السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة من الحياة
هو مسافر في عمل لمدة أسبوعين ، هي وحيدة في المنزل.
كل منهما يفتقد الآخر، يتحدثان هاتفيًا كل مساء, ولكن هذه المكالمات الهاتفية تكون غالبًا قصيرة جدًا، فالأمور الهامة تقال بسرعة، فضلًا عن كونه هو لا يحب المكالمات الطويلة الباهظة الثمن.
يكبر الشوق بينهما شيئًا فشيئًا على مدى الأسبوعين, وحينما يأتي يوم اللقاء يرغب الاثنان في الشعور بالقرب من الآخر.
هو يرغب بحرارة، وبمجرد دخوله المنزل أن يبدأ في العلاقة الحميمة… هي يعتريها الذهول، وطيبة الأمل في ذات الوقت, فقد فرحت بعودته وأرادت قبل كل شئ أن تتحدث معه بمنتهى الهدوء, تسأله عن سفره وما حقق فيه, وتسأله عن مدى افتقاده لها.
هي أيضًا تريد أن يسألها هو، كيف أمضت وقتها في غيابه؟
وهل شعرت بالوحدة بدونه؟
هي تفرح بتلك المحادثة بينها وبينه، فهذا يعطيها شعور القرب منه….
ثم يأتي بعد ذلك القرب الجسدي.
هو أيضًا يريد هذا القرب، ولكنه يرى الطريق إليه هو التقارب الجسدي هنا غالبًا ما يكون الجمود سيد الموقف، لأنه هو يشعر أنها صدته ورفضته، وهي تشعر أنه لا يفهمها.
ولذلك نؤكد هنا على أهمية الاندماج العاطفي قبل الاندماج الجسدي، فليست العلاقة الحسية مجرد التصاق بين جسدين، ولكنها في المقام الأول اندماج بين شخصين، ومن ثم فلابد من الاندماج العاطفي قبل الاندماج البدني، وهذه مسأله ضرورية لكلا الزوجين.
أخي القارئ أختي القارئة:يتوق
كل من المرأة والرجل إلى الشعور بأنه محبوب, ويريد المزيد من المودة والقرب مع شريك الحياة ولكن كلا الجنسين يتخذ إلى هذا الهدف طريقًا مختلفًا عن الآخر.
فالرجل يسعى لتحقيق القرب العاطفي عن طريق التقرب الجنسي، أي من خلال الفعل الملموس.
أما المرأة فتحقق لنفسها القرب العاطفي من خلال الحديث المتبادل وتبادل الأفكار والمشاعر.
وهذا (من الفروقات الهامة بين الرجل والمرأة، طريقة التعبير عن الحب، فالرجل يعبر عن الحب بالجنس، بينما المرأة تعبر عن الجنس بالحب في الغالب, فالرجل يفهم الحب من خلال الجنس، وهو إذا أراد أن يعبر عن رغبته في الجنس أظهر معاني وكلمات المحبة، وإذا أراد أن يتأكد من أن زوجته تحبه دعاها للفراش أو لاحظ استجابتها المبنية تجاهه.
من هنا نجد أختي الزوجة حرص الإسلام على استجابة المرأة لطلب الزوج للفراش، وأن هذا الحق حق فوري للرجل, ربما كان السبب أن رفض الزوجة لزوجها في ذلك الوقت قد يترك أثرًا كبيرًا في النفس, بمعنى أن الزوج يفهم رفض زوجته مشاركته الجنس، على أنه دليل عدم حبها له)
رسول المحبة:
(إن انقطاع المغازلة العاطفية يفقد الزواج عذوبته، ويجعل خيال الزوجين فقيرًا مجدبًا، بل سرعان ما يتحول الزواج إلى مجرد أمر واقع أو تأدية واجب اجتماعي، أو ربما تحول إلى تقييد خانق للحياة.
إن المغازلة العاطفية بين الزوجين تنعش الحياة الزوجية وتجدد نشوتها يومًا بعد يوم) ومن هنا فإن على الزوجين أن يجعلا بينهما رسول، من هو هذا الرسول؟
إنها القبلة والكلام.
وهو المعنى الذي أراده صلى الله عليه وسلم في وصيته لمن أراد الزواج في الحديث الصحيح: (هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك) [متفق عليه].
فإن الوصية بـ " القبلة والكلام " و " المداعبة والملاعبة " أوسع من أن تكون في لحظات ثم تنتهي.
وهي ليست لغة المساء فحسب.
إنما هي لغة تحف كل الحياة الزوجية، وحين تكون القبلة والكلام هي لغة المساء فحسب فإن ذلك ينقص العيش ويضيع حلاوة اللقاء، فيتحول إلى لقاء ميكانيكي.
شوق ورغبة متبادلة:
هناك أمور يمكن من خلال الأخذ بها أن نصل إلى علاقة زوجية قوية ومليئة بالشوق والرغبة المتبادلة منها:
أولًا: حسن اختيار وقت اللقاء الزوجي, من خلال تهيئة الظروف لإشباع كامل، ولا بأس من ترتيب يوم أو ليلة لكي يجد الزوجان مساحة خاصة للعلاقة بينهما، وفي التواد والتراحم بشكل عام، في وجبه طعام أو جلسة استرخاء أو كوب شاي في هدوء دون صراخ الأطفال أو بكائهم.
ثانيًا: أن يحرص الزوجان على الاستمرار في فراش واحد، وألا يكون الحل السهل أن يكون لكل منهما برنامجه اليومي، فينفصلا شعوريًا، ويصبح اللقاء فقط على مائدة الطعام، أو عند مناقشة أمور الحياة المادية.
ثالثًا: تجديد العلاقة الحميمية، والتعامل مع هذه العلاقة بتجديد أوضاعها أثناء اللقاء الزوجي، والتفاعل بين الروحين والجسدين، فضلًا عن الكلمات الجميلة التي تربط النفس برباط الحب والإخلاص، وتحقق الدفء المستمر في علاقة تنمو وتثري مع الأيام)
وأنا أعرف قصة زوجة بعد أن بلغت الخمسين طلبت من زوجها أن ينام كل واحد منهما في غرفة مستقلة لأنها قد كبرت في السن وهو أيضًا, ولكنه لم يوافق على ذلك لأن من هنا يبدأ جفاف المشاعر يدب في أركان الحياة الزوجية.
ومن خلال العلاقة الحسية يشبع الزوج رغبات زوجته العاطفية، ويطرب أسماعها بكلامه الجميل الرائع, وتشبع الزوجة رغبات زوجها العاطفية، وتسحره بالسحر الحلال من النظرة والبسمة والكلام والهمسة, فتصبح العلاقة الزوجية أمتع وأجمل, وتكون بين الزوجين المودة، وتحكم علاقتها الرحمة.
أخي الزوج أختي الزوجة:
إن كلامك وأفعالك وتصرفاتك تجاه شريك الحياة أثناء التعامل اليومي له كبير الأثر على دفء العلاقة الحسية بينكما.
فإذا كان التعامل اليومي يقوم على الكلمات الرقيقة والبسمة الجميلة والاحترام فإن اللقاء الحسي يكون رائعًا وممتعًا أيضًا.
أما إن قام التعامل اليومي على القسوة والإهمال والاستهزاء والسخرية فإن اللقاء الحسي لا يحمل للزوجين إلا السلبية, وربما التخمة الحسية التي تسبب الإرهاق النفسي.
نعم (إن العناق بين زوجين غير المتجابين كتنظيف الأسنان بفرشاة غير جيدة, ينظف الأسنان، ولكنه يترك اللثة ملتهبة، ولذلك فإنه من الضروري أن يسبق الانسجام الحسي انسجام آخر هو ما يمكن أن نطلق عليه الانسجام الروحي)
الانسجام الروحي قبل الانسجام الحسي:
إن اللذة الحسية مهما تنوعت لن تجلب السعادة إلى الزوجين حتى يكون بينهما الحب، وكل من يملك نفسًا سوية يدرك أنه لا يمكن أن يصل إلى السعادة عبر اللقاء الحسي فقط دون الحب الروحي, إننا نؤكد أنه لا يستطيع أن يداعب زوجته إلا إذا كان مدفوعًا بالحب الذي يمزج النفس بالبدن، فإذا فقد الحب لم يستطع المداعبة، واستحال عليه الأقدام عليها.
أما حين يربط الحب بين زوجين، فإنهما يتطلقان إلى تحقيق هدف من لقائهما الحسي هو رغبتهما المشتركة في أن يصيرا شخصًا واحدًا، يسعى إلى هدف واحد، مدفوعًا بـ "الحب" وهو ما أضاءته بنورها هذه الآية: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]
(فإن احتياج كلٌ إلى صاحبة كاحتياجه إلى اللباس، وكل منهما كاللباس لصاحبه, أليس الإنسجام بينهما موجودًا، أليس السخاء مبذولًا، بل أليست الأسرار مكتومة، كل يفضي إلى الآخر بخبيئة نفسه، يحدثه بما يخفيه عن الناس لاستوائهما في السراء والضراء والعسر واليسر والفرح والحزن, أليس يعفها ويحصنها, وأليست هي تعفه وتحصنه، فحاجة كل منهما إلى الآخر حاجته إلى اللباس)
وماذا بعد الكلام؟
1- بناء علاقة عاطفية ناجحة بين الزوجين لأنها أساس العلاقة الجسدية.
2- حسن اختيار وقت اللقاء الزوجي, فلا يكون أثناء مرض للزوج أو الزوجة، ولا يثقل الزوج على زوجته بكثرة طلبها للمعاشرة, وكذلك لا ترفض الزوجة طلب زوجها مهما كانت حالتها حتى لا تتعرض لغضب الله تعالى.
3- ليحرص الزوجان على الإستمرار في فراش واحد تحت كل الظروف وحتى آخر العمر.
4- تجديد العلاقة الجسدية لتضفى مزيدًا من الرونق على الحياة الزوجية.
5- تذكر أن القبلة والكلام والمداعبة والملاعبة هم رسل حب بين الأزواج.
6- تذكر قوله تعالى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} فاحتياج كل إلى صاحبه كاحتياجه إلى اللباس وهو يحمل معنى الستر والحماية والانسجام والإعفاف والإحصان.
م عبد الرحمن محمد يوسف
م/ن
و
لكم مني أجمل تحية
و
لكم مني أجمل تحية