كل يوم يفجعنا الموت بفجيعته،فتبكي منا العيون وترتجف القلوب، ويشتد بنا الخوف من الموت، ويستشعر كل منا قرب لحظة النهاية.
ثم ندفن ميتنا ونعود أدراجنا، وتبدأ دموعنا في الجفاف، وتبدأ حياتنا في العودة إلى سابق حالها، غفلة، ونسيان للحظة اللقاء!
هذا المشهد نراه من حولنا يتكرر بصورة متتابعة، فلا الرحيل انتهى، ولا نحن تذكرنا وتدبرنا!
من أين إذن نأتي لقلوبنا بواعظ أشد لها من الموت؟ وكيف نصف لها تذكرة تطبيقية واقعية أكثر من موت القريبين والأصدقاء والجيران؟
إن نظرة إلى رؤية الإسلام للموت لتعلمنا كثيرًا مما نغفل عنه. فليس تدبر الموت يقصر على مجرد التذكرة والموعظة كما يفعل كثير من الوعاظ، فيتحدثون عن الموت بغية التأثير في الناس بالأجواء التي يمكن أن تكون محيطة به، من فراق للصحبة والمتاع، وسكون في التراب، ورحيل عن الحياة، فيستدعون الدمع الذارف، والنحيب والبكاء على أنفسهم أو أقاربهم الذين قد فارقوهم وتركوهم، ويقتصر الأمر على تلك الدقائق المؤثرات واللحظات المؤلمات..
بل إن فكرة الموت في الإسلام فكرة منهجية ورؤية الإسلام للموت رؤية متكاملة، وحديثه عن الموت حديث عن مفترق طريق وبرزخ بين سبيلين.
والأسباب وراء أمر الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بتذكر الموت ليست قاصرة على مجرد الاتعاظ والتذكرة، بل لأن فكرة الموت تجمع حولها كثيرًا من المعاني الإيمانية والمبادىء الحياتية والدوافع السلوكية التي قد تغير طبيعة حياة الإنسان من لهو وعبث إلى قيمة وأثر.
فالحياة في نظر الإسلام هي هبة ربانية من الله سبحانه للناس، خلقهم فيها واختبرهم وأمرهم ليصلحوا بالقول والعمل، ويعمروها بالصلاح والعبودية.
والأبناء والأحفاد والذريات والمال والمتاع أيضا منه سبحانه وتعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ} [النحل:53]،{وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّـهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33].
فإذا قضى الله سبحانه الموت على أحد فإنا له وإليه راجعون، والعبد عبده، والخلق خلقه والأمر أمره لا إله إلا هو، فهو يهب الحياة والنعمة، وهو سبحانه يقبض الروح ويوقف الإنعام إذا شاء.
فتأتي فكرة الموت ههنا لتؤكد على ذلك المعنى تأكيدًا يضطر الإنسان المؤمن إلى الاستشعار بالفقر والضعف الكاملين تجاه ربه سبحانه، والحاجة التامة له عز وجل ولإنعامه وعطاياه، فيرجوه ويسأله، ويحسن عمله ويطهر عبوديته.
كذلك فلا لذة دائمة في الحياة الدنيا يمكن أن يركن إليها الإنسان، وإنما اللذات منتهية وزائلة، فاللذة الحقة هي لذة المتاع في الآخرة، وإنما لذة الدنيا في استشعار معنى العبودية في كل شأن من شؤونها والركون إلى جانب الله سبحانه والرضا بأقداره، لذلك أمر النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم بتدبر الموت أيضًا من هذه الجهة فقال: «أكثروا من ذكر هاذم اللذات».. وذكر هاذم اللذات يقلل الارتباط بالدنيا ويقوي الارتباط فيما عند الله.
ومن ثم كان هذا المعنى من أهم ما أكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من فكرة الموت، فيروي البخاري أن ابنًا لابنته زينب رضي الله عنها كان يحتضر، وأنه صلى الله عليه وسلم أرسل إليها أن: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى فاصبري واحتسبي»، والمعنى ههنا واضح تمام الوضوح والفكرة الإيمانية تتجلى بقوة في هذا المعنى، ومن أجل ذلك نجد المرأة الصالحة -أم سليم- توصل لزوجها أبي طلحة نفس الفكرة بصورة مبسطة جدًا لما مات ابنه الذي يحبه كما أورد مسلم في صحيحه: قالت: “يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟” قال: “لا”، قالت: “فاحتسب ابنك..”.
وفكرة الموت في الإسلام كذلك فكرة لا تقطع الحياة عن الآخرة كما يظن كثير من الناس، فيعتبرون الموت انقطاعًا تامًا وفراقًا كاملًا، بل إن الموت في الإسلام هو حاجز وممر بين الحياة الدنيا والآخرة، بل إن بعض الألفاًظ الشرعية في وصف الموت تشعرك أنه وكأن هناك دارين بينهما حاجز وممر، أحدهما الدنيا والآخر هو الآخرة وممرهما هو الموت، فيسمى الموت عندئذ بالبرزخ، ولفظة البرزخ أعم من القبر، فكل ميت سواء حرق أو غرق أو غيره فهو في برزخ، يقول ابن كثير: “ولو أحرق وذري في الهواء فهو في برزخ، إذ يصف أهل اللغة معنى البرزخ بأنه (الحاجز والممر)، فهما طريق واحد وحسبة واحدة وسبيل متصل”.
والموت في الفكرة الإسلامية أشبه بمصفاة للخير عند المؤمنين الصالحين، فهم لا يفارقون صلاحهم ولايتركون الخير الذي قدموه ولا ينقطعون عن الهدى والفضل، إنما الذي يفارقهم هو تبعة الابتلاء الحياتي، وثقلة الجسد الدنيوي، ومسؤولية التكاليف التي سيسألون عنها، أما المتاع الصالح فلهم مثله وخير منه، فالزوجات الصالحات العابدات، والذرية الصالحة الطيبة معهم في الآخرة: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21]، وكل متاع كريم في الدنيا لهم وأفضل منه في الآخرة: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17].
من أجل ذلك كان قول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»، قال النووي: “قالت عائشة فقلت يا نبي الله أكراهية الموت فكلنا يكره الموت قال ليس كذلك ولكن المؤمن اذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وأن الكافر اذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه، هذا الحديث يفسر آخره أوله ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة من أحب لقاء الله ومن كره لقاء الله ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة، هي التي تكون عند النزع فى حالة لا تقبل توبته ولا غيرها فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعدله، ويكشف له عن ذلك فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعدلهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء والكرامة وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته..
جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان
حسناتك يوم القيامه تسلم
الايادى وبارك الله فيك
دمت بحفظ الرحمن ….
واثابك حسن ثواب الدنيا والاخره
هادم اللذات … هو ما يؤرق غير المؤمن
بينما المؤمن اذا بشر برضوان الله لا يخشى هادم اللذات
سبحان الله العظيم كريم على عباده المؤمنين
يقيم بالنجوم