الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السنة النبوية وحي من الله، ولا يمكن أن تعارض حقيقة علمية ثابتة، وما يتعلق ببكاء الطفل، يقال فيه: إن ثبت من الناحية العلمية أن سببه عدم قدرته على التنفس، فإنه لا يتعارض مع ما ثبت في السنة النبوية من أن استهلال الصبي صارخا يكون بسبب مس الشيطان ونزغه، إذ لا مانع من أن يكون للبكاء أكثر من سبب.
قال ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن: فإن قيل: فما السبب في بكاء الصبي حالة خروجه إلى هذه الدار ؟ قيل: ههنا سببان: سبب باطن أخبر به الصادق المصدوق لا يعرفه الأطباء؛ وسبب ظاهر.
فأما السبب الباطن: فإن الله سبحانه اقتضت حكمته أن وكل بكل واحد من ولد آدم شيطانا، فشيطان المولود قد خنس ينتظر خروجه ليقارنه ويتوكل به، فإذا انفصل استقبله الشيطان وطعنه في خاصرته تحرقا عليه، وتغيظا، واستقبالا له بالعداوة التي كانت بين الأبوين قديما، فيبكي المولود من تلك الطعنة، ولو آمن زنادقة الأطباء والطبائعيين بالله ورسوله لم يجدوا عندهم ما يبطل ذلك ولا يرده، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان. وفي الصحيحين من حديثه أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه. وفي لفظ آخر: كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولادته؛ إلا مريم وابنها. وفي لفظ البخاري: كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب. والسبب الظاهر الذي لا تخبر الرسل بأمثاله لرخصه عند الناس، ومعرفتهم له من غيرهم هو: مفارقته المألوف والعادة التي كان فيها إلى أمر غريب، فإنه ينتقل من جسم حار إلى هواء بارد، ومكان لم يألفه، فيستوحش من مفارقته وطنه ومألفه. اهـ.