السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى من امتلأ قلبه بالأحزان والهموم فأصبح مجروحا مكلوما فإن من صفات هذه الدنيا أخي الحبيب وأختي الفاضلة أنها دار هم وابتلاء وأحزان وشقاء ومصائب وبلاء إلا على من يسرها ا لله سبحانه عليه وهذا من الفوارق المهمة بين الدنيا والجنة .ألم يقل الله سبحانه وتعالى (( لقد خلقنا الإنسان في كبد )) وألم يقل سبحانه : (( ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)) ..
ألم يتعرض أفضل البشر وهم الأنبياء والرسل قاطبة بل أفضل الانبيياء والرسل على الإطلاق وسيد ولد آدم ( سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ) لهذه الابتلاءات والهموم … إلخ ؟ لننظر في سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة كل الأنبياء لتتبين لنا هذه الحقيقة !!! ألم يتعرض لها أفضل البشر بعد الأنبياء وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم جميعا ؟ ألم يتعرض لها خيار التابعين وعلماء الأمة الصالحين كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وغيره من علماء الأمة المعتبرين ؟؟؟ إنه لم يسلم منها لا رجال ولا نسااء ولا كبار ولاصغار أن هذا هو حال الدنيا و انها سنة من سنن الله في خلقه سبحانه وتعالى .
فهذه الدنيا دنية وليست علية وهي ممر زائل وليست مقرا لعاقل إلا ليتزود منها لآخرته بالعمل الصالح ، والمتأمل في حياة البعض يجد أنهم غفلوا عن هذه السنة الإلهية والحقيقة الربانية فلو ابتلي أحدنا بشيء من هذه المصائب – وهو أمر لابد أن يحصل لنا جميعا – فإنه قد يتصور انه هو وحده دون غيره من البشر يتعرض لهذه الهموم والآلام والأحزان النابعة من تلك المصائب التي هي من طبيعة الدنيا والتي يقدرها الله سبحانه وتعالى على الكل لحكم يعلمها سبحانه وهنا قد ينفث الشيطان في روع البعض ويزيده هما على هم – فهو لا يريد الخير للمؤمن قط – حتى أصبحت قلوب البعض أودية عميقة من سيول الحزن والآسى وبحيرات عظمى من أمواج الضيقة و الهم والتعاسة المتلاطمة وربما قنطوا وأدخلوا انفسهم في دركات من اليأس مظلمة !!! سواء بأسباب منهم – بعد إرادة الله سبحانه وتعالى– أو من غيرهم .
ولذا ينبغى على المسلم والمسلمة التكيف مع مثل هذه السنن الإلهية وفق ما شرع ربنا سبحانه وتعالى وإلا فقد يؤدي عمق الهم والحزن إذا استسلم له الإنسان إلى مالا تحمد عقباه دنيا وأخرى :من تحوله إلى نوع من انواع الاكتئاب المرضي – في الدنيا – قد يقوى أو يضعف بحسب هذا الشخص أو ذاك وبحسب تفاعله مع هذه الهموم والاحزان سلبا أو إيجابا ، ومن دخوله ربما أيضا في دائرة الإثم والمعصية لله سبحانه من جهة أخرى إذا دخل في مجال الاعتراض على قضاء الله وقدره سبحانه وتعالى أو ماشابه ذلك من محاذير شرعية .
والاكتئاب كما هو معروف : يشمل نطاقا واسعا من الاضطرابات النفسية. و في أخف حالاته : يتسبب في مزاج هابط لا يمنع من السير في الحياة الطبيعية، لكنه قد يصعب علي المرء القيام بالأمور ويجعلها تبدو أقل قيمة عنده. وفي أعنف حالاته : قد يهدد الحياة، وقد يدفع إلى التفكير في التخلص من النفس أو التوقف عن الرغبة في الحياة. و الاكتئاب يؤثر في الناس بطرق مختلفة، وقد يتسبب في طيف واسع من الأعراض التي قد تكون عاطفية أو جسدية… إلخ
فكيف نتعامل مع هذا الكبد والنصب وهذه الهموم والاحزان المتوالية علينا من جراء الابتلاءات والمصائب التي تمر بنا جميعا من فترة لأخرى والتي هي كما ذكرت آنفا من سنن الله سبحانه وتعالى في خلقه!!!
إن من آثار هذه الهموم والأحزان علينا – أو من أعراضها – وهي تختلف من شخص لآخر ومن هم إلى هم :
أن البعض إذا ابتلي بهم أوغم وحزن جراء مصيبة ما : قد يشعر بضيقة صدر وتفكير مزعج لا يستطيع التخلص منه بسهولة ولايريد أن يكلم احدا ولا ان يكلمه احد وقد تموت الابتسامة من على محياه ويحيا العبوس على صفحات وجهه وقد يصبح فاقد التركيز في تفكيره والبعض يصاب بصداع ودوار وقلق وأرق وارهاق واظطراب وصعوبة في النوم وربما يشعر بهبوط الروح المعنوية معظم الوقت و يفقد الثقة بنفسه فضلا عن الآخرين وقد تكون لديه نظرة متشائمة للمستقبل وخوف ليس بالقليل وقد يلوم نفسه ويشعر بالذنب تجاه كثير من الأمور بدون مبرر حقيقي كما أنه قد يبتعد عن الآخرين بدلا من أن يقترب منهم ويطلب المساعدة أو الدعم .
ومن المهم أن نلاحظ : أن بعض تلك الأعراض قد تمر على الإنسان العادي – بل لابد ان تمر بنا جميعا في بعض الأحيان ولكن هذا لا يعني أننا مصابون باكتئاب وأنما هي من آثار الهم والحزن الطبيعية الناتجه عن هذه المصيبة أو تلك ، لأن مجرد ظهور بعض تلك الأعراض أو الآثار لا يكفي بل يجب أن تجتمع كلها أو اكثرها ولفترة ليست بقليلة لتتحول علميا إلى اكتئاب مرضي . والمهم هنا هو : كيفية التعامل مع المصيبة ولاسيما مابعدها من هموم وأحزان إلخ .
فما الذي يفسر هذه الظواهر التي تمر بنا غالبا عند المصائب أجارنا الله وإياكم منها ؟ وكيف نتغلب عليها بإذن الله تعالى ونخفف منها على الأقل ؟هذا ما اريد بحثه فيما يلي احبتي الأكارم :
فقد مر بنا آنفا ان المصائب والابتلاءات امر طبيعي في هذه الحياة الدنيا ومن سنن الله في خلقه بكل ماتؤدي إليه من هموم واحزان .. إلخ ولذا لايمكن لي ولك ان نتجنب كل مصائب الدنيا ولو اجتهدنا في ذلك فلابد ان يقع بنا منها ما يقدره الله علينا فالموت مثلا لابد ان يحدث لي ولك في يوم ما ولابد ان يحدث لقريب لي او لك هذا من سنن الله سبحانه فهذا امر طبيعي وغيره كثير .غير ان غير الطبيعي هو أن تتعاظم هذه الهموم والأحزان وما يتبعها من تعاسة وضيقة صدر واستسلام لها .. إلخ عند بعض من يبتلى بها فتصل به إلى مراحل تؤلمه كثيرا وقد تؤدي بحياته أوعقله والعياذ بالله ، فما اسباب ذلك ؟ لعل من أساب ذلك :
أ)- أسباب دينية منها:
1-البعد عن الله سبحانه وتعالى عموما والارتماء في أحضان الشهوات والغفلة والشبهات .
2- البعد عن قراءة القرآن الكريم والأذكار النبوية ( الغفلة عن تحصين المرء لنفسه من خلال أذكار اليوم والليلة .. إلخ )
3-عدم الإيمان الجازم بالقضاء والقدر وعدم الرضى الداخلي والحقيقي به .
4-عقوق الوالدين و قطيعة الأرحام .
5-الاستسلام للغل والحقد والحسد للآخرين ولاسيما ذوي القربى وسوء الأخلاق عموما .
ب)- أسباب غير دينية منها:
1- أسباب اجتماعية ، مثل :
الأحداث المأساوية التي تمر بنا مثل : الاعتداء الجسدي (بأنواعه ) ومثل وفاة أحد الأعزاء أو فقدان الأصدقاء.الغالين .. إلخ كذلك الاضطهاد أو الشعور المبالغ به و مشاكل الأبوين أمام الأبناء والزواج الفاشل والخلافات بين الأقارب والأصدقاء ، والبطالة بخاصة للشباب ، والعنوسة للبنات… إلخ
2- أسباب سلوكية مثل : الكسل وما يجره من تبعات سلبيه ، و كيفية التعامل مع التجارب السيئة وعدم استشارة الثقة لمحب العاقل ( والفضفضة له(ا الذي يخفف عنك ويوجهك و قلة النوم وكثرة السهر . كذلك عدم تنظيم النوم بحيث ينام في وقت يكون من حوله صاحيا ويصحو في وقت ينام فيه من حوله فيبقى غريبا منعزلا تملؤه الوحدة بين أعز أقربائه ؛ مما يؤدي به إلى تزايد همومه واحزانه بل ظهور أحزان ومشاكل جديدة ان طال به الامر على احواله السلبية تلك وعموما فإن عدم تنظيم المرء لنفسه إيجابيا في حياته كلها سواء في نومه أو صحوه او روحته وجيته او قضاء حوائجه وماينبغى عليه من اعمال وواجبات دنيوية ودينية … إلخ من اكبر الأسباب السلبية التي تزيد الهموم والمشاكل وتضاعفها على الإنسان وكذا الاهتمام المفرط بملاحظة الناس ومراقبتهم فإن من راقب الناس مات هما . وهناك سبب مهم جدا من أهم الأسباب السلوكية في نظري وأخطرها ألا وهو : الــــــــــــفـــــــــــــــــــرااااااااااااااا ااااااااااااااااااااغ الجالب للهم والغم والكثير من المشاكل التي تزيد بدورها من هذه الهموم وضيقة الصدر مرة اخرى فتدخل الانسان في دائرة خطيرة من القلق والتتابع بين الهموم . إن كل هذه الأمور من الأسباب المهمة بعد إرادة الله سبحانه وتعالى في دخول المرء في اعاصير الهموم والغموم ولجج الأحزان والتعاسة ابعدنا الله واياكم و كل مسلم ومسلمة عنها .
3-كذلك هناك أسباب نفسية مثل : عدم الرضا عن النفس و شدة الخجل التي في غير محلها و تحطيم المعنويات وجلد الذات بشكل سلبي إضافة إلى الخوف المفرط من المستقبل . وكذلك الاستسلام للتأثر بالاتهامات المغرضة والباطلة التي قل أن يسلم منها صاحب نعمة – فكل صاحب نعمة محسود – تلك الاتهامات والأكاذيب التي لم ينج منها حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فقد قالوا عنه : ساحر ، ومجنون ، وكاهن ، وشاعر ، ومفتر ، وإنما يعلمه بشر .. إلخ وحاشاه صلوات ربي وسلم عليه– بأبي وامي ونفسي هو – بل اتهموه وافتروا عليه حتى في عرضه صلوات ربي وسلم عليه في قصة الإفك ، ومن ثم لم تنج من هذه الافتراءات والأكاذيب زوجه الطاهرة الصديقة بنت الصديق أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وعن ابيها . كذلك من الأسباب النفسية : الصدمات العاطفية بشكل أو بآخر وهذه للأسف تكثر ليس في الحياة الحقيقية فحسب بل حتى في ( الحياة الإنترنتية ): المنتديات والشاتات مثل : الحب ، الكره ، الخيانة ، الوصل ، الهجر ، الغيرة ، الشك ، الصداقة الافتراق ، … إلخ ) وهي مؤلمة إذا كانت شرعية ولاشك انها سوف تكون أشد ايلاما حينما تكون خارج النطاق الشرعي .
وقبل ان اتحدث عن كيفية مواجهة هذه الهموم والاحزان وآثارها أود التحدث عن بعض طرق الوقاية من هذه الهموم والأحزان فالوقاية خير من العلاج :
فلا شك ان حتمية وقوع المصائب والابتلاءات لاتعني عدم اتخاذ الاسباب المشروعة التي امر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم سواء قبل وقوع المصيبة أو بعدها ، ولعل من الاسبااب المشروعة التي نستطيع وضعها في مجال طرق الوقاية من شرور هذه الهموم والاحزان والتقليل منها على الأقل عند مجيئها مايلي :
1-العمل الصالح وطاعة الله سبحانه وتعالى ، يقول تعالى : ((من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون))
2-توطين النفس واعدادها لتلقي المصائب قبل وقوعها بجلد وصبر والصبر عليها اثناء وقوعها وبعده. وتهذيب الانسان لنفسه على التحمل والصبر والاقتناع ان المصائب لابد من وقوعها وليس هنا ك الا الصبر والاحتسااب للاجر من عند الله فإن الصبر مع الصدمة الأولى وإن لم نكن مدربين انفسنا على ذلك ومستعدين مسبقا فغالبا لانصبر عند الصدمة الأولى . ونقع في آثار الهموم والأحزان على نحو أقوى بكثير مما لو كنا مستعدين مسبقا .
3- الدعاء بان يلطف الله بك وبي وان يحفظني ويحفظك وأن يخفف عنا اهوال هذه الدنيا وهناك أدعية نبوية مخصوصة في هذا الجانب كما هو معلوم .
4-المواظبة على أذكار اليوم والليلة . التي من مهامها حفظ الإنسان في هذه الدنيا في نهاره وليله – بامر الله سبحانه –
5-تعويد الانسان نفسه على التحلي بالأخلاق الاسلامية الحسنة ،ولاسيما بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان على الفقراء والمساكين … إلأخ فإنها كم تدفع عن المتحلي بها من هموم وغموم واحزان لايعلمها الا الله وكم تمنحه من السعادة وراحة البال بإذن الله ولعل هذا من عاجل بشرى المؤمن.
جزاكى الله خيرا وجعله فى ميزان حسناتك
أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له} رواه مسلم .
ولكننا في الحقيقة في غفلة من هذا نسأل الله أن يوقظ قلوبنا وقلوبكم ويصلح أعمالنا وأعمالكم إنه جواد كريم
نسأل الله أن يجنبنا المصائب والمحن وأن يقربنا منه ولا يجعلنا من المحرومين……..
جزاك الله خيرا أختي العزيزة