. يوم بغيناكم ما لقيناكم.. والحين خلاص.. خلاص.. ما أبيكم)
هيا ألتفت على أمها التي كانت مستغربة من هذا الرجل الذي جاءهم مهاجما بهذه الطريقة
وقالت لها بنبرة تقطر سخرية مرة : يمه خليني أعرفج
هذا ولد عمي مشعل بن عبدالله
شفتي يمه : وأخيرا شفت واحد من هلي.
هلي اللي رموا لحمهم في الدوحة.. جايين يدورونه في أمريكا.. بعد ما نسوه 23 سنة !!!
كانت تعتقد أنها ستحرجه.. وأنه سينزل راكضا يجرجر خجله وخيبته
ولكنها صعقت أنه نظر لها نظرة إزدراء قصدها مشعل تماما
(بنت العم ذي شكلها لسانها طويل وتبي أدبن مهوب ذا)
كادت تموت من القهر وهي ترى مشعل يتجاوزها ويدخل حتى يصل لوالدتها
ويقول بنبرة احترام: سامحيني يمه.. أنا كنت زعلان أحسب هيا ساكنة بروحها..وزعلت أكثر يوم شفتها فتحت لي الباب وأنا رجّال غريب عنها
لكن القدر والحشيمة لش… مادريت إنش معها
مشعل من ناحيته كان يعتقد أنه أحرجها وأخرسها وأنه هو من سيطر على مقاليد الأمور وهو يتصرف بثقة عفوية
ولكنه فوجئ بها تلتفت له وتقول بسخرية: الحين أمي لها القدر الحشيمة؟؟!!!! يا سلام عليك يا ولد آل مشعل!!
موب ذي أمي الهولية اللي طردتوا أبوي عشانه تزوجها؟؟!
الحين صارت أمك ولها القدر الحشيمة!!!
كانت ردات الفعل تتوالي بينهما كالصدمات
صُعقت وهو ينظر لها بغضب ويقترب منها كأسد غاضب
وهو يعتصر قبضته حتى لا يصفعها ويقول لها بغضب: مافيه وحدة من بنات مشعل تطول لسانها على أمها وتهينها
والله لو عديتها مرة ثانية لأقص لسانش يا بنت عمي
هيا ابتعدت خطوة للخلف وهي ترد عليه بغضب: منت باللي تجي تعلمني أشلون احترم أمي، لأنكم أنتو اللي هنتوها موب أنا
أنا بس أوضح لك ولا تسوي روحك شهم على حساب أمي
وأنا ماني من بنات مشعل أنا بنت سلطان وبس.. ومايشرفني أكون منكم
مشعل يحاول أن يتمالك أعصابه لأن يديه كانت تناديه أن يصفعها
وخصوصا أنه بلغ ذروة غضبه: احترمي نفسش قبل ماتحترمينها غصبا عنش
أم هيا وباكينام جالستان فاغرتان الفم مدهوشتان
كأنهما يشاهدان جزءا من فيلم بلغ الأكشن فيه ذروته..
وهم تريان هيا ومشعل كإعصارين يكاد كل منهما أن يقضي على الآخر بعواصفه.
هيا توجهت للباب الذي مازال مفتوحا وأشارت بيدها
وهي تقول ببرود حاولت دفن نيران غضبها تحته:
لا تحترمني ولا أحترمك لأنه مافيه داعي.. هذي أخر مرة نشوف ويهك.. بيتي يتعذرك ياولد آل مشعل
مشعل سحب نفسا عميقا (مهيب ذي اللي بتمشي شورها علي.. توش ماعرفتيني يا بنت سلطان)
حاول السيطرة على نفسه وهو يجلس بكل ثقة على الكرسي الفارغ الذي أمتلئ بحضوره الكاسح وقدماه الطويلتان تتمددان أمامه
ويقول بثقة متمكنة بنبرة هادئة بها رنة سخرية: وأنا ماني بطالع
وكل مابغيت جيت وتطمنت عن أحوالكم.. أنتو مسئولين مني
هيا تعد للعشرة حتى لا تمسك شيئا وتحطمه فوق رأسه وهي تصر على أسنانها: ومن اللي عطاك ذا الحق؟؟
مشعل بهدوء وهو ينظر لأظافره بحركة مقصودة ليقهر هيا: أنا عطيته نفسي.. وما أنتظر موافقتش ولا تهمني أصلا
هيا تلتفت لأمها وتقول بغضب: يمه قولي له يفارق،
وإلا والله العظيم لأتصل في البوليس الحين.. وأقول أنه متهجم على بيتنا.. وأخليهم يمسكونه
ثم ألتفتت على مشعل وهي تقول بسخرية: وشوف عقب وش بيفكك من إيديهم.. يدورون العرب دوارة
مشعل بثقة: سوي اللي تبينه.. مايهمني
أم هيا تكلمت أخيرا وهي تقول بهدوء حازم وتفكير عميق مؤجل يدور برأسها:
هيا سكري الباب وتعالي قهوي ولد عمج
هيا بغضب وانفعال: يمه وش تقولين؟؟
أم هيا بغضب: اللي سمعتيه.. وإلا ماعاد لي شور عليج
هيا بتأثر: ماعاش ولا كان اللي يعصاج
نظرت لمشعل بقهر وهي تغلق الباب وتعود لتجلس
في الوقت الذي أنعم عليها مشعل بفيض وافر من النظرات المتشفية الساخرة لانتصاره عليها..
***********************
الدوحة قبل أحد عشر عاما
عمر هيا 12 عاما
في المدرسة / منطقة الهلال
في الفسحة..
هيا تهمس لصديقتها عهود: عهود تكفين طالبتج
عهود بحماس: أفا عليش تأمرين أمر
هيا بذات الهمس: أهل أبوج في المعيذر صح؟؟
عهود باستغراب: إيه.. ليه تسألين؟؟
هيا برجاء حاد: تكفين عهود دام سواقكم يدل هناك
خلينا نروح هناك بكرة.. لأنه سواقنا ما عمره راح تيك المنطقة ولا يدلها..
سألته لو يدلها قال ما يعرفها
عهود بتوتر: زين ليش تبين تروحين هناك؟؟
هيا بحزن: بأموت أبي أشوف جدتي هيا
أبوي على طول يسولف عنها وعن جدي وعماني
بس موب راضي يوديني.. كل ما قلت له ودني.. قال لي بعدين
عهود بخوف: طيب وأمي وش أقول لها؟؟
هيا برجاء باكي: تكفين عهود.. تكفين.. قولي لها إنج بتنزلين عندي… وأنا بأقول لهلي بانزل عندج
عهود رغم خوفها: خلاص زين
في اليوم التالي ذهبت الطفلتان للبحث عن منزل جد هيا في المعيذر
ولم تعلم الصغيرة أن المعيذر منطقتين: شمالية وجنوبية
وهيا لا تعرف أي منطقة منها فيها بيت جدها
طافوا مطولا في المنطقة..
وهيا بدأ بكاءها بالتصاعد: أبي أشوف جدتي.. أبي أشوف جدتي
السائق والخادمة خافوا من هذا الطواف.. قال لهم السائق: يبي يروح بيت بابا كبير؟؟
عهود تحاول تهدئة هيا: هيا نروح لبيت جدي هنا قريب؟؟
هيا ببكاء: لا خلاص خلينا نرجع
عادت الفتاتان للهلال.. ولكن بعد ان علم أهل كل فتاة إنهما كذبتا عليهما
لأن أم هيا اتصلت بأهل عهود لتسأل إن كانت هيا قد تناولت غدائها
ففوجئت كل عائلة وصعقت بالخبر.. أن الفتاتين اختفتا مع السائق
ولأنه في ذلك الوقت كان انتشار الجوالات بسيطا جدا ولم تكن متوافرة مع السائقين بعد
فأخذ منهم القلق كل مأخذ وعشرات الأفكار المرعبة تعبث بهم
عهود عوقبت عقابا شديدا
لكن هيا ما أن رأت القلق المر في وجه أبيها.. ووجه أمها المنتفخ من البكاء..
حتى انهارت باكية في حضن والدها وهي تقول: يبه تكفى أبي أشوف جدتي هيا وجدي مشعل
حتى عيال عمي أعرفهم كلهم مشعل ومريم وراكان وناصر عيال عمي محمد
ولطيفة ومشعل عيال عمي عبدالله.. وحمد ولد عمتي نورة أعرفهم
حفظتهم من كثر منت تسولف لي عنهم.. ليه ما تخليني أشوفهم.. ليه؟؟
(كانت تعرف من أبناء عمومتها الذين شهد والدها ولادتهم.. أما الباقين فقد مات والدها دون يراهم أو يعرف بهم)
حضنها والدها بحنان وعمق ومرارة
يومها سقط كل حاجز بينه وبين ابنته التي أصبحت هي صندوق أسراره
حمّلها وهي في الثانية عشرة حمل لا تحمله من هي في الخمسين
الحمل الذي حوّل آل مشعل من حلم من أعذب أحلام هيا إلى كابوسها الأسوأ
************************
قصة سلطان بن مشعل
السفارة القطرية في لندن
قبل 27 سنة
أوائل الثمانينات
كان سلطان حينها في الرابعة والعشرين من عمره ينهي إجراءات تخرجه من الجامعة
بعد أن قضى خمس سنوات في مانشستر يدرس في جامعتها اللغة
ثم تخصص الاقتصاد (ذات التخصص الذي اختارته هيا)..
في ذلك الوقت كانت الدراسة في بريطانيا حلم كل طالب ينهي الثانوية بتفوق مثل سلطان
عارض والده سفره.. ولكن ككل آل مشعل كان سلطان عنيدا
ولم يرد مشعل الكبير أن يكسر شخصيته التي كان هو شخصيا سعيدا بقوتها وباعتداد ابنه بنفسه.
كان سلطان هو الابن الأوسط لمشعل الكبير وهيا، أكبر منه محمد وعبدالله.. وأصغر منه نورة وسعود
كان سلطان شديد التعلق بأهله وأشقائه و مولعا بأبناء أشقاءه وبناتهم
كان سلطان في السفارة ينهي تصديق شهادته، ويسلم متعلقاته
استعدادا للعودة النهائية للدوحة التي طال اشتياقه لها ولأهله حتى أضناه
فوجئ سلطان بعد إنجازه لإجراءاته بـ
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
أسى الهجران/ الجزء السابع
قصة سلطان بن مشعل
السفارة القطرية في لندن
قبل 27 سنة
أوائل الثمانينات
كان سلطان حينها في الرابعة والعشرين من عمره ينهي إجراءات تخرجه من الجامعة
بعد أن قضى خمس سنوات في مانشستر يدرس في جامعتها اللغة
ثم تخصص الاقتصاد (ذات التخصص الذي اختارته هيا)..
في ذلك الوقت كانت الدراسة في بريطانيا حلم كل طالب ينهي الثانوية بتفوق مثل سلطان
عارض والده سفره.. ولكن ككل آل مشعل كان سلطان عنيدا
ولم يرد مشعل الكبير أن يكسر شخصيته التي كان هو شخصيا سعيدا بقوتها وباعتداد ابنه بنفسه.
كان سلطان هو الابن الأوسط لمشعل الكبير وهيا، أكبر منه محمد وعبدالله.. وأصغر منه نورة وسعود
كان سلطان شديد التعلق بأهله وأشقائه و مولعا بأبناء أشقاءه وبناتهم
كان سلطان في السفارة ينهي تصديق شهادته، ويسلم متعلقاته
استعدادا للعودة النهائية للدوحة التي طال اشتياقه لها ولأهله حتى أضناه
فوجئ سلطان بعد إنجازه لإجراءاته بسيدة قطرية في الأربعين تجلس في صالة الاستقبال باد عليها الذبول من كثرة البكاء، كانت تنظر لما حولها بضياع، تشهق حينا وتصمت حينا وتحادث نفسها حينا
شعر سلطان بحميته تتحرك ناحيته هذه المرأة
هكذا رباهم مشعل الكبير.. وهكذا لابد أن يحصد تربيته لهم!!
فالرجولة لا تتجزأ ولا يختار الرجل آلية لتنفيذها.. بل تتلبسه هذه الرجولة ويتصرف من خلالها
وهكذا فعل سلطان!!
سأل منسوبي السفارة عنها فقالوا له أنها كانت مع والدها الذي كان يتعالج هنا لمدة عامين
ووالدها الآن توفي ولا أقارب لها وهي تريد أن تعيده ليدفن في الدوحة
وهي لا تعرف كيف تتصرف لوحدها.. فأبوها الذي كان يغسل الكلى كان هو من يقوم بكل شؤونهما
حتى انهار فجأة ومات لتجد نفسها منهارة بدون سند.
اقترب منها سلطان واستفسر منها، وجدها منهارة تماما ولا تعرف كيف تتصرف، ولا حتى ماذا تفعل حين تعود للدوحة
فوالدها قدم في شبابه من إيران، وعمل كسائق عند أحد الشيوخ الذي منحه الجنسية القطرية بعد عدة سنوات ثم زوجه شابة يتيمة مرباة في منزله
(كعادة بيوت الشيوخ قديما التي كانت مليئة بأطفال أيتام يقومون بتربيتهم في ظل عدم وجود مياتم)
والداها لم ينجبا غيرها، أقارب أبيها في إيران لا تعرف عنهم شيئا
عمل أبوها لعدة سنوات عند الشيخ، ثم استقل بعمله التجاري الخاص، ولكن كل ماجمعه من عمله صرفه في رحلة العلاج هذه.
شعر سلطان بالمسؤولية عن هذه المرأة
لمن يتركها وهي غريبة ووحيدة ومنكسرة ولا عائل لها؟؟ كيف ترضى شهامته أن يفعل شيئا كهذا؟!!
ووجد سلطان نفسه يتزوج حصة (التي اسماها أبوها على اسم أم الشيخ الذي كان يعمل عنده) حصة التي كانت تكبره بخمسة عشرة عاما
لم يكن عمر حصة هو ما يشغله، ولكن ماكان يخشاه هو ثورة والده حين يعلم أن حصة هولية –كما يعلم أن والده سيقول- ذلك المنطق الغريب الذي لا يرضاه دين
ذلك الترفع العرقي الذي يجعلهم يظنون أنهم أفضل من غيرهم، بينما رسول الله صلاة الله وسلامه عليه يقول : لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
الشيء الآخر أن أهله كانوا ينتظرونه ليزوجوه هو وشقيقه الأصغر منه سعود بنات عمهم .. فكيف يستطيع مواجهة كل هذا؟!
*************************
الدوحة اليوم
بيت محمد بن مشعل
الصباح الباكر
صالة البيت الرئيسية التي أُعدت على الطراز التراثي القديم بدقة رائعة
كانت من ذوق راكان وتأثيثه الذي كان دقيقا جدا في اختياراته للديكور و لقطع الأثاث
الجلسة الأرضية بالسدو الأحمر.. منتجات الخوص المتناثرة.. الصبغ المعتق المرسوم عليه شقوق متقنة.. السقف المبطن بأخشاب تصلها الحبال ببعضها
الإنارة التي كان بعضها مخفيا وبعضها عبارة عن سُرج موزعة بدقة في الأرجاء
كانت مريم تجلس مع والدتها تشرب شايا بالحليب وعباءتها عليها تستعد للذهاب لعملها في معهد النور للمكفوفين حيث تعمل كمعلمة اجتماعيات..
كانت أم مشعل في أواسط الخمسينات.. سيدة حازمة جدا لكنها أيضا حنونة جدا..
العنود تنزل السلم وهي تقفز كل درجتين مع بعضهما.. وعباءتها بيد، وحقيبتها باليد الأخرى.. لتجتاحهم كإعصار عذب وهي توزع قبلاتها واحتضاناتها بين أمها ومريم.. ثم تقفز وتجلس بجوار أمها
مريم بابتسامة: أنتي شغالة مبوسة.. با أختي توش حابتني صلاة الفجر.. حلاوة هي؟؟
أم مشعل بحنان: فديتها وفديت حبتها.. حد يعين أنه يستصبح بوجه ذا الغزال وحبته ويقول لا؟؟
العنود تبتسم وتحتضن أمها وهي تقول بدلال: فديت اللي يفهمون يا ناس.. جعل عين أبو مشعل ما تشوف غيرش يا المزيونة..
أمها تبتسم وتقول بمرح: خوش دعوة يا أمش ما ابي غيرها..
مريم بمرح: عدال كن حد بيطالع شيبتش اللي طايحة سنونه..
أم مشعل تضحك: إيه ذا الكلام مهوب عندش إذا شفتيه.. قعدتي تنفخين رأسه علي كنه صبي أبو 20 سنة وأنا اللي جدته
بعد أن انهوا إفطارهم على عجالة.. مريم بحزم: يالله عنادي قومي عشان ما نتأخر..
العنود بمرح: إيه يا اختي لا تأكلنا سواقتش بس.. كل صبح تجيب لي كآبة قبل أروح الجامعة من كثر ماتنافخ..
مريم تبتسم: ما ينخاف عليش أنتي… تجبيبين للكرة الأرضية كلها كآبة وأنتي شدوقش بتشقق من الضحك..
**************************
عودة لقصة سلطان قبل 27 عاما
عاد سلطان للدوحة مع حصة.. ولكنه لم يأتِ بها مباشرة لبيت والده لأنه كان يعلم ما ينتظره، قرر أن يتركها في بيت والدها أولا..
كما توقع
ثار والده وأصرَّ عليه أن يطلقها حتى بدون أن يسمع دفاعه أو مبرراته
حتى أمه لم يسمح له أن يراها.. وظل هذا الأمر حسرة مرة قاتلة في قلبه وقلبها.. وجع سرمدي لا حدود لامتدادات جرحه وعمقه
مشعل الكبير فعل مافعله في لحظة غضب فرضها عليه كبرياءه وتكبره
وبعدها كان ينتظر رجاءً من سلطان
مجرد رجاء!!
ولكن لم يكن سلطان ليترجى، ولم يكن مشعل ليتنازل بدون رجاء!!
خرج سلطان من بيت والده، ولم يعد
كان مشعل الكبير يرفض تشفعات أي أحد للرضى عن سلطان..
دموع هيا وشهقاتها كل ليلة كانت تنحره ألف مرة، ولكنه لم يكن ليتنازل.. وكم كان يتمنى أن يتنازل!!
بُعد سلطان عنه قتله.. وعاش بحسرة يخفيها في قلبه عن الأعين المتلصصة على مشاعره المتكبرة
لعن الله الكبرياء!!!
لعن الله الكبرياء الذي مزق الرحم وأدمى القلوب وراكم الجروح!!
سلطان أكمل حياته مع حصة التي كانت أماً أكثر منها زوجة
حاولت فيه كثيرا أن يتركها ويعود لأهله.. ولكنه كان يرفض.. أهله لا يحتاجونه ولكن هي من لها؟؟
كِبر سن حصة منعها من الحمل، ولكنها كانت تتعالج
كانت تريد أن تترك لسلطان ابنا حين تتركهم
لم تعلم أن الأعمار بيد الله وأن سلطان هو من سيسبقها وهو في عز رجولته.
****************************
الدوحة اليوم
منزل فارس بن سعود
صالة المنزل الرئيسية..
ذوق كلاسيكي راقٍ جدا.. الصالة كلها باللونين الأبيض والأسود..أطقم وديكورات مبتكرة الشكل والنقوش.. يجمع بينها كلها اللونين الأبيض والأسود
لون مناسب لمن ليس في بيته أطفال مثل بيت فارس
ينزل فارس السلم الحلزوني المشغول بالحديد الرفيع المصبوغ باللونين الأبيض والأسود.. وغترته ما تزال بيده..
فارس أعاد ديكورات البيت كاملا قبل حوالي سنتين.. رغم أن أثاث البيت كان كالجديد لقلة استخدامه.. فهذا البيت الكبير لم يكن به سوى فارس وأمه
ولكن فارس أراد أن يعكس بيته ذوقه الخاص.. ذوقه هو فقط!!
لأن أثاث البيت القديم كان من ذوق جده و مشعل بن محمد اللذين أثثاه وفارس ما يزال مراهقا حينها
كان يكره أن يشعر أن أنه قد يُفرض عليه أي شيء مهما كان بسيطا..
كان اعتداده بنفسه قد تجاوز كل حد
أمه ترفع عينيها له بحنان: وأشفيك تأخرت على شغلك اليوم ؟؟
فارس يقبل جبينها ويلقي بنفسه على المقعد جوارها وهو يقول بثقة وقوة: غطني النوم شوي..والشغل مهوب طاير
أمه تبتسم: مع أني صحيتك بس مافيك فايدة.. الله يعين العنود عليك..
فارس نظر نصف نظرة وهو يقول ببرود مثير: والعنود وش دخلها؟؟
أمه باستغراب: وش دخلها؟؟
فارس بذات البرود الخشن: إيه بنت عمي محمد وش دخلها فيني؟؟
أمه بذات الاستغراب ولكن تخلله بعض القلق: دخلها إنها بتصير مرتك؟؟
فارس بهدوء قاتل وكأن الأمر لا يعنيه: أنا ما أتذكر يمه أني قد قلت لك ولا حتى مرة وحده.. أني أبي العنود..
أمه بقلق: بس ماعمرك قلت أنك ما تبيها..
فارس بحدة: ليه هو حد سألني عن رأيي؟!! قاعدين تنقون لي مره، ماكني برجّال قدامكم!!
أمه توترت .. تكره ثورته هذه.. هو فعلا حنون عليها.. ولكنها تخاف هذه الثورة المرعبة
لا تنكر أنها تخافه.. ابنها ولكتها تخافه: بس يا أمك هي بنت عمك
قاطعها وهو يقف ويقول بثقة : وخير يا طير يا بنت عمي..
أمه تبلع ريقها: والمعنى؟؟
يلتف فارس للمرآة الطويلة المعلقة بالقرب منه ويلبس غترته: المعنى دوري لي المره اللي تجوز لش واخطبيها..
أمه بتوتر قاتل ووجهها يعكس عشرات الألوان: بس أنا أبي العنود..
فارس وهو يخرج : وأنا ما أبيها..
*************************
عودة لقصة سلطان
قبل 26 سنة
بعد حوالي سنة من زواج سلطان وحصة
جاء عبدالله لمقر عمل سلطان، لأنهم لم يكونوا يعرفون له عنوانا أو هاتفا.
كان لقاء الأخوين مؤثرا جدا.. فعلاقة قوية كانت تربطهما ببعضهما قبل أن يبتَّها مشعل الكبير بجبروته وعناده..
يد عبدالله تحتضن يد سلطان كأنه لا يريد أن يتركها أو ربما كان يعلم أن هذه قد تكون المرة الأخيرة التي يلمس فيها شيئا من جسد أخيه ويهمس له بهدوء: سلطان أمش معي.. أبي يبيك.
انتفض قلب سلطان بعنف.. وكاد أن يخرج من بين أضلاعه من اضطراب وجيبه.. وتعالي دقاته.. فرحا وتوجساً
أ يعقل أن يتنازل مشعل الكبير عن جبروته ويتراجع عن طرده له؟!
أ يعقل أن يرى أمه بعد أن أقسم عليه والده ألا يدخل بيته؟؟
يا الله كم هو مشتاق لها!!
يكاد يذوب شوقا ولهفة للانكباب على يديها.. وعلى دفن وجهه في ثنايا صدرها
عبدالله أخذ سلطان وذهب به مباشرة إلى مجلس مشعل الكبير
كان الوقت بعد صلاة الظهر..
دخل سلطان بخطوات مترددة.. رغم اشتياقه لأبيه وأمه وأشقائه وأولادهم.. شعر بطعنة مرة في قلبه.. شعر بانقباض لا يعلم له سببا..
دخل.. كان أبوه جالسا وأخوه محمد وأبناؤه مشعل وراكان.. مشعل كان في حدود الثانية عشرة وراكان أربع سنوات..
لم يفت سلطان ملاحظة إرتعاشة أطراف والده واختلاج عينيه حين دخل
كان والده يجلس بهيبته المعهودة.. لا يعلم لما شعر بالأسى العميق
وهو يرى كأن والده كبر كثيرا في السن..
وخصوصا أن لحيته كلها كانت بيضاء
كان أبوه حريصا على إتباع السنة ووضع الحناء على شيبه.. فما به هذه المرة؟!
شعر بألم شفاف يجتاح روحه.. وهو يشعر لأول مرة بضعف والده القوي
دخل سلطان.. كان بوده أن يرتمي في أحضان والده
ولكنه يعرف أن لغة المشاعر والانفعالات غير معترف بها في عرف والده
اقترب سلطان بتردد وهو يتلفت حوله.. وهو لا يعلم سبب هذا الانقباض المتزايد.. خطر بباله شيء نحره قلقا
قبل أن يسلم حتى، سأل بقلق: سعود وينه؟؟
صمتٌ قاتل وسكون مرعب اجتاح المجلس الواسع، قطعه سلطان بتوتر تخلله بعض الغضب: وين سعود؟؟
عبدالله بحزن: سعود يطلبك البيحة..
عودة لسلطان في مجلس والده قبل 26 عاما
وقع الخبر كالصاعقة على رأس سلطان.. سعود مات!!!
سعود أصغر منهم كلهم.. لِـمَ يموت ؟؟ لماذا؟؟
عمره 23 سنة فقط!! (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم..استغفر الله العظيم… إنّا لله وإنا إليه راجعون..)
سلطان بهمس منتزع من عمق حزنه الذي نحره: متى؟؟ واشلون؟؟
كان رأس محمد في الأرض وهو يمسح دمعة خائنة أراد أن يخفيها
بينما مشعل الكبير مازال صامتا محتفظا بصورته الصلبة في إطارها المهاب..
عبدالله بحزن مخلوط بالتوتر: قبل شهرين في حادث سيارة.
أنتفض سلطان بعنف وحزنه يتحول لغضب هادر: أنتو ما تخافون الله، ما تخافون الله
أخي ميت قد له شهرين، ماخليتوني أحضر دفنه ولا أحضر عزاه
أتقوا الله، اتقوا الله، حرام عليكم..
" قصر حسك ياولد.. تقول لي أنا اتق الله.. متقي الله من قدام تجيبك أمك"
صوت مشعل الكبير تردد بحزم في أرجاء المجلس
ابتلع سلطان ريقه.. لا أحد يرفع صوته فوق صوت مشعل الكبير.. هكذا تربوا!!
مشعل الكبير يكمل بذات الحزم:دورنا لك وقتها ولا عينّاك.. لين عبدالله عرف مكان شغلك البارحة
أخيك مات الله يرحمه.. عند من هو أرحم به منك ومنا.. وأنت الحين في مكانه
انتعش قلب سلطان رغم حزنه العميق على سعود.. أ يعقل أن والده سيرضى عليه لأن سعود توفي؟؟
مشعل يستأنف حديثه بعد أن أخذ نفسا عميقا: الهولية جابت لك ولد وإلا حملت؟؟
سلطان بغضب: الهولية مرتي ولها اسم.. اسمها حصة.. ولا ماحملت.. الله يرسل خيره..
مشعل الكبير بغضب: وتراددني بعد..
سلطان وهو يتمالك نفسه ويرد باحترام: ماعاش من يراددك أنا أجاوبك وبس..
مشعل الكبير بنبرته القوية المعتادة: وين تحمل وهي عجوز في سن أمك!!!
سلطان وهو يكتم غيظه: كل شيء بيد الله
مشعل الكبير وهو يلقي قنبلته: بنت عمك وضحى مرت سعود حامل وفي شهرها الأخير.. أبيك تزوجها عقب ما تولد وتفك حدادها..
***************************
الدوحة اليوم
منزل عبدالله بن مشعل
الصباح الباكر
الصالة السفلية الشاسعة..
كانت الستائر مفتوحة..ونور الشمس يسطع عبر النوافذ الضخمة ويغمر أطقم الكنب المختلفة الأحجام والأشكال في أناقة مقصودة يجمع بينها ألوانها التي تمازجت بين العنابي والذهبي والزيتي..
كانت الجدة أم محمد تجلس على كرسي منفرد في صدر الصالة..
كانت تكره جلسة الكنب ولكنها أصبحت تضطر لها مع الألم المتزايد في ساقيها
وعجزها عن الوقوف لو كانت تجلس على الأرض..
كانت الجدة تجلس ومقابلها طاولة كبيرة عليها دلالها.. وابنة شقيقتها وزوجة ابنها أم مشعل تقهويها..
مازالت أم مشعل جميلة وهي في التاسعة والأربعين
كانت مشاعل أكثر بناتها شبها بها شكلا ومضمونا.. الجمال الهادئ والعمق الإنساني الدافئ
أم محمد بهدوء: وين عيالش؟؟
أم مشعل بمودة: الصغار توهم راحوا مدارسهم.. ومشاعل راقدة
أم محمد بنبرة غضب خفيفة: وش مرقدها لذا الحزة؟؟
أم مشعل بابتسامة: يمه الله يهداش أي حزة.. الساعة سبع وربع الصبح تو الناس
أم محمد بنبرة غضب حقيقية هذه المرة: وهذي عِلمتش لبناتش؟؟ إذا راحت بكرة لبيت ناصر.. بتقعد راقدة لذا الحزة ورجّالها رايح لدوامه
شعرت أم مشعل بضيق من ذكر زواج مشاعل..
رغم أنها زوجت ابنتين قبل هذا.. لكنها تشعر بضيق كلما تذكرت أن مشاعل بالذات ستتزوج وتتركهم
ولكنها أجابت باحترام: إزهليها يمه .. مشاعل مره ما ينخاف عليها
ولا تحاتين ولد ولدش بيعين من يسنعه
صمتٌ تلا جملة أم مشعل الأخيرة..
وكلاهما ترتشف ما بيدها بصمتٍ قطعه صوت أم محمد وهي تستفسر:
موضي قد لي زمان ماشفتها.. مهيب ناوية تسير على جدتها.. وش ذا القُطع اللي عندها؟؟
ارتعشت يد أم مشعل وانسكبت قطرات من الحليب الساخن على يدها
قلقةٌ هي موضي.. لا تعلم ما الذي حل بهذه الفتاة، فأحوالها غريبة ولا تسر
وخصوصا أنه مضى على زواجها أربع سنوات وهي لم تنجب بعد
لم تكن موضي تشتكي مطلقا لها، ولكنها سمعتها بالصدفة يوما تشتكي للطيفة أن زوجها حمد يعايرها بعدم الإنجاب
صمتت أم مشعل ولم تُشعرها أنها سمعت شيئا
ولكن منذ ذلك اليوم وهي تشعر بقلق مرٍّ كاسحٍ عليها
فهي أصبحت تعلم أن موضي تعيسة ورغم ذلك تحاول أن تظهر السعادة وأنها تعيش مرتاحة مع حمد
كانت قلقة عليها أن تنهار يوما.. وهاهي خالتها تذكرها بقلقها
وضعت أم مشعل كوبها جانبا وهي تمسح يدها وتقول بحياد:
موضي كلمتني البارحة وبتجينا الليلة إن شاء الله
********************************
عودة لمجلس مشعل الكبير قبل 26 عاما
مشعل الكبير وهو يلقي قنبلته: بنت عمك وضحى مرت سعود حامل وفي شهرها الأخير
أبيك تزوجها عقب ماتولد وتفك حدادها..
سلطان صُدم صدمة هائلة، ولكن ليس هو من يتخلى عن مسؤولياته
وزوجة سعود وأم ولده هي مسؤوليته من وفق وجهة النظر القبلية وتقاليدها:
أتزوجها ماعندي مانع..ماني باللي أخلي ولد سعود يربونه غرب
وألقى مشعل الكبير قنبلته الثانية: وتطلق الهولية، بنت أخي ماتصير ضرتها مهيب من قدرها
لو حتى تبي تأخذ أربع.. أخذ بس يكونون من مواخذيك
أنتفض سلطان غضبا: مالك لوا.. مرتي ماني بمطلقها.. تبيني أخذ وضحى خذتها بس مع حصة
مشعل وقف وهو ينتفض غضبا: تطول صوتك علي يا سليطين يا الهيس
هي كلمة ما اثنيها تأخذ وضحى وتطلق الهولية
وإلا بيتي يتعذرك، ولا عاد أشوف وجهك
وحلوفتي على أخوانك وأمك بعد إنه ماحد منهم يعرفك عقب اليوم لا في حياتي ولا عقب مماتي
كنك طلعت من شوري فأنت عقب اليوم لا أنت ولدي ولا أعرفك
انتفض عبدالله ومحمد بعنف مع قسم والدهما
فهما كانا على أمل أن والدهما سيسامح سلطان
فما اعاد فيهما صبر على فراق أخيهما أكثر من هذا..
ومشعل بنفسه كان من رباهم على الترابط.. لِـم هذه القسوة وقطع الرحم الآن؟!
لم يعلم أحد بالنار التي تستعر في قلب مشعل الكبير
مشعل الكبير طوال السنة الماضية قتلته اللهفة لسلطان
وبعد وفاة سعود التي هزته من الأعماق.. كان أكثر لهفة لسلطان ولإرجاعه لأحضانه..
اتخذ زوجة سعود حجة لإرجاعه.. والآن يستخدم حرمانه من أمه و أشقائه كورقة ضغط
كان يعتقد أن سلطان سيذعن له.. وكأنه لا يعلم أن هذا الشبل من ذاك الأسد، وأن سلطان أكثر عندا منه
كان سيكفي مشعل أن يترجاه سلطان قليلا للقبول بزوجته.. وكان سيقبل!!
كان فقط ينتظر الرجاء الذي سيحفظ له ماء وجه كبرياءه أمام نفسه وأمام الناس
ولكن سلطان لم ينله رغبته العميقة..
رحل سلطان.. وللأبد هذه المرة..
وظلت حسرته في قلب والده العنيد..
وحسرة أكبر في قلب أمه هيا المرأة الصامدة الصامتة..
حسرة مرة ليس لها مدى ولا حدود.. رحيل سلطان مزق روحها بعنف
ولكنها ظلت تعتصم ببقايا قوة لا معنى لها..
قوة خاوية مفرغة من معناها..
فجزء من روحها مات مع سعود..
وهاهو جزء آخر يموت مع سلطان!!!
بعد أربعة أعوام من زواج سلطان وحصة جاءت هيا
الحلم الذي طال انتظاره..
تمناها سلطان بنتا حتى تشبه أمه وحتى تكون هيا التي حُرم منها أمام عينيه وفي بيته.
في سن الثانية عشرة عرفت هيا كل هذا
لم يخفِ عليها سلطان أي شيء أخبرها بكل شيء وبكل تفاصيله..
بعدها زاد ارتباط هيا بوالدها.. كانوا يقضون الساعات يتحدثون
ولم تكن حصة في أكثر الأحيان تتدخل في هذا الحوار
كانت تشعر أحيانا كأنها دخيلة بينهما لشدة تألفهما
فسلطان وابنته ربطتهما علاقة فريدة
كان كل منهما يكمل جملة الآخر.. وكأن كل منهما يقرأ أفكار الآخر..
كرهت هيا آل مشعل القساة الذين طردوا والدها.. وطعنوا قلبه الشفاف
فحزن والدها وشوقه لهم كان يأخذ من روحه شيئا فشيئا كل يوم..
ووصل كرهها لهم الحد الأقصى حين توفي والدها بجلطة
وهي في السابعة عشرة، وهو كان في السادسة والأربعين..
تركها وحيدة مع أمها في هذه الدنيا بدون سند.. واضطرت أن تحمل مسؤولية هائلة
فأمها كسرتها وفاة سلطان وهي تراه يرحل وهو في عز رجولته، بينما هي عجوز في الستين
وكانت تتوقع أنها من سترحل قبله رغم إيمانها أن الأعمار بيد الله
عدا أن حصة لم تعتد على حمل مسئولية في قوتها، فكيف وهي عجوز مريضة الآن؟!
حملت هيا –التي تجري في عروقها غصبا عنها دماء آل مشعل الأشداء- المسؤولية
وحين أنهت الثانوية، قررت أن تسافر لبريطانيا وأن تأخذ والدتها معها
أهَّلها معدلها العالي للبعثة
لتبدأ حياة جديدة ظنت أنها لن ترى فيها أحدا من آل مشعل
الذين عاشوا طوال حياتها معها من خلال ذكريات أبيها
الذكريات التي أرادت أن تمسحها من مخيلتها لتمسح آل مشعل كلهم.
واليوم في واشنطن
هاهو واحد من آل مشعل يجلس بكل غرور ووقاحة في منزلها
ليفرض نفسه عليها وعلى حياتها بمباركة والدتها ورضاها
والدتها التي احتقروها ونبذوها.. تقف في صف مشعل ضدها!!
فأم هيا تكلمت أخيرا وهي تقول بهدوء حازم وتفكير عميق مؤجل يدور برأسها:
هيا سكري الباب وتعالي قهوي ولد عمج
هيا بغضب وانفعال: يمه وش تقولين؟؟
أم هيا بغضب: اللي سمعتيه.. وإلا ماعاد لي شور عليج
هيا بتأثر: ماعاش ولا كان اللي يعصاج
نظرت لمشعل بقهر وهي تغلق الباب وتعود لتجلس
في الوقت الذي أنعم عليها مشعل بفيض وافر من النظرات المتشفية الساخرة لانتصاره عليها..
جلست هيا وهي تسأل مشعل ببرود: وش تبي تشرب يا أستاذ؟؟
***************************
الدوحة اليوم
منزل مشعل بن محمد
ذهب الصغار للمدرسة.. الأولاد محمد وعبدالله يوصلون شقيقتهم مريم أولا ثم يتوجهون لمدرستهم
جود مازالت نائمة.. وكذلك مشعل..
استغربت لطيفة.. ليس من عادة مشعل أن يبقى نائما حتى الثامنة صباحا
توجهت لغرفتها لإيقاظه
"مشعل.. مشعل.. أبو محمد.. ما تبي تقوم؟؟"
مشعل فتح عينيه ببطء وهو ينظر للساعة التي تجاوره
ما أن وقعت عيناه على الساعة حتى قفز وهو يصرخ في لطيفة بغضب:
أشلون تخليني أرقد لذا الحزة عندي اجتماع مهم على الساعة 8 ونص.. أشلون بألحق الحين..؟؟
لطيفة بتوتر وحرج: أنت بالعادة تحط المنبه.. وأمس ما قلت لي شيء
مشعل بغضب: متى أقول لش.. وأنا يوم جيت وانتي مكبرة المخدة وراقدة
لطيفة بضعف: بس ماقلت لي يوم صليت الفجر
لم يرد عليها مشعل وهو يدخل الحمام باستعجال.. عله يستطيع اللحاق بالاجتماع
(لحول يا مشعل وش اللي يرضيك أنت؟؟
يعني اليوم الوحيد اللي ما أنتظرك فيه تعصب علي..
وإن لقيتني أنتظرك تعصب علي.. وش اللي يرضيك؟؟)
**********************
شقة هيا/ واشنطن
جلست هيا وهي تسأل مشعل ببرود: وش تبي تشرب يا أستاذ؟؟
مشعل بذات برودها: الأستاذ مايبي يشرب شيء، أنا ماني بجاي أتضايف
أنا جاي أقول كلمتين وماشي، ودام الوالدة موجودة كلامي معها مهوب معش
ألتفت مشعل لأم هيا التي كانت عيناها تلمع ببريق غريب مختلف ناتج عن تفكير عميق يدور في عقلها
وهو يقول باحترام: شوفي يمه.. أدري أني اللي صار كله غلط، وطردة عمي الله يرحمه كانت غلط من أساسه
وترا أبي من يوم توفى جدي وهو يدوركم.. لقى عمي سلطان ترك شغله الأولي
واستمر يدور لين قبل كم سنة دل بيتكم لقاكم بعتوه ودرا إن عمي سلطان توفى
ما تخيلين أشلون تأثر أبي وعمي وخصوصا جدتي هيا كانت بتروح فيها..
انتفضت هيا وهي تسمع اسم جدتها.. فوالدها نقل ذكرى حبه العميق لأمه لابنته
ولكن ذلك لم يمنع هيا أن تقفز وتقاطع مشعل وهي تنتفض بعنف وتقول بغضب كاسح:
ماقصرتوا صراحة!!..
لا والله.. حزنتوا عليه من جدكم؟!!..
يعني تقتلون القتيل وتمشون في جنازته.. أبوي ماحد قتله غيركم يا آل مشعل
وعمري ماراح أسامحكم
ألتفت عليها مشعل بغضب وهو يقول بحدة: ماحد طلب سماحش هذا أولا
ثانيا الكبار إذا تكلموا الصغار ينطمون.. واعتقد أني أكلم الوالدة ما أكلمش
وقف مشعل وهو يوجه كلامه لأم هيا ويضع كرتا في يدها:
يمه أنا رايح وهذا رقم تلفوني.. إذا بغيتوا شيء دقوا علي.. وأنا كل يوم بأمركم
أم هيا ظلت صامتة غارقة في تفكيرها العميق
ومشعل انسحب وفتح الباب ليخرج في الوقت الذي كانت فيه هيا تغلي من الغضب
هيا انتزعت الكرت من يد والدتها رغم محاولة أم هيا للتشبث بالكرت
مشعل فتح الباب وهمَّ بالخروج
هيا مزقت الكرت ورمته خلفه حين أصبح خارجا
وهي تصرخ بغضب: ما نبي منكم شيء يا آل مشعل.. خلونا في حالنا وبس
وأغلقت الباب بعنف وراءه
مشعل نظر للكرت الممزق.. هزَّ كتفيه وابتسم
(ذي تحسب إنها إذا قطعت الكرت إنها بتقطع علاقتها فينا.. زين يا بنت العم..زين)
طوال العاصفة التي اندلعت ثورتها
باكينام اعتصمت بالصمت، مجرد متفرجة صامتة لم تتدخل بحرف واحد
كعادة الإنجليز في عدم التدخل فيما لا يخصهم
ولكن ما أن خرج مشعل حتى وقفت وتوجهت لهيا مؤازرة لها
لأنها شعرت أن هيا بذلت انفعالا يفوق طاقة أي إنسان
فبكينام كانت تعلم كراهية هيا لأهل والدها وتتفهمها
ما أن اقتربت بكينام من هيا
حتى انهارت هيا في أحضانها وهي تنوح بحسرة: ما أبيهم، ما أبيهم
قتلوا أبوي والحين يدورونا عقب.. ليش ما لقونا وأبوي حي.. ليش؟؟
أبوي عاش حياته كلها يترقب دقة واحد منهم على الباب
كان الباب كل مادق أشوفه ينتفض بحنين
وإذا خاب ظنه باللي عند الباب كانت الحسرة في عيونه تذبحني.. تذبحني
حرام عليهم اللي سووه فيه .. حرام عليهم.. الله لا يسامحهم
الله يأخذ قضاه منهم.. الله يأخذ قضاه منهم