بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
تعريف القراءات:
القراءات جمع قراءة والقراءة
لغة: الجمع والضم أو بمعنى التلاوة يقال: ما قرأت الناقة سناً قط يعني ما جمعت في بطنها جنيناً وتكون أيضاً بمعنى التلاوة.
شرعا: فتعرف القراءات عند علماء القراءات بأنها:
علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزواً لناقله.
ويراد بالقراءات أحياناً علم الدراية وأحياناً علم الرواية يعني:
علم الدراية: معرفة كيف تم هذا العلم؟ ومن أين بدأ ؟ ومن هم القراء؟ ومن هم الرواة عن القراء؟ وما هي الطرق إلى هؤلاء القراء والأسانيد والصحيح منها والمقبول من هذه الأسانيد والمردود والمؤلفات في هذا العلم؟ وكيف وصل إلينا هذا العلم؟ وأول من ألف فيه؟ هذا يسمى علم الدراية.
علم الرواية: هو كيفية أداء كلمات القرآن معزواً كل ذلك لناقليه ومذكوراً فيه الرواة، فأحياناً يراد بعلم القراءات الدراية وأحياناً يراد بعلم القراءات الرواية ففرق بين الاثنين مثل لو يقال لك: فلان تعلم التجويد قد يراد به تعلم التجويد تطبيقياً لكنه لا يعرف مصطلحات علماء التجويد من إظهار وإدغام ومدود وغنن وغيرها وقد يقال: فلان تعلم التجويد ويراد بذلك أنه أخذ العلم المعروف عند أهل العلم بعلم التجويد فعرف الإظهار والإدغام والمد اللازم والمنفصل والمتصل والغنن وغيرها مما يعرف في علم التجويد.
مصطلحات ونحتاج إلى معرفتها:
1- القراءة: ما نسب إلى أحد الأئمة- أئمة القراءة- مما اجتمعت عليه الروايات والطرق عنه، فما ينسب إلى الإمام مما اجتمعت الروايات والطرق عنه يقال له: قراءة.
2- الرواية: ما نسب إلى الآخذ عن الإمام ولو كان ذلك بواسطة. فالذي
يرويه الراوي عن الإمام يسمى رواية ولذلك يقال عندنا: رواية حفص عن عاصم, رواية شعبة عن عاصم رواية ورش عن نافع رواية قالون عن نافع، لأن ورش وقالون تلميذان من تلاميذ نافع فيسمى ما قرآ به عن الإمام يسمى رواية.
3- الطريق: وهو ما ينسب إلى الآخذ عن الرواي وإن نزل فكل من أخذ عن حفص ولو نزل أو عن شعبة ولو نزل أو عن ورش ولو نزل أو عن قالون ولو نزل يقال له: طريق.
4- الوجه: وهو ما نسب إلى تخير القارئ من قراءة يثبت عليها وتؤخذ عنه. فإذا ثبت القارئ على وجه معين مما روى وأخذ عنه يقال: هذا وجه.
5- الاختيار: وهو أن يختار القارئ من بين مروياته أو الرواي من بين مسموعاته أو الآخذ عن الراوي من بين محفوظاته وكل واحد من هؤلاء مجتهد في اختياره. ولعنا نمثل بمثال يتضح به هذا الأمر ولو بشكل يسير مثلاً في سورة الروم قال الله – سبحانه وتعالى- ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾[الروم: 54] هذه كلمة: ضعف فيها قراءتان: ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ﴾، والثانية ﴿ من ضُعْفٍ ﴾ وهكذا في سائر الآية في كل موارد الضَعف والضُعف في الآية فكلمة ضعف بالفتح هذه قراءة حمزة اتفق الرواة كلهم عن حمزة بقراءتها ضَعف وهي رواية شعبة عن عاصم يعني: ما رواه شعبة عن عاصم رواها بفتح الضاد قال: ضَعف وهي طريق عبيد بن الصباح عن حفص عن عاصم فسمينا هذا طريقاً وسمينا ما ذكره شعبة أو ما جاء به شعبة عن عاصم رواية، وسمينا ما جاء عن حمزة قراءة.
موضوع علم القراءات:
هو الكلمات القرآنية يعني: مجال البحث في القراءات القرآنية هو كلمات القرآن من حيث أحوال النطق بها وكيفية أدائها، فالموضوع هو ما يدور عليه العلم ويبحث فيه فما يدور عليه علم القراءات هو كلمات القرآن وكيفية النطق بها.
حكم تعلم القراءات:
ذكر بعض أهل العلم- فرض كفاية إذا قام به من يكفي من المسلمين تعلماً وتعليماً سقط الإثم عن الباقين.
فائدة علم القراءات:
هناك عدة فوائد نذكر شيئاً منها:
1- العصمة من الخطأ في التلاوة .
2- التمييز بين ما يقرأ به وما لا يقرأ به من قراءات القرآن الكريم، فإن هذا العلم هو الذي يعرفنا ما تصح القراءة به وما لا تصح القراءة به.
3- زيادة المعنى للآية.
4- الاطلاع على يسر الشريعة وتيسير القرآن للتالين .
5- فيها بيان حفظ الله.
6- فضل هذه الأمة وتعظيم أجرها.
هو التوقيف والوحي.
نشأة علم القراءات:
نزل القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ثم تَمَّ جمعه في عهد الصديق أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- وكيف تم جمعه في عهد عثمان -رضي الله تعالى عنه- إن عثمان -رضي الله تعالى عنه- لما كتب المصاحف ووحدهم على حرف قريش وما يوافقه من حروف أخرى التي ثبتت في العرضة الأخيرة كتب سبعة مصاحف وأرسلها إلى الأمصار وأرسل مع كل مصحف قارئاً يعلم الناس فأخذ الناس القراءة من هؤلاء القراء ثم تتابع الناس يقرؤون القرآن ويروونه ويتلقاه جيل بعد الجيل واستمر الناس على ذلك.
لما كثر القراء وكثر الرواة وأصبحت أعدادهم في المصر الواحد لا
تكاد تحصر خشي المسلمون أن يأتي إنسان فيُدخل في هذه
القراءات شيئاً ليس منها ويختلط الأمر على من يأتي بعد ذلك من
هذه الأمة, فتداعى المسلمون إلى ضبط القراء المأمونين
المعروفين بطول أعمارهم في أخذ القرآن واجتهادهم وتوثقهم
وكونهم أخذوه من عدد من المصادر وتلقوه تلقياً متقناً
مضبوطاً، فضبطوا قراءاتهم حتى يقولوا للناس: هذه هي
القراءات الثابتة الواردة التي لا يصح للإنسان أن يتجاوزها أو
يزيد عليها لأنه يأتي إنسان مثلاً ويقرأ مثلاً على الشامية ثم
يذهب إلى الكوفيين فيقرأ عليهم ثم يذهب إلى المكيين فيقرأ عليهم
ثم يقول مثلا أنا: قرأت على المكيين والكوفيين والشاميين ثم
يختار من بعض حروف هؤلاء وقراءتهم ومن بعض حروف
هؤلاء وقراءتهم ومن بعض حروف هؤلاء وقراءتهم وتكون له
طريقة مستقلة وقد يختلط عليه الأمر أو يزيد أو ينقص ولا
يعرف الناس شيئاً من ذلك فجاء العلماء فأخذوا يضبطون
القراءات من خلال معرفة الإمام المضبوط المتقن للقراءة
ويدونون قراءته تدويناً تاماً ويقولون للناس: هذه هي الروايات
المجمع عليها المضبوطة المتواترة التي تلقتها الأمة بالقبول
وكتبوا ذلك ودونوه لئلا يستطيع أحد بعد ذلك أن يزيد شيئاً أو
ينقص شيئاً ثابتاً.
وكان أول من عرف عنه تدوين ذلك أبو عبيد القاسم ابن سلام -رحمه الله تعالى- وهو من
علماء القراءة فدون كتاباً في القراءة لم يصل إلينا لكنه ذكر
خمسة وعشرين قارئاً أو أزيد من ذلك قد يبلغون الثلاثين أكثر من
خمسة وعشرين قارئاً من قراء الأمصار الذين اتفقت الأمة على
تلقي قراءتهم بالقبول وعرفوا بهذا الشأن وتناقل الناس عنهم
القراءة وقرأ عنهم أمم بعد أمم فكان أول من عرف أنه ضبط هذه
القراءات وأثبتها هو أبو عبيد القاسم ابن سلام ثم تتابع الناس
بعده على ضبط هذه القراءات فجاء أحمد بن جبير الأنطاكي –
رحمه الله تعالى- توفي عام ثمانية وخسمين بعد المائتين وجمع
كتاباً ذكر فيه خمس قراءات, ثم جاء من بعده علماء آخرون حتى
جاء ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- توفي عام عشرة بعد
الثلاثمائة فألف كتابه في القراءات وذكر فيه أكثر من عشرين قارئاً وجاء بعدهم أئمة ذكروا أكثر من ذلك بلَّغوها خمسين قارئاً وثلاثين قارئاً ونحو هذه الأعداد
.
ثم جاء من بعد ذلك الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي المتوفي عام ثلاثمائة وأربعة وعشرين من
الهجرة النبوية وتحرى فيما جمع الدقة والضبط والإتقان وكون
من يثبتهم في كتابه هم أكثر من تلقت عنهم الأمة ومن انتشرت
قراءاته في الأمصار فجمع سبعة قراء ولعله أراد أن يوافق عدد
المصاحف التي كتبها عثمان وفرقها في الأمصار فجمع سبعة
قراء، سنذكرهم بعد قليل ونبين أسماءهم، جمع هؤلاء السبعة
وضبط قراءاتهم في كتاب سماه: السبعة.
ومن بعدها انتهت قراءات من سواهم فلم تعرف ولم تذكر وصار
الذين يُعرفون بالقراءة وتروى قراءاتهم بعد ابن مجاهد سبعة
قراء وسبب اختياره للسبعة كما ذكرنا هو كما يقول بعض أهل
العلم: هو تعدد المصاحف التي نشرها عثمان في الأمصار لكن
بعض أهل العلم تمنى لو أن ابن مجاهد زاد واحدة أو نقص واحدة
حتى لا يختلط الأمر على الأمة فتظن أن القراءات السبع هي
الأحرف السبع التي سنتحدث عنها- إن شاء الله تعالى- في درس
مستقل لأن كثيرين من الناس الآن إذا ذكر الأحرف السبعة ظنوا أنها هي القراءات السبع وبينهما فرق.
وبعد ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- كثرت المؤلفات في علم القراءات فمن أهم المؤلفات في علم القراءات كتاب ابن مجاهد -رحمه الله تعالى-: السبعة وهو متوفى عام أربعة وعشرين بعد الثلاثمائة ثم كتاب التذكرة لابن غلبون المتوفي عام تسعة وتسعين بعد الثلاثمائة ثم المبسوط في القراءات العشر ثم الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب القيسي المتوفي
عام سبعة وثلاثين بعد الأربعمائة
ثم جاء أبو عمرو الداني- رحمه الله تعالى- المتوفي عام أربعة وأربعين بعد الأربعمائة هجرية وألف كتابه المشهور في هذا الباب واسمه التيسير في القراءات السبع، ثم جاء من بعد الداني الشاطبي- رحمه الله تعالى- المتوفى عام سبعين بعد الخمسمائة وألف منظومته العجيبة في هذا الباب والتي يضرب بها المثل في الدقة والإتقان والضبط وأصبحت مرجع القراء بعد الشاطبي فمن أراد أن يتقن القراءات السبع فلا بد له من حفظ متن الشاطبية، وألف هذه المنظومة وسماها: حرز الأماني ووجه التهاني المعروفة بالشاطبية ثم جاء بعدهم خاتمة المحققين والقراء ابن الجزري -رحمه الله تعالى- فألف كتابه المسمى: النشر في القراءات العشر فزاد على ما ذكروه السابقين بأن ضمن كتابه القراءات العشر وألف بعد ذلك منظومته المشهورة وهي طيبة النشر في القراءات العشر، وهي منظومة في القراءات العشر كلها، وابن الجزري توفي عام ثلاثة وثلاثين بعد الثمانمائة.