القناعة… سرٌّ من أهم أسرار السَّعادة الزَّوجيَّة؛ إنَّه الكنز الَّذي يمنح صاحبه عزًّا بغير مالٍ وقوَّةٍ بغير سلطانٍ؛ إنَّه الدَّعامة الأقوى والرَّكيزة الكبرى لضمان السَّكن الزَّوجي والاستقرار الأسري الَّذي تنعم فيه العائلة بالغنى والرِّضا والسَّعادة والأمان…
. إذا ما كنت ذا قلبٍ قنوعٍ***فأنت ومالك الدُّنيا سواء
مملكة القناعة!
الزَّوجة القنوعة تنظر إلى داخل بيتها لا إلى خارجه تهيئ فيه أسباب الرَّاحة وتفجر ينابيع الحنان وتفتش عن سبل السَّعادة فتجعل من بيتها مملكة ينعم فيها أميرها ومليك عمرها… بيتها في عينها.. أثاثه فاخر، ومقعده وثير، حتَّى ولو كان متواضعًا في نظر غيرها… أولادها هم ذهبها وجواهرها الثَّمينة؛ بل هم أغلى من كنوز الدُّنيا بأكملها… إنَّها تحبُّ حياتها بكلِّ ما فيها… ولا يملأ أحد عينها غير فارسها وتوأم روحها… و كيف تنظر إلى أحدٍ غيره؟! وليس في العالم كلّه من يصلح زوجًا لها أفضل منه! أليست هذه المرأة سعيدة بحقٍّ؟! صدق الله إذ يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرُّوم: 21].
. هل أنت قنوعة؟
(صارحي نفسك ولا تخدعيها)
1-أنتِ دائمًا سعيدةُ بحياتك راضيةُ بمعيشتك غير محبطةٍ ولا ساخطةٍ؟
2-أنتِ لا تعاتبين زوجك على قصر ذات يده ولا تطالبينه بما فوق طاقته؟
3-أنت تنظرين دائمًا إلى من هي دونك في أمور الدُّنيا وتحمدين الله على ما أنت فيه؟
4-زوجك في عينك أفضل الأزواج، دائما تحمدين الله على أن أكرمك به؟
5-أنتِ لا تنظرين إلى ما في يد غيرك وتقنعين بنعم الله عليك؟
“جاء إبراهيم -عليه السَّلام- إلى مكَّة، بعدما تزوَّج إسماعيل -عليه السَّلام- يتفقَّد حال أهله بعد ما تركهم مدَّةً، وكانت أمُّه هاجر قد ماتت، فلم يجد إسماعيل فدخل على امرأته فسأل عنه.
قالت زوجته: خرج يبتغي لنا (أي يطلب لنا الرِّزق)؟
إبراهيم -عليه السَّلام-: وكيف تعيشان؟ وما حالكما؟
قالت: نحن بشرٍّ! نحن في ضيقةٍ وشدَّةٍ! (وجعلت تشكو إليه)
قال: فإذا جاء زوجك أقرئي عليه السَّلام وقولي له غيِّر عتبة بابك.
(فلمَّا جاء إسماعيل كأنَّه آنس شيئًا)
فقال: هل جاءكم من أحدٍ؟
قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا
فسأل عنك، فأخبرته، وقالت: سألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا في جهدٍ وشدَّةٍ.
قال: فهل أوصاك بشيءٍ؟
قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السَّلام ويقول: غيِّر عتبة بابك.
قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك… الحقي بأهلك فطلقها وتزوَّج من أخرى.
فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمَّ أتاهم بعد، فلم يجده فدخل على امرأته فسأل عنه، قالت: خرج يبتغي لنا.
قال: كيف أنتم؟ وما حالكم؟.
قالت: نحن بخيرٍ وسعةٍ (وجعلت تثني على الله -تعالى-)
فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم والماء.
قال: إذا أتى زوجك فأقرئي عليه السَّلام ومريه أن يثبت عتبة بابه.
سادة الدُّنيا وعظماء الآخرة
تأمَّلي يا سيدتي كيف تزوجت الطَّاهرة بنت الصِّديق أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تقول -رضي الله عنها-: “بنى بي رسول الله، ما نُحرِت عليَ جزور ولا ذُبحت عليَ شاة”، وتجهز أم العروس ابنتها وتقول: “أهلك يا رسول الله، وتدعو لهما بالبركة”.
في غرفةٍ متواضعةٍ سقفها من جريد النَّخل ليس فيها أثاثٌ فاخرٌ ولا طلاءٌ زاهرٌ ولا زخارفُ مبهرةٌ أو تحفٌ نادرةٌ، ولكنَّ السَّعادة الَّتي تغمر القلوب، والقناعة الَّتي تعمر النُّفوس، أحالت هذا المكان إلى واحةٍ فيحاء وروضةٍ غناء، بهذه البساطة دخل أكرم زوجين وأشرف عروسين وعاشا أسعد حياة في جوِّ من راحة البال وهناءة العيش.
وانظري إلى فاطمة بنت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- سيدة نساء أهل الجنَّة كيف