خلق الانسان في احسن تقويم
في سورة التين اية جاءت جوابا لقسم قال تعالى :
( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم , ثم رددناه اسفل السافلين , الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون) التين 64
ان الله جل جلاله اتقن كل شيء صنعه واحسن كل شيء خلقه , وانك ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) من حيث كمال الخلق , ومع ذلك فقد خص الله الانسان في هذه الاية , وفي ايات اخرى بحسن التركيب (في اي صورة ماشاء ركبك ) الانفطار 8
وبحسن التقويم ( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم )التين 4 وبحسن التعديل :
( الذي خلقك فسواك فعدلك ) الانفطار 7
وهذا فضل عناية بهذا المخلوق المكرم واشارة الى ان لهذا الانسان شأنا عند الله جل جلاله وان له وزنا في نظام الكون
فهذا الانسان الذي هو اعقد الة في الكون , في خلاياه , وانسجته وفي اعضائه واجهزته من التعقيد , والدقة والاتقان ما يعجز عن فهم بنيتها وطريقة عملها اعلم العلماء .
وفي هذا الانسان نفس تعتلج فيها المشاعر والعواطف وتصطرع فيها الشهوات والقيم ةالحاجات والمبادئ , حيث يعجز عن ادراك خصائصها اعلم علماء النفس.
وفي هذا الانسان عقل , وفيه من المبادئ والمسلمات والقوئ الادراكية , والتحليلية , والابداعية , ما اهله ليكون سيد المخلوقات ( ولقد كرمنا بني آدم ) الاسراء من الاية 70
ومما يبين ويوضح ان الانسان خلق في احسن تقويم جهاز المناعة المكتسب او خط الدفاع الثالث في جسم الانسان .
لقد خص المولى جل وعلا الانسان بأجهزة دفاع بالغة الدقة واول هذه الاجهزة الجلد وهو درع سابغة على البدن , وترد عنه الجراثيم والاوبئة , وهو خط الدفاع الاول وخص المولى جل وعلا كل عضو في الانسان , وكل جهاز وكل حاسة بجهاز دفاع خاص به . فالعين مثلا خصت بالهداب , والاجفان , والدمع وهذه الاجهزة الخاصة هي خط الدفاع الثاني .
واما خط الدفاع الثالث فهو الدم بجنوده من الكريات البيضاء , وعدد هذه الكريات التي هي جنود خط الدفاع الثالث " خمسة وعشرون مليون " كرية في ايام السلم , ويتضاعف هذا العدد في حال الاستنفار , وقد يصل الى مئات الملايين في حال القتال , في فترة لا تتجاوز الساعات , او الايام , ولهذه الجيوش الجرارة من الكريات البيضاء سلاح اشارة مؤلف من بضع مواد كيماوية , يعد وسيلة الاتصال , والتفاهم فيما بينها .
اما خطة جهاز المناعة في الدفاع عن الجسم فهي من الدقة , والتنسيق , والفعالية والذكاء الخارق , حيث يصعب تصديقها , انها خلايا الدم البيضاء , كما قال بعض العلماء , ان في نظام عملها , او في توزيع الادوار القتالية على افرادها , او في تحقيق المهمات المنوطة بها , فبعد ثوان معدودات من اجتياز اي جسم غريب لخطوط الدفاع الاولى والثانية تتوجه الى الجسم الغريب وثمة كريات مهمتها اخذ الشفرة الكيماوية الخاصة بهذا العدو , والاحتفاظ بها , ثم نقلها الى المراكز الليمفاوية , حيث تقوم الخلايا المحصنة بتفكيك رموز هذه الشفرة تمهيدا لصنع المصل المضاد لها .
وبعد صنع المصل المضاد تتوجه الخلايا المقاتلة حاملة هذا السلاح , وهو المصل لتهاجم به الجسم الغريب , وبعد ان تصرعه بهذا السلاح الفعال تأتي الخلايا اللاقمة لتنظيف ساحة المعركة من بقايا جثث الاعداء ليعود الدم كما كان نقيا سليما , وهذه الكرية البيضاء التي هي العنصر الاساسي في جهاز المناعة لا يزيد قطرها عن خمسة عشر ميكرونا ( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ) التين 4
اما قوله سبحانه (ثم رددناه اسفل سافلين ) التين 5 فحينما ينحرف الانسان عن منهج ربه ويستجيب لنداء غريزته من دون ضابط من شرع , او رادع من فطرة , او زاجر من عقل , يبطل عمل هذا الجهاز , ويموت الانسان الادنى مرض وما مرض نقص المناعة المكتسب الذي يهدد العالم المتفلت الا تأكيد لهذه الحقيقة ( ثم رددناه اسفل سافلين ) ربما كان تركيز الايات على الجانب الروحي من الانسان لانه مهيأ اذا عرف ربه وسار على منهجه , وتقرب اليه بالعمل الصالح ان يبلغ من الرفعة ما يفوق الملائكة المقربين ( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ) اما اذا اعرض عن ربه سبحانه , وتفلت من منهجه واساء الى خلقه هوى الى دركات لا يصل اليها مخلوق قط ( ثم رددناه اسفل سافلين )
حيث تصبح البهائم ارفع منه واقوم لاستقامتها على فطرتها وتسبيحها لربها وحسن ادائها لوظيفتها
يقول الامام علي رضي الله عنه " ركب الملك من عقل بلا شهوة , وركب الحيوان من شهوة بلا عقل , وركب الانسان من كليهما , فإن سما عقله على شهوته اصبح فوق الملائكية وان سمت شهوته على عقله اصبح دون الحيوان
بارك الله فيك عزيزتي
وجزاكِ الله خير …
جعله الله في ميزان حسناااتك …