حديث القلم
إتلاف الأرواح
د. مسعود بن بشير المحمدي*
وقفت مثخنة بجراح الماضي تحاصرها آلامها، قالت بصوت خافت: سأمت الجدل ومستني ضراء الخصومات، فرفقا يا فضيلة القاضي بامرأة خصمها زوج لم تعرف في ظلاله معاني الزوجية، يا شيخ إني أبغضه ــ قالتها مراراــ أريد الخلاص فبادرها القاضي: يا بنيتي أريد إحالتكما إلى مجلس صلح لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا خالجتها مشاعر غضب انقدحت جمرتها في نفسها حينما طالعتها حقيقة أن القاضي لا يريد البت على الفور في قضيتها التي حضرت لها الجلسة الثانية، قالت وقد هاجت مشاعر الغضب في قلبها: لا صلح معه يا شيخ فقد أبغضته ولا حل إلا الفرار من شبح حياتي معه. وبدأ مجلس الصلح وقد خيمت عليه مرارة ذكريات سالف العشرة، طلب المصلحون الشفافية والمصارحة من كل من الطرفين، شرعت المرأة في بث شكواها.. إنها تشكو هروب الزوج من بيت الزوجية فقد تعودت منه خلال أعوام المجيء إلى الدار قبيل العصر ومن ثم خروجه إلى شيء من مشاغله ليقضي أكثر وقته في الاستراحة مع الأصدقاء ولا يأتي بيته إلا قبيل الفجر، هكذا حياتها معه، قال: الزوج بثقة إنه قائم بالحقوق وأن أكثر أصدقائه على هذا الحال مع زوجاتهم ولم يطرقن أبواب القضاء، ظهر لمن حضر المجلس بعد جدل أن الإشكال منحصر في أن سبب هروب الزوج شعوره بأنه لا يجد توافقا نفسيا وروحانيا مع زوجته ولا يمنعه من فراقها إلا جانب الاحتساب.
أحبتي القراء هذه قضية يكثر الحديث عنها.. هل حقا تتنافر الأرواح بحيث يتعذر إيجاد جسور التواصل بين زوجين يجمعهما سقف بيت الزوجية؟ فمن الباحثين من يرى ذلك واقعا ويحتج بدراسات نفسية، كما أن له أن يحتج بما روى البخاري في صحيحه أنه عليه الصلاة والسلام قال (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها أأتلف وما تناكر منها اختلف)، لكن قال ابن حجر في فتح الباري ما مفاده أن العلماء اختلفوا في تفسير الحديث على أقوال منها التفسير السابق ومنهم من رأى أن التنافر بحسب حال الروح، فالشريرة تقبل على الشريرة وكذا الخيرة تقبل على الخيرة وتنفر الأرواح الخيرة من الأرواح الشريرة، لكن يتعذر على كل ذي فقه أن يقصر معنى الحديث على أحد التفسيرات، والشاهد هنا أن كل زوج أو زوجة يحتجان بقضية التنافر بين الأرواح لتمرير وتبرير أعراض كل طرف عن محبة صاحبه ليس مسلما، ولو سلمنا فمن اليسير مد جسور التآلف فلكل نفرة سبب ويحسن بمن نفر من زوجه أن يفتش في جنبات نفسه لما النفور فإذا عثر عليه كاشف صاحبه ولو كان في تلك المكاشفة حرج يسير فهو في ختام الأمر خير ألف مرة من التنازع والشحناء. وليتدبر كل طرف أن في صاحبه ما هو محمود من الأخلاق وما هو مذموم ولينظر إلى المحمود وليغلبه على المذموم وليتذكر قوله عليه الصلاة والسلام (لا يفرك مؤمن مؤمنة إذا كره منها خلق رضي منها آخر) ومعني يفرك يكره فتأمل هذا.
* المشرف العام على الدعوة والإرشاد في المدينة المنورة.
اعدكم بموضوع اروع واحلى هو ليال ونفخات تحياتي