تخطى إلى المحتوى

الإيمان البارد وأثره على جدية -شريعة اسلامية 2024.

الإيمان البارد وأثره على جدية



بسم الله الرحمن الرحيم

الإيمان البارد وأثره على جدية الالتزام

كثيرًا ما نسمع المواعظ التي تؤثِّر في قلوبنا، ويظهر هذا التأثير على جوارحنا فنرى البكاء، أو نتأثَّر بموتِ عزيز علينا أو بموقف مِن المواقف، أو نتأثر بحادثة نعزم بعدها أن نتغيَّر أو أننا سنُغير مِن حياتنا، وفعلاً نبدأ في طريق السير إلى الله ونَشعُر بحلاوة إيمانيَّة لو علم بها أرباب الأموال والسلطان، لجالَدونا عليها، ولكن سرعان ما تجف الدموع، وتتعطَّل معها الجوارح، وترجع إلى سابق عهدها غارقةً في المعاصي والذنوب، وإنك لتعجب مِن هذه الانتكاسة الإيمانية، التي يسقط صاحبُها من سماء القرب والطاعة، إلى جحيم المعصية والذنوب، الكلُّ يسأل: لماذا هذه الانتكاسة؟

الإيمان البارد الذي لم يتمكَّن في قلب صاحبه هو السبب في انتكاسة القلب؛ لأنه إيمان لم يَثبت، وهو إيمان الحرفية؛ أي: يكون قلب صاحبه على شفا الانحِراف والهاويَة؛ وذلك لأن صاحبه لم يتعهَّده بالرعاية؛ حتى بَلي الإيمان في قلبه؛ لذا قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الإيمان لَيَخْلَقُ في جَوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب – أي: يكاد أن يبلى في جوف أحدكم – فاسألوا الله أن يُجدد الإيمان في قلوبكم))؛ الطبراني، والحاكم عن ابن عمرو، وقال الذهبي: رُواته ثِقات، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (158): إسناده حسن؛ انظر: "الصحيحة للألباني" (1585).

وأحيانًا تَعتري قلبَ المؤمن في بعض الأحيان سحابةٌ مِن سحب المعصيَّة فيُظلِم، وهذه الصورة صوَّرها لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقوله: ((ما مِن القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ عَلَتْه سحابةٌ فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء))؛ رواه أبو نعيم في "الحلية"، وهو في "الصحيحة".

وهذه السحابة التي تُحيط بالقلب وتُخيِّم عليه، وتمنع عنه نور الإيمان، إذا لم يُسارع العبد في إزاحتها، سيظل القلب مُظلمًا كحالة القمر والشمس عند كسوفهما وخسوفهما، وستظل جوارحه في حالة خمول؛ بسبب خمول وبرود الإيمان في القلب، فهنا يجب أن يُسارع العبد في التضرُّع إلى الله لكشْف هذه السحابة المُظلمة التي حجبَت نور الإيمان عن قلوبنا، كما يُسارع الناس إلى ربهم بالصلاة والدعاء والعمل الصالح؛ حتى يذهب كسوف وخسوف الشمس والقمر.

كيف تزداد حرارة الإيمان في قلوبنا؛ حتى تنشَط جوارحنا؟

قبل أن نُعالج هذا البرود الإيماني في القلب، لا بد أن يَعرف السالكون إلى ربهم أن أي إنسان يَعتريه نوع مِن الفتور والكسل، وأحيانًا يكون عنده حماس وجهد كبير في الطاعة؛ كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن لكل عمل شِرَّة، والشِّرَّة إلى فترة؛ فمَن كانت فترته إلى سنَّتي، فقد اهتدى، ومَن كانت فترته إلى غير ذلك، فقد ضلَّ))؛ أخرجه البزار، ورجاله رجال الصحيح، وابن حبان وابن أبي عاصم؛ انظر: "مجمع الزوائد" (2: 260)، و"الترغيب والترهيب" (1: 46)، ومجمل معنى الحديث: أن مَن كان في حال فتوره لا يَترك واجبًا ولا يعمل محرَّمًا، فقد اهتدى.

ويقول ابن القيم – رحمه الله – عما يُصيب القلب والجوارح مِن فتور: "فتخلُّل الفترات للسالكين أمرٌ لازم لا بد منه، فمَن كانت فترته إلى مُقارَبة وتسديد، ولم تُخرجْه مِن فرْض، ولم تُدخلْه في محرَّم، رُجي له أن يعود خيرًا مما كان".

العلاج الأول: فقه التعامل مع القلب والنفس:

وهذا الفقه نأخذه من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول سيدنا عمر – رضي الله عنه -: "إن لهذه القلوب إقبالاً وإدبارًا، فإذا أقبلتْ فخُذوها بالنوافل، وإن أدبَرتْ فألزموها الفرائض".

وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: "إن لهذه القلوب شهوةً وإقبالاً، وإن لها فترةً وإدبارًا، فخذوها عند شهوتها وإقبالها، ودَعُوها عند فترتها وإدبارها".

وفهْم طبيعة النفس مِن أعظم مُعينات العبد على قوة الإيمان ومداومة العمل الصالح.

العلاج الثاني: الافتقار والانكسار لمُقلِّب القُلوب – سبحانه وتعالى -:

يقول ابن القيم: "وفي هذه الفترات والغيوم والحجُب التي تَعرِض للسالكين مِن الحِكم ما لا يَعلم تفصيلَه إلا اللهُ، وبها يتبيَّن الصادقُ مِن الكاذب: فالكاذب يَنقلب على عقبَيه ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق ينتظر الفرج ولا ييْئَس مِن روح الله، ويُلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلاً مسكينًا مُستكينًا؛ كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه ألبتَّة، يَنتظر أن يضع فيه مالكُ الإناءِ وصانعُه ما يَصلح له، لا بسبب مِن العبد – وإن كان هذا الافتقار مِن أعظم الأسباب، لكن ليس هو منك – بل هو الذي مَنَّ عليك به، وجرَّدك منك، وأخلاك عنك، وهو الذي يَحول بين المرء وقلبه، فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام، فاعلم أنه يُريد أن يرحمَكَ ويَملأ إناءك، فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع، فاعلم أنه قلب مُضيَّع، فسل ربه ومَن هو بين أصابعه أن يردَّه عليك، ويَجمع شملك به، ولقد أحسن القائل:

إذا ما وضعتَ القلبَ في غيرِ موضعٍ بغيرِ إناءٍ فهْو قلبٌ مُضيَّعُ

(مدارج السالكين 2/126).

وهذا الافتقار والانكسار يَحتاج إلى الدعاء والإلحاح؛ فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسأل ربه الثبات ويقول: ((يا مُصرِّف القلوب، ثبِّت قلبي على طاعتك)).

يتبع

العلاج الثالث: مراجعة الإخلاص:

ما ذلَّتْ قدمٌ، وانتكس قلبٌ، وفترت جوارحُ العبد وكسل، إلا بسبب عدم الإخلاص، فلا يقع في شراك الشيطان والهوى إلا المُرائي، وقد أكَّد ذلك القرآنُ الكريم: ﴿ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39، 40]، واعلم أن الله يُنجي العبد في الدنيا والآخِرة بسبب إخلاصه لربه؛ فيوسف – عليه السلام – ما نجاه إلا إيمانُه واعتصامه بالله، ثم إخلاصه لله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24].

العلاج الرابع: القصدَ القصدَ تَبلُغوا:

قال النوويُّ: "وإنما كان القليل الدائم خيرًا مِن الكثير المُنقطِع؛ لأن بدوام القليل تَدوم الطاعة والذِّكْر والمُراقَبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق – سبحانه وتعالى – ويُثمر القليل الدائم؛ بحيث يزيد على الكثير المُنقطِع أضعافًا كثيرة"؛ "شرح النووي على صحيح مسلم" (6: 71)، وليس المراد من الأمر بالقصد في العبادة منْعَ طلب الأكمل فيها؛ فإن ذلك من الأمور المحمودة، بل المراد التدرُّج في مراقي الخير، والإيغال في الدِّين برفق، وقياد النفس خطوة خطوة حتى يَصلب عودها في باب التعبُّد، وتعتاد الإكثار مِن القرب دون أن تَكره العمل؛ حتى لا يكون المرء كالمُنبتِّ الذي لا هو قطَع أرضًا، ولا أبقى ظهرًا، فلا بد مِن "منع الإفراط المؤدِّي إلى الملال، أو المبالغة في التطوُّع المُفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمَن بات يُصلي الليل كله ويُغالِب النوم إلى أن غلبتْه عيناه في آخِر الليل، فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرَج الوقت المختار، أو إلى أن طلعَت الشمس، فخرَج وقت الفريضة"؛ انظر: "فتح الباري"؛ لابن حجر (1: 94).

فكل الخير في اجتهاد باقتصادٍ مَقرون بمتابعة النبي – صلى الله عليه وسلم – وما أجمل مقولة أُبيِّ بن كعب – رضي الله عنه -: "وإن اقتصادًا في سبيلٍ وسنَّة خيرٌ من اجتهاد في خلاف سبيل وسنَّة، فانظروا أن يكون عملكم – إن كان اجتهادًا أو اقتصادًا – أن يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنتهم"؛ "اعتقاد أهل السنة"؛ لللالكائي.

العلاج الخامس: تنويع العبادة:

جمع القُرَب وتنويع الطاعات مِن أمتن السبُل المُعينة على التعبُّد، وأبلغ الطرق الموصِّلة إلى مرضاة الله تعالى، وعلوِّ المنزلة عنده سبحانه؛ يدلُّ على ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟))، قال أبو بكر – رضي الله عنه -: أنا، قال: ((فمَن تَبِع منكم اليوم جنازة؟))، قال أبو بكر – رضي الله عنه -: أنا، قال: ((فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟))، قال أبو بكر – رضي الله عنه -: أنا، قال: ((فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟))، قال أبو بكر – رضي الله عنه -: أنا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخل الجنَّة)).

والملائكة عند ربِّها تُنوِّع عبادتها لربها؛ فمنهم القائم، ومنهم الساجد، وكذلك هم متنوعون في مهامهم وتنفيذها عبوديةً لله؛ فمنهم حملة العرش، ومنهم السيَّارة في الطرق يَلتمسون حِلَق الذِّكْر، ومنهم الحفَظة، فباب تنوُّع العبادات بابٌ مُهمٌّ وله أجْر كبير كما مرَّ في حديث أبي بكر – رضي الله عنه – وهو كذلك يَزيد القلب حرارة وإيمانًا.

العلاج السادس: الإكثار مِن ذكر الله:

يقول ابن مسعود: "الذكر يُنبت الإيمان في القلب كما يُنبت الماء البقل…"، فذكرُ الله يُحرِّك ويُجدِّد الإيمانَ في القلوب، وأفضل الذكْر كلام الله (القرآن الكريم)، ومَن أحبَّ كلام الله وداوَم على قراءة القرآن وتدبُّره وتفهُّمه والعمل به وتحكيمه صلح قلبه وعملُه؛ لذا كان الصحابة – رضي الله عنهم – لا يَعدلون بكلام الله شيئًا مِن الكلام مهما كان، وهذا خلاف ما عليه كثير مِن المتأخِّرين؛ بل حتى مِن خواصِّ الناس من طلبة العلم، فالزهد في فهْم القرآن، وقراءة القرآن، وتدبُّر آيات القرآن – سِمةٌ ظاهِرة في أحوال كثير مِن طلبة العِلم، فضلاً عن عوامِّ المسلمين.

ولأهمية الذكر أمَر الله عباده المؤمنين أن يُكثروا منه قولاً وحالاً وعملاً؛ قال – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، وقد عدَّ ابن القيم ما يقرب مِن سبعين فائدة للاستغفار في كتابه "الوابل الصيب"؛ فليُرجع إليها.

العلاج السابع: تطهير القلب بالتوبة والاستغفار:

مِن أنجع الأدوية للقلوب المتحجِّرة أو صاحبة الإيمان البارد: التوبةُ والاستغفار، ومتى غفل الإنسان عنهما تدهور إيمانه، ولكننا اليوم نتوب إلى الله ونستغفره باللسان وجوارحُنا مُصرُّةٌ على العصيان؛ فتوبتُنا تحتاج إلى توبة، واستغفارُنا يحتاج إلى استغفار، ولا يستطيع العبد أن يَتوب إلى الله توبة نصوحة إلا إذا أخذ المدَد والعَون مِن الله؛ فلولا الله ما اهتدَينا، ولا صمْنا ولا صلَّينا، ولكن لا بدَّ مِن صدْق التوجُّه إلى الله؛ فلا تَنكبُّ الجوارح على المعاصي، ثم يقول صاحبها: لو أراد الله لي الهداية والتوبة لتاب عليَّ، ونسي هؤلاء أن الله قال: "استهْدوني أَهدِكم"، فتبْ قبل أن يَمحو الموت أثرك مِن الدنيا ليبقى شخصك في العذاب، واستغفر الله منيبًا إليه مُتيقِّنًا في رحمة الله وعفوِه مهما بلغَت ذنوبك؛ فالله ينادي عليك، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: قال الله – تبارك وتعالى -: ((يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلغتْ ذنوبك عنان السماء ثم استغفرْتني، غفرتُ لك ولا أبالي، يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا، لأتيتُك بقرابها مغفرة))؛ رواه الترمذي، وصحَّحه ابن القيم، وحسَّنه الألباني.

في حفظ البارئ

جزااك الله خيراا غاليتي
ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©
ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

جزاكِ الله خير الجزاء
وبارك الله فيكِ ووفقكِ لكل خير
يقيمـ بالنجـــــــــــــــــــومـ

بارك الله فيك عالموضوع القيم
وجزاك كل خير
وانار قلبك بالايمان
جعله الله في ميزان حسناتك

جزاكم الله بالمثل حبيباتي
بارك الله فيكي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.