تخطى إلى المحتوى

رواية العاصفة 1 -روايات رائعة 2024.

رواية العاصفة (ويليام شكسبير)1

خليجية

في جزيرة ما بالبحر، كان يعيش رجل عجوز، اسمه بروسبيرو مع ابنته ميراندا، وهى فتاة جميلة جدا. كانا يعيشان في كهف من الصخور، مقسم إلى عدة اقسام، منها قسم كان يسميه بروسبرو ركن القراءة. حيث يحتفظ فيه بكتبه التي تهتم أساسا بالسحر ؛ هذا النوع من المعرفة الذي كان ذا نفع كبير له. والصدفة المحضة هي التي ألقت به فوق هذه الجزيرة، التي كانت تحت سيطرة ساحرة تدعى سيكوراكس وقد استطاع بروسبيرو بواسطة قوة ما اكتسبها من فن السحر، أن يطلق سراح العديد من الجان الطيبين، التي قامت سيكوراكس بحبسهم داخل جذوع أشجار كبيرة، لأنهم رفضوا أوامرها الشريرة. وأصبح هؤلاء الرجال الطيبون طيعين له ورهن اشارته دائما. وكان من ضمن هؤلاء رئيسهم آريل. ولم يكن (آريل) المرح، شريرا بطبيعته، إلا أنه كان يسعد جدا لمداعبة مسخ دميم يدعى (كاليبان)، مداعبة ثقيلة، وذلك بسبب كراهيته له لأنه ابن عدوته القديمة (سيكوراكس).. وقد وجد بروسبيرو كاليبان هذا في الغابة، وهو كائن غريب مشوه، أبعد ما يكون عن شكل الإنسان، وأقرب إلى شكل القرد. فأخذه معه في الكهف، وعلمه الكلام ؛ ورغم عطف بروسبيرو عليه، إلا أن طبيعته الشريرة التي ورثها عن أمه سيكوراكس، لم تسمح له بتعلم أى شيء طيب أو نافع. لذلك كان يستخدم كالعبد، لاحضار الخشب، والقيام بالأعمال المجهدة ؛ وكانت كل مهمة آريل تنحصر في اجباره على القيام بتلك الأعمال. ولما كان كالبان كسولا ولا يرغب في القيام بعمله، فقد كان آريل (الذي لا يراه أحد سوى بروسبيرو) يأتي من خلفه ويقرصه، وأحيانا يلقى به في الطين ؛ عند ذلك، يظل آريل على هيئة قرد يقلب شفتيه سخرية منه. ثم يبدل هيئته في سهولة، ليصير قنفدا، ويقذف بنفسه في طريق كالبان، الذي يفزع من أشواك القنفد التي قد تصيب قدميه العاريتين.. وبكثير من هذه الألاعيب كان آريل يداعبه، عندما كان كالبان يفشل في أداء مهمة يكون بروسبرو قد كلفه بها. ولما كان بروسبرو يتمتع بطاعة هؤلاء الجان، فقد كان في مقدوره وبواستطهم أن يأمر الريح، وأمواج البحر لتثور. واطاعة لأوامره فقد أثاروا عاصفة هوجاء ؛ وجعل ابنته ترى في وسطها سفينة كبيرة تصارع أمواج البحر الشرسة، التي تكاد تبتلعها في أى لحظة ؛ وقال لها أبوها، ان هذه السفينة مليئة بمخلوقات مثلهم.

فقالت الفتاة :

"أوه، يا أبى العزيز، إذا كنت بفن سحرك قد أثرت هذه العاصفة الفظيعة، فأرجوا أن تضع حدا لمأساتهم الحزينة وتشفق عليهم.. أنظر !.. ان السفينة على وشك أن تتحطم إلى أشلاء. ياللمساكين ! سوف يغرقون جميعا.. لو كانت لدى القدرة، لأمرت البحر أن ينحسر، حتى لا تتحطم السفينة، بكل تلك الأرواح الغالية الموجودة عليها".

فقال بروسبرو :

"ان الأمر ليس بهذه الخطورة، يا ابنتى ميرندا، لن يصيبهم أى ضرر، فلقد أصدرت أوامرى توا، بألا يصاب أحد ممن على السفينة بأذى. وما فعلت ذلك إلا من أجل خاطرك، يا ابنتى العزيزة.. أنت لا تعرفين من تكونين، أو من أين أتيت، ولا تعرفين الكثير عنى سوى أننى أبوك، وأننا نعيش في هذا الكهف الفقير. هل تستطيعين تذكر الوقت، قبل أن نأتى إلى هنا ؟. أعتقد أنك لا تستطيعين، لأن سنك لم يكن يتعدى الثلاث سنوات حينئذ". فاجابت ميرندا : "بالتأكيد، أتذكر، يا أبى". فسألها بروسبرو :

"لكن ماذا تتذكرين ؟ أتتذكرين الناس أم المنازل.. أخبرينى بما يمكن أن تتذكريه، يا طفلتى ؟ ! فقالت ميرندا :

"يبدو لى ذلك وكأنها ذكرى حلم. لكن ألم يكن لدى أربع أو خمس سيدات، يقمن على خدمتى ؟ !. فأجاب بروسبرو :

"فعلا، بل وزيادة. كيف تظل هذه الذكرى عالقة برأسك ؟ هل تذكرين كيف جئنا إلى هنا؟". فقالت ميرندا :

"كلا، ياسيدى، لا أذكر شيئا أكثر من ذلك"

أكمل (بروسبرو) حديثه فقال :

"منذ اثنى عشر عاما يا ميرندا، كنت دوق ميلانو، وكنت أنت الأميرة، وطفلتى الوحيدة.. وكان لى شقيق أصغر منى، يدعى (أنطونيو)، وثقت فيه وسلمته كل شئون الدولة ؛ ولما كنت شغوفا بالهدوء والدراسة العميقة، فتركت تصريف أمور الدولة لعمك، شقيقى الغادر (لأنه حقيقة أثبت ذلك).. أما أنا، فقد أهملت كل اهتماماتى الدنيوية، ودفنت نفسى داخل كتبى، وأعطيت كل وقتى لصقل تفكيرى.. أما أخى وقد أصبح مالكا لكل سلطاتى، فقد بدأ يظن أنه الدوق الحقيقى فالفرصة التي أتحتها له بأن يكون محبوبا من أعوانى، أيقظت في نفسه الشريرة، نزعة غرور ليسرق منى دوقيتى (مملكتى). وسرعان ما نفذ ذلك بمساعدة (ملك نابولى)، وهو حاكم متسلط، كان عدوا لى". فسالته ميرندا :"ولماذا لم يقتلونا، في هذه الأثناء ؟ ".

فأجاب الأب :

"لم يجرؤ على ذلك يا طفلتى، لأن شعبي كان يحبنى حبا جما. فحملونا على سطح السفينة، وعندما أصبحنا على بعد عدة أميال داخل البحر، أجبرونا على النزول في قارب صغير، دون مجاديف أو قلاع أو حبال.. وتركنا هناك، ظنا منه، أننا سنموت. لكن لوردا طيبا من بلاطى، يدعى (جونزالو)، كان يحبنى، وضع سرا في القارب، ماء وطعاما وملابس، وبعض الكتب التي كنت أفضلها أكثر من مملكتى ".

فقالت ميرندا :

"آه، يا أبى، لابد أننى سببت لك كثيرا من المتاعب حينذاك ؟.

فقال بروسبرو :

"كلا، يا حبيبتى، فلقد كنت الملاك الحارس بالنسبة لى كانت ابتسامتك تجعلنى اتحمل بشجاعة حظى العاثر. وظل الطعام معنا حتى رسونا على هذه الجزيرة المهجورة ؛ ومنذ ذلك الحين كانت بهجتى الكبيرة، تنحصر في تعليمك يا ميرندا، ومن خلال هذه الدروس تعلمت الكثير ".

فقالت ميرندا :

"جزاك الله خيرا، يا أبى العزيز، والآن قل لى، عن سبب اثارتك لهذه العاصفة ؟ ".

فقال أبوها :

"ساقول لك، هذه العاصفة، ستجبر اعدائى، ملك نابولى، واخى الشرير، على الالتجاء إلى شاطئ جزيرتنا هذه ".

وما أن قال بروسبرو ذلك، حتى لمس ابنته برقة بعصاه السحرية، فنامت في التو والحال، لأن الجنى آريل كان قد حضر أمامه، ليعطيه تقريرا عن العاصفة، وماذا فعل بركاب السفينة ؛ ورغم أن ميرندا لم يكن في استطاعتها رؤية آريل، إلا أن بروسبرو لم يكن يرغب في أن تسمعه وهو يتكلم، فانه سيبدو لها، وكأنه يتكلم مع الهواء.. !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.