غــــــــــــــــــــــــــــــــــزالة
كانت تقاتلبجوار زوجها شبيب وتسعدها رؤية الدماء والأشلاء!
التاريخ مليءبالحكايات المثيرة ، والأحداث الخطيرة.. إن قارئه أشبه بقاريء رواية الأديب المؤرخه. ج ديلز (آلة الزمن) حيث يستطيع من يركب هذه الآلة أن ينتقل عبر العصور بسهولةويسر، ويري ماجري وماسيجري في العالم من أحداث.
والسؤال الذي يبرز في الذهن: كيف نستفيد من هذه الرؤي وتلك الأحداث.. هل نقرأها حبا للاستطلاع أم نقف امامهامستفيدين من دروس التاريخ.؟وقد وقفت امام هذه القصة المثيرة التي قرأتها فيكتاب (نساء محاربات) للأديبة صوفي عبدالله .. لقد توقفت أمامها كثيرا، لانها تجعلكتقف امام بعض المواقف مشدوها.. كيف يشكل الفكر والعقيدة سلوك الناس، فيعيش لهذهالأفكار ويدين بها حتي لو كانت بعيدة عن الصواب.
القصة تتحدث عن امرأة اسمها (غزالة).. وغزالة تلك كانت من الخوارج، وكانت شجاعتها مضرب الأمثال، كما كان زوجها (شبيب بن يزيد) أيضا مضرب الامثال في الشجاعة، وكان شبيب هذا أميرا للخوارج،قيلعنه إنه قتل خمسة من قواد الحجاج بن يوسف الثقفي، وهزم له عشرين جيشا.!
وكانتزوجته هذه خطيبة بارعة في الخطابة، كما كانت تحارب وتقاتل معه في ميدان القتال، غيرآبهة بخطر، ودون ان تخشي منازله الفرسان.. بما فيهم تحديها للحجاج بن يوسف الثقفينفسه علي غلظته ودمويته ووحشيته!
وقبل ان نتحدث عن قصة (غزالة) تلك لابد ان نعرفشيئا عن فكر الخوارج، والخوارج اسم يطلق كما يقول الدكتور محمد عبدالمنعم القيعيعلي كل من خرج علي الامام الحق المتفق عليه، وهم المتمردوين علي طاعة الإمام دون انيعتنقوا مذهبا معينا او يكون لهم رأي خاص بهم، لكن صار هذا الاسم عاما علي طائفةلها منطقها ورأيها ، وقد اطلقت عليهم اسماء عديدة!
المهم أن هذه الطائفة أحدثتفي المجتمع الاسلامي فتنة عارمة لتكفيرهم كل من لم يكن معهم علي من يحاربونه ولوكان موقفه سلبيا أو محايدا.
* * *
ومع ذلك فقد امتاز هؤلاءالمتطرفون بالجرأة والشجاعة النادرة ، حتي اننا نراهم وهم يتصدون لمن يحاربهم بعنفوشراسة..
وقد حاربهم الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد عبدالملك بن مروان بلاهوادة..
وكان الحجاج بن يوسف شديد الوطأة علي من يحاربه.. ولم يكن يعمل لأيإنسان أي حساب، حتي أنه قسا علي (أنس بن مالك ابن النضر) خادم رسول الله صلي اللهعليه وسلم،ولم يسلم منه الا بعد أن وبخه الخليفة عبدالملك بن مروان، الذي أمره أنيعتذر لخادم الرسول، وتعجب من جرأته أن بعنف أنس خادم رسول الله صلي الله عليه وسلمالذي كان يطلعه علي سره، ويفشي له الاخبار التي تأتيه من ربه’ كما جاء في كتابه اليالحجاج ثم عقب ذلك بأن أمره أن يمشي علي قدميه راجلا غير راكب.
وأطاع الحجاج أمرالخليفة، واعتذر له، وطلب منه أن يكتب إلي الخليفة يلتمس منه الرضا والصفحعنه.
* * *
الحجاج هذا بكل غلظته، وقفت أمامه (غزاله) في إحديالمعارك، بعد أن قتلت العديد من فرسانه، ثم طلبت منه المبارزة، فخاف منها الحجاج،وهرب من هذه المواجهة.. فيره عمران بن قحطان بتلك الأبيات اللاذعة التي تقطر تهكماوزراية؟أسد علي، وفي الحروب نعامةفتخاء تنفر من صفير الصافرهلا برزتإلي غزالة في الوغيبل كان قلبك في جناحي طائر!!
أما زوجها فهو رجل من جبابرةالخلق وعتاتهم، له امرأة علي غراره، قيل أنها كانت فقيهة أيضا وخطيبة، فهي معتزةبجبروت رجلها، حتي أنها قالت له يوما:
باشبيب..!.. لقد نذرت لله نذرا سألتك أنتعينني علي الوفاء به؟وماذاك ياغزالة يرحمك الله؟أن أصلي في مسجد الكوفةالجامع ركعتين، أقرأ في الأولي سورة البقرة، وفي الثانية سورة آل عمران.
وماأدراك ما الكوفة آنزاك.
انها حاضرة الجبار العنيد ابن يوسف الثقفي الذي قتل لهشبيب القواد، وأفني له الاف الاجناد، وجعله مضغة في أفواه العباد، وان للحجاج فيالكوفة لستين ألفا جمعهم لحرب شبيب وغزالة.
ولكنه الجبروت والعزةبالفتوة!
وناهيك بالبقرة وآل عمران: انهما أطول سور القرآن قاطبة، فآيات البقرةمائتان وست وثمانون آية، وآيات آل عمران مائتان.
وناهيك بصلاة تتلي فيها هاتانالسورتان وسط عدو عدته ستون ألفا.. أنها ليست صلاة الواجف العجلان، بل هي فعلةالمستأني أناة الاستهانة بعدوه الجرار.
ولكنه الجبروت والعزة بالفتوة
* * *
والعجيب ان شبيب حقق أمل زوجته (غزالة) فزحف بجيشه نحو الكوفة، وقتل فيطريقه من قتل من رجال الحجاج، ودخل الكو فة نفسها وفيها الحجاج وجنده، وسار فيشوارعها وبجواره غزالة حتي دخلت المسجد لتصلي فيه، ووقف هو وبعض جنوده عند البابالحراستها، حتأدت نذرها وعاد من حيث قدم !!
ويقال عنها انها كانت تهاجمالمدن ومعها مجموعة من النساء، حتي قال فيها خزيمة بن فاتك الأسدي:
أقامت غزالةسوق الضرارلأهل العراقين حولا قميطاسمت للعراقين في جيشهافلاقيالعراقان منها أطيطا
(والاطيط) هو الصوت يخرج عند اشتداد الكرب، او هو حنينالابل الي معاطفها، والمعني:
أن أهل العراق لقوا منها الويلوالحرب!!
والمحللون لشخصية هذه المرأة الجريئة التي لاتعبأ بالحروب، ولاتخشيالرجال، والتي كانت تقاتل وتقتل، ولاتخشي رؤية دماء الضحايا، ولاتعاف رؤية الأشلاء،ماكانت تفعل كل ذلك، إلا أنها كانت تري في زوجها شبيب القدوة والمثال.
فهو جريءلايعرف الخوف،شديد لايعرف اللين،يدافع عمعا يعتقد دفاعا دونهالموت.
وكانت هي تقلده في كل ذلك.
تراه لايهاب الموت فلم تهب نهابالموت.!
وتراه متعطشا للدماء، فتاقت نفسها لرؤية الدماء.!
لم تحارب عنفكر..
ولم تحارب عن دين..
بل حاربت وهي تعتقد ان مايخالف رأيها أو يخالف رأيالخوارج مصيره الموت..
كانت تحارب عن ضيق أفق.
وتحارب عن تعصب ممقوتاوكما يقول الامام الغزالي في كتابة المنقذ من الضلال:
‘إن للإسلام عدوا منالخارج، هو أقل خطرا كالمشركين والوثنيين.
وعدوا من الداخل هو أشد خطرا كمسلمجاهل لايفهم دينه، ويتعصب لجهله وضلاله.!
* * *
وتمرالأيامويغرق زوجها شبيب عندما نفر به جواده، وسقط في دجلة.. وانتهتحياته!
وإذا بغزالة وقد فقدت الرجل التي كانت تري فيه كل مثلها، قد انهارتقواها، ولم تعد لديها القدرة علي التحدي والقتال.. ماتت فيها هذه الروح، ووهن فيهاالعزم، ولم تعد هي هي التي تخوض المعارك ولايهمها يجور الدم.. حتي انها في أولمواجهة منيت بهزيمة ساحقة، وقتلت في هذه المعركة..
و.. أسدلت الايام ستارالنسيان علي امرأة كانت في يوم من الايام تملأ الحياة خوفا ورعبا، لانها كانت تتمثلبزوجها الذي عاش حياته، وهو يري انه علي حق، وغيره علي الباطل، ولم يفكر او يعملعقله مرة واحدة، حتي يثوب لرشده وتثوب معه الجماعة التي تعلقت به، وآمنتبفكره!
يقول :
الحجاج بن يوسف الثقفي
قاتلت في كل اسقاع الدنيا اعتى الرجال حتى دانت لي
فلم اهرب من معركة
ولم اجبن من لقاء
ولم أخشى من الموت
ولكن هزمتني أربع نساء
بقوة شكيمتهن .. واعتزازهن بانفسهن .. وذكاء فطرتهن
1 .أسماء بنت أبي بكر الصديق
2. سكينة بن الحسين بن علي
3. غزالة الشيبانية
4. هند بنت المهلب بن أبي صفرة
أحبتي :
مالذي جعل الحجاج المعروف بشدة بأسه
أن يعترف بهذا القول الخطير الذي يراه البعض
في زماننا وصمة عاربينما هو قد قاله ولم يراه كذلك .
إن ذاك الاعتراف لهو شهادة حق
على كل رجل لا يظهر قوته وبأسه إلا على المراة .
فيفتعل المشاكل ..ليذلها
ويقدم العطاء .. ليمن عليها
ويمدح بالكذب .. ليحصل على غايته منها
ثم يرميها على قارعة طريق الحياة
تتكفف الإحسان وتتعرض للإذلال سواء من أهلها أو المجتمع
أو يبقيها حبيسة قوامته المزعومه وسلطته المشؤومة
إن المرأة
مهما تهاون البعض بضعف قوتها أو تهاون بقلة حيلتها
يبقى لديها
قوة كامنة في باطن عقلها وعاطفتها
تستخدمها
متى شعرت انها قد أصبحت لا قيمة لها في حياة الرجل
المستغل لها سواء عاطفيا أو ماديا أو اجتماعيا .
فمهما كانت مسالمة
فهي قوية بإرادتها وشخصيتها وثقتها بنفسها
كم سمعنا من رجل
لم تسقط قيمته وقدره إلا بسبب إنثى انكسر قلبها وانجرح خاطرها بفعل متكبر جاحد لعطاءها .
وكم شهدنا من امرأة
كانت نبراس خير ومشعل عطاء انتفضت من تحت ركام ذل رجل لتصبح في أعلى السلم وهو لم يرتقي في الحياة إلا ما كان منه
لذلك
قال المصطفى عليه الصلاة والسلام
( استوصوا بالنساء خيرا )
فيجب على الرجل
أن يمارس رجولته بالقدر الذي
لا يكون فيه امتهان أو إذلال أو تقصير
في حق من كانت تحت ولايته من النساء
سواء زوجة أو أما أو أخت أو ابنه
فالزمن كفيل بالتقلب باصحابه
فربما لن ينفعه شئ في الدنيا بعد الله
إلا تلك الأنثى التي كان يتسلط عليها بقوته .
همسه :
رقة الأنثى نعمة
تجعل من حياة الرجل قيمة