طفلك الموهوب.. كيف تكتشفيه؟
يظل الاهتمام بالطفل ورعاية قدراته وتنميتها مفتاح كل أمة لصناعة الحياة، وتزداد هذه القضية أهمية عندما يتمتع الطفل بقدرات خاصة، تحتاج إلى من يكتشفها ويبحث عنها وينميها، فضلاً عن أن يتقبلها ويتعامل معها بموضوعية ووعي واستشراق، خاصة في مراحل النمو والتنشئة والتكوين.
ومع د. سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس المصرية كان هذا اللقاء من أجل استثمار أفضل لأبنائنا..
* بداية كيف نتعرف على الطفل المبتكر؟
** الطفل المبتكر هو الذي يتقبل ظروفه الاجتماعية برضا ومهارة، بما يحقق إشباعًا عميقًا لذاته، ويستجيب بتفوقٍ لما يحيط به من مثيرات داخلية وخارجية، لكي يقدم إنتاجًا جديدًا ومفيدًا بالنسبة له ولمجتمعه الذي يعيش فيه.
* إلى أي مدى يمكن أن تؤثر أساليب التربية المتسلطة سلبيًا على محاولات الطفل وتطلعاته نحو إثبات ذاته؟
** علينا أن نعلم أن مشاعر الطفل أصدق بكثير من مشاعر الكبير، ومن ثم فإن الطفل المبتكر أو الطموح ترى قدراته تعرب عن نفسها تلقائيًا، إلا أن الطفل بوصفه يمثل الطرف الأضعف في المنظومة الأسرية والاجتماعية، قد يقتل هذه التلقائية، ويبدد استعداداته وقدراته على مذبح الطاعة العمياء، والانصياع لأوامر الكبار؛ لكي يتجنب عقابهم، أو يسعى إلى رسم وتخطيط الأساليب التربوية التي يظن بعض الآباء والمربين أنهم من خلال التفعيل القسري لها.. سيشكلون المستقبل لأطفالهم، حتى يشبّوا رجالاً على هذا المنوال من الضبط والضغط والتحكم والتسلط والحماية الزائدة.
هؤلاء الآباء والمربون- وهم يفعلون ذلك- إنما يدفعون الثمن باهظًا في صورة الرضوخ الطفولي لأولادهم الذين قاموا بوأد طاقاتهم، وقتل تلقائيتهم.
* إذن هي دعوة علمية للإفراج تربويًا عن الأطفال، وإطلاق سراحهم من أقفاص الرعاية الزائدة؟
** فارق كبير بين التوجيه والتوجه، وفارق كبير بين الرعاية السديدة والحراسة الشديدة.. وفارق أشد بين المسايرة والمغايرة.. فمرحبًا بالتوجيه الصادق الذي يحول الطاقة المبعثرة إلى أفعال مثمرة.
وفي كل الحالات علينا أن ندرك أننا نتعامل مع أطفالنا من قريب أو بعيد، لتحويل وترشيد هذه الثورة وتحويلها إلى ثروة، فالإشباع النفسي لا يقل أبدًا في ضرورته عن الإشباع البيولوجي للطفل، وهي عملية توازن بالغ الذكاء، كالتوازن الذي يحدث في العمليات الكيمائية الحيوية، وخير معين على هذه التنشئة الاجتماعية الرشيدة هو تنمية الشعور الديني لدى الطفل، ويتجلى هذا الشعور من خلال تمييزه بين الحلال والحرام، عبر شجرة الإيمان والقدوة الحسنة التي يزرع الوالدان بذورها في نفس الطفل بأمانة ورفق ولين.
الابتكار والكذب الأبيض
* وكيف نفرق بين الطفل المبتكر والطفل الكذاب، خاصة إذا كانت هذه الابتكارات نوعًا من الكذب الإيهامي؟
** كثيرًا ما يمر الأطفال المبتكرون بما قد يُسمى أحلام اليقظة، حين يتصور الطفل أحيانًا نفسه بطلاً، أو مغامرًا فذًا، ويحاول أن يتقمص مثل هذه الشخصيات في حركاتها وأدوارها، وما تسفر عنه من مهارات وابتكارات قد تختلط لديه بين الحقيقة والخيال، إلا أنه كثيرًا ما يصاب بالإحاطات الناتجة عن عدم قدرته على تحقيق أحلامه، أو عندما يُتهم من قِبل الوالدين والمربين بعدم الفهم، وقد يؤدي هذا السلوك بالطفل إلى ما نسميه الانطفاء.
ويُعد هذا الكذب الإيهامي الذي نسميه الكذب الأبيض، نوعًا من السلوك الابتكاري الذي نجده منتشرًا في أحيان كثيرة عند الأطفال ذوي القدرات الخاصة.
وعلينا أن نعلم أن الطفل يطلق هذا الكذب دون قصد أو خداع، بينما الكذب في الحقيقة هو قول أو فعل زور معتمد ومقصود به المخادعة، ولكن كذب الأطفال الأبيض ينطوي على حقيقة مفادها التعظيم وادعاء القدرة، ولفت الأنظار إليه، ولذلك نطمئن الآباء أو المربين أن هذا النوع من الكذب غالبًا ما تقف حدوده عند سن السادسة أو السابعة، ثم يتلاشى بعد ذلك عندما ينمو تفكير الطفل، ويدرك المعاني والمفاهيم من خلال الثراء التربوي والمعلوماتي والمجتمعي.
وعلينا أن نشجع الطفل لكي يخرج من دائرة الأحلام إلى الواقع بلياقة ولباقة، دون جرح أحاسيسه المرهفة، وذلك بالتمرس التربوي للمربين على التقبل الفاعل لهذا السلوك المتقطع عند الكفل المبتكر.
* كثيرًا ما يتحول هذا التطلع لدى الطفل المبتكر إلى خيال مدمر.. فماذا نصنع؟
** إن التطلع لدى الأطفال كثيرًا ما يجافي الواقع.. ولكن لا تأتي خطورته إلا عندما ينغلق في سياج الخيل بعيدًا عن وجود الجماعة المشجعة الفاهمة، التي توفر بين يدي الطفل رصيدًا كافيًا من القيم الشخصية، والاجتماعية وتوفر له البيئة المعينة والمشجعة وما يصاحب ذلك من إحباطات.. ويجب أن ندرك أن الطفل المبتكر ما يبحث لنفسه عن الذات المثالية التي تلعب دورًا أساسيًا في إنتاجه الابتكاري، ومن ثم يكون مدفوعًا ذاتيًا إلى الجموح الفكري والإغراق في الخيال الذي يتمشى مع الواقع، ولا يلتزم بمواصفاته الحسية الملموسة.. ومن ثم لا بد من تبصير الطفل بقدراته، وتنبيهه إلى نقاط ضعفه، وأن نسعى معه حثيثًا إلى تلافيها وتجاوزها؛ بإبراز أنماط سلوكية واقعية تستهوي الطفل من خلال الشهرة أو الدور الاجتماعي.. كالأبطال والقادة والمدرسين والنجوم، ولنا في تراثنا الإسلامي النماذج الحسنة والمواقف السلوكية التي يمكن من خلالها تعديل وتغيير هذه الاتجاهات، قال تعالى: ﴿فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ( الأعراف: 176).
تقبلي مروري
نجمة القسم
بارك الله فيك
ومزيدا من العطاء والتألق
لك ودي واحترامي
يزين بالنجوم