قصة صريع الغواني"""عالم الاحلام
توفي 208 هـ / 823 م
مسلم بن الوليد الأنصاري بالولاء أبو الوليد.
شاعر غزل عباسي، من أهل الكوفة نزل ببغداد فاتصل بالرشيد وأنشده،
فلقبه صريع الغواني فعرف به.
مدح الرشيد والبرامكة وداود بن يزيد بن حاتم ومحمد بن منصور صاحب ديوان الخراج ثم ذا الرياستين فقلده مظالم جرجان.
وقال السهمي: قدم جرجان مع المأمون، ويقال إنه ولي قطائع جرجان وقبره بها معروف.
وهو أول من أكثر من البديع في شعره وتبعه الشعراء فيه.
وجاء في "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني: وهو مسلم بن الوليد، أبوه الوليد مولى الأنصار ثم مولى أبي أمامة أسعد بن زرارة الخزرجي. يلقب صريع الغواني، شاعر متقدم من شعراء الدولة العباسية، منشؤه ومولده الكوفة.
وهو -فيما زعموا- أول من قال الشعر المعروف بالبديع، هو لقب هذا الجنس البديع واللطيف . وتبعه فيه جماعة، وأشهرهم فيه أبو تمام الطائي فإنه جعل شعره كله مذهباً واحداً فيه. ومسلم كان متقنناً متصرفاً في شعره.
اتهم بأنه أول من أفسد الشعر: حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: سمعت أبي، يقول: أول من أفسد الشعر مسلم بن الوليد، جاء بهذا الذي سماه الناس البديع، ثم جاء الطائي بعده فتفنن فيه .
كان يحب جاريته محبة شديدة: قال: وكانت له جارية يرسلها إليها ويبثها سره، وتعود إليه بأخبارها ورسائلها؛ فطال ذلك بينهما؛ حتى أحبتها الجارية التي علقها مسلم ومالت إليها، وكلتاهما في نهاية الحسن والكمال. وكان مسلم يحب جاريته هذه محبة شديدة، ولم يكن يهوى تلك، إنما كان يريد الغزل والمجون والمراسلة، وأن يشيع له حديث بهواها، وكان يرى ذلك من الملاحة والظرف والأدب، فلما رأى مودة تلك لجاريته هجر جاريته مظهراً لذلك، وقطعها عن الذهاب إلى تلك، وذلك قوله:
وأهجر صاحبي حب التجني
عليه إذا تجنيت الذنـوبـا
وراسلها مع غير جاريته الأولى، وذلك قوله:
تدعى الشـوق إن نـأت
وتـجـنـى إذا دنـت
واعدتنـا وأخـلـفـت
ثم ساءت فأحـسـنـت
سرني لو صبرت عـن
ها فتجزى بما جـنـت
إن سلمى لـو اتـقـت
ربها فـي أنـجـزت
زرعت في الحشا الهوى
وسقته حتـى نـبـت
ذكر أمام المأمون شعره فأعجبه: أخبرني جعفر بن قدامة قال: قال لي محمد بن عبد الله بن مسلم: حدثني أبي، قال: اجتمع أصحاب المأمون عنده يوماً، فأفاضوا في ذكر الشعر والشعراء، فقال له بعضهم: أين أنت يا أمير المؤمنين عن مسلم بن الوليد؟ قال: حيث يقول ماذا؟ قال: حيث يقول وقد رثى رجلاً:
أرادوا ليخفوا قبره عـن عـدوه
فطيب تراب القبر دل على القبر
وحيث مدح رجلاً بالشجاعة فقال:
يجود بالنفس إذ ضن الجواد بهـا
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وهجا رجلاً بقبح الوجه والأخلاق فقال:
قبحت مناظره فحين خبرته
حسنت مناظره لقبح المخبر
وتغزل فقال:
هوى يجد وحبيب يلعب
أنت لقى بينهما معذب
فقال المأمون: هذا أشعر من خضتم اليوم في ذكره.
يزيد بن مزيد يسمع مدحه فيه ويأمر له بجائزة: فقال: لا أعرف قائله يا أمير المؤمنين. فقال له هارون: أيقال فيك مثل هذا الشعر ولا تعرف قائله! فخرج من عنده خجلاً، فلما صار إلى منزله دعا حاجبه فقال له: من بالباب من الشعراء؟ قال: مسلم بن الوليد، فقال: وكيف حجبته عني فلم تعلمني بمكانه؟ قال: أخبرته أنك مضيق ، وأنه ليس في يديك شيء تعطيه إياه، وسألته الإمساك والمقام أياماً إلى أن تتسع. قال: فأنكر ذلك عليه وقال: أدخله إلي. فأدخله إليه، فأنشده قوله:
أجـررت حـبـل خـلـيع فـي الـصـبــا غـــزل
وشـمـرت هـمـم الـعـذال فـــي عـــذلـــي
رد الـبـكـار عـلـى الـعـين الـطـمـوح هـــوى
مفـــرق بـــين تـــوديع ومـــرتـــحـــل
أمـا كـفـى الـبـين أن أرمـى بـأســهـــمـــه
حتـى رمـانـي بـلـحـظ الأعـين الـنـــجـــل!
مما جنت لي وإن كانت منى صدقت
صبابة خلس التسليم بالمقل
فقال له: قد أمرنا لك بخمسين ألف درهم، فاقبضها واعذر. فخرج الحاجب فقال لمسلم: قد أمرني أن أرهن ضيعة من ضياعه على مائة ألف درهم، خمسون ألفاً لك وخمسون ألفاً لنفقته. وأعطاه إياها، وكتب صاحب الخبر بذلك إلى الرشيد، فأمر ليزيد بمائتي ألف درهم وقال: اقض الخمسين التي أخذها الشاعر وزده مثلها. وخذ مائة ألف لنفقتك. فافتك ضيعته، وأعطى مسلماً خمسين ألفاً أخرى.
يزوره صديق فيبيع خفيه ليقدم له طعاماً: أخبرني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني علي بن عبيد الكوفي، وعلي بن الحسن كلاهما، قال: أخبرني علي بن عمرو، قال: حدثني مسلم بن الوليد المعروف بصريع الغواني قال: كنت يوماً جالساً في دكان خياط بإزاء منزلي، إذ رأيت طارقاً ببابي، فقمت إليه فإذا هو صديق لي من أهل الكوفة قد قدم من قم، فسررت به، وكأن إنساناً لطم وجهي، لأنه لم يكن عندي درهم واحد أنفقه عليه، فقمت فسلمت عليه، وأدخلته منزلي، وأخذت خفين كانا لي أتجمل بهما عينى عينك، فدفعتهما إلى جاريتي، وكتبت معهما رقعة إلى بعض معارفي في السوق، أسأله أن يبيع الخفين ويشتري لي لحماً وخبزاً بشيء سميته. فمضت الجارية وعادت إلي وقد اشترى لها ما قد حددته له، وقد باع الخفين بتسعة دراهم، فكأنها إنما جاءت بخفين جديدين. فقعدت أنا وضيفي نطبخ، وسألت جاراً لي أن يسقينا قارورة نبيذ، فوجه بها إلي، وأمرت الجارية بأن تغلق باب الدار مخافة طارق يجيء فيشركنا فيما نحن فيه، ليبقى لي وله ما نأكله إلى أن ينصرف.
يصل إليه رسول يزيد بن مزيد ويدفع إليه عشرة آلاف درهم فإنا لجاسان نطبخ حتى طرق الباب طارق، فقلت لجاريتي: انظري من هذا. فنظرت من شق الباب فإذا رجل عليه سواد وشاشية ومنطقة وعه شاكري، فخبرتني بموضعه فأنكرت أمره ، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: لست بصاحب دعارة، ولا للسلطان علي سبيل. ففتحت الباب وخرجت إليه، فنزل عن دابته وقال: أأنت مسلم بن الوليد؟ قلت: نعم. فقال: كيف لي بمعرفتك؟ قلت: الذي دلك على منزلي يصحح لك معرفتي. فقال لغلامه: امض إلى الخياط فسله عنه. فمضى فسأله عني فقال: نعم هو مسلم بن الوليد. فأخرج إلي كتاباً من خفه، وقال: هذا كتاب الأمير يزيد بن مزيد إلي، يأمرني ألا أفضه إلا عند لقائك، فإذا فيه: إذا لقيت مسلم بن الوليد فادفع إليه هذه العشرة آلاف درهم، التي أنفذتها تكون له في منزله، وادفع ثلاثة آلاف درهم نفقة ليتحمل بها إلينا. فأخذت الثلاثة والعشرة، ودخلت إلى منزلي والرجل معي، فأكلنا ذلك الطعام، وازددت فيه وفي الشراب، واشتريت فاكهة نسائيه، واتسعت ووهبت لضيفي من الدراهم ما يهدي به هدية لعياله.
قذف في البحر بدفتر فيه شعره فقل شعره: قال الحسين: وحدثني جماعة من أهل جرجان أن راوية مسلم جاء إليه بعد أن تاب ليعرض عليه شعره، فتغافله مسلم، ثم أخذ منه الدفتر الذي في يده، فقذف به في البحر، فلهذا قل شعره، فليس في أيدي الناس منه إلا ما كان بالعراق، وما كان في أيدي الممدوحين من مدائحهم.
كان يكره لقب صريع الغواني: قال الحسين: وحدثني الحسين بن دعبل، قال: قال أبي لمسلم: ما معنى ذلك:
لا تدع بي الشوق إني غير معمود
قال: لا تدعني صريع الغواني فلست كذلك؛ وكان يلقب هذا اللقب وكان له كارهاً.
عتب عليه عيسى بن داود ثم رضي عنه أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: عتب عيسى بن داود على مسلم بن الوليد فهجره، وكان غليه محسناً، فكتب إليه مسلم:
شكرتك للنعمى فلـمـا رمـيتـنـي
بصدك تأديباً شكرتك في الـهـجـر
فعندي للتـأديب شـكـر ولـلـنـدى
وإن شئت كان العفو أدعى إلى الشكر
إذا ما اتقاك المـسـتـلـيم بـعـذره
فعفوك خير من ملام عـلـى عـذر
قال: فرضي عنه وعاد له إلى حاله.
كان بخيلاً أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني ابن مهرويه، قال: حدثني محمد بن الأشعث، قال: حدثني دعبل بن علي، قال: كان مسلم بن الوليد من أبخل الناس، فرأيته يوماً وقد استقبل الرضا عن غلام له بعد موجدة، فقال له: قد رضيت عنك وأمرت لك بدرهم.
ماتت زوجته فجزع عليها وتنسك: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني أحمد ابن إبراهيم، قال: كانت لمسلم بن الوليد زوجة من أهله، كانت تكفيه أمره وتسره فيما تليه له منه، فماتت فجزع عليها جزعاً شديداً، وتنسك مدة طويلة، وعزم على ملازمة ذلك، فأقسم عليه بعض إخوانه ذات يوم أن يزوره ففعل، فأكلوا وقدموا الشراب، فامتنع منه مسلم وأباه، وأنشأ يقول:
بكاء وكأس، كـيف يتـفـقـان؟
سبيلاهما في القلب مختلـفـان
دعاني وإفراط البكاء فـإنـنـي
أرى اليوم فيه غير مـا تـريان
غدت والثرى أولى بها من وليهـا
إلى منزل نـاء لـعـينـك دان
فلا حزن حتى تذرف العين ماءها
وتعترف الأحشاء للخـفـقـان
تقبلو تحياتي