عرض واستعراض تاريخي سريع
فلنكبر به صلى الله عليه وسلم ولنعظّم ولنجعله مناراً لذاتنا وهادياً لنا في كل أمر من أمور حياتنا فما لنا سواه قائداً ومرشداً وإماماً… فالذين آمنوا به وعزروه ووقروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أصبحوا رعاة أمم بعدما كانوا رعاة إبل وغنم، أصبحوا أساتذة الدنيا وسادتها وبعدما كانوا للفرس والروم أذلة مستعمرين.
بل العكس العرب كانوا أذلاء للنعمان بن المنذر، بل كانوا أذلة تحت أقدامه فألَّه نفسه عليهم، إذ جعل له يوم نحس فيهم ويوم سعد يقتل ويذبح ويعطي ويمنع كيفما شاء ولا أحد يسأله عما يفعله، وكان النعمان ذاته يسجد لكسرى أنوشروان… فمن هم العرب قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل كان لهم كيان أو اسم؟
لأجل فرسٍ سبقت فرساً أقاموا حروباً طاحنة "حرب داحس والغبراء" دامت أربعين عاماً يقتلون بعضهم ويسفكون دماءهم فما أتفه تفكيرهم قبل قدومه صلى الله عليه وسلم؟! بل ويعبدون صنماً صنعوه بأيديهم ويوئدون بناتهم وهن أحياء، فما أقساهم وما أجفاهم… فجاء سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً إليهم صانعهم ولاطفهم وعاندوا فقارعهم ودعاهم حتى إذا استجابوا للحق جعل منهم الملوك والسلاطين، السادة والمفكرين، أسياد الدنيا والآخرة… صاحبوه صلى الله عليه وسلم… فصنع منهم كما تصنع الكيمياء من الفحم ألماساً ومن النحاس ذهباً فغدوا الأوائل في مضمار الكمال فكان منهم أبو بكر الصديق قاهر الدولتين العظيمتين الفرس والروم معاً بعددٍ من الجند قليل، والخليفة العادل عمر بن الخطاب حتى قال عنه الفرنسيون في يومنا هذا "إله العدل والعدالة" وعلي المقدام، وخالد بن الوليد القائد الذي لم يقهر وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين، واحداً من صحابته إن كان في جيش فلا يقهر هذا الجيش أبداً… فكيف به صلى الله عليه سلم؟ وبعد هذا يقولون غلمانٌ ضربوه أو بعضهم وضع عليه أحشاء البهيمة وهو ساجد وجاءت ابنته فاطمة فأزالتها عنه… كم كان عمر فاطمة آنذاك؟ طفلة وما دون، فهل تقوى على حمل جسدها؟
ويحهم إلام ذهبوا وإلى أي قدر انحطوا!؟ حتى وصلوا إلى حد هذا الوصم برسول الله وربنا يقول سورة المنافقون (8): {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، وهم يقولون: قد ذلّ والله يقول: لا يسبقني بالقول وبأمري يعمل، فكيف يذل من بأمر الله يعمل! {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} سورة النجم (3).
ويقول تعالى أنه لم يتقول علي ولا بعض الأقاويل، وهو وحي يوحى، وأنا أصلي عليه وملائكتي.
وهم يقولون خلاف قوله جل جلاله فهو الذي على زعمهم الخاطئ يجتهد ويخطئ ويعمل بدون أمر الله، ثم يعاتبه، والله يقول عن القرآن في سورة التكوير (25): {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ}. وهم يقولون تسلط عليه الشيطان وبقي تحت تأثير السحر أشهراً… هل انقطع أثناءها الوحي بتلك الفترة؟ أم لم يكفه الله؟! أم لم يكن حقاً على الله نصر رسوله؟! أم كانت قريش الأعداء الأُول له صلى الله عليه وسلم غافلة عن شهادة ربه به من قبل البعثة في سورة النجم: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}، يتحداهم بها، ولو وجدوا نقصاً واحداً لقالوا القرآن كاذب وهم ما قالوا ذلك. فكيف يقولون الآن أنه أخطأ، بل ويناقضون قولهم فيقولون له الشفاعة العظمى لأنه الوحيد المعصوم الذي لم يخطئ، فأين تفكيرهم؟ وما ترابط أقوالهم؟ وما إسنادهم من كتاب الله؟ والله يقول: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} سورة النساء (59).
فلو كان يخطئ لما أمرنا بطاعته صلى الله عليه وسلم وقرنها بطاعته {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} سورة النساء (80).
فإن زعموا أي خطأ من رسول الله فمعناه أنهم ينسبون الخطأ لحضرة الله وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً… ولكن {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} سورة الرعد (16).
فمن لم يدرك حقيقة التقوى لا يعرف مقام الأنبياء ولا حتى يفهم معنى كلمة نبوة وما يؤول بها إلى عصمة النبيين وعدم وقوعهم في الخطأ حق اليقين… اللهم إهدنا سبل الرشاد والصواب والسداد.
امدح رسولَ الهدى تظهر لكَ الحِكمُ واستمسكِ العروةَ الوثقى فلا فصمُ
قــد جـاءه الأمر في تبليغ مـا نـــزلَ من ربــه ســـورٌ تبدي لـــه العصـــمُ
مــا يفعــلُ الله في تعذيبكم عـبثــاً إذا اسـتجبتم فكيف السـيد العلـــمُ
من ذا الذي يجابهُ من والاهُ خالقنـا ومن يحـادد ســفير الحــقُ ينهـــزمُ
الأنبيـــاء جنــودُ الحـــق والســــرج إذا تســـلَّطوا لا تلقاهـــمُ الأمــــــمُ
إن الرسول بحصنِ الواحـــدِ الأحـــدِ في أعيــنِ اللهِ ممنوعٌ أمــا علمـــوا
بابُ السلامِ وعبد المولى في قدمٍ
أليس يكفي الإلــهُ عبـــدهُ النقـــمُ
لو أن حرفــاً صحيحــاً بالذي كتبـــوا لما رأيت حصـــونَ الكفـــر تنهـــدمُ
هـمُ الذليلــون نتنــاً في نفوســهمُ تحتَ النعالِ وأنت النجمُ والشـــممُ
روحــي فـداك وقلبي أن بعثت لـنا
منقول من موقع العلامة محمد امين شيخو
.
جعله الله في ميزان حسناتك
