"انتهت أيام الرومانسية والعطر الفوَّاح.. وساعات التزيُّن أمام المرآة.. لقد صار عندنا خمسة أطفال.. وولَّى زمن اللَّهفة والشوق والحب "هكذا تقول (ش.ج – 35 سنة/ مصر) ؛ في حين يبتسم (خ.ع -38سنة/ السعودية) ويقول: "بعد أن رُزِقْنا ببناتنا الثلاث؛ انشغلنا بتدبير مصروفات الأطفال، وتكاليف العيش، وكدنا أن نفقد الصلة بيننا، وصار فراشنا باردًا، بل كان أحدنا أحيانًا ينام مع الأطفال في غرفتهم بالتوالي حسب الأحوال، وكادت برودة العلاقة أن تصل بنا إلى حافة الطلاق، ثم عندما تصارحنا وتعاهدنا على بذل الجهد، عادت الأمور إلى أفضل مما كانت، وأزعم أن حياتنا الزوجية وعلاقاتنا الخاصة الآن أفضل من أيام الزواج الأولى.. الآن يعرف كل منا ما الذي يشبع صاحبه، ويروي روحه وجسده، ويحقق له المتعة، فقد اجتمعت الخبرة والمعاشرة والإرادة لإنقاذ حبنا ولتحقيق علاقة زوجية سعيدة.
أما "ن.ش" (34 سنة/ إنجلترا) فتقول: "سفرنا إلى الخارج ساعد في تنمية علاقتنا الزوجية، فالثقافة الجنسية التي يتعرض لها المرء أحيانًا رغم أنفه في الغرب في إطار العلاقات المفتوحة، والإعلام المكشوف وظَّفناها في ظل علاقتنا الحلال، ورغم الأطفال والأعباء والمسئوليات أنقذنا علاقتنا من البرود والملل والاعتياد".
فهل الحياة الجنسية للزوجين تذبل مع تزايد الأعباء وقدوم الأطفال وتلاشي الفضول واستقرار الشهوة وتسلل الرتابة، أم أنها يمكن أن تظلَّ متجددة وتكتسب مع الأيام أبعادًا جديدة- نفسية وحسية؟!
الحُبُّ.. في صالح الأطفال
نعم.. قدوم الأطفال يفرض أعباء على الأسرة الجديدة، فالوالد يبذل جهدًا أكبر في توفير نفقات الأسرة، وقد يضطر للعمل ساعات أطول أو التماس أعمال إضافية لزيادة دخله، والأم التي تعمل كذلك، وهي بدلاً من العودة للمنزل للراحة تعود لأعمال متراكمة في انتظارها، والمرأة التي لا تعمل خارج بيتها أيضا تزيد الأعمال المطلوبة منها، ناهيك عن النوم المضطرب في العامين الأوليين من مولد الطفل وحتى الفطام، والنتيجة: بَدَنٌ منهك.. وعقل مُثْقل.. وبذلك يقل العطاء النفسي والجسدي لشريك الحياة، تتباعد مرات اللقاء، وتقل مدة التفاعل، ويسقط الاثنان نيام من الإرهاق. ولكن….
لماذا لا يكون الأطفال سببًا في رابطة أقوى، وعلاقة جسدية أكثر نضجًا، وعناية أدق وأطول بمقدمات المعاشرة، بعد أن استوت الشهوة المتعجلة في بداية الزواج على الجودي، وترسخت العلاقة بالعيش المشترك، ومعرفة أعماق نفس الطرف الآخر؟
وقد نغفل أحيانًا عن أن جفاف ينابيع الحب بسبب الانشغال بالأطفال، والدوران في دوائر اليوم ومسئولياته، والإرهاق المستمر هو ذاته ضد صالح الأطفال الذين نحاول أن نقدم لهم الاحتياجات المادية، ولكن من حقوق الطفل المعنوية أن ينشأ في بيئة يستشعر فيها دفء العلاقة بين الأب والأم، بلمسة رقيقة واحتضان رفيق ومسارعة بالمساعدة والمساندة في لفتة عطوف، وهو ما يظهر جلياً للطفل من علاقة زوجية قوية، وهو أيضًا ما يغيب عادة في المعاملات اليومية إذا ما توترت العلاقة الزوجية الخاصة بينهما، ويلاحظه الأطفال على الفور وبحساسية بالغة تفوق التوقع.
أسباب أخرى للفُتور
وإذا كان ضيق الوقت وانشغال الذهن وتعب البدن من أسباب فتور العلاقة الزوجية بعد أن يأتي الأطفال؛ فإن هناك أسبابًا أخرى عضوية يغفل عنها الزوجان وتحتاج لتعامل بوعي وحرص:
– فتغير الهرمونات في جسد المرأة بعد الولادة قد يؤدي لدى بعض النساء إلى ميول اكتئابية، ناهيك عن الإرهاق الزائد لاضطراب ساعات النوم في الشهور الأولى، وهو ما يستلزم من الرجل أن يحيط المرأة بمزيد عطف وحنان، وأن يشعرها أنه يحبها، ويظهر لها ذلك بأشكال تواصل جسدي مختلفة لا تنتهي بالضرورة بالمعاشرة الكاملة -من مداعبة وتودد وحنان تكون الزوجة في أشد الحاجة له، خاصة مع تغير تضاريس الجسد الذي قد لا يبقى أو يعد نحيفًا رشيقاً كما كان، وكذلك أثر الرضاعة على تفاصيل جسد المرأة، وهي أمور تحتاج حساسية عالية من الرجل في تعامله مع زوجته في علاقتهما الخاصة، فضلاً عن محاولة مد يد العون لها بتولي رعاية الطفل ساعة أو اثنتين كي تظفر هي بنوم هادئ يعينها عند نوم الطفل بغد حين على عطاء صافٍ للزوج المحب.
– وآثار الولادة على الأعضاء التناسلية للمرأة أيضا قد يؤدي إلى توترات في العلاقة، إذ قد تكون المعاشرة مؤلمة للمرأة بعد الولادة لفترة فتعزف عنها أو تعرض عن مقدماتها مما يؤدي مع الوقت للفتور، وقد يكون الصبر والرفق البالغ، ثم اللجوء لبعض الأدوية المسكنة أو الموضعية الملطفة باستشارة الطبيب من العوامل المساعدة في تيسير وتسهيل الولوج ودعم العلاقة الطبيعية.
– الرضاعة الطبيعية: إذ أن بعض النساء تشعر بالحرج من شكل الثدي وحجمه أثناء الرضاعة، وكذلك من تساقط قطرات اللبن منه رغمًا عنها أثناء المعاشرة، وهو ما قد يوتِّرها ولا يشعرها بالراحة والتوافق مع التغيرات الجديدة، رغم أن هذا التحول الجديد قد يصبح مصدر متعة جديدة بين الزوجين، وإضافة لعلاقتهما الزوجية واكتشاف مساحات جديدة من التواصل والتلاطف.
– بحث الزوج عن الراحة : بعيدًا عن إزعاج الطفل الوليد أو ضجيج الأطفال ومطالبهم، فقد يؤدي قدوم طفل جديد إلى نوم الزوج في غرفة أخرى تجنبًا لصراخ الطفل في الليل ، أو انتقال الزوجة للنوم مع الوليد أو الأطفال الصغار لرعايتهم أثناء الليل إذا ما احتاجوا لذلك، وقد يقتل هذا العلاقة الحميمة بين الزوجين التي يفجرها أحيانًا دون سابق إنذار لمسة أو همسة في فراش الزوجية، وتنتفي الصدفة العفوية التي تجمع بينهما أحياناً فيتباعد الطرفان.
والزوج عليه أن يتحمَّل ويعتاد وجود الأطفال، فيصبر في البداية، وليعلم أن عادات النوم تتغير، وأن آباء وأزواج آخرين ينامون ملء جفونهم وبجوارهم أطفالهم الرضع لأن "اللاوعي" لديهم مع الوقت يدرك أن الأم ستبادر بتفقد الرضيع إذا بكى أو رعاية الطفل الصغير إذا ناداها، وبذا يتعودون على النوم في جو به أطفال، وإن هذا هو الأصل لأن الأبوة لها ضريبة مثلها مثل الأمومة، والأمور نعتادها مع مرور الوقت.
تجديد المشاعر … تجديد التواصل
هناك عدة أمور هامة يجب مراعاتها بعد أن يأتي الأطفال؛ كي تستمر الحياة الزوجية الخاصة قوية ومليئة بالشوق والرغبة المتبادلة:
أولاً: حسن اختيار الوقت، فالطفل الرضيع لا ينتظر.. يصرخ.. تسارع الزوجة لإسكاته وإرضاعه وتنظيفه، وتعود لتجد الزوج قد فتح قنوات التلفاز أو ربما أدار ظهره ونام!
لذا فإن تهيئة الظروف تحقق الإشباع الكامل، ولا بأس من ترتيب يوم أو ليلة في الأسبوع يترك فيه الطفل أو الأطفال مع الجد والجدة أو في رعاية العمة أو الخالة (دون الإفصاح البتة عن "الأمر الهام"الذي يجب قضاءه أو "الموعد الهام" الذي يستلزم ترك الأطفال في رعاية آخرين) ، كي يجد الزوجان مساحة خاصة للعلاقة بينهما في الفراش، أو في التواد والتراحم بشكل عام بالانفراد في وجبة طعام أو جلسة استرخاء أو كوب شاي في هدوء دون صراخ أو بكاء أو ضجيج.
فالتماس واقتناص الفرص وعدم إهدارها ربما يكون أفضل الحلول، وهذا يستلزم تأهبًا في الزينة والعطر-من كلا الزوجين- شبه دائم، وتوددًا مستمرًا حتى ما إذا لاحت فرصة كان لها سياق ومناخ فلا تكون منبتة الصلة بما قبلها وبعدها أو مبتورة، أو قضاء الوطر فيها أكبر من تواصل المحبين، وارتواء النفس والقلب ..مع الجسد.
ثانيًا: أن يحرص الزوجان على الاستمرار سويًّا في فراش واحد، وألا يكون الحل السهل هو أن يكون لكل منهما برنامجه اليومي، فينفصلان شعوريًّا ويصبح اللقاء فقط على مائدة الطعام أو عندما يعود الزوج مرهقًا أو مناقشة أمور الحياة المادية وحسب.
ثالثًا: بذل الجهد في التزين والتعطر والتودد، وارتداء ملابس النوم التي تعجب الطرف الآخر، فضيق الوقت يستلزم الالتفات لهذه الأمور حتى لا تسقط سهوًا فيسقط معها الاشتهاء والرغبة .. والإحصان.
رابعًا: تجديد العلاقة الجسدية، والتعامل باستكشاف مستمر وحب مع تغيرات جسد الآخر واكتشاف مساحات جديدة للذة، فمع مرور الوقت تستقر معدلات الشهوة وقد يتسرب الملل، فتجديد الأوضاع أثناء المعاشرة، وإضافة لمسات في العلاقة من استرخاء و"مساج" (تدليك الرقبة والظهر)، والتقبيل والتلاطف والمسح على الجسد قبل وبعد الاتصال الزوجي يفتح آفاقًا للعلاقة تتجاوز لحظة الشهوة إلى رباط وثيق من الخصوصية والتفاعل بين روحين وجسدين، فضلاً عن الكلمات الجميلة التي تربط النفس برباط الحب والإخلاص وتحقق الدفء المستمر في علاقة تنمو وتثرى مع الأيام.. مع خالص حبي لكم
ونصاائح رائعة
يسلمووووووووو