السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رجعت لكم بعد غياب طويل
عساكم بخير
ان شاء الله
منزلة الحياء فى الإسلام
عن عبد الله بن عمر -رضى الله عنهما- أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) مر على رجل من الأنصار ، وهو يعظ أخاه فى الحياء ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم):" دعه فإن الحياء من الإيمان".[صحيح البخارى]
لقد عنيت الشريعة الإسلامية بمكارم الأخلاق عناية قل أن تجدها فى دين من الأديان ، لأن صلاح أمر الإنسان فى الدنيا مرجعه الى الأخلاق الفاضلة ،،
ويكفيك دليلاً على هذه العناية أن الرسول الكريم حصر الغرض من بعثته فى شئ واحد وهو تكميل مكارم الأخلاق فقال:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، وقضى بأن أحب الناس إليه وأقربهم منه مجالس فى دار النعيم أحسنهم أخلاقاً ، وفى الحديث يقول الرسول أنه مر برجل من أنصاره يتحدث مع أخيه من النسب أو فى الدين ويعظه بسبب كثرة حيائه زاعماً أن هذا الحياء ضار به ، ومضيع لمصالحه ، زاجدراً له عن تغاضيه وتسامحه ، محذراً له من العواقب إن استمر على حيائه ولم يحرص على مصالحه كما يحرص غيره من الناس.
سمع النبى(صلى الله عليه وسلم) كل ما دار فى هذا الشأن بين الرجلين فقال النبى دعه فإن الحياء من الإيمان أى اتركه متحلياً بهذا الخلق السنى ملازماً له خاضعاً لتأثيره مستجيباً لما يقتضيه ولا تنهاه عن التخلق به أو تقبحه عنده ، لأن الحياء شعبة من الإيمان وجزء منه وآثر من آثاره ومكملاً من مكملاته.
لا ينتفى الإيمان بفقده ، ولكن ينقص بعدم وجوده.
والحياء يكون على ثلاثة أقسام: حياء من الله – حياء من الناس – حياء من النفس.
فالحياء من الله يكون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وأن يعلم العبد بأن الله مطلع عليه وعلى ما يفعله.
والحياء من الناس يكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح.
والحياء من النفس ينحصر فى عفة النفس وصيانة الخلوات ، فهذا هو الحياء الذى يقول فيه النبى(صلى الله عليه وسلم):"الحياء خير كله" وما عداه لا يكون حياء يطلبه الشرع أو يحض عليه الدين.
الحياء انقباض يجده الإنسان في نفسه يحمله على عدم ملابسة ما يعاب به ويستقبح منه, ونقيضه التصلف في الأمور وعدم المبالاة بما يستقبح ويعاب, وكلاهما جبلي ومكتسب, لكن الناس ينقسمون في القدر الحاصل منهما على أقسام؛ فمنهم من جبل على الكثير من الحياء, ومنهم من جبل على القليل, ومنهم من جبل على الكثير من التصلف, ومنهم من جبل على القليل, ثم إن أهل الكثير من النوعين على مراتب وأهل القليل كذلك فقد يكثر أهل النوعين حتى يصير نقيضه كالمعدوم, ثم هذا الجبلي سبب في تحصيل المكتسب, فمن أخذ نفسه بالحياء واستعمله فاز بالحظ الأوفر, ومن تركه فعل ما شاء وحرم خيري الدنيا والآخرة(1).
وقال ابن رجب: الحياء نوعان:
أحدهما: ما كان خلقًا وجبلةً غير مكتسب، وهو من أجل الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:" الحياء لا يأتي إلا بخير"(2) فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحثّ على مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو من خصال الإيمان بهذا الاعتبار.
والثاني: ما كان مكتسبًا من معرفة الله، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهذا من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان. وقد يتولد الحياء من الله من مطالعة نعمه ورؤية التقصير في شكرها، فإذا سلب العبد الحياء المكتسب والغريزي، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة، فصار كأنه لا إيمان له(3).
ولذلك فقد جاء في الحديث أن الحياء من الإيمان، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِن الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِن الْإِيمَانِ))(4).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِن الْإِيمَانِ))(5).
فوائد الحديث:
1- أن الحياء خصلة حميدة، اتفقت على استحسانه، والترغيب فيه سائر الشرائع، كما دلت العقول والفطر على فضله، وحسن عاقبته، فعلى المسلم أن يتصف به، ويلازمه في سائر أمره، فالحياء خير كله.
2- أن من لا يستحي يرتكب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا يحجزه عن ذلك شيء، لأَنَّ الْحَيَاء هُوَ الدَّافِع عَن ارْتِكَاب السُّوء, فَالْحَيَاء مِن اللَّه يَمْنَع مِن الْقَبَائِح الدِّينِيَّة, وَمِن النَّاس يَمْنَع مِن الْقَبَائِح الْعَادِيَّة, فَإِذَا فُقِدَ الْحَيَاء لَا يُبَالِي الْمَرْء بِمَا يَفْعَل.
3- على المسلم أن ينمي في نفسه هذا الخلق الكريم، بالأخذ بأسبابه، ومنها؛ التعرف على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، وملازمة مجالس العلم وحلق الذكر، ومصاحبة الأخيار.
والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته
منقول مع الشكر