الرفق قى الإسلام
الرفق من أحب الفضائل والخلال إلى الحق عز وجل ومن أبلغها أثرا فى حياة البشر ودعم علاقاتهم وتنمية أحاسيسهم ، وترقية مشاعرهم ، وتوثيق صِلاتهم وروابطهم بالكون أجمع ، ومن هنا دعا الإسلام إليه .
والرفق ضد العنف ، يُقال رفق بالأمر وله وعليه . والرفق لين الجانب ولطافة الفعل ، وصاحبه رفيق ، وفى الحديث : " أنت رفيق والله طبيب " أى أنت ترفق بالمريض وتلطفه والله الذى يبرئه ويُعافيه " . والرفقة : القوم ينهضون فى سفر يسيرون معا وينزلون معا ولا يفترقون ، ( لسان العرب لإبن منظور مادة رفق ) . قال عمرو بن العاص لإبنه عبد الله : ما الرفق ؟ قال : أن تكون ذا أناة وتلاين ، قال فما الخرق ؟ قال معاداة إمامك ، ومناوأة من يقدر على ضرَّك . قال سفيان الثورى لأصحابه : تدرون ما الرفق ؟ قالوا : قل . قال : أن تضع الأمور فى مواضعها : الشدة فى موضعها ، واللين فى موضعه والسيف فى موضعه والسوط فى موضعه . ( فيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة المناوى جـ 4 صـ57 ) . ومن هنا دعا الإسلام إلى الرفق ورغبنا فيه ونوه بأنه ـ فى بابه ـ لاعدل فى نتائجه وآثاره ، وأن الله عز وجل أوفى الجزاء عليه فى الدنيا والآخرة .
عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن الله تعالى رفيق يُحب الرفق ويعطى عليه ما لا يعطى على العنف " رواه البخارى فى الأدب ( المرجع السابق جـ 2 صـ 237 ) فكل ما فى الرفق من الخير ، ففى العنف الشر مثله .وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرفق لايكون فى شئ ألا زانه ، ولاينزع من شئ إلا شانه " رواه مسلم . قال العلامة المناوى : " الرفق لايكون فى شئ إلا زانه " إذهو سبب لكل خير ، " ولا ينزع من شئ إلا شانه " أى عابه ، وإذا كان الرفق مطلوبا فى كل أمر وحين وهو بالطبع ليس بديلا عن الحزم ، فإنه
مع الأعداء والمخالفين لنا فى الدين يكون أوجب وألزم ، إذ به يلزم المرء جادته ولايخرج عليها ، ولايعطى لخصمه من مادة اللجاجة ما يطمعه فيتكئ عليها ويستثمرئها ويتطاول بها . عن عائشة رضى الله عنها قالت : دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم قالت عائشة: ففهمتها وقالت : وعليكم السام واللعنة ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلا يا عائشة ان الله يحب الرفق فى الأمر كله . فقلت : يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قلت وعليكم " رواه البخارى ( فتح البارى بشرح البخارى لابن حجر جـ 3 صـ 57 ) وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليك بالرفق ، وإياك والعنف والفحش "رواه البخارى فى الأدب ( الجامع الصغير للعلامة المناوى جـ 4 صـ 334 ) وهذا حث على التخلق بالرفق وذم العنف ، قاله لها حين قالت لليهودى عليكم السام واللعنة بعد قولهم للنبى صلى الله عليه وسلم السام عليك .ومن هذا المعنى يكون الرفق ضرورة فى كل عمل ، وأمرا واجبا لتجويده ونجاحه وكماله ، وبالتالى يكون الخطأ والخيبة ثم التخلف حليفا لكل عمل صادر عن إنسان عجول مضطرب أهوج أخرق . قال وهب بن منبه : الرفق ثنى الحلم وقال بعضهم : ما أحسن الإيمان يزينه علم ، وما أحسن العلم يزينه عمل ، وما أحسن العمل يزينه الرفق ، وما أضيف شئ إلى شئ مثل حلم إلى علم . وعن أبى عون الأنصارى قال : ما تكلم الناس بكلمة صعبة ألا وفى جانبها كلمة ألين منها تجرى مجراها .
يقول الرسول الكريم : " إن هذا الدين يسر فأوغلوا فيه برفق وإنه لن يشاد أحد إلا غلبه " ويقول الرسول الكريم أيضا : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مااستطتم " فقوله تعالى : " فاتفوا الله ما استطعتم " هو الميزان يقيم عليه المؤمن دينه كله وأن يبقى هذه الفتن التى تهب عليه من كل جهة ، أن يتقيها بقدر مايملك من قوة وما يتحمله من جهد ، والله سبحانه وتعالى يقول " لايكلف الله نفسا إلا وسعها لهل ما كسبت وعليها مااكتسبت " فكل نفس لها طاقة من الإحتمال ولها قدر من القوة وأنه على قدر طاقتها وقوتها ، تحاسب فتجزى بما كسبت وعلى مااكتسبت .
ومن أجل ذلك كانت شريعة الإسلام ـ مع عمومها ـ تنظر إلى ما فى الناس كأفراد . وإلى مافيهم من ضعف وقوة ، فتكلف القوى بما لاتكلف به الضعيف .( التفسير القرآنى للأستاذ عبد الكريم الخطيب جـ 28 صـ 992 ، 993 ) . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذات نفسه قدوة الخلق فى ذلك ، يلتزم جادة الحق ومنطق الفطرة . عن عائشة رضى الله عنها قالت : " ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا أخذ أيسرهما مالم يكن إثما ، فإنه كان أبعد الناس منه .. وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله بها " …. رواه البخارى . عن أبى هريرة رضى الله عنه ، وعنه صلى الله عليه وسلم قال : " دعونى ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شئ فاجتبوه وإذا أمرتكم يشئ فأتوا منه ما استطعتم " … رواه البخارى .قال إبن حجر فى شرح الحديث : قال النووى : هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ، ويدخل فيه كثير من الأحكام ، كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط ، فيأتى بالمقدور ، وكذا الوضوء وستر العورة ، وحفظ بعض الفاتحة وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والإمساك فى رمضان لمن أفطر بالقدر ثم قدر فى أثناء النهار إلى غير ذلك . ( فتح البارى بشرح البخارى جـ 19 صـ 19 ـ 21 بتصرف ) " وكان عليه الصلاة والسلام يأتى ضعفاء المسلمين ويزورهم " ، تلطفا بهم وإيناسا لهم " ويعود مرضاهم ويدنو من المريض ويجلس عند رأسه ويسأله كيف حاله ويشهد جنائزهم " وكان صلى الله عليه وسلم ـ يهش للصبيان ويفرح يهم ويدعو لهم ويداعبهم ويرق لهم ويتلطف
معهم ، وقد حذا سلفنا الصالح حذو مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فكان رفقهم تربية ووسيلة إصلاح وتوجيه فسعد بهم المجتمع واستقام أمره . من كتاب الإسلام دين الرفق ( سلسلة الدين والحياة )