ـ الغيبة في اللغة والاصطلاح وصورها:
الغيبة لغة: من الغَيْب "وهو كل ما غاب عنك" , وسميت الغيبة بذلك لغياب المذكور حين ذكره الآخرون.
والغيبة في الاصطلاح: قد عرفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ((ذكرك أخاك بما يكره)) .
صور الغيبة وما يدخل فيها :
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الغيبة إنما تقع فيما يكرهه الإنسان ويؤذيه فقال: ((بما يكره)).
قال النووي في الأذكار مفصلاً ذلك: ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلْقه أو خُلقه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته باللفظ أو الإشارة أو الرمز
أدلة تحريم الغيبة من القرآن الكريم:
أ- قال تعالى: { ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} [الحجرات:12].
ب- قال تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} [الحجرات:11].
قال ابن عباس في تفسير اللمز: لا يطعن بعضكم على بعض.
قال ابن كثير {لا تلمزوا أنفسكم}: أي لا تلمزوا الناس ، والهماز واللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال الله {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة:1].
فالهمز بالفعل، واللمز بالقول .
قال الشنقيطي: الهمز يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقاراً أو ازدراءً، واللمز باللسان ، وتدخل فيه الغيبة .
ج- {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة:1].
أدلة تحريم الغيبة من السنة:
أ- قال صلى الله عليه وسلم : (( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) .
قال ابن المنذر: قد حرم النبي الغيبة مودعاً بذلك أمته، وقرن تحريمها إلى تحريم الدماء والأموال ثم زاد تحريم ذلك تأكيداً بإعلامه بأن تحريم ذلك كحرمة البلد الحرام في الشهر الحرام .
قال النووي في شرحه على مسلم: المراد بذلك كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض والتحذير من ذلك .
ب- وعن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من أربى الربى الاستطالة في عرض المسلم بغير حق)) .
ج- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية أنها قصيرة ، فقال : ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)
4- بواعث الغيبة، وكيفية التخلص منها:
بواعث الغيبة
1- ضعف الورع والإيمان يجعل المرء يستطيل في أعراض الناس والغيبة ، ويكف جميع أعضائه وجوارحه عن الحرام .
2- موافقة الأقران والجلساء ومجاملتهم قال الله على لسان أهل النار {وكنا نخوض مع الخائضين} [المدثر:45].
3- الحنق على المسلمين وحسدهم والغيظ منهم:
قال ابن تيمية: ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد ، وإذا
4- حب الدنيا والحرص على السؤود فيها:
قال الفضيل بن عياض: ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغي وتتبع عيوب الناس وكره أن يذكر أحد بخير .
5- الهزل والمراح
كيفية التخلص من الغيبة:
1- تقوى الله عز وجل والاستحياء منه:
ويحصل هذا بسماع وقراءة آيات الوعيد والوعد وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث تحذر من الغيبة ومن كل معصية وشر، ومن ذلك {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} [الزخرف:80].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((استحيوا من الله عز وجل حق الحياء ، قلنا : يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله ، قال: ليس ذاك ، ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى ، وليحفظ البطن وما وعى . . )) .
2- تذكر مقدار الخسارة التي يخسرها المسلم من حسناته ويهديها لمن اغتابهم من أعدائه وسواهم.قال صلى الله عليه وسلم : (( أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال : المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ، وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا ، فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناتهم أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)) .
روي أن الحسن قيل له: إن فلاناً اغتابك، فبعث إليه الحسن رطباً على طبق وقال : بلغني أنك أهديت إلي من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها، فاعذرني، فإني لا أقدر أن أكافئك على التمام .
3- أن يتذكر عيوبه وينشغل بها عن عيوب نفسه ، وأن يحذر من أن يبتليه الله بما يعيب به إخوانه.
قال أنس بن مالك: "أدركت بهذه البلدة – المدينة – أقواماً لم يكن لهم عيوب ، فعابوا الناس ، فصارت لهم عيوب ، وأدركت بهذه البلدة أقواماً كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس ، فنسيت عيوبهم"
4- مجالسة الصالحين ومفارقة مجالس البطالين:
قال صلى الله عليه وسلم : ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد ، لا يعدمك من صاحب المسك ، إما أن تشتريه أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة)) .
قال النووي في فوائد الحديث : فيه فضيلة مجالسة الصالحين ، وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجوره وبطالته ، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة .
5- قراءة سير الصالحين والنظر في سلوكهم وكيفية مجاهدتهم لأنفسهم:
قال أبو عاصم النبيل: ما اغتبت مسلماً منذ علمت أن الله حرم الغيبة .
6- أن يعاقب نفسه ويشارطها حتى تقلع عن الغيبة.
1- الفضيحة في الدنيا:
2- العذاب في القبر:
عن أبي بكرة رضي الله عهما قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فيعذب البول ، وأما الآخر فيعذب بالغيبة)) .
قال قتادة : عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة ، وآخر من النميمة ، وآخر من البول .
وقوله : ((ما يعذبان في كبير)) قال الخطابي: معناه أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما أو يشق فعله لو أرادوا أن يفعلاه .
3- العذاب في النار:
عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)) .