تأثير مشاهد العنف التلفزيوني على الأطفال
جلس أبي يشاهد برنامج المصارعة على شاشة إحدى المحطات الفضائية، والى جانبه جلس حفيده رواد ابن الأربع سنوات، وجلست أراقب حركات يديه ورجليه التي تتابع حركات المصارعين، وصرخاته وتشجيعه لبطله المفضل، ولم يفتني إحصاء اللعنات والصفات التي كان يطلقها على المصارع الخصم. مما دفعني للتأمل والبحث عن العلاقة بين العنف على الشاشة وجنوح الأطفال لاستنتج ما يعتقده الباحثون أن التلفزيون يساهم في جنوح الأطفال. فمعدل مشاهدتهم للتلفزيون (3 – 5) ساعات يومياً، ويمكن أن يكون له تأثير قوي عليهم في تشكيل سلوكهم وتطورهم. ومع أن بعض البرامج المخصصة للأطفال تساعدهم على التعلم، إلا أنهم يشاهدون برامج الكبار والتي تعج بمشاهد العنف والمشاهد الجنسية الإباحية. وغالبا ما يتم ذلك من دون مراقبة الأهل. فإذا كنت تسمح لطفلك بمشاهدة الأفلام والبرامج التي تعرض المشاهد الجنسية فتوقع الكثير من الأسئلة وعليك أن تستعد للإجابة عليها. كما قد تسبب مشاهد العنف الكوابيس وصعوبة النوم.
يعرض التلفزيون البرامج والإعلانات التجارية التي تصور السلوكيات الخطرة مثل: الإيحاءات الجنسية، والتدخين، وتعاطي الكحول والمخدرات. ولا تتطرق تلك البرامج لخطورة الكحول والمخدرات والتدخين، وممارسة الجنس قبل الزواج.
وقد أظهرت الدراسات أن مشاهدة الاطفال التلفزيون من دون رقابة يسبب تدّني حساسيتهم ضد مشاهد العنف، فيصبح الأطفال غير قادرين على التمييز بين العنف الحقيقي والعنف الافتراضي على شاشة التلفزيون. وقد تتحول الفظائع والعنف الحقيقي الذي يحدث في العالم ويشاهدونه في الأخبار إلى أشياء عادية كما هي في أفلام الحركة، فيعتاد عليها ويتقبلها بدلا من رفضها وإدانتها.
أن الإفراط في مشاهدة العنف التلفزيون يؤدي إلى أن يصبح الأطفال أكثر عدوانية. مع رفاقهم في الملعب، ومع معلميهم، ومع الأهل، ويتضح هذا بشكل كبير عندما يدخلون سن المراهقة.
وفي دراسة لمعرفة تأثير مشاهد العنف على الأطفال، أُخذت مجموعتان من الأطفال، وتم عرض فيديو للمجموعة الأولى يظهر طفلا يضرب دمية ويتعامل معها بخشونة، وعرض فيديو للمجموعة الثانية يظهر طفلة دعت الدمية إلى حفلة شاي، وبعد ذلك وضعوا مجموعة الأطفال الأولى مع نفس اللعبة الذي ظهرت في الفيديو، فبدأ الأطفال بالتعامل معها بعنف، أما المجموعة الثانية فلعبت مع اللعبة بهدوء. وهذا يظهر مدى تأثير التلفزيون على الأطفال سلباً وإيجاباً.
وتظهر بعض البرامج التلفزيونية العنيفة الضحية وخاصة في الرسوم المتحركة وهي تسير دون أن يظهر عليها أنها أصيبت بأذى. وهذا يرسخ الاعتقاد لدى الأطفال بأن العنف لا يؤذي الآخرين في الحياة الحقيقية.
كما أن الأشخاص الذين يرتكبون جرائم في الرسوم المتحركة ويشاركون في مشاهد عنيفة لا يتلقون أي عقاب، فيعتقد الأطفال أنه من الممكن ارتكاب جريمة دون عقاب. وقد لا ينال المجرمون العقاب لارتكابهم أعمال العنف.
وقد يتوهم الأطفال نتيجة مشاهدة شخصياتهم المفضلة والخارقة مثل: سوبرمان وسبايدرمان بقدرتهم على الحصول على ما يريدون أو بحل مشاكلهم باستخدام العنف أو العدوان.
وقد يتقمص الأطفال أبطالهم المفضلين من الشخصيات الخيالية ويتوهمون أنفسهم أبطالا كمثلهم الأعلى من الأبطال الذين يمارسون العنف، ويمجدهم الآخرون ويعتبرونهم قدوة.
وتظهر بعض شخصيات الرسوم المتحركة أحيانا لامبالاة عندما يموت احد شخوصها، وحتى يمكن أن يضحكوا. فالتلفزيون يجعل العنف والموت شيئا مضحكا وغير واقعي. الأطفال لا يتعلمون احترام الحياة لأن مشاهد العنف في التلفزيون تبلد مشاعرهم.
وبرامج التلفزيون والأفلام اغلبها خيالية وهي مشاهد تمثيلية يقوم أبطالها بتمثيل هذه المشاهد في قصة. والأطفال الصغار لا يستطيعون أن يدركوا أنه عندما يهاجم شخص شخصا آخر فإن هذا ليس حقيقيا، يفترض ألا يقلدوه، فكيف يمكن للأطفال معرفة الفرق بين العنف الحقيقي والتمثيل في الأفلام التلفزيونية، فبعد رؤية مشاهد القتل والضرب يقومون بتقليد بعض الحركات الخطرة مما قد يسبب لهم أو للآخرين الأذى.
فكيف يمكننا حماية أطفالنا من هذه التأثيرات؟ أولا الحد من مشاهدة الأطفال للتلفزيون، والاستعاضة عن ذلك بممارسة أنشطة أخرى مثل: القراءة واللعب. وتوجيههم إلى ممارسة الهوايات التي يميلون إليها ، ومن الضروري أن يراقب الأهل ما يشاهده أطفالهم على التلفزيون، وإذا كان ما يشاهدونه غير مناسب فيجب عدم السماح باستمرار مشاهدتهم له، كذلك يجب اعطاؤهم الوقت الكافي للرد على أسئلتهم التي قد تخطر ببالهم نتيجة مشاهدة التلفزيون.
فعندما يشاهد طفلك مشاهد العنف، مما يسبب له الانفعال، فعليك مساعدته على إدراك أن ما يحصل على الشاشة غير حقيقي وإنما هو تمثيل وهذا مهم جداً لتهدئته وإزالة مخاوفه وتوجيه اهتماماته بشكل سليم.
من الطبيعي أننا لا نستطيع السيطرة على كل شيء يشاهده أطفالنا إلا انه إذا بدأنا في المنزل وعملنا مع أطفالنا لتنظيم أوقات مشاهدة التلفزيون، ومراقبة ما يشاهدونه، فإننا نتخذ الخطوة الأولى على طريق النجاح، فوجودنا دائما بالقرب من أطفالنا للتوجيه والتوضيح أمر حيوي ومهم في عملية نموهم وتطورهم. فالتلفزيون يجب أن يأخذ دوره الايجابي في التربية والتعليم ونشر المعرفة.