اخواتي الكريمات ، كل منا لكي ينظم و يرتب حياته لابد له أن يقف وقفة جادة لترتيب و تنظيم أولوياته إن كان حقا يريد أن يترك بصمة في هاته الحياة و هذا الأمر مفروغ منه لأنه يشغل تفكيرنا دوما ، إلاّ أنه في غضون ذلك قد تعترينا بعض المشقات التي تعوقنا دون ذلك ، و لكن لابد لنا أن لا نيأس و أن نتحلى ببعض الأمل لكي نشق طريقنا بكل قوة وعزم و إرادة و ثقة بثبوت التغير و مثلما نستطيع التغير يمكن لنا أن نغير و نحدث التغير
إذن أخواتي في الله لنجعل من هذا الشهر الذي بات ينادينا و قريبا سيحل بين أيدينا شهرا للتغير و شهرا لتحقيق الإنجازات و لا تنسوا في ذلك أننا إذا متنا فإن عملنا سينقطع إلاّ من ثلاث ، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو لنا بالخير فيا حبذا لو كان العلم و الصدقة
فأما آن الأوان أحبائي أن نتغيّر في هذا الشهر الذي هو نفسه يعتبر شهر التغير ، لأنه بإقبال الشهر الفضيل شهر رمضان يتغيّر الكون و تفتح أبواب الجنة و تغلق أبواب النار و تصفد الشياطين و تسلسل ، و أول منادي ينادي من قبل الله يا باغي الخير أقبل ، يا باغي الشر أقصر إنّ الجنة لتتزيّن من السنة إلى السنة لشهر رمضان ، فإذا نادت الجنة ربها قالت يارب اجعل لي في هذا الشهر من عبادك سكانا ، فمن صان نفسه في رمضان جعل الله له مع نهاية رمضان قصر من ذهب و لؤلؤ و لو أنّ الدنيا جمعت فإنها تكون كمربط ماغر في هذا القصر
و من صام رمضان صوما صحيحا قضى الله له 6 حاجات :
1- من صام رمضان إيمانا و احتسابا غفرت له كل ذنوبه التي مضت
2- من قام رمضان إيمانا و احتسابا عفرت له ذنوبه
3- الفوز بالعتق من النار
4- شهر يستجاب فيه الدعاء " للصائم دعوة لا ترد "
5- كسب كنوز من الحسنات { الخصلة كفريضة و الفريضة ب 70 حسنة }
6- فرحة الله بعباده فينظر الله إلينا بعين الرحمة
أرأيتم أخواتي في الله صفقة جميلة و مغرية لأبعد الحدود مثل هاته الصفقة ؟ صفقتان بصفقة واحدة ، صفقة إتيان رمضان و صفقة الظفر بالجنة
إ أخواتي في الله دعنا نتخلص من صفقات الدنيا فهي زائلة لا محالة و لنتشبث بصفقات الأخرة فهي خالدة لا محالة
آن الأوان أن نرتقي في رمضان ، آن الأوان أن نستغني عن سيتنا و سمعاتنا الدنيوية مقابل أن ننال سيتا و سمعات في آخرتنا ، و لما لا نطمح و نجعل مبتغانا نيل لقب العتق من النار في هذا الشهر الكريم ؟ ، آن الأوان أن نكون من أهل أول صنف في القول " ما من عبد و له صيت في السماء فإن كان صيته في السماء حسنا وضع في الأرض ، و إن كان سيته سيئا وضع في الأرض "
و ما دام قد اخترنا التغير فلنطرح بعض الأسئلة على أنفسنا حتى توجهنا إلى ذلك
1- ما هي وظيفتك الإنسانية لهذا الشهر ؟
2- ما هو مشروعك الشخصي لهذا الشهر ؟
3- ماهي التجارب الشخصية التي لم تنجح بها ؟
ما رأيكم أخواتي في الله أن نعقد العزم على تنصيب هذا الشهر شعار لن نحيا إلا للظفر بلقب العتق من النار ، ما رأيكم لو نتسابق على التغير و الارتقاء و التعاون و التوحد لبلوغ هدفنا المنشود سوية ، ما رأيكم لو وضعنا نصاب أعيننا برنامجاجادا يرفع من هممنا و يقود خطواتنا لتخطي كل العقا بات فنضمن بذلك الحصول على مفتاح باب الجنة ، لن يتطلب هذا منا الكثير غير حب الله و طاعته و الثقة به و الاقتداء برسوله الكريم و التحلي بالعزيمة و الهمة العالية لإعادة صيانة و صياغة أنفسنا و أرواحنا و أجسادنا التي أنهكها الصدأ فلم تعد تقوى على العطاء .
البرنــــــــــــامج
1 – الخلوة : مراجعة النفس على ما قدمت لله طوال سنوات حياتها فعمر بن الخطاب رضي الله عنه في أول دقيقة إسلام له نال لقب الفاروق الذي يفرق بين الحق و الباطل ، فما ذا نلنا نحن من ألقاب و قد عمرنا سنين ؟ أليس من المفروض أن نعيد بناء أفكارنا و نحاسب أنفسنا على ما قدمت قبل أن تفارق الجسد فنغدو من المتحسرين ؟
2 – إحسان الصلاة : الصلاة هي عماد الدين و مبنى من مباني الإسلام الخمس أي أن الإسلام يقوم على الصلاة كما يقوم بالمثل على الصيام ، و الصيام بدون صلاة كالحنفية بدون ماء ، أو كالجسد بلا روح ، أو كالقلب بلا نبضات ، أو كالشريان بلا دماء ، فما نفع الحنفية إذن إن خلت من الماء و ما نفع الجسد إن لم تتواجد به الروح ، و ما نفع القلب إن لم يكن ينبض ، و ما نفع الشريان إن لم يكن مجرى للدم ؟
فالصلاة أخواتي هي القلب النابض للعبادات و المعبر المباشر للتقرب إلى الله خصوصا عند الركوع و السجود فيا حبذا لو أحسناها و اعتلاها الخشوع و الإخلاص ، و يا حبذا لو زدنا على الفرائض و الصلوات الخمس السنن و النوافل كي نبلغ ولاية الله عزوجل لنا و ندرك حديثه القدسي : " ما كان لي وليا فقد آذنته بالحرب ، و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضه عليه و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإ ذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها ، و رجله التي يمشي بها و لان سألني لأعطيته ، ولان استعاذ بي لأعذته "
و يا حبذا لو زدنا على الفرائض و النوافل صلاة القيام و التهجد و دعمناها ب 12 ركعة قيام ليل فأتينا بها قصر في الجنة ، فندرك قوله تعالى : " و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " ، أو ندرك وصية الرسول صلى الله عليه و سلم لأب ذر في الإشادة بقيام الليل و قوله له يا أبا ذر إذا أردت سفرا ألا تعد له العدة ، فما بالك بطريق يوم القيامة و عقباته فأحكم السفينة فإن البحر عميق و أكثر الزاد فإن الطريق طويل " فصم يوما شديد الحر لحر يوم القيامة ، و قم ليلة شديدة الظلماء لظلمة القبور و حج حجة لعظائم الأمور "
3- قرآة القرآن : القرآن هو العمود الفقري للإسلام لأنه محي القلوب الميتة ، و القرآن هو كلام الله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم فبات في كل الأزمان المعجزة التي أخرست كل الألسن على التطاول ووضعتها في موضعها ، و مع القرآن تنفتح النفوس و تنشرح الصدور و ترتاح القلوب فتدرك الإخلاص ، فيا حبذا لو عشنا هذا الشهر في ضلال القرآن و تلاوته ، و يا حبذا لو ختمنا ختامات في رمضان فأصبحنا بذلك الأكثر غنا ، ليس غنى المال و الجاه و إنما غنى الحسنات و الثواب فالحرف ب 10 حسنات و كون المصحف به ما يقارب أو ما يعادل 600 صفحة ، فإذا قسمنا عدد الصفحات على الشهر الكريم ، أصبحوا 20 صفحة و بما أننا نصلي في اليوم 5 صلوات فريضة فلما لا نقسم 20 صفحة على 5 صلوات ؟ سوف يصبحوا 4 صفحات فقط دبر كل صلاة ، أتعلمون إذن أن هاته الأربع صفحات دبر كل صلاة مفروضة ستقودنا إلى إتمام ختمة بانتهاء الشهر؟ و بما أن الختمة الواحدة فيها كنوز من الحسنات ، لما لا نحسب مع بعض عدد الحسنات حتى نزيد تعلقا بقرآة القرآن ؟ أتعلمون أنه إذا حسبنا هاته الكنوز لوجدنا ما يلي :
بما أن المصحف فيه 30 جزء و الجزء فيه ما يقارب 7000 حرف و كون جزاء الحرف هو 10 حسنات و في رمضان يضاعف الثواب إلى 70 فبالتالي العملية الحسابية تكون بهذا الشكل :
70 × 30 × 7000 × 10 = 147000000
مليون حسنة في ختمة واحدة فقط ، فكم سنحظى من حسنات لو أصبحوا ختمتين أو 3 ختمات و الثلاثة ضرب 147 مليون يا ترى كم ؟
3 × 170 مليون = 441 مليون حسنة ، يعني كنوز من الحسنات ، أخبروني إخواني أليست طريقة سهلة جدا للحصول على الكنوز من الحسنات ؟ ، ألم تحبوا أن تحصلوا على هاته 441 مليون حسنة ؟ و الله العرض مغري جدا بالنسبة لي ، فكيف تجدون أنتم قيمة هذا العرض بالنسبة إليكم ؟
و لا تنسوا أخواتي أن الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، و يقول الصيام لله " أي رب إني منعته الطعام و الشهوة ، فشفعني فيه " و يقول القرآن " أي رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه "
4- الدعاء : هو مخ العبادة كونه دواء للنفس ، و سكون لكل الجوارح ، و مغير للأقدار ، و مربط وثاق الحبل بالله ، لقوله تعالى في حديثه القدسي " أنا عند ضني عبدي بي فليضن عبدي بي ما شاء " ، و يقول النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك " لا تعجزوا مع الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد " ، فلما لا نذهب لله بضعفنا و نلتمس منه القوة، و لما لا نذهب إليه بفقرنا و نلتمس منه الغنى و لما لا نذهب إليه بذلنا و نلتمس منه العزة ، كونه سلاحنا الروحي لبلوغ رحمة الله لقوله صلى الله عليه و سلم" من ’فتح له باب الدعاء ’فتح له باب من أبواب الرحمة " ، و إن الله حيي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يردهما صفرا خائبتين
5 – الاستغفار : هو الممحاة التي تصلح الأخطاء غير أن الممحاة ملموسة و تنتهي إستعمالتها ، إلا أن الاستغفار محسوس كونه يصقل القلب ، و الرسول صلى الله عليه و سلم ذلك الذي يدخل الجنة بدون حساب كان يستغفر الله في اليوم أكثر من 70 مرة ، فكيف و نحن مصائرنا معلقة بين الجنة و النار و نتهاون ؟ لما لا نجعل هذا الشهر غنيا بالاستغفار و يا حبذا لو كان 100 أو 1000 استغفارا في اليوم ، و من قال :
" أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه " ، غفر الله له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر
الصدقة هي تذكرة رابحة لدخول الجنة ، أتعلم لما لأنك قد تؤتي كل العبادات لخوفك من الله تعالى ، أما الصدقة فأنت تؤتيها لطيبة قلبك و لإحساسك بجراح غيرك ، و الصدقة ليست بالضرورة أن تكون أموال أو مجوهرات أو أرزاق، لأن الصدقة تستطيع أن ترتدي كل الأثواب و تتقمص كل الأدوار ، فيمكن أن تكون ابتسامة أو إحياء سلام ، أو كلمة طيبة ، أو موضوع قيم و مفيد ، أو دعاء أو إماطة أذى عن الطريق ، أو عيادة مريض ، أو سؤال على الأهل ، أو رأفة بيتيم ، أو ……. أو …….
قد تمتد إلى مظاهر كثيرة إلا أنها تتخلص في مظهرها الجميل 6-: " الصدقة تطفئ الخطيئة " ، إذن الصدقة بالنسبة للخطيئة تعتبر كالماء بالنسبة للنار أي أن الصدقة من مكفرات الأخطاء ، و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم في ذلك : " فتنة الرجل في أهله و ماله و جاره تكفرها الصلاة و الصيام و الصدقة " ، فلنكثر إذن أخواتي من الصدقات لعلها تكون تذكرتنا الرابحة التي تفصلنا عن الجنة ببضع أمتار فقط
7- الذكر : هو منبه كل غافل غير أن المنبه قد يقضك في وقت معين و لوقت معين ، أما الذكر فهو المنبه الذي يعيدك إلى الله في أي وقت و في كل الأوقات ، و من الأذكار :
قال الرسول صلى الله عليه و سلم:" من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد يحي و يميت و هو على كل شيء قدير " { كتب الله له 10 حسنات ، و محى عنه 10 سيئات و رفع له 10 درجات ، و كان يومه ذلك في حرز من الشيطان } فيا حبذا لو بلغ < 100 مرة >
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، من قال حين يصبح و حين يمسي: " سبحان الله و بحمده مائة مرة " لم يؤتى أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد
قال الرسول صلى الله عليه و سلم ، من قال : " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، و أبوء بذنبي ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " و مات في ليلته دخل الجنة
قال الرسول صلى الله عليه و سلم ، من قال : " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم " { 3 مرات } ، لم يضره شيء
عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه و سلم ، قال أنه من قال حين يصبح و حين يمسي " اللهم إني أصبحت أشهدك و أشهد حملة عرشك و ملائكتك و جميع خلقك أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت ، و أن محمدا عبدك و رسولك " ، أعتق الله ربعه من النار ، فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار ، فمن قالها 3 مرات أعتق الله 3 أرباعه من النار ، و من قالها 4 مرات أعتق ه الله من النار
لا حول و لا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة
الحمد لله تملأ الميزان
قرأة سورة الفاتحة تملأ الميزان كما تضيء خط الصراط
سبحان الله و بحمده عدد خلقه و رضا نفسه و زينة عرشه و مداد كلماته ثوابها عظيم
فيا حبذا لو اجتمع مع الذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و نبلغ قوله صلى الله عليه و سلم " من صل علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا " و قوله أيضا: " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " ، و قوله أيضا : " أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة "
يا حبذا أخواتي لو لزمنا هاته الأذكار فنغدوا ممن أشار الله عليهم في حديثه القدسي " من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا ، و من تقرب مني ذراعا تقربت إليه باعا ، و من أتاني يمشي أتيته هرولة "
8- التحلي بالأخلاق الحسنة : باستحضار نوايا الخير و احسان الصيام بالصبر على الجوع و العطش و بحفظ اللسان و غض البصر و الصدق و الأمانة و الإتقان و التعاون و العدل و الرحمة و بر الوالدين و صلة الرحم و مساعدة الأهل و الأقارب و الجيران والمحتاجين و بإكرام الضيف و إكساب الفقير و التحلي بمكارم الأخلاق
– و أخيرا فلنجعل أخواتي من هذا البرنامج صيانة و صياغة لأنفسنا و أرواحنا و أجسادنا لاعتلاء حياة جديدة ملؤها الكنوز من الحسنات ، و لنعمل على إعادة تنقية نفوسنا و تطهيرها من الأحقاد و الحسد و الأنانية و الغيبة و النميمة و الكراهية و الإهمال و كل الصفات التي ترتبت عنها بسبب وساوس الشيطان أو بسبب سوء النفس ذاتها ، هاته النفس التي لابد لنا أن نعيد ترقيتها و تقيمها حتى تعود إليها شعلتها كلمعة الذهب البراقة ، ذلك الذي هو أيضا في حد ذاته يصاغ و يصان من الشوائب التي قد اختلطت به فيصفى و ينقى و يصهر و يصقل و يشكل حتى يصبح ذهب نقي خالص لامع بمعنى الكلمة ، فهكذا هي النفس أيضا تمر بكل هاته الخطوات حتى ترقى إلى النفس المطمئنة و بالتالي تبلغ قوله تعالى " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي "
فلنجعل من هذا الشهر أخواتي شهر الطاعات و الإقبال إلى الله لكي نحظى بكنوز من الحسنات نجمعها في منجمنا الخاص الذي سوف يكون أمام أعينا و تحت أقدامنا و بين أيدينا و طوع أمرنا و رهن إشارتنا ، فنشدد عليه الحصار و الخناق لنحافظ عليه من الضياع و التناقص و الدمار حتى نلقى الله و هو راض عنا