الذئبة الحمراء أو الذأب الحمامي هو مرض مناعي مزمن متعدد الأوجه قد يصيب أجزاءا عدة من الجسم (وحينها يسمى الذئبة الحمراء الجهازية) ويشمل الجلد، العضلات , المفاصل، الكلى ، الجهاز العصبي ، الرئتين ، القلب والدم , و ربما يقتصر على جزء واحد في بعض الاحيان مثل الجلد . ويعتبر الذئبة من أشهر الأمراض التي تسبب مشاكل جهازية للنساء في سن مبكر , ولكن قد يحدث في جميع الفئات العمرية , و يقدر حدوثه في سن أقل من 10 سنوات بنسبة 4% , وبنسبة تصل إلى 12% في الفئات العمرية أقل من 20 سنة . لكن لا يزال أغلب المصابين بهذا الداء من النساء ما بين 15 – 40 سنة , حيث تعتبر نسبة حدوثه في النساء اكثر من الرجال بنسبة عالية جدا تصل الى 1:9 , ولكن هذا لا يمنع من احتمال حدوثه في الرجال أو النساء في أعمار مختلفة.
إن إمراضية الذئبة عبارة عن عملية معقدة , حيث يعتبر مرض مناعي تقليدي يتصف بوجود عوارض الحساسية (type III hypersensitivity) , ويعد السبب الرئيسي للإمراضية نشوء مضادات مناعية ذاتية تثير التهاب الأوعية الدموية في العديد من أجهزة الجسم , ويعزى ذلك إلى وجود استجابة غير طبيعية في الخلايا اللمفية التوتية(T) , والنخاعية(B) والذي يسبب فشلا في إيقاف تلك العملية .
سبب المرض :
على الرغم من ان السبب الرئيسي لهذا المرض غير معروف حتى الآن , الا ان هنالك عدة فرضيات قد تعطي بعض التوضيح بشكل او بآخر .
عوامل مناعية :
يعتبر الذئبة مرض مناعي أي أنه ناشئ عن اختلال في الجهاز المناعي الذي يقوم بتكوين أجسام مناعية تعرف بالأجسام المناعية الذاتية والتي تقوم بمهاجمة أجهزة الجسم , ومن أهمها مضادات نواة الخلية (ANA) ومضادات الحامض النووي (anti-dsDNA) , والتي تنتج عن استثارة الخلايا المناعية نوع B -عن طريق منبّه انتيجيني قد ينشىء أحيانا من بعض الفيروسات , تصل نسبة الحالات التي تتكون بها مضادات النواة 98% , والتي تكون مضادات لDNA إلى 70% .
الوراثة والجينات :
تدل بعض الدراسات إلى أن هناك علاقة للجينات والوراثة بالمرض من خلال ظهور حالات جديدة أكثر في الأسر التي يوجد مصاب بالمرض بين أفرادها . وتشير دراسات التوائم المتطابقة الى ان احتمالية حدوث المرض تصل الى 25% في حال ان احدهما مصاب .
حالة الهرمون الجنسي:
و ذلك ان أغلبية الحالات هم من النساء اللاتي لا يزلن في مرحلة الانتاج , كذلك أن نسبة الرجال المصابون بمتلازمة كلاينفلتر (XXY) , أكثر من الرجال الطبيعيين , مما يدعم هذه الفرضية أيضا .
عوامل بيئية :
هناك بعض الحالات التي تظهر فيها عوارض الذئبة , قد تكون نتيجة آثار جانبية لبعض العقاقير مثل هيدرالزين ,ميثيل دوبا, مينوسايكلين وغيرها، وكثيرا ما تزول مثل هذه الحالات بعد إيقاف تلك الأدوية .
الأشعة فوق البنفسجية وبعض الفيروسات أيضا قد تؤدي للاصابة بالمرض عن طريق تحفيز موت الخلية المبرمج
(apoptosis) .
صورة المرض:
كما سبق ان ذكرت ان مرض الذئبة يصيب أجهزة عدة من الجسم , وسأذكر أكثر الأجهزة إصابة وأشهر الأعراض المصاحبة لكل منها :
1. مشاكل الجهاز العضلي الهيكلي (90%) :
ويعتبر من أكثر الأعراض ظهورا في الذئبة , آلام العضلات و المفاصل الصغيرة خاصة مع الحركة , وكذلك التهاب المفاصل وتورمها وارتفاع درجة حرارتها , ولكن لايوجد تشوه في شكل المفصل , وتتميز أعراض المفاصل بأنها تكون متماثلة في الجهتين .
2. مشاكل الجلد (75%) :
من أكثر العلامات أيضا احمرار الوجه على شكل الفراشة , وظهور بثور حمراء على الوجه تزداد احمراراً عند التعرض للشمس, وأيضا يظهر في الأصابع مايسمى بظاهرة [راي نود] خاصة عند التعرض للبرودة ؛ وهي عبارة عن شحوب معقوب بازرقاق , ثم إحمرار يصحبه آلام . وهنالك نوع من الذئبة يسمى الذئبة الحمراء الجلدية لاتؤثر إلا على الجلد, و تتميز باحمرار الجلد وزيادة سماكته عند التعرض لأشعة الشمس ، والتعرق وسيل اللعاب .
3. مشاكل الرئتين (50%):
وتكون غالبا على شكل التهاب الرئتين و الغشاء البلوري , وتجمع السوائل داخلها أو حولها في التجويف البلوري , وتظهر الأعراض من خلال صعوبة وضيق التنفس .
4. مشاكل القلب والأوعية الدموية(25%) :
يظهر ذلك في التهاب عضلة القلب والغشاء التاموري , وتجمع السوائل حول القلب , وقد يصاب المريض بتصلب الشرايين , ولذلك قد يشتكي المريض من آلام الصدر .
5.مشاكل الكلى( 30%) :
ويعد السبب الرئيسي للوفاة الناتجة عن الذئبة -سابقا كانت الأمراض المعدية- , ولأن احتمالية اصابة الكلى كبيرة جدا ؛ عن طريق ترسب المضادات المناعية في الكبيبات الكلوية , أو حدوث تجلط في الوريد الكلوي , فإنه يجب على جميع المرضى إجراء الفحص الروتيني للدم والبروتين ؛ ولأن احتمالية التخثر كبيرة, فإن اعطاء مضادات التخثر لبعض المرضى متوجب .
6. مشاكل الجهاز العصبي (60%):
وتكون على شكل تغير في الاحساس (خدر أو تنمل) ، و اضطراب الحركه , ونوبات من الصرع , والاكتئاب وتدهور الحالة النفسية , والصداع المزمن (الشقيقة) .
7.مشاكل العين : جفاف العين , والتهاب اللحمية , أو التهاب أوعية الشبكية بسبب النزيف .
8. في الجهاز الليمفاوي : ربما يلاحظ تضخم الطحال في بعض المرضى (نادر) .
9.أعراض الدم (75%) : حيث يصاب المريض بفقر الدم , وكذلك نقص خلايا الدم البيضاء والخلايا اللمفية , والصفائح الدموية .
تشخيص المرض:
يتم تشخيص الذئبة الحمراء من خلال أخذ التاريخ المرضي ، بالاضافة لإجراء الفحص السريري , حيث يتم الكشف عن الأعراض و العلامات , و قد نحتاج الى إجراء تحاليل اخرى تشمل:
تحاليل الدم (CBC) , وفحص مضادات النواة , و تخطيط كهرباء القلب و الأشعة الصوتية للقلب (ايكو) , والأشعه السينية والأشعة المقطعيه للصدر و البطن , و أخذ عنيات من السوائل المتجمعه حول القلب و الرئتين والمفاصل و تحليلها , وربما نحتاج الى أخذ خزعات من العقد الليمفاوية المتورمه .
وهناك عدة ظواهر من خلالها يتم التشخيص , وذلك وفقا لتصنيف الجامعة الأمريكية للأمراض الروماتيزمية وهي :
1. طفح الوجنتين (الفراشة) .
2. الطفح القرصي (discoid rash) .
3. حساسية لأشعة الشمس .
4. تقرحات الغشاء المخاطي في الفم .
5. إلتهاب المفاصل .
6. التهاب الغشاء البلوري والغشاء التاموري .
7. مشاكل الرئتين .
8. مشاكل الجهاز العصبي .
9. مشاكل الدم .
10. مشاكل الجهاز المناعي .
11. الفحص الإيجابي لمضادات النواة (ANA) .
ملاحظة :
عندما يوجد أربعة أو أكثر من العناصر السابقة في مريض, فهذا يعني أنه مصاب بالذئبة , وعليه يبدأ الطبيب برنامجه العلاجي .
طرق العلاج :
يعتبر مرض الذئبة مرض مزمن , لايمكن الشفاء منه , و الهدف العلاجي هو إزالة الأعراض أو تخفيفها , والحد من نسبة النوبات الشديدة ومضاعفات المرض . ويعتمد العلاج على شدة المرض ومدى تأثيره على الجسم ونتائج فحوصات وتحاليل الدم والبول الدورية ، ففي كثير من الحالات قد لا يحتاج المريض إلى أكثر من مضادات الالتهاب والمسكنات, وفي بعضها قد يحتاج إلى عقاقير مثبطة للمناعة مثل الكورتيزون , وأحيانا يستخدم الطبيب العلاج الكيماوي أو الأدوية المضادة للملاريا .
إرشادات للمريض :
•يجب على المريض الخلود إلى الراحة وتجنب الشد النفسي والتعرض لأشعة الشمس بكثره , وكذا التقليل من تناول الدهون الحيوانية المشبعة في الغذاء قدر الإمكان , وإجتناب موانع الحمل المحتوية على هرمون الأنوثة (الإيستروجين) .
•اذا كان المرض خفيف ويصاحبة ألام في المفاصل , نعطي مضادات الإلتهاب اللا إستيرويدية NSAID ؛ خاصة مثبطات الانزيم الكوكس 2 (سايكلوكو-أوكسيجينيز) و الأسبيرين 150-300مجم من الأسبيرين في اليوم.
•اذا كان المرض يشمل الجلد , أو في حالة أن المرض خفيف ولايستجيب للأدوية السابقة , نعطي هيدروكسي كلوروكوين (مضاد للملاريا), من 200-400 مجم بعد الأكل مرة واحدة في اليوم .
•إذا كان المرض متوسط , نعطي الكورتيكوستيرويدز مثل بريدينزولون,ومقدار الجرعة يتراوح ما بين 50-125مجم في اليوم.
•إذا كان المرض شديد (كأن يؤثر على الدماغ , أو الكلى) , نعطي مثبطات المناعة مثل سايكلو فوسفامايد وتكون الجرعة من 1-1.5مجم/كجم في كل صباح, بالإضافة إلى الكورتيكوستيرويدز .
•الأدوية الموضعية على الجلد , في حالة الذئبة الجلدية , بالإضافة إلى تجنب التعرض لأشعة الشمس بكثرة .
الذئبة الحمراء والحمل:
الإخصاب عادة ما يكون طبيعياً في مريضة الذئبة , ما عدا الحالات الشديدة من المرض , لذا فإنه يسمح بالحمل في الغالبية العظمى من المرضى . يمكن أن يحدث إنقطاع المرض وتهيجه أثناء الحمل , وتكون نسبة تهيج المرض أكثر بعد الولادة .
ويجب على المريضه ان تستخدم أدويتها المعتادة أثناء الحمل , كما تجب المحافظة على المستوى الطبيعي لضغط الدم .
قد تحسن التنبؤ بمستقبل الذئبة كثيرا خلال العقود الثلاثة الأخيرة, ويعود ذلك بشكل كبير لما يشهده العالم من تطور سريع في مجالات الطب وإكتشاف أدوية أكثر فعالية من سابقتها , فأصبح معدل المرضى الذين يعيشون لمدة العشر سنوات يزيد على 90% , ولكن هذا المعدل يسوء جدا في الحالات التي يكون فيها إصابة للكلى .
مستقبل المرض:
وبشكل عام , فإن كثيرا من مرضى الذئبة يمارسون حياتهم الطبيعية مثل غيرهم في حال انتضامهم على الأدوية , واتباعهم لارشادات طبيبهم المختص .
.
وجزاك الله خيرالجزاء
تسلموا