كل سلامى من الناس عليه صدقة
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كل سلامى من الناس عليه صدقة، وكل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له متاعه عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة رواه البخاري ومسلم.
——————————————————————————–
هذا الحديث من حيث تفاصيل الصدقات يكفي عنه ما مر معنا في الحديث السابق؛ لأن هذه التي ذكرت بعضها من الصدقات الذاتية، وبعضها من الصدقات المتعدية، لكن الذي يظن منه قوله -عليه الصلاة والسلام-: كل سلامى من الناس عليه صدقة سلامى هذه المقصود منها العظام أو المفاصل.
من أهل العلم من قال: العظام، ومنهم من قال: مفاصل العظام، يعني: الصلات بين العظم والعظم، أو العظام أنفسها، فعظام الإنسان كثيرة، والله -جل وعلا- من عليه بهذه، فخلقك في أحسن تقويم، وجعلك في تصرفك في عظامك، وما ابتلاك به في شكر هذه النعمة، جعلك في محط الابتلاء، فهل تشكر أم لا تشكر؟.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: كل -هنا- سلامى من الناس يعني: كل عظم من أعظم ابن آدم، أو كل عظم أو كل مفصل من مفاصل جسد ابن آدم عليه صدقة، فقوله: "عليه" نعلم من الأصول أنها من ألفاظ الوجوب، فيدل على أن شكر هذه النعمة واجب: فشكر نعمة البدن، نعمة العظام، نعمة المفاصل… واجب.
دل على الوجوب قوله: "عليه صدقة": كل سلامى من الناس عليه صدقة يعني: يجب عليه على كل مفصل أن يتصدق بصدقة تقابل تلك النعمة، وتكون شكرا لها، هذه التي ذكرت أمثال لبعض الصدقات، والصدقة الواجبة التي بها يخلص المرء من الإثم في عدم شكر نعمة البدن -ألا يستعمل هذه المفاصل في معصية الله جل وعلا.
فإذا كان يوم من الأيام سلم في ذلك اليوم من المحرمات التي فعلها بهذه المفاصل، أو سلم من ترك أداء الواجبات، واستعمل المفاصل في أداء الواجبات، فقد أدى الشكر الواجب في ذلك اليوم، فكل مقتصد -يعني: فاعل للواجب تارك المحرم في يوم قد أدى شكر ذلك اليوم الواجب الذي يجب عليه لنعمة البدن.
ثم هناك شكر مستحب، وهو أن يأتي بأنواع الصدقات المستحبة: القولية، والعملية، والمالية، وأن يأتي بنوافل العبادات المتنوعة، فإذن الصدقات نوعان: واجبة، ومستحبة، فالواجبة: هي أن تستعمل الآلات في الطاعة، وأن تبتعد بها عن الحرام، فإذا فعلت ذلك فقد أديت شكر تلك الآلات.
قال -عليه الصلاة والسلام-: كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس كلمة "يوم" قد تأتي في النصوص وفي اللغة ويراد بها أكثر من يوم، فيكون عدة أيام إذا كان يجمعها شيء واحد، كما أنه يقال: ساعة، وقد تكون ساعات كثيرة، وهذا له فوائده المعروفة في اللغة، والبلاغة.
المقصود: قال هنا: كل يوم تطلع فيه الشمس فلما قيده بـ تطلع فيه الشمس علمنا أن الوجوب يوما، يعني: كل يوم من طلوع الشمس إلى طلوعها المرة الأخرى، يعني: كما نقول في كل أربع وعشرين ساعة يجب عليك تجاه هذه النعمة، وهي نعمة البدن: المفاصل، العظام -أن تشكر الله -جل وعلا- عليها.
فمثل -عليه الصلاة والسلام- بقوله: تعدل بين اثنين صدقة "تعدل" يدخل في العدل الحكم بينهما بالعدل، يدخل في ذلك الصلح فيما يصلح به كما قال: أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وأشباه ذلك من الأعمال الخيرة.
قال: وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة الإعانة في كل ما يحتاج إليه هذا من أنواع الصدقات: تعينه في سيارته، تعينه في إصلاح شيء فيها، تعينه في الإركاب، تساعد كبير السن أو المحتاج… إلى آخره، كل هذا من أنواع الصدقات التي يحصل بها شيء من شكر نعمة المفاصل والعظام.
قال: والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وهذا واضح وتميط الأذى عن الطريق صدقة هذه أمثلة متنوعة للصدقات اللازمة والمتعدية، وجاء في رواية، ويجزئ من ذلك في الصحيح: ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما المرء من الضحى
فإذا استعملت هذه المفاصل في ركعتين تركعهما من الضحى -فقد أديت الشكر المستحب لهذه المفاصل.
مشكورة على طرحك الرائع
تسلمى
وجعله في ميزان
حسناتك