إنه الربيع .. أصحو كل يوم على صوت عصافير مشاغبة ، تتأرجح وتلهو فوق أشجار حديقتي ، تصدح حناجرها فرحا بالصباح الجديد،
فتدغدغ نغماتها مشاعري وأحاسيسي وتهمس بأذني أسرارا من هذا الكون ، أفتح شباك حياتي على يوم آخر من أيام الإستقلالية والحرية، التي أصبحت تأخذ منحنى آخر منذ اندلاع ثورات العالم العربي.
تسافر أفكاري على أجنحة العصافير المغردة ، وتتداعى حُشيشات خضراء ووردات صفراء على حوافّ الطريق ؛ تحاول أن ترسم الحلم ، الحب والحياة في قلب الطبيعة النابض .
يذكّرني هذا الصباح بربيع طفولتي ، ربيع الزمن الفائت ، ربيعنا… حين كنا نتوه وسط أراضينا الخضراء المنبسطة تحت عيون أشعة الشمس ، حين كنا نبحث عن الشقائق الحمراء المختبئة تحت إبط الجبال والسهول ، وحين كنا نلعب ونلهو مع الفراشات ، ونبحث عن أعشاش الطيور ، ونتكئ على مشاعر حب صادق تحكيه أوراق الورد الندية . كنا رائعين ، نركض بين أشجار الزيتون الوارفة ، تلاحقنا ضحكاتنا ، نختبئ بين ذراعي عصا الراعي والصفير ، وتسبقنا أحلامنا الى حقول القمح التي كانت تترنح وتتمايل بدلال وخفة وتملأ الارض رقة ، انتعاشا ومرحا ظل يتملل طوال الشتاء بخمول .
زمان ، كان للعشب وللحشائش نسيم غريب ، يتسلل الى قلبك ويستوطن بين حجراته ، يداعب المشاعر ويملأ الصدر بالأمل والتفاؤل ، فكنا نبحث عن اللوف واللسينة والخبيزة والعلت المشلشلة بالأصالة والعراقة .. ونشتم رائحة المحبة المنبعثة من الأرض الرطبة .
كنا نفرح من القلب ونضحك من القلب ، كنا نرسم أحلامنا على بياض غيمة ربيعية عابرة ، ونكتب اسماءنا فوق أوراق الزعتر والأقحوان ، ونسبق الشمس الى السعادة ، أما اليوم ، فقد سرقت منا البراءة ، الطفولة ، الدفء ، الراحة ، الطمأنينة وهدأة البال ، وبات زهر اللوز يتفتح على جراح الناس وهمومهم ، وتنبت وتورق الأحزان والمخاوف على أشجار أحلامهم .. اليوم ، اغتيلت الأمنيات بخنجر القهر والظلم والإهمال والتشتت والذل ، وغابت الأشياء الحلوة التي كانت تلون حياتنا وباتت المنغصات المادية وغير المادية ، التحضر والمدنية والحداثة بجميع مرادفاتها تعربد على حياتنا .
حقا أحن إليك ربيع طفولتي ، حين كنت تطوّقنا بذراعيك وتلفنا بعباءتك الوردية وتبث فينا أنفاسك الدافئة وتمدنا بجرعات من الأمل ، التفاؤل والقوة وتشعل فينا روح التفاني ، الصمود ، الجود والعطاء ..
أحن الى أزيز نحلة جريئة من نحلاتك وهي تنتشل بجد ونشاط من رحيق الأزهار الناعسة ، وحلزونة بنية تزحف بأمان باحثة عن طريقها في الحقول اليانعة ، وخراف صغيرة في المرعى ترحب بموكبك البهيج .
أحن الى رائحة الصدق ، الأمان والأمانة ، والسكون والنزاهة والطمأنينة التي تنبعث منك في أيام دوامك القصيرة ، وأشتهي أن نرى أنفسنا طوال العام بمرآة خضرتك .
أعترف بأنني من أشد المعجبات بك ، وكل ما أطلبه منك هو توقيعك على صفحات قلبي في كل صباح!